فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3057.57
إعلانات


وقفة لا بدّ منها في ذكرى المولد النبويّ

وقفة لا بدّ منها في ذكرى المولد النبويّ

سلطان بركاني

2023/09/26

مع حلول شهر ربيع الأوّل، من كلّ عام، ينشط أئمّة المساجد في عرض سيرة الحبيب المصطفى –صلّى الله عليه وآله وسلّم- في دروس وخطب الجمعة وفي الدّروس اليوميّة، وتُعقد النّدوات والملتقيات التي تلقي الضّوء على أهمّ محطّات السّيرة النبويّة العطرة، وتنشط تجارة المفرقعات والشّموع، في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل على مواقع التّواصل الاجتماعيّ حول جواز الاحتفال بذكرى المولد النبويّ من عدمه، وربّما تمرّ الذّكرى والهوة بين واقع الأمّة وسيرة حبيبها –عليه الصّلاة والسّلام- ما تزداد إلا اتّساعا.

لا شكّ في أنّ الدّروس والخطب التي تلقى في المساجد، والملتقياتِ التي تعقد في الجامعات والمراكز الإسلاميّة، في هذه المناسبة، ضرورية حتى لا تنسى الأمّة قائدها وقدوتها، فلَأن تُنثر سيرة الحبيب المجتبى –عليه الصّلاة والسّلام- مرّة كلّ عام، خير من أن تُطوى ولا تُذكر أبدا، ولا عبرة بما يروّج له بعض الشّباب تقليدا لبعض العلماء والدّعاة أنّ كلّ صور وأشكال الاحتفاء بذكرى المولد، بدعة! بما في ذلك إحياء الذّكرى بالمحاضرات النّافعة والمسابقات الهادفة.. الدّروس والمحاضرات والنّدوات والملتقيات الإسلاميّة المتزامنة مع هذه الذّكرى ضرورية وينبغي أن تثمّن ويشكر القائمون عليها، لكنّ المتأمّل لواقع الأمّة يرى أنّ هذه الأنشطة والفعاليات لا تغيّر شيئا على أرض الواقع، فالزّهد في سنّة النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم- بمعناها الواسع يزداد عاما بعد عام، والبعد عن أخلاق الحبيب المصطفى –عليه الصّلاة والسّلام- أضحى سمة ظاهرة لأغلب المسلمين.

يُذكر أنّ الشاعر اللبناني النصرانيّ المهاجر “رشيد سليم الخوري” الملقب بالشاعر القروي، دُعي في ثمانينات القرن الماضي إلى حفل بمناسبة المولد النبوي، أُقيم في مدينة سان باولو، وطُلب منه أن يُلقي كلمة، فقال: أيها المسلمون، أيها العرب، يولد النبيُّ على ألسنتكم كلَّ عام مرةً، ويموت في قلوبكم وعقولكم وأفعالكم كلَّ يوم ألفَ مرةٍ، ولو وُلد في أرواحكم لولدتم معه، ولكان كلُّ واحد منكم محمداً صغيرا. ولكان العالَمُ منذ ألفِ سنةٍ أندلساً عظيما، ولالتقى الشرقُ بالغرب من زمن طويل، ولَعَقَدت المادةُ الغربية مع روح الشرق المسلم حلفاً، ولَمشى العقلُ والقلبُ يداً بيد، إلى آخر مراحل الحياة.. أيها المسلمون، يَنْسِب أعداؤكم إلى دينكم كلَّ فِرْية، ودينُكم من بُهْتانهم براء، ولكنّكم أنتم تُصدِّقون الفِرْية بأعمالكم وتقرُّونها بإهمالكم. دينُكم دينُ العِلْم وأنتم الجاهلون. دينُكم دينُ التيسير وأنتم المعسِّرون. دينُكم دينُ الحُسْنَى وأنتم المنفِّرون. دينُكم دينُ النصر، ولكنكم متخاذلون. دينُكم دينُ الزكاة، ولكنّكم تبخلون”. ثمّ قال: “يا محمدُ، يا نبيَّ اللهِ حقاً، يا سلطانَ البُلغاء. ويا مَجْدَ العرب والانسانية. إنك لم تَقتل الروحَ بشهواتِ الجسد، ولم تحتقر الجسدَ تعظيماً للروح، فدينُك دينُ الفِطْرةِ السليمة، وانّي موقِنٌ أنّ الانسانية بعد أن يئست من كلِّ فلسفاتِها وعلومِها، وقنطت من مذاهب الحكماء جميعاً؛ سوف لا تجد مخرجاً من مأزقِها وراحةِ روحِها وصلاحِ أمرِها إلا بالارتماء في أحضان الإسلام…”.

إنّه لموقف غاية في الأسف، حينما يأتي اللّوم والتّأنيب من غير المسلمين، خاصّة عندما يرتبط بتحميل الجيل الحالي مسؤولية النّظرة السيّئة التي يحملها ما لايقلّ عن 6 ملايير إنسان في هذا العالم من غير المسلمين، لِنبيّ الإسلام ولدين الحقّ، بسبب ما آلت إليه أخلاق المسلمين ومعاملاتهم. إنّهم يروننا نحتفل بمولد نبيّنا –عليه الصّلاة والسّلام- بينما نحن نئد سنّته وسيرته وعظمته بسلوكنا وركوننا إلى الدّنيا وتخلّينا عن المبادئ التي عاش حياته وعانى كثيرا ليبّلغها وتصل إلينا نقية صافية. يروننا نغار وننتفض حينما يُساء إلى مقامه، بينما نحن نسيء إليه كلّ يوم وكلّ حين ببعدنا عن الرّسالة الخالدة التي بُعث بها.

إنّ الأئمّة والدّعاة مدعوون للاهتمام أكثر بمادّة المحاضرات التي يلقونها والنّدوات والملتقيات التي يعقدونها في ذكرى المولد، حتى تتحوّل إلى محطّات مهمّة لمراجعة واقع الأمّة، ولدعوة المسلمين إلى إحياء سيرة ومسيرة الحبيب -عليه الصّلاة والسّلام- وتحويلها إلى واقع معيش، وليس الوقوف عند إحياء ذكرى ميلاده والحديث عن معجزاته ودلائل عظمته.. النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بلّغ الرّسالة وأدّى الأمانة وأشهد على ذلك خير جيل من هذه الأمّة، وبقيت حقوقه علينا؛ ينبغي أن نسائل أنفسنا حولها ونجتهد في أدائها، قبل أن نسأل عنها يوم القيامة.

إنّه ليس يليق أبدا أن نعلم ونقرأ ونسمع عمّا عاناه الحبيب -عليه الصّلاة والسّلام- لأجل أن تبلغنا رسالة الإسلام ونكون مسلمين، ولأجل أن ننجو من النّار، ثمّ لا يكون حقّه علينا سوى يوم في السّنة نتذكّره فيه، لننساه طوال العام ونملأ قلوبنا وأوقاتنا بذكر غيره، ويقتدي كثير من شبابنا باللاعبين والمغنين وتقتدي فتياتنا بالفنانات والممثلات!

إنّ حقّ الحبيب علينا أن يسأل كلّ واحد منّا نفسه: هل أحبّه أكثر من نفسي وزوجتي وأبنائي وأموالي؟ كلّنا نحبّ النبيّ –عليه الصّلاة والسّلام- بقلوبنا، لكن علينا أن نتذكّر أنّ محبّته ينبغي أن تكون أكثر وأعظم من محبّتنا لأنفسنا وأبنائنا وأموالنا، وينبغي أن تترجم إلى واقع في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا؟ محبّته -صلّى اللـه عليه وآله وسلّم- فرض واجب لكنّها تحتاج إلى دليل هو الطّاعة والإتباع، يقول الله جلّ وعلا: ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم)). محبّته ينبغي أن تحملنا على طاعته واجتناب معصيته، وهو وإن لم يكن بيننا بشخصه فإنّ سيرته وهديه وأوامره ونواهيه موجودة بيننا، والله يقول: ((تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)).. محبّته –عليه الصّلاة والسّلام- ينبغي أن تحملنا على نصرته بالدّفاع عنه وعن سيرته وسنّته وردّ كلّ إفك وكذب ينسب إليه، يقول الله جلّ وعلا: ((إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)).. وليس آخر، فمحبّتنا له ينبغي أن تحملنا على الإكثار من الصّلاة والسّلام عليه باللّيل والنّهار، يقول الحقّ تبارك وتعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)).


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة