فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3057.57
إعلانات


أمريكا.. القوة المارقة في العالم

الرأي

أمريكا.. القوة المارقة في العالم

عبد الحميد عثماني

2023/12/10

لطالما صدّعت الولايات المتحدة الأمريكية رأس العالم بدعوى “الدول المارقة”، وهي تلاحق أنظمة رافضة لهيمنتها الامبرياليّة، ولعب دور الحارس لمصالحها المحلية والإقليمية، بينما تشهر أمريكا شعارات تهديد السلام الدولي وانتهاك حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ذرائع للإطاحة بها، بعد شيطنتها سياسيّا وإعلاميّا وأخلاقيّا أمام الرأي العام الدولي.
غير أن الحقيقة القائمة على الأرض منذ نصف قرن على الأقلّ، هي أن أكبر دولة مارقة في التاريخ المعاصر هي الولايات المتحدة الأمريكية وليس غيرها، باعتبار أن المعيار الرئيس في تصنيف الكيانات الدوليّة هو مدى التزامها بالقوانين الإنسانية وقرارات الشرعية الأمميّة.
الوقائع تثبت أن أمريكا وراء صناعة الإرهاب الدولي في أكثر من مكان، سواء عن طريق مخابراتها الأمنية، لأهداف تقع على الأجندة الاستراتيجية، أو كردّ فعل على ممارساتها العنصريّة والإنجيلو- صهيونية.
أمريكا هي أول دولة تحتقر القانون الدولي، بدعمها للكيان الصهيوني منذ 1948 خارج المواثيق الأمميّة، مستغلّة نفوذها، بامتياز “الفيتو”، داخل مجلس الأمن، لتعطيل حماية حقوق الإنسان في فلسطين منذ عقود.
أمريكا هي التي ترفض منح الفلسطينيين حقهم الطبيعي في إقامة دولة مستقلة، وفق قرار التقسيم الأممي الجائر نفسه، بل إنها تقف عقبة أمامها حتّى في نيل العضوية الكاملة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الولايات المتحدة هي التي قادت أكبر الانقلابات العسكرية الدموية خارج حدودها عبر كل القارات، لإسقاط أعدائها وتنصيب عملائها، خدمة لمصالحها الحيويّة الضيقة، منذ عهد الحرب الباردة، وما زال دورها التدميري في حق الآخرين متواصلا عبر هندسة الخراب والفشل في أقاليم تعتبرها معادية لها، مثلما حصل في العراق وأفغانستان، ليس بهدف استئصال الإرهاب ونشر الديمقراطية كما تدّعي، بل لتكريس احتكار مصادر الطاقة الأحفوريّة وتأمين ممراتها، في ظل التنافس الدولي على منطقة الشرق العربي وبحر قزوين.
لا يمكن حصر مظاهر الانتهاك الأمريكي الصارخ للقانون الدولي في هذه المساحة المحدودة، لذلك ما يهمنا أكثر ضمن سياق الحرب العدوانية الدامية على غزة هو مشاركة الولايات المتحدة بشكل علني سافر في كل جرائم الاحتلال ضد الإنسانية، من دون أن تأبه بردّ فعل أي طرف في المجتمع الدولي، بما فيه جهاز الأمم المتحدة ومجلسها للأمن.
ها هي القوة المارقة تدفع مجددا بـ”حق الفيتو” ضد مشروع قرار إماراتي لوقف إنساني لإطلاق النار في غزة، مؤيدٍ من 13 عضوًا، وامتناع فقط ربيبتها المملكة المتحدة، وهو ثاني اعتراض لها في أقل من شهر واحد، بعد إسقاطها في 18 أكتوبر الماضي لمشروع قرار روسي مماثل.
عندما تتدخل أمريكا لإبطال وقف إطلاق النار إنسانيًّا في غزة، مع إقرار العالم أجمع بأنّ ما تقترفه “إسرائيل” هو تجاوز صارخ لكل مبادئ القانون الدولي، بقتلها للأبرياء واستهداف المشافي والإسعاف والمدارس والصحفيين وهيئات الإغاثة والمباني السكنيّة ومنع دخول أيّ مساعدات إنسانيّة، فهذا يعني أن واشنطن تطلب من جيش الاحتلال إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم بكل الطرق، لاستكمال المشروع الاستيطاني الصهيوني الاحتلالي، خلافًا لما تبديه من تصريحات مخادعة في هذا الاتجاه.
والدليل على ذلك، أن الولايات المتحدة لم تكتف فقط بإبطال قرارات مجلس الأمن، بل إنها مستمرة منذ السابع أكتوبر في تزويد الكيان بترسانة السلاح الفتاك، للإجهاز على المدنيين وتدمير كل شيء في القطاع، حتى يصبح غير صالح للعيش، فقد كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية استلامها أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة والمعدات الأميركية.
لقد صدق المفكر الأمريكي، نعوم تشومسكي في كتابه “الدولة المارقة”، عندما انتقد بلاده بصورة لاذعة، على خلفية تقويضها للديمقراطية في عديد الدول ودعم الانقلابات في مناطق أخرى، واستخدام القوة دون وسائل الحوار، فضلا عن تجاهلها للقانون وكل الأعراف الدولية وممارسة العنف على نطاق واسع، حتّى إنه وضع تلك السلوكيات في سجلّ واحد مع تاريخ هتلر وستالين.
قبل سنوات، صاغ الأكاديمي والخبير الاستراتيجي الأمريكي، جوزيف ناي، نظرية “القوة الناعمة”، ضمن استشراف استمرار القوة الأمريكية بوسائل أقل تكلفة وأكثر ديمومة، من خلال هندسة “مقومات الجذب الثقافي والسياسي والاقتصادي دون إكراه أو استخدام للقوة كوسيلة للإقناع”، لقناعة اكتسبها الرجل من مواقعه الرسمية السابقة، منها مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني، أنه يستحيل ترويض الآخرين بالقوة وحدها، بل إنه أدرك حتمًا تآكلها مع مرور الزمن، فراح يستبق المصير المحتوم بخلق قوة معنوية تساهم في صيانة السطوة الأميركية.
لكن يبدو أن حكام أمريكا المتعاقبين، حتى من غير “المحافظين الجدد”، قد أعمت أبصارَهم وبصائرهم القوةُ الماديّة والعسكريّة، فراحوا يتصرفون بوحشية غريزيّة بدائيّة تعود إلى همجيّة ما قبل ظهور الدولة أصلا، فضلا عن أسس تنظيم المجتمع الدولي المعاصر.
إنّ هذه الغطرسة العدوانيّة لن تكرّس الهيمنة الأمريكية المطلقة على مجرى التاريخ الحالي، بل ستدفع بالآخرين للتكتلات الإقليمية والدولية، وتعجّل بالضغط في اتجاه بناء نظام دولي جديد ومتعدد الأقطاب، ينتهي فيه جبروت الولايات المتحدة.
كما أنّ هذا السلوك الأمريكي المتجاوز للقانون الدولي، ينبغي أن يدفع بكل المقاومين لامتهان الإنسان، دولاً ونخبًا وشعوبًا، إلى تعرية أمريكا والعمل سلميًّا على تقويض مصالحها في كل مكان، لأنها تمثل اليوم رأس الشّرور في العالم.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة