فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3050.2
إعلانات


العبرة لمن لا يعتبر

العبرة لمن لا يعتبر

المجتمعات في طريق التحول والتغير، عادة ما تأخذ وقتا، يكون بمثابة مرحلة انتقال من محطة زمنية وتاريخية إلى أخرى: هذه الفترات الانتقالية، بقدر ما يعول عليها وعلى سرعتها في الخروج من ضائقة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، بقدر ما تكون معقدة البنية وصعبة المراس على مستوى التمثلات والممارسات الثقافية والاجتماعية التي تولدت خلال المراحل السابقة وترعرعت وانتشرت فيها.

هذا ما يحدث عندنا اليوم: ما نسمع عنه وما نشهده وما نلمسه من ممارسات وسلوكيات وتمثلات اجتماعية ثقافية، ومنها سريان بقايا الممارسات السابقة غير السوية التي لا تتماشى والمرحلة الجديدة لمسار البلاد المتغير نحو الجديد، هذه الممارسات التي لا زلنا نشهد بقاياها إلى اليوم، ومنها بعض مظاهر الفساد والتربُّح السريع والبيروقراطية المبتزة، والتواطؤ في جرائم التسيير، وثقل وبطء عملية التحديث والتغيير والتسيير العقلاني للمؤسسات واعتبار الوظيفة حقا من دون واجبات..

كثيرا ما سمعنا وشهدنا خلال الأسابيع الأخيرة توقيفات ومحاكمات لإطارات ومسؤولين بتهم من هذا القبيل، حتى أن البعض ليتساءل: أيحدث هذا ونحن نلهج بنهج التغيير؟ هل تغيرنا فعلا؟ هل نحن فعلا نتغير؟ حتى أن هذا قد يدفع بالبعض إلى إنكار التغيير أصلا.. أسئلة من هذا النوع كثيرا ما تُطرح في كل المناسبات ونحن نسمع ونرى ممارسات شبيهة بتلك التي دخل بسببها إطارات عليا السجون ولا يزالون يحاكمون كل مرة في ملف جديد، ثم لماذا يقبل بعض المسؤولين الحاليين بالعمل بنفس التصور وبنفس الهدف وبنفس الغايات والأساليب التي عمل بها أشياعهم السابقون؟ وهل كان السابقون خير سلف للخلف؟ وما السبب في هذا السلوك؟ ألا يتعظ هؤلاء مما يرون ويسمعون ويشاهدون؟

أسئلة كثيرة تراود المتابع في هذه المرحلة التي نعتبرها فعلا مرحلة انتقالية، خلافا لكل المراحل التي كانت تزعم بأنها انتقالية، حتى صرنا نعيش مسلسلا من مراحل انتقالية لا يتقطع. في الواقع، كنا نعيش مرحلة واحدة منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولم تكن مرحلة انتقالية، اللهم إلا إذا اعتبرنا 30 سنة مرحلة انتقالية نحو الأسفل والهاوية.

السبب في بقاء هذه الممارسات اليوم يكمن، إضافة إلى ذكر تعقيدات المراحل الانتقالية في التغير الثقافي والذهني وثقله وطول مدته، يكمن باعتقادنا في سببين رئيسين: الأول، يتمثل في اعتقاد البعض من هؤلاء المسؤولين، أن يد العدالة لن تطالهم لسبب أو لآخر: إما أنه يتصور بأن محاكمات “العصابة”، إنما كانت لثأر سياسي أو بدواعي تصفية حسابات، مما يعني أن هذه المحاكمات إنما كانت حملة ظرفية، وانتهى الأمر مع دخول مقترفيها السجون. وهؤلاء، فيما يبدو، لا يفقهون كثيرا ما يحدث. لأن ما يحدث هو تغيير جوهري وليس تبدلا في السلطة فقط: إنه تحول بـ180 درجة في كل شيء، وحتى إذا بدت الأمور وكأنّها لا تتغير بالسرعة المطلوبة، فهذا لا يعني أن الجديد هو نفسه القديم وأنه لا شيء تغير وأن القديم قد جاء في ثوب جديد، كما يحاول بعض من المرجفين في المدينة أن يُفهموا العامّة والخاصة وهم العميُ الذين عموا عما يحدث. هذا الصنف من المسؤولين هم صنفٌ من هذه الأصناف: هم لا يعقلون ولا يفهمون ولا يعون أن عجلة التغيير هذه المرة لن تترك أحدا يعود إلى ما سلف وعليهم أن يأخذوا العبرة ممن سبقهم خاصة أولئك الذي صاروا عبرة لمن لا يعتبر.

السبب الثاني يكمن في بقاء ذهنية الماضي كطاقة سالبة هي من تشير إلى العقل المسيَّر بالسير على هذا النحو أو ذاك. البعض منهم لا يحب التغيير، فالتغيير يثقل كاهله ويتعبه، وهو لا يحب التعب ولا يريد أن يغير من عاداته في التسيير من خلف الكرسي الوثير، فيركن إلى الراحة ويسيِّر الأمور عبر التسبب في التسيب الذي يتسبب في هدر المال العامّ وذهاب الهمم وأخلاق العمل والمسؤولية، حتى إذا لم يكن استفاد من ذلك، فإنّ آخرين استفادوا منه بسبب تقاعسه.. هذا في أحسن الأحوال إن لم تكن له هو ذاته عينه، اليد الطولى في در ضرع البقرة الحلوب.

عمار يزلي

2022/06/13


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة