فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3057.57
إعلانات


فضل يـوم عرفــة والعيـد والأضحيــة*ل.د. يوسف جمعة سلامة*/

يتفيَّأ المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ظلال هذه الأيام المباركة من شهر ذي الحجة، إنها العشر الأوائل من هذا الشهر المُبارك، وهي أفضل أيام السّنة، فَيَا لَهاَ من أيام مباركة عند الله عزَّ وجلَّ، ورحم الله عبداً استقبل هذه الأيام الفاضلة بالتوبة إلى الله وطاعته، وأكثرَ فيها من صالح الأعمال وكريم الفِعَال، فصلّى وصام وتصدَّق واغتنم حياته بفعل الخيرات، فقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني– رحمه الله- في كتابه «فتح الباري بشرح صحيح البخاري»: (والذي يظهر أنّ السَّبَبَ في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).
وأفضل هذه الأيام يوم عرفة، هذا اليوم المبارك الذي يوافق يوم الثلاثاء القادم، حيث يجتمع فيه ضيوف الرحمن على جبل عرفة في أطهر البقاع؛ لتأدية شعيرة من شعائر الإسلام وركن من أركان الدين، وهو يوم تتجلَّى فيه رحمة الله عليهم فيغفر لهم، كما تجلَّت فيه رحمة الله بالمؤمنين جميعاً فأخبرهم بأنَّه أكمل لهم الدّين، وأتمَّ عليهم النّعمة ورضي لهم الإسلام دينا.
يوم عرفة من المعلوم أنَّ يوم عرفة الموافق التاسع من ذي الحجة يوم مبارك، تتنزّل فيه الرحمات وهو من الأيام العشر، ومن أعظم مواسم الخيرات، لقول الرسول الأكرم – صلّى الله عليه وسلّم -: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)، فمن فاته صيام الأيام السابقة من شهر ذي الحجة، فعليه أن يحرص على صيام يوم الثلاثاء القادم إن شاء الله تعالى.
وفي هذا اليوم المُبارك يتوجّه الحجاج إلى الله سبحانه وتعالى بخالص العبادة والدعاء، وببالغ التضرُّع والابتهال والتذلّل بين يديه سبحانه وتعالى، هذا المشهد الإيماني العظيم يُباهي الله سبحانه وتعالى به ملائكته المُقربين، كما جاء في الحديث: (… وما من يومٍ أفضلُ عند اللهِ من يومِ عرفةَ، ينزِلُ اللهُ تباركَ وتعالَى إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيُباهي بأهلِ الأرضِ أهلَ السَّماءِ، فيقولُ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ، جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ.
ولم يُرَ الشيطان أَذَلَّ وأحقر منه في يوم عرفة، وذلك بسبب فضل الله سبحانه وتعالى على المؤمنين، وفتح باب رحمته لقبول توبة العاصين، لقوله – صلّى الله عليه وسلّم –: (مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلا أَدْحَرُ وَلا أَحْقَرُ وَلا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ).
خطبة يوم عرفة
في حَجَّة الوداع خطب رسولنا الكريم – صلّى الله عليه وسلّم – خطبته المشهورة في يوم عرفة، حيث ألقى عليهم دستور الحياة ووصيته الجامعة التي تَكفل لهم السعادة في الدنيا والآخرة.
وفي هذه الخطبة العظيمة أَمَّنَ –صلّى الله عليه وسلّم-الناس على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، وليتَ المسلمين حفظوا هذه الوصايا وعملوا بها وَطَبَّقوها حتى يعيشوا حياة كريمة طيبة.
وفي حجة الوداع أكَّدَ النبي – صلّى الله عليه وسلّم – على حقوق النساء ونَوَّه بها وبَيَّن ما للنساء من حقوق، ومع ذلك فإنّ بعض المسلمين في عددٍ من البلاد أكلوا ميراث النساء وصادروا حُقُوقَهُنَّ وأساءوا مُعَاملتهن، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
خير الدعاء دعاء يوم عرفة
يُسْتحبُّ الإكثار من الدعاء في يوم عرفة اقتداء بالنبي – صلّى الله عليه وسلّم -، فقد أخرج الإمام الترمذي أنّ النبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْم عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ).
كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه أنّ النبي – صلّى الله عليه وسلّم – كان يقول: ( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ).
ومن المعلوم أنّ الدعاء مَلاَذُ كلّ مكروب وأملُ كلّ خائف وراحةُ كلّ مضطرب، كما في قوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
أخي القارئ: إذا كان حجاج بيت الله الحرام يُكثرون من التهليل والتكبير والتحميد في هذه الأيام المباركة، فواجبنا أن نُشاركهم ذلك لاتّحاد المشاعر والوجدان ، وإذا كانوا يقفون على جبل عرفات يدعون الله ويسألونه من فضله حتى يُباهي بهم ملائكته، فنحن هنا نصومه ونسأل الله من فضله، وإذا كان الحجاج ينحرون الهدي يوم الأضحى، فنحن هنا ننحر الأضاحي ونذبحها تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى.
العيد… ودعوات للخير
من المعلوم أنّ العيد في الإسلام يوم فرح وسرور، يُحِبّ الله فيه أن تظهر آثار نِعَمِه على عباده.
*وفي العيد دعوة لصلة الأرحام كما جاء في قوله – صلّى الله عليه وسلّم -: ( … وَمَن كانَ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فَليَصلْ رَحِمَه)، ومن المعلوم أنَّ صلة الأرحام في العيد واجبة، وصلة الرحم ليست قاصرة على الأقرباء الذين يصلونك ويزورونك، فهذه تُعَدُّ مكافأة لهم على زياراتهم، ولكنّ الصّلة الحقيقية الكاملة ينبغي أن تشمل جميع الأقرباء حتى القاطع منهم؛ لقوله– صلّى الله عليه وسلّم-:
(لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا).
*وفي العيد دعوة لتأكيد أواصر المودة بين الجيران و الأصدقاء، وضرورة التّعالي على أسباب الحقد والشحناء، لقوله – صلّى الله عليه وسلّم -: (خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ تَعالى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ تَعالى خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ).
*وفي العيد يظهر الناس وقلوبهم مُتَحابّة، وصدورهم مُتَصافية، وأيديهم مُتَصافحة، فتبدو أُخوة المسلمين كأقوى رابطة وأوثق صلة، ومن المعلوم أنّ العيد في الإسلام مناسبة طيبة لجمع الشمل وصفاء القلوب، وبرّ الوالدين واجتماع الإِخْوة.
*وفي العيد دعوة للعطف على الأيتام والفقراء والمحتاجين، فتدخل البسمة والفرحة كلّ البيوت ، وتظهر وحدة المسلمين وتكافلهم، فهم كالجسد الواحد، فليس بينهم محزون ولا محروم.
الأضحيـــة
في هذا العيد شرع الله الأضاحي، تقرُّباً إليه بدمائها وتصدُّقاً على الفقراء بلحمها، والأضحية من شعائر الإسلام ورمز للتضحية والفداء وسنَّة أبي الأنبياء إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- .
وتصح الأضحية من الإبل والبقر والغنم، ومن الغنم الضأن ما أتمَّ ستة أشهر بحيث إذا وُضع بين الحوليات لا يُمَيَّز عنها، ومن الماعز ما أتمَّ سنة ودخل في الثانية، وتكفي عن رب أسرة، ومن الإبل ما أتمَّ خمس سنوات ودخل في السادسة، ومن البقر ما أتمَّ سنتين ودخل في الثالثة، وتكفي عن سبعة، لحديث جابر، قال: (نَحَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ،وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ).
ووقت ذبح الأضاحي، يبتدئ عقب صلاة العيد مباشرة ويمتدّ إلى اليوم الثالث من أيام التشريق.
وتوزيع الأضحية، من السُّنَّة أن يأكل ثلثها، وأن يهدي ثلثها، وأن يتصدق بثلثها.
اللهُمّ لا تحرمنا من مواسم الخير والبركة، واجعلنا من السَّـبَّاقين إلى الخير الداعين إليه، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، فأنت نعم المولى ونعم النصير.
وبهذه المناسبة فإننا نتقدّم من أبناء شعبنا الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية بأصدق التهاني والتبريكات بقُرب حلول عيد الأضحى المبارك، سائلين المولى عزَّ وجلَّ أن يجعله عيد خير وبركة على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يأتي العيد القادم وقد جمع الله شملنا وَوَحَّد كلمتنا وألف بين قلوبنا، إنه سميع قريب.
تقبّل الله منا ومنكم الطاعات ، وكلّ عام وأنتم بخير.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الرئيسية/في رحاب الشريعة/معالجات إسلامية/فضل يـوم عرفــة والعيـد والأضحيــة

معالجات إسلامية

فضل يـوم عرفــة والعيـد والأضحيــة

: 2023-06-27

د. يوسف جمعة سلامة*/

* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة