فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3063.97
إعلانات


فضيلة فن الإنصات/

28فيفري 2022

فضيلة فن الإنصات

اسلاميات 28 فيفري 2022 (منذ 11 ساعة) أ-د-

 

إنّ من محاسن الآداب وفضائل الأخلاق وجميل الصّفات حسن الإنصات والاستماع؛ فهو خصلة رفيعة ومهارة عالية قلّ مَن يحسنها. والإنصات فضيلة حسنة، ولكنّها منسية في أروقة حياتنا اليومية. والإنصات الجيّد سلوك حضاري، وهو أحد عناصر عملية اتّصالك الصّحيح مع من حولك، فضلًا عن أنّ مَن يتحلّى بقوّة الإصغاء ويدرّب نفسه على إتقانه يضمن حوارًا راقيًا واعترافًا حقيقيًا بالآخر.

يُعرَف الإنصات «الإصغاء» بأنّه قدرة الشّخص على الانتباه والتّركيز أثناء تلقّي المعلومة ثمّ التّأمّل والتّفكير بهذه المعلومة، ولا شكّ أنّ الإنصات مهارة تحتاج إلى بذل جهد وتركيز من قبل المتلقّي، ولذلك فإنّنا نجد أنّ هناك فروقًا فردية كثيرة بين الأشخاص فيما يتعلّق بالإنصات.

ومهارة الإنصات من أهمّ المهارات الّتي يتميّز بها شخص، ليس فقط على الصعيد الشّخصي وإنّما أيضًا على الصعيد المهني، فهي لا تسمح لك فقط بخلق مساحة ثقة وتعزّز التّواصل مع الدوائر الاجتماعية المختلفة فقط، وإنّما أيضًا تعمل على توطيد العلاقات المهنية سواء مع زملاء العمل أو مع العملاء باختلاف توجّهاتهم.

 



وحسن الإنصات مبدأ من الأهمية بمكان في الحوار؛ وهو فن عظيم من فنون التّعامل مع الآخرين، وكما هو أدب من آداب الحوار، فهو أيضًا أدب مطلوب من آداب الحديث؛ لذا يقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: “اسْتَنْصِتِ النّاسَ”.


وممّا يلاحظ أنّ الكثير من المجالس مع الآخرين لا يراعى فيها آداب الاستماع، وحسن الإنصات، فما أن يبدأ شخص ما في طرح فكرة معيّنة، حتّى يقوم آخر باقتحام الحديث عليه، والأشرُّ من ذلك أن يسكته ويُكمل هو، ويُمسك دفّة الحديث، ولا يبالي بمشاعر المتحدّث.

لقد تضافرت النّصوص من الكتاب والسُّنّة وأقوال السّلف في وجوب حفظ اللّسان وعدم إطلاق العنان له فيما لا خير فيه من الكلام، ولقد كان صلى الله عليه وسلم خير منصت، يستمع للرّجل والمرأة والصغير والكبير والمسلم والكافر.

ولا غروَ في ذلك فقد أحسن النّاس خُلقًا وأشدّهم تواضعًا، استمع لزوجه أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تقصُّ عليه حديث أمّ زرع الطويل فأقبل عليها ولم يقاطعها أو يزد في حديثها، حتّى إذا فرغت رفع قدرها وأسعد قلبها بقوله: “كنتُ لك كأبي زرع لأمّ زرع”، وحينما جاءه عتبة بن ربيعة رسولًا من قريش يعرض عليه أمورًا يريد أن يصدّه بها عن دعوته أنصت له وأقبل عليه حتّى إذا انتهى من كلامه قال له صلى الله عليه وسلم: “أفرغت يا أبا الوليد؟” قال: نعم، قال: “فاسمع منّي”



وفيما يلي بعض الآيات من كتاب الله يتجلَّى فيها أدب الاستماع، وفنُّ الإنصات، يقول سبحانه حاكيًا على لسان نبيّه سليمان عليه السّلام: {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}، فسليمان عليه السّلام أخذ بتوجيه سؤال لمن حوله، ثمّ أحسَنَ الإنصات واستمع للإجابة، فكانت إجابة الأوّل: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ?، مع أنّ الجواب يكفي من دون قوله: {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}، ومع هذه الإضافة الّتي مدح فيها العفريت نفسه، إلّا أنّ نبيّ الله سليمان أرهف له السّمع وتركه يتكلّم حتّى أتمَّ كلامَه.

ثمّ أجاب الثاني: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}، فمِن هذا المثال القرآني البديع، وغيره كثير، يتبيّن لنا أهمية الاستماع، وحسن الإنصات، وأنّ له شأنًا وقيمة كبرى في التّعامل مع الآخرين، وكسب وُدّهم، والدخول معهم في علاقات طيّبة ومثمرة.
كما وردت آثار كثيرة عن السّلف في الحثّ على هذا الأدب الحسن وتربية النّاس عليه، قال الحسن بن عليّ رضي الله عنه مؤدّبًا ابنه: ‘يا بُني، إذا جالستَ العلماء فكن على أن تسمع أحرص على أن تقول، وتعلّم حُسن الاستماع كما تتعلّم حُسن الكلام، ولا تقطع على أحد حديثًا وإن طال حتّى يمسك’. وقال الحسن البصري: ‘إذا جالستَ الجهّال فأنصِت لهم؛ وإذا جالست العلماء فأنصِت لهم؛ فإنّ في إنصاتك للجهّال زيادة في الحِلْم، وإنّ في إنصاتك للعلماء زيادة في العِلم’.

والنّاس يُحبّون مَن يسمع لهم، ويقدّر آراءهم ويشعرهم بأهمّيتهم، والمستمع الجيّد يكسب المزيد من المعلومات، ويفهم النّفسيات، ويعرف الحاجات، ويَسْلَم من كثير من الآفات والفلتات، وينجح في بناء الصّداقات والعلاقات، ويسمو في أعين الأفراد والجماعات، ويمتصّ انفعالات الغضب المدمّرة، ويساعد في اتّخاذ القرار السّليم.

ولقد فطن الغربيون لهذا الأدب وعدُّوه عاملًا مهمًّا من عوامل النّجاح وركنًا أصيلًا من أركان التّواصل الفعّال، وألّفوا فيه المؤلّفات وعقدوا له الدورات، ونحن المسلمين أحقّ بإتقانه منهم لأنّنا نعتبره دينًا قبل أن نعدّه مهارة من مهارات النّجاح في الحياة.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة