فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3063.97
إعلانات


فوكوياما: حرب بوتين تنهي «نهاية التاريخ» منذ 13 ساعة سعدون يخلف / كاتب جزائري


الجمعة , 11 مارس , 2022


فوكوياما: حرب بوتين تنهي «نهاية التاريخ»                                                                         
منذ 13 ساعة

سعدون يخلف / كاتب جزائري


ما زال العالم يعيش على وقع خطابات نهاية الحرب الباردة، التي وإن كانت متعددة، إلا أنّ أشهرها كان خطابين اثنين: الأول متفائل، والآخر موغل في التّشاؤم، كان الأول يرى أنّ العالم بانتصار الولايات المتحدة الأمريكية يكون قد دخل إلى مرحلة ما بعد التاريخ، وأنّ البشرية وجدت ضالتها في النموذج الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية. إيقاع هذا الخطاب ضبطه الفيلسوف فرانسيس فوكوياما، أمّا الثاني فيتمثل في أطروحة صموئيل هنتنغتون، التي ترى أنّ العالم بعد سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفييتي، تجاوز الأيديولوجية، وهو بعد الآن مقبل على صدامٍ بين الحضارات، جاعلا من الدين أو الثقافة العامل الأساسي المتحكم في هذا الصدام؛ على هذا الأساس، قسّم الحضارات بحسب نوعها إلى سبْعٍ حضارات أو ثماني حضارات، لكن، الحضارات التي تستطيع أن تنافس الغرب، وتتصادم مع قيمه، وتحدُّ من هيمنته، حددها في ثلاث حضارات، هي مرتبة على هذا الشكل: حضارة الإسلام، الحضارة الكونفوشوسية (الصين)، وروسيا (الأرثوذكسية).
يتميز خطاب نهاية التاريخ بالسعي إلى تحقيق السلام، أو هكذا يبدو، في حين يتسم خطاب الصدام بإشاعة الحرب، واللافت أنّ العالم بعد نهاية الحرب الباردة انزلق إلى وحل الحروب في العديد من مناطق العالم، لتزداد وتيرتها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، خاصة في المنطقة العربية؛ كانت مبررات الغرب آنذاك أن مهمته الحضارية تقتضي أن يؤديها في المناطق، التي تعيش في ظل الديكتاتورية والقهر، فكان التدخل الغربي من أجل نشر قيم الديمقراطية والحرية والسلام، ولأجل أداء هذه المهمة الحضارية والغاية النبيلة، يجوز الاستعانة بكل الوسائل حتى العنيفة منها، فكان غزو العراق في 2003، وقبله أفغانستان 2001.
يمكن القول إن تقارباً حدث بين الخطابين: الصدام (الحرب) والنهاية (السلام) في هذه الفترة، ذلك أن فوكوياما، داعية السلام، كان من بين المحافظين الجدد، الذين صاغوا بيان القرن الأمريكي، حيث كانت هذه الجماعة لا تستبعد خيار القوة لفرض الهيمنة الأمريكية.
كان كل ما يجري من حروبٍ ونزاعاتٍ، يحدث بعيداً عن جغرافية الغرب؛ فالغرب يعيش في مرحلة ما بعد التاريخ، حيث الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، وحيث أجواء السلام والأمن والاستقرار، لأن الديمقراطيات، كما يقال، لا تتحارب في ما بينها، فهناك طرائق دبلوماسية لحل المشكلات، وفضّ النزاعات.
غير أنّ اشتعال الحرب في البيت الأوروبي (قلب الغرب) هذه الأيام، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، يضع مقاربات الغرب على المحك، ويفتح النقاش حول جدوى يقينياته، إذ تصبح قيمه ويقينياته تحت مشرط النقد. ينبغي الإشارة، في هذا السياق، إلى أنّ فوكوياما قام بالعديد من المراجعات حول أطروحته، ولعل ذلك راجع، في الأساس، إلى الأزمات والحروب التي نشبت في العالم، منذ دخوله إلى القطبية الأحادية؛ فالبشرية لم تنعم بالعيش السعيد في الفردوس الغربي، الذي سوّق له فوكوياما، وأنه لم يستطع أن يُسكت أصوات المدافع، ولم يقضِ على الجوع والفقر، ولم يحقق العدالة والمساواة.

الأزمة الأوكرانية

تأتي الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لتضع خطاب فوكوياما حول نهاية التاريخ في مأزق جديد وصعب، معرّيةً الغرب أمام العالم، فهو ما عاد ينعم بالسّلام والأمن، وأن ذلك الانسجام الذي أظهره، بادعائه أنه تخلّص من التناقضات الموجودة فيه، لم يكن حقيقياً، وها هو ذا اليوم يستدعي لغة الحرب لحل الخلافات بين دوله؛ قد يقول قائل إنّ الحرب جاءت من خارج الغرب، أي أن المعتدي هو روسيا، والمعتدى عليه هو أوكرانيا، لكن، هذا لا ينفي بأنه فشل في نقل نموذجه إلى التّخوم المحاذية له، القريبة منه، في عاداته وقيمه، فكيف له أن ينجح في نقله إلى الأماكن البعيدة، المختلفة عنه في قيمه وثقافته؟!

عالم بوتين

لقد شكلت الحرب التي شنها بوتين ضد أوكرانيا صدمة كبيرة في الغرب، ما جعل فوكوياما يصفها بأنها «حرب بوتين على النظام الليبرالي»، هذا الوصف هو عنوان مقاله الجديد المنشور في صحيفة «فايننشال تايمز» الأمريكية، إذ يرى أننا: «نعيش جميعاً في عالم فلاديمير بوتين الآن»، واصفاً ما أقدم عليه في 24 فبراير/شباط، عندما غزا أوكرانيا بأنّه «نقطة تحول حاسمة في تاريخ العالم»، من شأنها أن تنهي حقبة مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ما يعني، في التحليل الأخير، عودة التاريخ، في هذا الصدد يكتب عن هذه اللحظة: «أنها تشير إلى نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة، وتراجع أوروبا الكاملة والحرة، التي اعتقدنا أنها ظهرت بعد عام 1991، أو في الواقع، نهاية نهاية التاريخ».

تداعيات حرب أوكرانيا

يرى فوكوياما أن تداعيات الهجوم الروسي ضد أوكرانيا ستتجاوز حدودها، وتأثيره سيمتد إلى بقاع أخرى من العالم، نافياً، في الوقت ذاته، أن يكون بوتين قادراً على تحقيق أهدافه، حتى لو استطاع كسب الحرب، وتمكن من تحقيق نصر سريع، لكن، المعركة ستطول، فالأوكرانيون لن ينظروا إلى بوتين كمخلص أو محرر، بل كمغتصب لأرضهم، ومحتل لوطنهم: «لقد أثار بوتين عش الدبابير الغاضب، حيث أظهر الأوكرانيون من جميع الأطياف درجة غير مسبوقة من المثابرة والوحدة الوطنية، حتى لو استولى بوتين على كييف، وعزل الرئيس فولوديمير زيلينسكي، فلن يتمكن على المدى الطويل من إخضاع دولة غاضبة»، بالإضافة إلى المقاومة الشعبية، يعول فوكوياما على المقاومة الخارجية، من طرف العالم الديمقراطي وحلف الناتو، لأجل إفشال طموحات بوتين التوسعية، وذلك بالاستعانة بكل الوسائل المتاحة، لعل أبرزها حتى الآن العقوبات الاقتصادية، حيث يقول: «سيواجه (بوتين) عالماً ديمقراطياً وحلف الناتو موحداً ومعبّأ كما لم يحدث من قبل، الأمر الذي فرض عقوبات مكلفة على الاقتصاد الروسي». بوتين، بحسب فوكوياما، متعلق بالأوهام، ويعيش في حالة فوبيا من حلف الناتو والغرب، ذلك أن انضمام أوكرانيا إلى الحلف، إلى حدِّ هذه اللحظة، كان مجرد «كلام نظري»، والتسويق بفاشية ونازية أوكرانيا، أو أن هناك أعمال إبادة جماعية ضد السكان الناطقين بالروسية في دونباس هي، في الحقيقة، «تبريرات كل واحد منها أكثر سخافة من الآخر».

لكن، ما هو مؤكد، بحسب فوكوياما، أن بوتين يخشى أوكرانيا الديمقراطية، لأن من شأن ذلك، أن يثير شهية الشعب الروسي في النموذج الديمقراطي، وهذا يشكل تهديداً كبيراً على نظام بوتين. أمّا عن تأثير حرب بوتين في العالم، فيرى فوكوياما أنّ الحرب إذا حققت أهدافها، فإنها ستلهم الصين في تنفيذ مخططها في ضم تايوان، في المقابل، ستزيد في إذلال أمريكا، بإظهار أن وعودها والناتو «مجرد وعود جوفاء»، و«التعاون بين الديمقراطيات مجرد سراب».

وعلى الرّغم من هذه النهاية غير السعيدة لـ«نهاية التاريخ»، إلا أن فوكوياما يُبقي الأمل قائماً، فالنهاية قد تعود من جديد، ذلك أن«روح 1989»، في إشارة إلى انتصار الرأسمالية، ما «تزال حية في ركنهم من العالم، بالنسبة لبقيتنا، كانت نائمة ويتم إيقاظها من جديد».

عودة التاريخ

ينهي فوكوياما في مقاله حياة نظريته، التي أثبت الزمن بأنها لا تصمد أمام مفاجآت التاريخ ومكره، فالتاريخ ليس له نهاية في العالم الأرضي، ما دام ينبض بالحركة والحياة؛ فالبشر مفطورون على حبِّ السيطرة، وعلى السعي نحو المجد، والتطلع إلى الاعتراف، وهذا كله يقتضي التدافع والصراع، ولعل الحرب من بين الأدوات الضرورية لتحقيق هذه الغايات، كما أنّه من الصعب أن تقولب البشرية وفق نظام حياتي واحد؛ فضلا عن أن أي نظام، مهما كان، هو معرض لأزمات، قد تخلق فيه روحاً جديدة للاستمرار في الحياة أو العكس، لذا، يرى فوكوياما أنّ الأزمة الحالية أظهرت: «أننا لا نستطيع أن نأخذ النظام العالمي الليبرالي الحالي كأمرٍ مسلَّم به. إنه شيءٌ يجب أن نكافح من أجله باستمرار، وسيختفي بمجرّد أنْ نخفّف من حذرنا».
على ضوء ما سبق، فإن المشكلات أمر طبيعي في أي مجتمع، والمجتمعات الليبرالية لا تشذ عن هذه القاعدة، معترفاً، في الوقت نفسه، بأن بوتين لن يكون التّحدي الأخير؛ إذ يقول: «المشكلات التي تواجه المجتمعات الليبرالية اليوم لم تبدأ ولم تنته مع بوتين، وسنواجه تحدّيات خطيرة للغاية»، وبالنسبة للتحدي الأكبر الذي يواجه النظام الليبرالي، بالإضافة إلى الأنظمة الاستبدادية، كالصيني والروسي، فيتمثل في تراجع الحرية نتيجة صعود الشّعبوية والليبرالية والقومية في الديمقراطيات العريقة، في هذا الصدد يكتب: «تعرّضت الليبرالية للهجوم منذ بعض الوقت، من اليمين واليسار. تشير فريدوم هاوس في استطلاعها (الحرية في العالم) لعام 2022 إلى أن الحرية العالمية قد تراجعت في المجمل الآن مُدّة 16 عاماً على التوالي، لم تتراجع فقط بسبب صعود القوى الاستبدادية مثل روسيا والصين، ولكن أيضاً بسبب التحوُّل نحو الشعبوية الليبرالية والقومية داخل الديمقراطيات الليبرالية القديمة مثل، الولايات المتحدة والهند».
وعلى الرّغم من هذه النهاية غير السعيدة لـ«نهاية التاريخ»، إلا أن فوكوياما يُبقي الأمل قائماً، فالنهاية قد تعود من جديد، ذلك أن«روح 1989»، في إشارة إلى انتصار الرأسمالية، ما «تزال حية في ركنهم من العالم، بالنسبة لبقيتنا، كانت نائمة ويتم إيقاظها من جديد».

الليبرالية الجديدة

لم يفوت فوكوياما الفرصة لكي يرافع للنظام الليبرالي، باعتباره النظام الأفضل، على الرّغم من الأزمات التي تعرض لها أو المساوئ التي يتميز بها، مبيناً، في الوقت ذاته، الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة، حيث يرى أنّ تقويض الليبرالية الكلاسيكية على مر سنين، يعود في الأساس، إلى التفسيرات المتعددة، التي لم تراع مستوى الرفاهية والمساواة، محملا مسؤولية ذلك إلى الليبرالية الجديدة، التي ألّهت الأسواق وشيطنت الدولة، باعتبارها عدواً للنمو الاقتصادي والحرية، هذه النظرية مستوحاة من أفكار ميلتون فريدمان ومدرسة شيكاغو، ما أدى، في الأخير، إلى تقليص دولة الرفاهية والتنظيم، حيث أصبح الأفراد بلا حماية أمام تقلبات السوق، فكان من نتائج تخفيض الإنفاق الاجتماعي اتساع هوّة عدم المساواة، وازدياد الظلم الاجتماعي، في هذا الصدد يقول: «أدت التخفيضات في الإنفاق الاجتماعي وقطاعات الدولة إلى إزالة الحواجز التي تحمي الأفراد من تقلبات السوق، ما أدى إلى زيادات كبيرة في عدم المساواة على مدى الجيلين الماضيين». وهو هنا، يحاول أن يقلل من حجم الأزمات، التي واجهت النظام الليبرالي، أزمات قوّضت أسسه، وزعزعت أركانه، وشككت في يقينياته، وعلى الرغم من كل ذلك، فإن هذا النظام ما زال صالحاً للبشرية في حالة ما إذا تصالح مع الدولة، ووضع قيوداً تحدّ من الأسواق، وجعل من مسألة الرّفاهية والمساواة أولويةً في إصلاحاته.

كاتب جزائري


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة