فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3086.43
إعلانات


تقبّل الله منكم يا ضيـوف الرحمــن

من فضل الله عزَّ وجل على الحُجّاج الكرام أنْ وفّقهم لطاعته، ففي الأيام القليلة الماضية أَدَّى الحُجّاج عبادة من أعظم العبادات، حيث وقفوا في صعيد عرفات، وزحفت جموعهم إلى رمي الجمرات، والطّواف بالكعبة المُشرفة، والسّعي بين الصّفا والمروة، وبعد ذلك بدأ الحُجّاج الكرام بالعودة إلى ديارهم وأهليهم، فاحْذرْ أخي الحاج أن تعود إلى المعاصي والمُحرمات، فقد فتحتَ في حياتك صفحة بيضاء نقيّة فاحرصْ على المحافظة عليها.
وبهذه المناسبة المُباركة يُسعدنا أن نتقدّم من هذا الرَّكْب الإيماني من الحُجّاج الكرام، بأصدق التهاني والتبريكات مُبَشِّرينهم بقول رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم –: (مَن حَجَّ فَلَم يَرفُث ولَم يَفسُق رَجَع كَيَومَ ولَدَتهُ أُمُّهُ)، وقوله – صلّى الله عليه وسلّم- أيضا: «(العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةَ).
و يتحقّق برُّ الحجّ بإخلاص النّية لله -سبحانه وتعالى-، والاقتداء بالنبي – صلّى الله عليه وسلّم – في كلّ ما جاء به؛ لأنّ الحَاجَّ فتح مع الله صفحة جديدة، ورجع بثوبٍ ناصع أبيض وبصحيفة بيضاء إن شاء الله، فإذا استجاب المؤمن لله سبحانه وتعالى في كلّ ما دعاه إليه ، فقد حَقَّقَ – بإذن الله تبارك وتعالى – برَّ الحج، ورجع من حجّه كيوم ولدته أُمّه – إن شاء الله تعالى-.

الالتزام بالتوبة واجتناب المعاصي
من الجميل أن يعود الإنسان إلى رُشده، وأن يعود إلى محراب الطاعة، وأن يُقلع عن المعاصي والذنوب، ويندم على ما فات، ويعقد العزم على عدم العودة إليها، ويردّ المظالم لأصحابها، ويتوب توبة صادقة، عندئذ يستحقّ ذلك الإنسان الجَنّة إن شاء الله، كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا } .
وحيث إنك أخي الحاج قد تُبْتَ توبة نصوحا، وأقلعتَ عن المعاصي، وندمتَ على ما فات، وعقدتَ العزم على عدم العودة إليها، فعليك أن تُحافظ على توبتك، وإياك أن تخدشها بالعودة إلى ارتكاب المعاصي والذنوب، وعليك أن تتجنّب مجالس اللّهو والفجور والغيبة والنميمة والطّعن في أعراض المسلمين ، واحذر الكذب والشّتم واللّعن وقول الزور… إلى غير ذلك من المعاصي والمُوبقات.

الثّبات على طاعة الله ورسوله
إِنّ طاعة الله ورسوله، والسّير على هدي كتاب ربنا سبحانه وتعالى، واتّباع سُنّة نبينا محمد – صلّى الله عليه وسلّم – من الطُّرق المُوصلة إلى الجنة إن شاء الله تعالى، كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا}، كما وجاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة- رضي الله عنه – أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ أَبَى، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى).
إنّ مَنْ لَبَّى في الحج للرّحمن عليه أن يُلَبِّي له بالطّاعة في كلّ مكان وزمان؛ فإنّ معنى التّلبية: إجابة لك بعد إجابة، وطاعة لك بعد طاعة، ومن امتنع عن محظورات الإحرام أثناء حجّ بيت الله الحرام، فليعلم بأنَّ هناك محظورات على الدَّوام، وطُول الدّهر والعام؛ فليحذر إِتْيانها وقُرْبانها؛ كما جاء في قوله عزّ وجلّ: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}.

وجوب الاستمرار في الطاعات
إِنّ الثّبات والاستمرار على الطّاعة من أخلاق المؤمنين ، فقد كان نبينا – صلّى الله عليه وسلّم– يدعو قائلاً: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، ومن دُعَاء الرّاسخين في العلم: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}، أي لا تزيغ بعد الهداية، ولا تنحرف بعد الاستقامة، لذلك كان رسولنا- عليه الصلاة والسلام – يَحُثّ المسلمين على وجوب الاستمرار في الطّاعات بقوله – صلّى الله عليه وسلّم-: (أَحَبّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ).
فعليك أخي الحاج أن تعلم بأنّ الطاعات والمُسارعة فيها ليست مقصورة على موسم الحج فحسب، بل عامة في جميع الأوقات، لذلك يجب عليك أن تحرص على تلاوة القرآن الكريم، وفعل الخيرات، وأداء الصّلاة جماعة في المسجد، والاستمرار في هذه الطّاعات والقُربات بعد الحجّ؛ لأنّ المُدَاومة على الأعمال الصالحة سببٌ لمحو الخطايا والذّنوب وسبب للنجاة من الشّدائد، لقوله سبحانه وتعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بالْقَوْلِ الثَّابتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء}.
إِنّ نفحات الخير تأتينا نفحةٌ بعد نفحة، فإذا ما انتهينا من أداء الصّلوات المفروضة، تأتي النّوافل المُتَعدّدة المذكورة في كُتب الفقه، ولئن أدّينا الزكاة المفروضة فإنّ أبواب الصّدقات النوافل مفتوحة طيلة العام، ولئن أدّينا فريضة الحج فإنّ أداء العُمرة مُيَسَّرٌ طيلة العام، وهكذا الخير لا ينقطع وهذا فضلٌ من الله ونعمة.

الحج ووحــدة الأمـة
أخي الحاج: إِنّ مؤتمر الحج الأكبر الذي شَرُفْتَ بالمُشاركة فيه يُمثّل أفضل تمثيل وحدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد جاء الحجّاج من كل فجٍّ عميق لِيُعْلنوا للبشرية جمعاء، بصوتٍ واحد، في صعيدٍ واحد، نشهد أَنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وأنّ الإسلام هو الدّين الحقّ الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للبشرية إلى أن يرث الله الأرض وَمَنْ عليها، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) فقد ذكر ابن كثير في تفسيره: وقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأُمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم -صلوات الله وسلامه عليه-، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أَحَلّه، ولا حرام إلا ما حَرّمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكلّ شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف ، كما قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً) أي صِدْقًا في الأخبار، وَعَدْلاً في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين، تمّت عليهم النّعمة، ولهذا قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) أي فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدّين الذي أحبّه الله ورضيه، وبعث به أفضل الرّسل الكرام، وأنزل به أشرف كُتُبه).
وفي الحجّ تتجلَّى المُساواة في أبهى صُوَرها حيث كان الحُجّاج يلبسون لباسًا واحدًا، وَيُؤَدّون أعمالاً واحدة، ويهتفون بهتاف واحد، هذه هي الأُمة الإسلامية، أُمّة الوحدة والتوحيد، إنها بحق وحدة مُقَدّسة صاغتها فريضة الحج في أسمى صُوَرها، حيث انصهرت جميع الأجناس في بوتقة إيمانية واحدة، فلا فرق بين رئيس ومرؤوس ولا غني وفقير ولا أبيض وأسود، فالكلّ سواسية وَحَّدَت بينهم مناسك الحج، فالحجّ ليس مُجَرّد اجتماع بالأبدان وإنما هو توحيد للقلوب والاجتماع على كلمة سواء، ففي الحجّ يلتئم شمل المسلمين من كلّ بقاع الأرض تحت راية الإسلام.
وفي الحجّ تقوية روح الإخاء بين المسلمين، وتبادل المنافع التي أَحَلّها الله بين المسلمين، ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله سبحانه وتعالى مخاطباً سيدنا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام -: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير).
فما أحوج أمتنا العربية والإسلامية في هذه الأيام إلى الوحدة والمحبة والتكاتف والتعاضد، ورصّ الصفوف وجمع الشمل وتوحيد الكلمة.
نسأل الله تعالى للحُجاج الكرام حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، تقبّل الله منا ومنكم الطاعات وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

/في رحاب الشريعة/معالجات إسلامية/تقبّل الله منكم يا ضيـوف الرحمــن

معالجات إسلامية

تقبّل الله منكم يا ضيـوف الرحمــن

: 2023-07-10

د. يوسف جمعة سلامة*/

* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة