فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3087.38
إعلانات


الزّلازل … وإغاثة المنكوبين والمحتاجين : 2023-03-06 د. يوسف جمعة سلامة*/

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).

هذا حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كِتَاب الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ، بَاب فَضْلِ الاجْتِمَاعِ عَلَى تِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الذِّكْرِ.
تناقلت وسائل الإعلام المختلفة ما جرى في سوريا وتركيا جَرَّاء الزَّلازل التي ضربتهما يوم الاثنين الموافق 6/2/2023م والتي تجاوز عدد الضحايا فيهما أربعين ألفًا وعشرات الآلاف من الجرحى والمُصابين، ومن المتوقع أَنْ يرتفع عدد الضحايا والمصابين حيث لا يزال الكثيرون في عداد المفقودين، بالإضافة إلى تدمير كبير في المنازل والمُنْشآت، وأمام هذا الحدث الجَلَل والمُصاب الأليم لابُدَّ من وَقْفَةٍ أخوية من أبناء الأمتين العربية والإسلامية مع إخوانهم في سوريا وتركيا، فَمُصابهم عظيم وخطبهم جسيم،ومن المعلوم أَّنَّ مَنْ مات من المسلمين بسبب سُقوط البُنيان عليه فله أجر الشهيد عند الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث أنّ رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم– قال:) الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

الابتلاء سُنّة الله في خلقه
إِنَّّ سُنّة الابتلاء ماضية في المُؤمن والكافر، فالحياة الدنيا دارُ ابتلاء واختبار، وتلك هي سُنّة الحياة، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، فالابتلاء بالزَّلازل بالنسبة للمؤمن الذي صبر فهو طهور ورفعة درجات، وأما الكافر فهو عاجل عقوبة وتخويف لعلهم يرجعون، فالابتلاء أمرٌ حتميٌ في حياة المسلم، ليميز الله الخبيث من الطَّيب، تلك سُنّة الله ولن تجد لِسُنّة الله تبديلا ، كما أنَّ أثبت الناس في البلاء وأجلّهم صبراً، أفضلهم عند الله منزلة وأجلّهم قدراً، وأشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فقد ابْتُلي الصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين- بالطّاعون وهم خير البشر بعد رسولنا- صلّى الله عليه وسلّم- وتُوفي عدد كبير منهم.
ومن المعلوم أنّ وجود رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – رحمة وأمان من عذاب الله، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، فإذا مَا ذَهَبَ الأمان الأول بقي الأمان الثاني إلى يوم القيامة، «وهم يستغفرون»، فهذه دعوة إلى الأمة بوجوب التوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي والعودة إلى الله سبحانه وتعالى.
إِنَّ هذه الزَّلازل تُذكِّرنا بيوم القيامة وَقُرْبه، فكثرة هذه الزّلازل أخبر عنها رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم- بأنها من أشراط السّاعة، كما جاء في الحديث أنّ النبيّ– صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ-وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ-…).

وتعاونوا على البرِّ والتقوى
إِنَّ ديننا الإسلاميّ الحنيف يأمرنا بضرورة التّعاون على البِرّ والتّقوى وقضاء الحوائج وتفريج الكُرَب والنُّصرة والمُواساة كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وضرب رسولنا– صلّى الله عليه وسلّم – للمؤمنين مَثَلاً يُعرفون به ويحرصون عليه، في قوله– صلّى الله عليه وسلّم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، وقوله- صلّى الله عليه وسلّم – أيضاً: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)، فالتعاون على الخير سبيل هذه الأمة منذ أشرقت شمس الإسلام، وجزى الله شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية خيراً على وقفتهم المُشرّفة مع إخوانهم المنكوبين في سوريا وتركيا، فمن خلال وقوفنا مع إخواننا فإنّنا نَجْبرُ نفوساً كُسِرت، وقلوباً فُطِرَتْ، وأجساماً أُرهقت، لذلك يجب علينا أن نُكْثر من الصدقات وفعل المعروف والخيرات لقوله– صلّى الله عليه وسلّم-: (صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، وصدَقةُ السِّرِّ تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ، وصِلةُ الرََّحِمِ تَزيدُ في العُمُرِ).
ونحن أمام هذه الكوارث والزَّلازل التي نزلت بإخواننا في سوريا وتركيا، علينا أنْ نتذكر واجب الأُخُوّة لهم، وحقّ الإحسان عليهم، فمع هذه النّداءات التي تُقَطِّعُ القلب، يجب على كلِّ مَنْ وَسَّع الله عزَّ وجلَّ عليه أن يجودَ على إخوانه بما يستطيع، ومَنْ لم يستطعْ فليكُن دالاً على الخير ومُساندًا له، مع التذكير بالدّعاء لهم أن يرْفع الله سبحانه وتعالى عنهم الكربَ وأن يلطف بهم، إنه رحيمٌ كريمٌ.
لذلك فإننا نُوَجِّه دعوة عاجلة إلى جميع الدول العربية والإسلامية إلى إطلاق حملة إغاثة عالمية من أجل مساعدة وإغاثة إخواننا المنكوبين في سوريا وتركيا؛ لِنُثبتَ للبشرية جمعاء بأننا أمة واحدة إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحُمَّى.

رسولنا قدوتنا في أعمال الخير
عند دراستنا للسُّنّة النبوية الشريفة نجد أنّ رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – كان قدوة حسنة ومثلاً يُحتذى به في فِعْل الخيرات، وهناك العديد من المواقف التي تُظْهر حرصه – صلّى الله عليه وسلّم – على مُساعدة كلّ مَنْ تعامل معه – عليه الصّلاة والسّلام-، فقد كان الناس يلجأوُن إليه ويستجيرُونَ به، كما جاء في الحديث الشريف: عندما عاد رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- من غار حراء بعد نزول الوحي عليه (… يَرْجُفُ فُؤادُهُ، فَدَخَلَ علَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُوَيْلِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، فقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فقالَ لِخَدِيجَةَ -وأَخْبَرَها الخَبَرَ-: لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ، واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ).

فضل إغاثة المنكوبين
جاء في الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ).
من المعلوم أَنَّ ديننا لإسلامي الحنيف جعل من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى إغاثة المنكوبين والمحتاجين، وذلك بإدخال السرور عليهم، فأحبّ الناس إلى الله سبحانه وتعالى هو أنفعهم للناس، حيث إنّه يُساعدهم ويمدّ يدَ العون لهم، وَيُشْرَع في وقت وقوع الزَّلازل الإكثار من الصّدقة والبَذْل وفعل الخير للمناطق المنكوبة، وهذا يُعزِّز التكافل والترابط بين المسلمين في الشّدائد والأزمات.

جَبْرُ خواطر المكروبين
إِنَّ لِجَبْرِ الخواطر أجراً عظيماً وثواباً كبيراً أعدَّه الله سبحانه وتعالى لمن رسم البسمة على شفاه المحرومين ، وأدخل السعادة والسرور على قلوب المُشرّدين والمكروبين، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَـأ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ )، ولا يختصّ ذلك الأجر الكبير بالأمور الثلاثة المذكورة في الحديث فقط، لأنّ مُساعدة المسلم لأخيه المُسلم ليست مقصورة على إطعامه أو سقيه الماء أو كسوته، بل تكون في جميع شئون حياته، فهذا هو المجتمع الإسلامي مجتمع التعاون والتراحم.
لقد عاش العالم حالة من الخوف بعد وقوع هذه الزّلازل، وما زالت آثارها وارتداداتها قائمة، فكَمْ نحنُ بحاجةٍ إلى الاستغفار والتوبة والإكثار من فعل الخيرات والصّدقات، واللجوء إلى الله عزَّ وجلَّ في أوقات الأزمات والشّدائد، وفي كلّ ما يَعْرِضُ لنا من كوارث وَفِتَن، أو فقرٍ وحرمانٍ، أو فقدٍ لفلذات الأكباد وَسَندِ السَّواعد من الأبناء والأهل، أو غير ذلك مِمَّا لا يملكُ كشفهُ وإزالتهُ إلا الله الواحد القهار.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة