فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3065.62
إعلانات


هجرة الأدمغة العلمية للخارج نزيف قاتل لمنظومتنا الصحية

هجرة الأدمغة العلمية للخارج نزيف قاتل لمنظومتنا الصحية

المطور أرسل بريدا إلكترونيا الأربعاء 15 رجب 1443? 16-2-2022م

أ. محمد مصطفى حابس *

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع بعد الخبر الذي تداولته تقارير إعلامية، والمتعلق بسعي 1200 طبيب إلى مغادرة البلاد والتوجه للعمل بالمستشفيات الفرنسية، اعتمادا على تصريحات أدلى بها رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، لياس مرابط، إذ دعا مدونون إلى التدخل لـ”إيقاف هذا النزيف”.

وقال المسؤول النقابي إن 1200 طبيب جزائري نجحوا في مسابقة معادلة الشهادات التي أجريت مؤخرا بفرنسا، الأمر الذي قد يؤهلهم إلى العمل هناك مستقبلا ..
وقد أحيا هذا الخبر الجدل المتواصل حول واقع الصحة المريض بالجزائر منذ عقود، على خلفية المشاكل العديدة التي يعاني منها، خاصة في الشق المرتبط بنقص الأجهزة والأطر والكفاءات داخل المؤسسات الصحية.
وشهدت الجزائر، خلال السنوات الماضية، نزيفا حادا في الأطباء بسبب رحيل العشرات بل المئات منهم سنويا، خاصة في بعض التخصصات الدقيقة، نحو مستشفيات في الخارج، على رأسها تلك المتواجدة في فرنسا، وفرنسا تسعى منذ أكثر من عقد كجارتها سويسرا إلى توفير طبيب عام لكل ألف ساكن على الأقل، حسب الإحصائيات الرسمية السويسرية..
وتشير أرقام صادرة عن مجلس عمادة أطباء فرنسا إلى أن عدد الأطباء الجزائريين يشكلون ما نسبته 25 بالمائة من إجمالي “أصحاب البدلات البيضاء” القادمين من البلدان الأجنبية، وبتعداد فاق 5 آلاف طبيب.
وتعليقا على خبر رحيل 1200 طبيب جزائري جديد نحو فرنسا، ذكرت صفحة “أطباء”، التي تهتم بواقع الأطباء والصحة في الجزائر، عبر صفحتها في فيسبوك، أن “الأمر ليس بالجديد.. حيث أشار مجلس عمادة الأطباء الجزائريين إلى أن هناك نزيفا كبيرا يقدر بأكثر من 1000 طبيب سنويا يغادرون أرض الوطن نحو فرنسا وحدها .. دون ذكر من يتوجهون لبلدان أخرى مثل السعودية ودول الخليج وغيرها..
وكنا قد حذرنا من هذا النزيف منذ سنوات خلت لما خرج الأطباء يطالبون بتسوية وضعيتهم المالية والاجتماعية، فقابلتهم قوى القمع بالهراوات في عهد الرئيس المخلوع، بمقال مطول، تحت عنوان “هجرة الأدمغة الطبية لفرنسا ذهابا بغير رجعة”.. نزيف قاتل لمنظوماتنا الصحية !! تجدر الإشارة إلى أن الأطباء المضربين يومها كانوا قد أعربوا عن استيائهم الواسع من تعليمات مجلس عمادة الأطباء، معتبرين ذلك تعديا صارخا على الحريات الشخصية التي يكفلها القانون المحلي والدولي، معتبرين أنفسهم رهائن ومحتجزين في سجن كبير اسمه “التراب الوطني”، على حد تعبير أحد الأطباء، الذي وظف يومها في إحدى المستشفيات الفرنسية بضواحي باريس، وكان يشتغل جراحا متفوقا في مصلحة جراحة القلب التي يشرف عليها البروفيسور سليم بن خدة (ابن الرئيس الأسبق بن يوسف بن خدة- رحمه الله)، بمستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة، إلا أنه فضل الهجرة للخارج، لتوفر التسهيلات الماديات والتقنيات التي تمكنه من كسب خبرات جديدة، حسب زعمه..
وقد اقترح بعضهم يومها وفق توصيات متخصصين، العناية القصوى بهذا السلك الحيوي والتعليم بصفة عامة، وحتى السياحة الطبية التي استطاعت أن تستثمر فيها دول شقيقة وصديقة، أقل شأنا منا بكثير، كتونس والأردن وتركيا وغيرها.. لأن “هجرة العقول” أو “هجرة الأدمغة” نزيف حقيقي يشل المجتمعات ويفقرها، كما تعد المنطقة العربية أكثر المناطق التي يضطر علماؤها وكفاءاتها إلى الهجرة وهم من المهندسين والأطباء وعلماء الذرة والفضاء، حيث أن أكبر نسبة مهاجرين للأدمغة في العالم من سكان المنطقة العربية..
وقد أظهرت بعض الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي، أن العالم العربي يساهم في ثلث هِجرة الكفاءات من البلدان النامية، وتذكر بعض التقارير أن 54% من الطلاب العرب، الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم، مما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية في عالمنا العربي..
من هذه الدول، طبعا دول المغرب العربي، والجزائر خصوصا، التي ساهم قربها من أوروبا، إذ هي على مرمى حجر من الحضارة الغربية في الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط !! وقد كتبت منذ ثلاث أو أربع سنوات خلت، مقالات مطولة عن سير نجاح بعض العقول العربية المهاجرة في الغرب، مثل ما كَتبتُه عن قصة نجاح، الجَرَّاح الجزائري اللامع الذي قاطعته فرنسا، فاستفادت منه ومن إبداعاته أمريكا، أعني بذلك الدكتور محمد رضا سويلاماس استشاري جراحة الصدر بمعهد القلب والأوعية الدموية في مستشفى كليفلاند كلينك في أبو ظبي حاليا، وهذا الطبيب الجزائري شغل عدة مناصب في مستشفيات أوروبية وعمل كطبيب أخصائي في قسم جراحة الصدر في مستشفى إيراسموس في بروكسيل ببلجيكا، وكان سابقاً مديراً لبرنامج زرع الرئة للتليف الكيسي في مستشفى جورج بومبيدو في باريس بفرنسا، إلا أن فرنسا لم تعطه كامل حقوقه، وتآمرت بعض الجهات الفرنسية ضده، بالعقلية الاستعمارية المعهودة لديهم عموما، فاضطر الطبيب الجزائري لحزم حقائبه ورحل إلى أمريكا في العام 2009 لتفتح له الأبواب على مصراعيها بمخابر آخر صيحات التكنولوجيا الطبية، فعمل أستاذاً زائرا في قسمي جراحة الصدر وزرع الرئة في مستشفى كولومبيا الجامعي في مدينة نيويورك.. وألف هذا البروفيسور كتابا بالفرنسية يحكي فيه المؤامرة الفرنسية ضده تحت عنوان “لون المشرط”.
La couleur du bistouri, du Dr Rédha Souilamas, aux éditions Naïve
واليوم أعود لأميط اللثام عن هجرة العقول الجزائرية للخارج، نظرا لما يتعرض له هذه السنوات ليس فقط سلك التعليم من تدجين وتجهيل ومحاصرة، بل ما يعانيه الأطباء بعد سلسلة الاحتجاجات والإضرابات التي قاموا بها في السنوات الأخيرة قصد تحسين أوضاعهم التعيسة، مما جعل بعضهم يخبرني بأسف شديد بقوله “سيضطر بعضهم للحرقة حتى في قوارب الموت” دون تردد ومهما كان الثمن في رحلة “سفينة المجهول”، قصد الهجرة للغرب ذهابا بغير رجعة، غير عابئين بالمخاطر، وقد أكد لنا بعضهم أنه صحيح وصل إلى فرنسا هو وزملاءه وهو مرغم على البقاء في فرنسا مدة عامين أو ثلاث تقريبا وفق ما ينص عليه العقد، بعدها ستكون وجهته، الدول الناطقة بالإنكليزية كبريطانيا وأمريكا لإتمام الدراسات العليا من جهة، وطبعا من جهة ثانية حتى الراتب في فرنسا لا يتعدى 3 أو 4 آلاف أورو، وهي لا تكفي للمعيشة بأريحية في بلاد الغرب، كما أردفت طبيبة جزائرية أخرى أنها تنوي هي أيضا مغادرة فرنسا، لأن حتى الطبيبات الفرنسيات أغلبهن يفضلن العمل في سويسرا أو بريطانيا أو غيرها، لأن الأجور هناك أضعاف ما يدفع لهن في المستشفيات الفرنسية، مبينة أن راتب ممرضة في سويسرا أغلى أحيانا من راتب طبيب في فرنسا..
أمام هذه الهجرة المروعة للسلك الطبي في بلادنا والتي يراها بعضهم شرعية أمام عجرفة الوزارة الوصية وسوء تقدير”السيستام” الحاكم بصفة عامة لجهودهم، ويراه بعضهم الآخر، الحل النهائي من باب “آخر الدواء الكي” لا رجعة بعد ذلك .. لا يجب أن ننسى أن هناك تجارب مشابهة لدول العالم الثالث وقفت ضد التيار، رغم الداء المستفحل، لم تؤثر هذه الخرجات على عامة الأطباء والممرضين الذين فضلوا البقاء في الميدان رغم عسرة هضم آلام الامتحان المادي عموما والاعتباري خاصة، كالسلك الطبي في كوبا الذي حاصرته أمريكا من كل جانب، فبقي شامخا رغم الحصار والدمار، نفس الشيء قد يقال، عنما جرى للمنظومة الطبية في المشرق العربي في سوريا والعراق وغيرهما، رغم ذلك أقول، أن “فرنسا” المستكبرة و بتسهيلاتها الماكرة لا يجب أن تكون قبلة عقولنا المهاجرة، لأنها ستغدر بهم مثل ما غدرت بغيرهم طوال الدهر الغابر طال الأجل أو قصر، مثل ما أشرنا لذلك في بداية مقالنا حول محاولة الغدر التي تعرض لها البروفيسور محمد رضا سويلاماس.. أو كما غدرت بعقول سابقة ولاحقة عربية وإسلامية، إنها سياسة مدرسة “لويس ماسينون” الاستعمارية، التي غدرت بعقول كثر، وما المكر الذي أصاب حتى بعض المفكرين ببعيد، أمثال ما وقع في فرنسا للمفكر حمودة بن الساعي وزميله مالك بن نبي في القرن الماضي، رحمهما الله.. والمكر مستمر من المستكبر وأذنابه على أصحاب الأيادي المتوضئة اليوم وكل يوم !! وفي المدة الأخيرة غدرت فرنسا ولازالت تغدر بمجموعات كبيرة من أصحاب المبادئ والثوابت الوطنية، أمثال المؤامرة التي تتعرض لها هذه الأيام خصوصا المسلمات الرياضيات، لإجبارهن على خلع الحجاب علما أن كل الوكالات الرياضية الدولية المعتمدة في كل الفنون، تسمح باللباس الإسلامي، وهو ما نشاهده هذه الأيام في الألعاب الأولمبية بالعاصمة الصينية بيكين، بحيث تألقت بعض الرياضيات المسلمات بحجابهن، دون حرج..
ولله در رائد النهضة الجزائرية العلامة ابن باديس، الذي سجَّل رحمه الله، في مجَلته الشهاب – الصادرة في الجزء العَاشر الـمُجلَّد الخامس بتاريخ غُرَّة جمادى الثانية 1348هـ – نوفمبر 1929م – الصفات التي يجبُ أن يتحلَّى بها الرَجُل الـمُسلمُ الجزائري، والـمرأةُ المسلمةُ الجزائريةُ، مُركزًا اهتمامهُ على الجانب العلمي للمرأة فيقول:”….إذا أردتم إصلاحها الحقيقي فارفَعوا حجاب الجَهل عن عَقلها قبل أن ترفعوُا حجاب السِّترِ عن وَجهها، فإن حجاب الجهل هو الذي أخرَّها، وأمَّا حجابُ السِّتر فإنه ما ضرَّها في زمان تَقَدُّمها، فقد بلغت بنات بغداد، وبنات قرطبة، وبنات بجاية، مكانًا عليا في العلم وهُنَّ مُتَحجِّباتٌ…؟!” .

* كاتب وباحث جزائري مقيم بجنيف / سويسرا

محمد مصطفى حابس هجرة الأدمغة العلمية للخارج نزيف قاتل لمنظومتنا الصحية


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة