فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3062.75
إعلانات


ما لا يجــــوز فــي حــق الــرمــــوز!

ما لا يجــــوز فــي حــق الــرمــــوز!                             

رموز أمة ما، هم كنوزها، وهم عنوان سؤددها وبروزها، فإذا كان المسجد في القرية أو المدينة هو المعلم الجغرافي الذي به يهتدي السائحون والمؤمنون، فإن الرمز الوطني في البلاد هو المعلم الحضاري الذي به يهتدي المؤرخون في وصف ذلك البلد.
نقول في الجزائر أن مدينة ابن باديس هي قسنطينة، ومدينة عقبة بن نافع هي سيدي عقبة، ومدينة سيدي بومدين هي تلمسان، ومدينة سيدي الهواري هي وهران.

إن هذه الأوصاف والخصائص تؤكد مدى أهمية الرمز الديني أو السياسي في حياة الأمة، لذلك ينبغي إحاطة هذه الرموز بكل معاني التقدير والوفاء، والاحترام.
على أن هذا لا يعني أن هؤلاء الرموز قد منحوا العصمة فأصبحوا كالأنبياء، أو أعطوا القداسة، فصاروا كالرهبان عند بعض الإدعياء.
إن الرموز الوطنية، ومنهم العالم، والزعيم والمجاهد والمستقيم، هم جميعا بشر يصيبون ويخطئون، ولكنهم بفضل تضحياتهم التي فاقت تضحيات الآخرين، استطاعوا أن يتربعوا على قلوب الجميع، بالحب والوفاء والاستقامة وحسن الأداء.
وبالرغم من كل هذا، فإن هؤلاء الزعماء الرموز، يجوز في حقهم النقد البناء، والتقييم من حيث البذل والعطاء، فنعدد أخطاءهم إن وجدت، ونصحح هفواتهم إن ثبتت، ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نكفرهم أو أن نخطئهم.
كما لا يمكن فتح الباب على مصراعيه في عملية التقييم، فللمنهج النقدي في العلوم قواعد، ومبادئ وقوانين، لا يأتيها ولا يحترمها إلا ذوو الاختصاص من العلماء والمؤرخين، والسياسيين.
هذه القيم العلمية والإنسانية هي التي غابت عن ساحتنا الوطنية، فوجدنا كل من «تأبط شرا» ينصب نفسه محللا سياسيا، وكل من فشل في الحياة الخاصة أو العامة يجعل نفسه مؤرخا مما يذكرنا بقول الشاعر:
تصدر للتدريس كل مدلس بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالهاكلاها، وحتى سامها كل مفلس
يحدث هذا في عهد الاختصاص الجامعي، الذي يحترم كل مثقف فيه تخصصه العلمي، فكيف إذا لم يكن عالما، ولم يكن متخصصا؟
كما أن هناك فرقا بين النقد والحقد وبين التجريح والقدح، فمن مقومات المنهج الإعلامي العلمي العمل بأدب الاختلاف والسمو عن الشكوك والظنون، وتقديم ما هو يقيني بالأدلة، والوثيقة والمتفق عليه من الفنون.
نريد تجنيب جيلنا الصاعد من الدارسين والجامعيين، حتى لا يقتفوا آثارنا في اتباع أقرب السبل في باب التضليل، ووجوب الاحترام والوفاء لمن قدموا لهذا الوطن أعمالا نافعة تشهد، وآثارا صالحة تعهد.
كما نتوق إلى بناء جيل يعلو على العرقية المقيتة، والجهوية المميتة، وادعاء الزعامة البهيتة.
إن ما يدور على ساعة الإعلام الوطني هذه الأيام من تخوين، وتجريم لرموز وطننا، السياسيين، والعسكريين، والمثقفين لأمر يندى له الجبين.
لسنا –كما سبق وأن قدمنا- ممن يؤمن بتقديس الشخص، بل إننا ممن كان ولا يزال يدعو إلى إعادة كتابة التاريخ، ولكن بجهود وعقول وأقلام المؤرخين المتخصصين، ممن أوتوا الاختصاص المطلوب، والمنهج المرغوب، وأدب الاختلاف المحبوب.
فلو أخذنا الأمير عبد القادر على سبيل المثال، هذا الذي وصفه ذوو الاختصاص بأنه «فارس العقيدة» أي الذي جمع بين السيف والقلم، وجاهد في سبيل الجزائر سبعة عشر سنة، ويعلم العدو الفرنسي نفسه ما كبدهم الأمير عبد القادر من خسائر.
حسب الأمير مجدا، إذن، أنه أبلى بلاء حسنا في سبيل مقاومة العدو الدخيل، حتى إذا تخلى عنه الشقيق والصديق، ورفاق الطريق، آثر أن يلجأ إلى تطبيق السياسة والسياسة كما نعلم جميعا، هي «فن الممكن».
ولئن كنا نترك للمؤرخين من ذوي الاختصاص قضية الحكم على المعاهدة التي وضعها الأمير مع العدو الفرنسي، فإننا نتساءل هل أضرت بالقضية الوطنية؟ أم أنها أنقذت نفوسا بشرية من أتباعه من الموت؟
إن المؤرخين هم أقدر الناس على تحليل الحدث، والحكم له أو عليه، ولكن أيا كانت أحكام المؤرخين في هذا الأمر فإن الأمير عبد القادر يبقى رمزا من رموز الدولة الجزائرية، التي كان الجزائريون الأحرار يتوقون إلى استعادتها، وإقامتها، بالبذل والتضحيات، وهو العمل الثوري النبيل الذي استأنفه جيل نوفمبر 54، وكان هواري بومدين أحد أبناء هذا الجيل.
نريد –إذن- من الإعلام الجزائري أن يسمو عن هذا الجدل العقيم، فالإعلام الذي تتوقف خدماته على نشر السب والكذب، وزرع الفتنة، لهو إعلام مخذول سلفا.
كما نريد أن نعطي القوس باريها فنسند مهمة القضايا العلمية، التاريخية المنهجية إلى العلماء المختصين، الذين لا تحكمهم نزعة إيديولوجية خرقاء، ولا قناعة عنصرية هوجاء، ولا دعوة انتقامية حمقاء.
إن الوفاء لكل من خدم الوطن بصدق يجب أن يظل، هو المنهج المشترك العملي الأعظم، به نميز الوطني من الخائن، والدعيّ من الأبيّ.
فهناك ما يجوز، وما لا يجوز في حق الرموز فليدرك العقلاء هذه الحقيقة.

 

المحرر الأثنين 18 ذو القعدة 1442? 28-6-2021م

 

أ.د. عبد الرزاق قسوم/
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة