فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3057.57
إعلانات


الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، وكيف تكون رجل إجماع؟

الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، وكيف تكون رجل إجماع؟

: 2023-06-19

فقدنا الشيخ محمد الطاهر آيت علجت بعد ابنه محمد الصالح (رحمهما الله)، والشيخ الوالد أحد أعزّ رموز العمل للدين ورفعة الوطن، العالم العامل بمقتضى ما علم، المتحرّك في شعاب الحياة بخدمة الخلق طمعا في مرضاة الحق، تلك هي رأس خصال رجال الإجماع.
أحبّه جميع الصادقين في انتماء للدين والوطن، فبذل له الجميع الدعاء والمحبّة، فكنت خلاله سببا في اجتماع ظاهر في الجنازة، واجتماع تجلى في الدعوات له بالرحمة والمغفرة وأن ينزله الله منازل الأنبياء والشهداء والصالحين، والرجل أهل لهذه الدعوات التي كانت تتنزّل عليه من كلّ المشارب ومن جميع (قلاع) رُبُط البذل للدين لأجل رفعة الوطن وعزّة أهله، فتوافقت جهوده مع جهود الشهداء والصالحين عبر مختلف الحقب، فكان الحضور المتنوّع للمشيّعين شاهدا إضافيا على مواصفات رجال الإجماع، رجال لا يلههم حطام الدنيا والصراع المحموم عليه عن الثبات في قلعة المرابطة الصادقة مع الأمة والمجتمع.
كيف لا تجتمع إليه وعليه القلوب وسيرته تملأ العيون قرّة والقلوب مسرّة، رافقته الابتسامة منذ عقلناه وتشرّفت مقلنا برؤياه، واكتحلت أبصارنا بأسارير السرور التي تلف محياه، فقد كان هو نفسه مَسَرّة، تسرّ القلوب وتسعفها للتحرّر من الجهامة والشدّة والغلظة، والانتقال بها إلى عالم السرور والحبور والترقي في سلّم الطُهْر.
كان الشيخ محمد الطاهر آيت علجت مجليا لاسمه في محيّاه وتصرّفاته، أسعف الله الشيخ محمد الطاهر فجَلَى عليه خلالا مشتقة من اسمه(محمود يستشرف أفق الطُهْر)، وكان بحق كاسمه ينبجس منه ما به يكون صاحب محامد رأسها طهر الطوية، وبذل المعروف لمن عرف ولمن لم يعرف.
كان الشيخ مجليا لتلك الخلال، أظهرها الله عليه في المواقف قائما وقاعدا ومتجولا، فكانت جلية في حلّه وترحاله إنّه “الطاهر”، فكان محمود الخصال والأقوال والفعال، يتجلى في كلامه كتجليه في صمته أو هو فيه أبلغ، كان رحمه الله ينزع إلى الأدب الجمّ في كلّ الأحوال وفي جميع الأوضاع، سواء كانت في الأفراح والأتراح، جلاّها الله على يديه فكان محمود القول والفعل والعمل فضلا عن شواهد صنائع المعروف التي تظهر بحاله قبل مقاله وأفعاله.
ليس متاحا لكلّ مشتغل بالعلم أن تغطيه الطيبة من كلّ جانب، تسفر عن وجهها في مواقف الوفاق والاتفاق كتجليها في مواقف الاختلاف، طيبة عملية قبل أن تكون طيبة قولية أو نظرية، ذلك أنّ التظاهر بالطيبة ليس صعبا، لكن أن تكون في حياتك طيّبا بفعلك الصامت وبصمتك الفعّال، وخاصة حين يكون الصمت أبلغ من الكلام وأكبر أثرا منه، ذلك أنّك عندما ترى الشيخ صامتا في سياق أيام يدفع فيها الظالم المستبد العَالِمَ والعالَم إلى الكلام بالتسبيح بـ”خصاله” التي تزكم أنوف الأسوياء ببلوغ ريحها إليهم، لم يثنه هذا الوضع، وفي مثل هذه الظروف القاهرة عن الصمت الناطق بعدم الرضا وعدم الموافقة، تلك ميزة رجال الإجماع، وهي خلالهم وصفاتهم التي بزّوا بها أقرانهم في المعرفة والشرف، وهم بهذا قد نالوا أعلى رتب الشرف، فكانوا محلّ ثقة المخالف قبل الموالف، وكيف لا يكون شيخنا كذلك ومناقبه كثيرة وفضائله غزيرة. ولو قلنا في حق الشيخ محمد الطاهر آيت علجت إنّه جليل مصرنا (وطننا) وجليل عصرنا ما جانبنا الصواب، ومن كانت هذه خلاله لا يكون إلا رجل إجماع.
رجل الإجماع مرابط دون قلعة تطعيم المجتمع ضد الانحلال والتفسّخ الاجتماعي والمعرفي، المانع من استعادة الهوية المعرفية والثقافية واللسانية، فكان يقرئ من غير كلل ولا ملل علوم اللسان من نحو وصرف وبلاغة، ويقرئ العلوم الحافظة للجزائر أمانة الأسلاف، علوم تحفظ للوطن مرجعيته فقها وتفقّها وتمثّلا.
ولم يثن شيخنا عن الوفاء بهذه المهمّة التقدّم في السن، وقد أكرمه الله بطول العُمُر حتى جعله الله واسطة سند العلم بين السابق واللاحق، فروى عنه الآباء والأجداد، ونقل الأمانة العلم والجهاد والوفاء ندية إلى الأبناء والأحفاد والأسباط، ولم يزل على ذلك ثابتا إلى أن غلبه الكبر وأقعده عن الحركة، فانقطع الأخذ عنه بفعل الكبر، كان الشيخ وريثا حقيقيا لمنزلة الكبار في البذل والعطاء من غير طمع في غير الله، وتلك أيضا من عُمَد خصال رجال الإجماع، بذل من غير انتظار عوض من غير الله، ورث هذه الخصال من أسلافه ونمّاها وأسعد الناس بها، وجعل منتهى السعادة أن يحافظ عليها تمثّلا وموقفا في شعاب الحياة، فأكرمه الله بالارتقاء فوق درجات الأقران معرفة وصدقا وبذلا، من غير أن يكون مشغول الهمّة بتحقيق هذه السمات، بل كان ظهورها عليه محض عطاء إلهي، ومن فطم النفس عن التعلّق بالمدح ربّى نفسه على التعلّق بما عند الله، وأسهم في تربية الجيل بها، فلا يكون مشغول القلب بما يلحق أو يتأخر من محامد، ولكنه يثق بأنّ ما كان لله ستكتب المحامد دون أن يطلبها الموصوف بها، بما بذل في سياق ما به يحمد عند الله، فتحمد الخلائق صنيعه، فيكون تحقّقها تبعيا لا أصليا، هذه أيضا من عُمَد صمات رجال الإجماع، والتي كان شيخنا يعشيها بحاله قبل مقاله. اللهم اغفر له وارحمه وأكرم نزله ووسّع مدخل ونزله منازل الأنبياء والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وألحقنا بهم ثابتين غير مبدّلين، ووفق لاستشراف أفق رضاك في كلّ أحوالنا في العلن والسرّ، واسترنا بسترك التام.
د. عمار جيدل


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة