فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3057.57
إعلانات


البصائر- الجزائر/ الـــدرس الحضـــاري مــن يــــوم 7 أكتـــوبـــر


الـــدرس الحضـــاري مــن يــــوم 7 أكتـــوبـــر
2023-12-06 8 3 دقائق
بقلم / د. بدران بن الحسن */

في تاريخ الأمم حوادث مفصلية وأيام فارقة، تمثل تحولا نوعيا في حياتها؛ فإما تسجل لها بداية جديدة تصنع بها مستقبلها وإما تضع لها نقطة نهاية حضارية لا يدركها إلا القليل ممن يستطيع استشعار المنبهات البعيدة المدى في تاريخ الأمم.
وإن يوم 7 أكتوبر يوم يؤرخ به لنهاية العلو الصهيوني نفسيا واستراتيجيا، وبداية الظهور لأمة الخيرية. فقد كان الصهيوني الكيان الغاصب قبل 7 أكتوبر (22 ربيع الأول) يدًا باطشة للقوى الاستعمارية، وصار بعد 7 أكتوبر عبئا استراتيجيا يحتاج إلى حماية، بحيث فزعت القوى الغربية كلها تقريبا لنجدة هذا الكيان بعد صدمة ذلك اليوم، وأتته بأساطيلها وتمويلها ومواقفها الدولية، وهذا في حقيقته ليس علامة قوة، وإنما علامة ضعف وانهيار للكيان، فلو كان قوة حقيقية ما سارعت تلك القوى إلى نجدته، ولهذا فإن ذلك اليوم يمثل بداية النهاية لهذا الكيان ولو بعد مدة، ولا يحتاج الأمر منا إلا عزما وتصميما وعملا سننيا بصيرا مستمرا.
ومن جهة أخرى، فإن السابع من أكتوبر أثبت أن الكيان الغاصب شجرة خبيثة لا تثبت ولو سقيتها سبعين عاما، وما لها من قرار، ولذلك فإنها مع أي هبة مقاومة تحتاج إلى رعاتها ليحموها، ولكن إلى متى؟!
فبمرور الزمن ستصير عبئا ثقيلا ينبغي التخلي عنه أو التخلص منه، وبخاصة إذا استمرت المقاومة بأنواعها تواجه هذه النبتة الخبيثة، ولا تستسلم لمخططات التهجير أو التطبيع.
ومن جهة ثالثة فإن السابع من أكتوبر أثبت أن بإمكان الإرادة الحرة والوعي والقيادة النبيهة أن تحقق إنجازات، وأن الفيصل ليس القوة العسكرية ولكن الإنسان الواعي المتمسك بمبادئه وأرضه، ولهذا رأينا غزة تعيد تشكيل المفاهيم والقيم والمقولات، وتكشف زيف الشعارات، وتثبت قوة الحق، وتفتح طريق المقاومة بكل أشكالها، وتقيم الحجة على الدول والمؤسسات والمجتمعات والجماعات والأفراد ولا تترك لهم عذرا.
بل أن السابع أكتوبر، وفي غزة، وعلى أيدي المقاومة، رأينا كيف تلتقي صناعة التاريخ مع البطولة، فتجتمع شجاعة الشجعان مع الرأي المبني على الحسابات والسنن، لتسجل بداية كسر للقابلية للاستعمار، وبداية الشعور بالأنا وإثبات الذات، الذي تتطلبه أي انطلاقة تحرير وبناء.
إن يوم السابع من أكتوبر يبين أن التاريخ يمشي بالسنن لا بالمعجزات، ومن انتظر المعجزة فهو يتألى على الله، أما من عمل بالسنن التي تحكم حركة التاريخ فقد تحقق بالإيمان، وفهم القرآن، واتبع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يطبق السنن الإلهية في الدعوة والدعاء والإعداد، وهذا درس لأمتنا تتعلم منه أنه إذا كان أهل غزة يعملون بالسنن في مقاومة العدوان ورد الصائل والسعي للتحرر، فأبدعوا وسائل للمقاومة لا يمكن أن ينجزها من لم يفهم سنن التاريخ وقوانين التحرر، فلماذا ننتظر نحن المعجزات؟!
ومن زاوية أخرى، فإن يوم السابع من أكتوبر بيّن الفرق بين التكديس وبين البناء كما يقول العلامة مالك بن نبي، فالجيوش العربية والإسلامية كدست الأسلحة بأنواعها وصرفت الملايير ولكنها لا تستطيع استعمالها، لأنها لم تقم ببنائها، بل ستبقى هكذا حتى تفقد صلاحيتها أو تضرب بها شعوبها، بينما استطاعت المقاومة في غزة، رغم الحصار وقلة الإمكانيات أن تبني سلاحها لوحدها، وتبدع فيه، وتقاوم به، أفضل مما فعلت الجيوش طيلة خمسين سنة الماضية!
ولهذا كان مالك بن نبي – رحمه الله- يرى أن التكديس عائق من عوائق النهضة، وأن الحضارة تقوم على البناء لا التكديس، لأن التكديس فيه دعم للشركات التي نستورد منها، وهي بدورها تدعم الكيان الغاصب، بينما الأولى بنا أن نأكل ونلبس وندافع بما نبدعه وننتجه ونصنعه!
وهذا درس مهم جاءنا به السابع من أكتوبر، وهو علينا استثمار نتائج هذا الحدث وتحويل موقفنا إلى عمل سنني منظم يغطي كل ساحات الإنجاز التي تحتاجها الأمة لتنهض وتستعيد كرامتها؛ علميا وتقنيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا وفي كل جوانب القوة الصلبة والناعمة.
والدرس الآخر الذي نستفيده من السابع أكتوبر أن هذه الأحداث بالرغم مما فيها من ضحايا من الشهداء والجرحى والتدمير الكبير للبنية التحتية، فإنها كشفت جوانب العجز والتفكك في الأمة، كما كشفت عن مكامن القوة والتعاطف والتراحم والتكافل وقدرة الأمة على الانبعاث من جديد والاجتماع على قضاياها المصيرية، كما كشفت عن أن المنظومة الدولية تهيمن عليها قوى لا تعمل لصالح الأمة ولا لصالح الإنسانية، وكذلك فإن ضمير الإنسانية استيقظ بقوة بين الشعوب، ووجدت أحداث غزة لها صدى واسعا بين الناس على اختلاف أديانهم وأجناسهم وأعراقهم، واكتشفوا أن السابع من أكتوبر كان نتيجة لسياسات الاحتلال وغطرسته وعدم إنسانيته، وأنه سبب مآسي الفلسطينيين، وأن الكيان الصهيوني الغاصب عاشق كبير أمام الإنسانية لتحقق العيش المشترك والقيم الإنسانية العليا.
*مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية/ جامعة قطر


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة