فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3057.57
إعلانات


إذا تكلّم هؤلاء فأَنْصِتْ

موقــــف و خـــاطـــــرة

إذا تكلّم هؤلاء فأَنْصِتْ

: 2023-10-02

الشيخ نــور الدين رزيق/

إذا أرادت أمة صيانة نفسها ورصّ صفوفها عليها تحديد المرجعية العلمية التي يرجع إليها دون غيرها، ورد الأمور المتنازع عليها إلى الكتاب والسنّة، بفهم المدارس العلمية المتخصصة في علوم الدين على منهاج أهل السنّة والجماعة، فنأخذ بما اتفقت عليه من أصول العلم ومحكماته ويسعنا ما وسعها من الاختلاف.
فالأمة بخير ما دامت مرجعيتها إلى العلماء الربانيين، فهي بتلك المرجعية مَحميَّةٌ بإذن الله مِن الضلال والانحراف، محروسةٌ مِن المستوردات الباطلة والأهواء، وهذه هي الضمانة التي جعلها الله للهداية في المجتمع الإسلامي، وبدونها يَضِلُّ المجتمع حكاماً ومحكومين.
وبمناسبة المولد النبوي الشريف كثر الهرج والمرج في حكم الاحتفال بين القول بالبدعية ودعوة البعض إلى إظهار الفرحة وزيادة، فلنسمع إلى قول أئمتنا لعلنا نهتدي إلى الصواب:
فهذا الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى يقر ما اعتاد عليه المسلمون في الجزائر وكل البلاد الإسلامية، من إظهار الفرح والابتهاج والغبطة والسرور وإقامة الولائم والموائد احتفاء واحتفالا بذكرى المولد النبوي الشريف، وذلك حينما قال:»في هذا الشهر الكريم يهتز العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها فرحا وسرورا، وتتعدد احتفالاته وتتنوع ولائمه طربا وحبورا، ذلك لإحياء ذكرى النبي الأعظم والرسول الأكرم سيدنا ومولانا محمد عليه وآله الصلاة والسلام».
و قال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله:[مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير، من مطبوعات وزارة الشؤون الدينية، صفحة 287]:
«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وعلى اسم الجزائر الرّاسخة في إسلامها، المتمسّكة بأمجاد قوميتها وتاريخها ـ أفتتح الذّكرى الأولى بعد الأربعمائة والألف من ذكريات مولد نبي الإنسانيّة ورسول الرّحمة سيّدنا ومولانا محمّد بن عبد اللّه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ـ في هذا النّادي العظيم الّذي هو وديعة الأمّة الجزائريّة عند فضلاء هذه العاصمة ووجهائها. لسنا وحدنا في هذا الموقف الشّريف لإحياء هذه الذّكرى العظيمة، بل يشاركنا فيها نحو خمسمائة مليون من البشر في أقطار المعمورة كلّهم تخفق أفئدتهم فرحا وسرورا وتخضع أرواحهم إجلالا وتعظيما لمولد سيّد العالمين». اهـ
وقال أيضا[نفس المصدر، صفحة 289]:
«ما الدّاعي إلى إحياء هذه الذّكرى؟ المحبّة في صاحبها.
إنّ الشّيء يحبّ لحسنه أو لإحسانه وصاحب هذه الذّكرى قد جمع ـ على أكمل وجه ـ بينهما». اهـ
وقال: [المصدر ذاته، صفحة 289 – 290]:
«فمن الحقّ والواجب أن يكون هذا النّبيّ الكريم أحبّ إلينا من أنفسنا وأموالنا ومن النّاس أجمعين أولم يقل لنا في حديثه الشّريف: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين» وكم فينا من يحبّه هذه المحبّة ولم يسمع بهذا الحديث؟ فهذه المحبّة تدعونا إلى تجديد ذكرى مولده في كلّ عام.
ما الغاية من تجديد هذه الذّكرى؟ استثمار هذه المحبّة. اهـ
أما العلامة الإمامُ محمَّد البشير الإبراهيمي -رحمهُ اللهُ- فقال:
«الحبُّ الصحيحُ لمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم- هو الذي يَدَعُ صَاحِبَهُ عن البدع، ويحملُهُ على الاقتداءِ الصحيح، كما كان السلفُ يحبُّونَهُ، فيحبُّونَ سُنَّتَهُ، ويَذُودونَ عن شريعتِهِ ودينِهِ، مِن غيرِ أَنْ يُقيموا له الموالد، ويُنْفِقُوا مِنْهَا الأموالَ الطائِلَةَ التي تَفْتَقِرُ المصالحُ العامَّةُ إلى القليـلِ مِنْهَا فَلَا تَجدُه». [«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي»: (2/ 132)].
«ولو أنهم جعلوا تلك الاحتفالات ذرائع لإصلاح حال الأمة، وحملها على الرجوع إلى السنن النبوية، والاهتداء بالهدي المحمدي، لكان لفعلهم محمل سديد، وأثر حميد، لأن الأمور بمقاصدها».
يقول العلامة الإبراهيمي الآثار ص 144: «يختلف الفقهاء في هذه الحفلات المولدية، وهل هي مشروعة أو غير مشروعة، ويطيلون الكلام في ذلك بما حاصله الفراغ والتلهي، وقطع الوقت بما لا طائلة فيه، والحق الذي تخطاه الفريقان، أنها ذكرى للغافلين وإنما لم يفعلها السلف الصالح لأنهم كانوا متذكرين بقوة دينهم، وطبيعة قربهم، وعمارة أوقاتهم بالصالحات، أما في هذه الأيام المتأخرة التي رانت فيها الغفلة على القلوب، واستولت عليها القسوة من طول الأمد واحتاج فيها المسلمون إلى المنبهات، فمن الحكمة والسداد أن يرجع المسلمون إلى تاريخهم يستنيرون عبره، وإلى نبيهم يدرسون سيره، وإلى قرآنهم يستجلون حقائقه، وإن من خير المنبهات مولد محمد لو فهمناه بتلك المعاني الجليلة».انتهى كلام الشيخ.
وقال الشيخ رئيس جَمْعِيَّة العلماء المسلمين الجزائريين ورئيس الْـمَجْلِس الْإِسْلاَمِي الْأَعلَى بِالْـجَزَائِر وَالْـمُفْتِي أَحْمَد حَمَّانِي رحمه الله تعالى: «وَتَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ الِاحْتِفَالَ بِالـمَوْلِدِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ تُوجِبُ لِـمَنْ فَعَلَهَا النَّارَ، وَالَّذِي نَعْرِفُهُ مِنْ تَعْرِيف البِدْعَة أَنَّهَا: «اِخْتِرَاعُ عِبَادَة جَدِيدَة مِـمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلىَ الله وَلَمْ تَثْبُت فِي شَرْعِهِ»، وَلاَ يَصْدُقُ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الاِحْتِفَال بِالـمَوْلِد النَّبَوِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عِبَادَة خُصِّصَ بِهَا، وَفِيهِ تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ وَتَهْلِيلٌ، وَلاَ صَلاَة خَاصَّة وَلاَ شَعِيرَة كَالأُضْحِيَّة وَزَكَاة الفِطْر، لَكِن فِيهِ مَدْحُ النَّبِي بِالقَصَائِدِ، وَالأَلْعَابِ، وَالتَّوْسُعَة عَلَى العِيَالِ وَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعَ النَّبِي مَدَائِحهُ مِن شُعَرَائِهِ مِثْل حَسَّان، وَكَعْب بن مَالِك، وعَبْد الله بن رَوَاحَة وَغَيْرهم، ثُمَّ مَا زَالَ الـمُسْلِمُونَ يَمْدَحُونَهُ إِلىَ اليَوْم…فَإِن اِجْتَمَعَ قَوْمٌ مُؤمِنُونَ وَسَمِعُوا نَشِيداً فِي مَدْحِهِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْل البُوصيرِي:
دَعْ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فِي نَبيِّهِمِ  وَاحْكُمْ بِمَا شِئْتَ مَدْحاً فِيهِ وَاحْتَكِمِ

لاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ، وَأُمَّتنَا لاَ تَعْبُدُ مُحَمَّداً، بَلْ تَعْبُدُ رَبَّ مُحَمَّدٍ، وَلاَ تَسْجُدُ لِلْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا تَسْجُدُ لِرَبِّ الكَعْبَةِ، وَمَنْ تَوَهَّم فِيهَا أَوْ اِتَّهَمَهَا بِغَيْرِ مَا قُلْنَا، فَعَلَيْهِ غَضَب الله». (فَتَاوَى الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/156-157)، مَنْشُورَات قَصْر الْكِتَاب. فَتْوَى مُؤَرَّخَة فِي: 13 سِبْتَمْبَر 1993م، بِعُنْوَان: هَلْ هِيَ ثَوْرَة نُوفَمْبَر أَمْ هِيَ ثَوْرَة الْـمَوْلِد الْنَّبَوِي؟).
وَقَالَ أَيْضًا: «فَمِيلاَد الرَّسُول الكَرِيم مِيلاَد النُّور وَالرَّحْمَة، وَحَقٌّ عَلَى البَشَرِيَّةِ جَمْعَاء أَنْ تَحْتَفِيَ بِـمَقْدَمِهِ، وَتَحْتَفِلَ بِذِكْرَاهُ اِحْتِفَالاً صَحِيحًا بِإِحْيَاءِ سُنَّتِهِ وَاِقْتِفَاءِ آثَارِهِ وَالتَّعَرُّفِ إِلِى دِينِهِ، وَإِذَاعَةِ شَمَائِله وَإِشَاعَةِ فَضَائِله…وَقَدْ اِعْتَادَتْ الأُمَّة الإِسْلاَمِيَّة كُل سَنَةٍ أَنْ تَحْتَفِيَ بِذِكْرَى مِيلاَدِهِ فِي اليَوْم 12 مِنْ أَوَّل الرَّبِيعَيْنِ، وَأَنْ تَعْتَبِرَ هَذَا اليَوْم عِيداً لَـهَا، يَصْطَبِغُ بِالصَّبْغَةِ الدِّينِيَّةِ، وَإِنْ لَـمْ يَكُن عِيداً دِينِيًّا بِالـمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ العيِدَ الدِّينِي الشَّرْعِي هُوَ مَا شُرِعَ فِيهِ عِبَادَاتٌ خَاصَّةٌ بِهِ وَسُنَّت فِيهِ أَعْمَال دِينِيَّة يُؤَدِّيهَا الـمُؤْمِنُونَ، وَأَقْوَال يَقُولُونَهَا وَقُرُبَات يُقَدِّمُونَهَا كَالصَّلاَةِ وَالـخُرُوج إِلَيْهَا، وَالتَّكْبِير وَالتَّهِلِيل، وَتَقْدِيم النُّسُك أَوْ إِخْرَاج الصَّدَقَة الوَاجِبَة، وَأُذِنَ فِيهِ تَبَادُل التَّهَانِي وَحُضُور الأَلْعَاب أَوْ القِيَام بِهَا. فَالشَّارِع هُوَ الَّذِي سَنَّ ذَلِكَ أَوْ أَذِنَ فِيهِ وَقَالَ عَنْهُ: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيداً وَهَذَا عِيدنَا». وَلَيْسَ الـمَوْلِد بِعِيدٍ دِينِيٍّ بِـهَذَا الـمَعْنَى، لِأَنَّ الشَّارِعَ لَـمْ يُؤَسِّس فِيهِ عِبَادَة خَاصَّة وَلاَ أَمَرَ بِالاِحْتِفَالِ بِهِ، وَلَكِنَّ الـمُسْلِمِينَ أَحْدَثُوهُ فِي أَعْيَادِهِم القَوْمِيَّة مُنْذ قُرُونٍ كَثِيرَةٍ، وَلَـمْ يُحْدِثُوا فِيهِ عِبَادَة العِيد، وَهُمْ اليَوْم مُجْمِعُونَ عَلَى الاِحْتِفَاءِ بِهِ، وَالِاحْتِفَال بِهِ حُبًّا فِي مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَفَاء لَهُ، وَتَـمَسُّكًا بِشَرِيعَتِهِ، وَإِعْلاَنًا لِلاِرْتِبَاطِ بِسُنَّتِهِ».(مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الْشَّيْخ الْعَلاَّمَة أَحْمَد حَمَّانِي رَئيِس الْـمَجْلِس الْإِسْلاَمِي الأَعْلَى بِالْجَزَائِر (282/2-284)، عَالَـم الْـمَعْرِفَة الْدَّوْلِيَّة-وَزَارَة الْثَّقَافَة، الْجَزَائِر:2023).
أما الاحتفالات المنكرة بصورتها اليوم فلم يقل بها أي مذهب من مذاهب الأئمة الأربعة، أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، لأنهم لم يجدوا لذلك أثرا عند السلف، إلا الغلاة مع علمهم بما تخلفه هذه الاحتفالات من خسائر على المستوى المادي والبشري، حيث تخلف المفرقعات سنويا مئات الجرحى في يوم واحد، كما تصرف ملايير الدينارات على هذه المناسبة، التي يحتفل فيها الجزائريون بإشعال المفرقعات.
صل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة