من الناس من هو مجرد آلة في يد الغير، لا يملك قرارا ولا تأثيرا ولا يغير حالا ولا يبدل واقعا ولا يضيف للحياة جديدا، يعيش حياة مديدة كما تعيش سائر البهائم، محصلة حياته تكون صفرا، ساكت كقطعة الأثاث التي يزين بها المنزل، وغائب كأن ليس له وجود، لا يقدر على فعل شيء، أينما يوجه لا يأت بخير.
وَيُقْضى الأمْرُ حينَ تَغيبُ تَيْمٌ * وَلا يُسْتَأمَرُونَ وَهُمْ شُهُودُ.(جرير)
ومن الناس من يعيش حياة قصيرة، ويمر بأحوال سعيدة، لكن محصلة حياته تشكل رقما كبيرا في عداد الرجال، فهو لا يذعن لأزمة ولا يستكين لمصيبة، يقاتل لتحقيق أهدافه، ويناضل لتحسين حاضره وحاضر قومه، لا يرتهن إرادته للغير، ويعيش ليعمل فيفوز، ويجتهد ليربح معركة الحياة، واضح الأهداف، جليّ الخطط، عالي الهمة، لا يهاب جليل الأعمال، ولا يعمل للعقبات ألف حساب.
وَمَا الْمَرءُ إلاّ حَيْثُ يَجْعَلُ نَفْسَهُ * فَكُنْ طَالِبا في النَّاسِ أَعْلَى المَرَاتِبِ
وَكُنْ طَالِبَا لِلرِّزْقِ مِنْ بابِ حِلَّةٍ * يضاعفْ عليك الرزق من كل جانبِ. (علي بن أبي طالب).
الأول يعيش على هامش الحياة، لا يهتم إلا بنفسه، ولا يكترث بمصالح الناس، ولا يلقي بالا للمصلحة العامة، فيموت دون أن يدري به أحد، لأن موته لا يغير شيئا في حياة الناس، ولا ينقص الكون محسنا بفقده، ولا يخسر مصلحا بموته، فيخرج من الدنيا غير مأسوف عليه.
والثاني يعيش الحياة بكل معانيها، ويقدم مصلحة الناس على مصلحته، ويكثر من الإحسان إلى الناس، ويكون عضوا فاعلا ومؤثرا ونافعا في المجتمع .
إن مات حزن الناس لفراقه وافتقدوا إحسانه وحنوا إليه، بل إن كان من المسلمين المتقين بكى عليه مكان سجوده وصلاته.
وكلما زاد هذا الشعور، زادت معه قيمة الإنسان، فكن أخي رقما إيجابيا، وإياك أن تكون صفرا؛ أو تكون رقما سلبيا لا يسلم الناس من شره وأذاه، فذلك الذي يقال عند وفاته: الحمد لله! استراح منه الناس.
ومن منا لا يريد أن يكون رقما صعبا في هذه الحياة الصعبة، ومؤثرا في الآخرين، فالانسان الذي لا يزيد شيئا في دنياه فهو زائد عليها.
وصاحب الهمة لا يرضى بغير القمة، إن صدق الله بنيته في أقواله وأعماله صدقه الله وأعانه، وهداه ورعاه ووقاه.
ما أحسن قول قطري بن الفجاءة:
سَـبـيلُ اَلَمْوتِ غايَةُ كُـلّ حَـيٍّ * فَدَاعِيــهِ لأَهْـــلِ الأَرْضِ داعٍ
وَمَنْ لاَ يُعْتَبَطْ يَسْـأَمْ وَيَهْـرَمْ * وَتُسْـلِمْهُ الْمَنُونُ إِلى انْقِطاعِ
وَمَا لِلْمَرْءِ خــيْرٌ فِــي حَيَـاةٍ * إِذَا مَا عُــدَّ مِـنْ سَــقَطِ المتَـاعِ
وما أجمل قول الشيخ ابن باديس رحمه الله جوابا عن السؤال مطلع المقال: س: لمن أعيش أنا؟ ج: أعيش للإسلام والجزائر. وختم المقال: والآن وقد فهمتموني وعرفتم سمو فكرة العيش للإسلام والجزائر فهل تعيشون مثلي للإسلام والجزائر؟ نعم! نعم! بصوت واحد. فلنقل كلنا: ليحيي الإسلام! لتحيا الجزائر.
المرجع: «لمن أعيش» ملخص محاضرة ألقاها الشيخ عبد الحميد على أعضاء جمعية التربية والتعليم الإسلامية. آثار ابن باديس(3/ 233).
…فيا حبذا لو طالع المقال كل واحد منا.

جنين بورزق