فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء المرأة وشؤونها

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3057.57
إعلانات


دروس مهمّة من قصّة ريما العمانية

دروس مهمّة من قصّة ريما العمانية

تداول رواد مواقع التواصل في الأيام الماضية قصّة فتاة في الـ22 من عمرها، من سلطنة عمان، تسمّى ريما، نشأت في كنف أسرة مسلمة، وحين بلغت سنّ المراهقة أدمنت مواقع التواصل كحال كثير من شباب الأمّة، وشدّت انتباهها مواقع تناقش قضايا المرأة وتدعو إلى تحرّرها، فبدأت تتسرّب إليها الأفكار النّسوية التي تدعو المرأة الشرقية خاصّة والمسلمة بالأخصّ إلى التحرّر من كلّ القيود والقفز على كلّ الحدود، بما في ذلك ما يُنعت بـ”قيود الدّين وحدوده”، وتواصلت مع جهات تروّج لهذه الأفكار التي توسوس للمرأة بأنّ مكانها حيث تريد وتختار في السوق أو في النادي أو في الملعب، وأنّ جسدها ملك لها ومن حقّها أن تتصرّف فيه كما تشاء، وتصوّر لها أنّ المرأة في بلاد الغرب تنعم في ظلّ الحرية التي لا حدود ولا قيود لها، وأنّها تعيش معزّزة مكرّمة كالملكة!

تشبّعت ريما العمانية بالأفكار النسوية، وأصبحت ترى نفسها مظلومة ومسجونة في أسرتها المسلمة، فبدأت تبحث عمّن يسهّل لها طريق الخلاص، فوجدت طبيبا نفسيا سعوديا لاجئا في ألمانيا، فتح منتدى لمساعدة الخليجيين خاصّة النساء على الهجرة.. فزيّن لها الهروب ووعدها بالحياة الوردية في بريطانيا حياة الحرية والانطلاق والتخلص من سلطة الأبوين وسلطة الأسرة والمجتمع؛ فسمعت لنزغاته، وحزمت حقائبها.

عندما وصلت إلى بريطانيا، في 19 ماي من العام الماضي 2022م، أعلنت إلحادها وكفرها بخالقها وانسلاخها من دينها، وأخذت تكتب منشورات تنضح بالإلحاد وتسيء إلى الخالق سبحانه وإلى دينه، ثمّ أعلنت شذوذها، وأخذت تتباهى بانحرافها.. مرّت الأيام والشّهور وهي على هذه الحال، وكانت تنتظر أن تتدفّق عليها الأموال والإعانات ويلتفّ حولها الأصدقاء، لكنّها فوجئت بأنّ أولئك الذين كانوا يزيّنون لها الحياة الجديدة بدؤوا في الانسحاب من حولها.. وجدت نفسها في حاجة إلى المال، وحين بدأت تبحث لم تجد أمامها غير من يغريها بالدّخول إلى عالم الرذيلة والإباحية، وبالفعل دخلت ذلك العالم القذر الموبوء.. ظنّت أنّها ستكون نجمة مشهورة، لكنّها وجدت نفسها تتحوّل إلى سلعة رخيصة حقيرة مهينة.

لم تمض سنة على هروب ريما إلى بريطانيا حتى تبخرت كل أحلامها، وأصيبت بحالة اكتئاب شديدة.. انقطعت عن الكتابة على مواقع التواصل، فلاحظ من يتابعون كتاباتها غيابها، حاولوا التواصل معها من دون جدوى، فاتصلوا بالجهات الأمنية البريطانية التي توجهت إلى منزل ريما العمانية في ضواحي لندن، وهناك وجدتها جثة هامدة، بدأت تتعفن، وكشف التشريح أنّها ماتت قبل أسبوع من اقتحام شقّتها بسبب تعاطي جرعة كبيرة من المخدّرات!

هي قصّة حقيقية ومؤلمة، ونحن لم نوردها لنتشفّى بهذه الفتاة التي غرّر بها، وإنّما لنأخذ منها الدّروس والعبر التي ننتفع بها وننفع بها زوجاتنا وأبناءنا وبناتنا، في زمن اغترّت فيه كثير من نساء وبنات المسلمين بهذه الدعوات الكاذبة الخادعة التي تصوّر للمرأة الحياة الوردية في التحرّر من الدّين والعادات.. ربّما نظنّ أنّ هذا الذي وصلت إليه ريما العمانية بعيد كلّ البعد عنّا وعن بيوتنا وزوجاتنا وبناتنا وأبنائنا، ولعلّ ريما نفسها ما كانت قبل سنوات تتوقّع أن تصل إلى ما وصلت إليه ولم يكن يخطر على بالها.. لكنّ الحقيقة التي ينبغي أن نقف عندها أنّ كثيرا من بنات المسلمين وإن لم يصلن إلى الإلحاد، لكنّهنّ وصلن إلى مرحلة من التعلّق بالدّنيا والمظاهر والكبر والغرور كرهن فيها كثيرا من أحكام الدّين، وبعضهنّ إذا سمعت آية تتحدّث عن الحجاب أو القرار في البيت أو عن قوامة الرّجل تذمّرت ولوت عنقها وربّما استهزأت.. أصبحت كثير من بنات المسلمين ينفرن من سماع أحكام الدّين ويكرهن كلمة حرام أو فرض أو واجب، لأنّ الواحدة منهنّ لا تسمع في الواقع والمواقع إلا من يقول لها: “عيشي حياتك.. ما تسمعي حتى بواحد.. راكي كبيرة وواحد ما يدبّر عليك لا باباك لا خوك.. راجلك يعيش حياتو وانت عيشي حياتك.. الدين بلاصتو في الجامع… وهكذا”.

قصّة ريما العمانية حملت في طياتها دروسا مهمّة ينبغي أن تحرّك بها القلوب وتهزّ بها الأرواح.

أوّل هذه الدّروس أنّنا ربّما نكون قد وصلنا بالفعل إلى الزّمان الذي أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- أنّه يكثر في سنواته الدعاة على أبواب جهنّم: “دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها.. هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا”! وهؤلاء الدعاة كانوا في الأزمنة التي مضت، ولم يخل منهم زمان، لكنّهم في زماننا هذا قد كثروا، وأصبح في إمكانهم الدّخول إلى البيوت ومخاطبة نسائنا وبناتنا وأبنائنا، عن طريق الهواتف ومواقع التواصل؛ ليحرّضوا شباب الأمّة وبناتها على أن يفهموا الدّين كما يحلو لهم وبما يوافق أهواءهم ورغباتهم ويأخذوا منه ما يعجبهم ويتركوا ما لا يعجبهم. يزيّنون للأمّة اتباع الغرب بحجّة أنّه متطوّر ومتحضّر وأنّه ما وصل إلى تطوّره وتحضّره إلا بتخليه عن الدّين وحجره على من يسمونهم رجال الدّين… الدّعاة على أبواب جهنّم يصوّرون للمرأة أنّ جسدها هو رأس مالها الذين ينبغي لها أن تثبت وجودها من خلال إبرازه أكثر، وأنّ وعيها يزداد باقتحامها كلّ الأماكن وبزيادة ما تبديه من جسدها.. حتّى إذا سمعت نزغاتهم وامتهنت نفسها وتحوّلت إلى وردة ذابلة تطؤها الأقدام، تركوها تواجه مصيرها وحدها!

الطبيب النفسي السعودي الذي حرّض ريما العمانية على الفرار والاستقرار في بريطانيا، ما أن سمع بخبر انتحارها حتى طوى ملفّها ونسي أمرها ولم يتحدّث عنها بكلمة واحدة.. ((كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)) (الحشر).. وهكذا يصنع دعاة التحرّر مع كلّ امرأة تقع في حبائلهم؛ يحرّضونها على مجابهة أسرتها، فإذا تمرّدت على أسرتها ووجدت نفسها تواجه ذئاب الشّوارع وتعاني العنوسة تركوها وحيدة.. يحرّضونها على مواجهة زوجها وعلى التخلص منه، فإذا أصبحت امرأة مطلقة تركوها تواجه الواقع المرّ وحدها.

الدرس الثاني الأفكار النسوية التي تغلّف بحقوق المرأة وبالتحرّر والانطلاق، هي أفكار شيطانية هدفها هدم الأسر وتحويل المرأة إلى سلعة رخيصة يسهل على تجار الشهوات الوصول إليها.. يكذبون على المرأة فيقولون لها إنّهم يناضلون لتنال كلّ حقوقها وتصبح مساوية للرجل، ويصوّرون لبنات المسلمين أنّ الفقه الإسلامي ذكوريّ، يعطي الرّجل حقّ استعباد المرأة، ويجبر المرأة على طاعة الرّجل ويلزمها البيت، يقولون للمرأة المسلمة إنّ نظام الإرث في الإسلام غير عادل، بل هو ظالم، وقد آن أوان الاستعاضة عنه بقوانين مدنية تسوّي بين الرّجل والمرأة! يدعون بنات المسلمين إلى التمرّد على الدّين تحت مسمّى التحرّر من سلطة العلماء، وتحت مسمّى التحرّر على العادات البائدة.. يقولون للمرأة: أنت عاقلة وحرّة، ولا أحد يحقّ له أن يقيّدك أو يجعلك تحت سلطته.. حطّمي الأغلال.. تحدّي أباك وأخاك.. تحدّي زوجك وقفي في وجهه، وعامليه الندّ للندّ، وإن أبى فاخلعيه وطلّقيه وعيشي حياتك.

هذا الفكر النسويّ الذي يروّج له العلمانيون ويسخّر له الإعلام، يؤدّي حتما إلى بغض دين الله، فتجد هؤلاء النسويات المتحرّرات إذا سمعن كلاما يحوم حول الدّين أو يقترب منه، أعرضن بوجوههنّ وربّما استهزأن ونظرن إلى من يخاطبهنّ بكلام الله وكلام رسوله على أنّه متخلّف متحجّر.

هذه النّسوية ليست كما يظنّ كثير من النّاس حركة تطالب بحقوق المرأة المهضومة.. إنّما هي دين إلحاديّ يعترض على وجود جنسين في الحياة بينهما فروق في الخِلقة! ويدعو إلى إقرار “الحقّ في تغيير الجنس”، كما يرفض وجود فروق في الأحكام والتكاليف والواجبات ويروّج لمبدأ المساواة الكاملة!

دين بدأ الترويج له منذ عقود في الأفلام والمسلسلات والتمثيليات، وهو الآن يغزو مواقع التواصل، ويروج له دجالو التنمية البشرية الذين يخاطبون المرأة قائلين: “أغلقي عينيك وتخيّلي، أخرجي المارد الذي بداخلك، أنت قوية وجبارة، أنت طموحة لن تستسلمي أبدا، أحبّي نفسك، اذبحي الخوف الذي بداخلك، حطّمي القيود وانطلقي…”.

الدرس الثالث: الإلحاد الذي اعتنقته ريما العمانية، لم يعد اختيارا يميل إليه من ضعف إيمانه ويقينه، إنّما أضحى مشروعا عالميا تدعمه دول تصنّف على أنّها دول كبرى وتتظاهر بالعلمانية واحترام الأديان بينما هي في الحقيقة تحارب كلّ الأديان وعلى رأسها الإسلام، وتروّج للإلحاد وتخصّص له الميزانيات وتستنفر له الإعلام.. وقد تداولت وسائل الإعلام في شهر جويلية من العام الماضي خبر استفسارٍ وجهه النواب الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي إلى إدارة الرئيس بايدن حول الأموال التي تخصصها لدعم الإلحاد في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتحدثت عن منحة قدرها 500 ألف دولار أي ما يعادل 7 مليار سنتيم جزائري، تمنح لكلّ منظّمة تلتزم بنشر الإلحاد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولا يتوقّف الأمر عند الدّعم المادّي، بل إنّ دول أمريكا وأوروبا تضغط لحماية الملحدين ومن يرتدّون عن دينهم في بلدان المسلمين، حتّى أصبح من يسيئون إلى دين الأمّة وعقيدتها ونبيّها في بلاد المسلمين يحالون على القضاء، لكنّهم يخرجون من القضايا التي ترفع ضدّهم كما تخرج الشّعرة من العجين.

الدرس الرّابع: الإعراض عن الله وعن دينه لا يجلب السّعادة والرّاحة النفسية والحياة الوردية، كما يزعم الكاذبون وشياطين الإنس والجنّ.. الإعراض عن دين الله يؤدّي إلى الشّقاء والتعاسة والضّنك. يقول العليم الخبير سبحانه: ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)).. كم من شابّ ترك دينه بحثا عن الحرية والسّعادة، فما وجد غير الضّنك والقلق والحيرة، وانتهى به الأمر إلى الإصابة بأمراض نفسية حادّة، أو إلى الانتحار.. وكم من فتاة قيل لها إنّ السّعادة في الحرية الكاملة وفي خلع الحجاب واتّخاذ الأخدان والخلان، فلمّا وضعت خطواتها على هذه الطّريق ما وجدت إلا القلق والضّنك، وربّما فقدت حياءها وعفّتها وتحوّلت إلى خرقة بالية تطؤها الأقدام، وندمت حيث لا ينفع النّدم.

لهذا ينبغي لشبابنا وفتياتنا أن يحذروا أشدّ الحذر من شياطين الإنس والجنّ الذين يغرونهم بسعادة لا وجود لها بعيدا عن الدّين.. السعادة الحقيقية في الاستقامة على دين الله، في حياة يملك فيها العبد هدفا ساميا هو بلوغ رضا الله وسكنى الجنّة ورؤية وجه الله الكريم.. السعادة الحقيقية في أن تترفّع المسلمة عن التعلّق بالمظاهر الزّائلة وترضى لنفسها بأن تكون ابنة بارّة بأب شفيق، وزوجة طيّعة ودودة لزوج يكفيها همّ الدّنيا.. البطولة الحقيقية في أن تَثبت المرأة المسلمة أمام الشعارات الكاذبة، وتشمخ بأنفها أمام المتساقطات في مستنقعات الشهوات والمظاهر الزائفة، وتسعى لتربّي أبناء صالحين يخدمون دينهم وأمّتهم؛ تتركهم خلفها يخلّدون ذكرها ويحصدون لها الحسنات بعدها.

سلطان بركاني

2023/09/11


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة