فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3050.2
إعلانات


الرئيــــس مـــاكــــرون والإســـــــــــــــلام: أزمـــــة هويـــــة أم أزمــــة ســــوء نـيـــة؟

الرئيــــس مـــاكــــرون والإســـــــــــــــلام: أزمـــــة هويـــــة أم أزمــــة ســــوء نـيـــة؟

المحرر الأثنين 25 صفر 1442? 12-10-2020م

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين /

يجمع العارفون بقضايا الإيديولوجية، والراسخون في العلوم السياسية، والمتضلعون في القوانين الفقهية، يجمع هؤلاء جميعا على أن اللائكية كمنهج حكم، تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة، ومن ثم فهي تعتبر التدين أمرا شخصيا، وبالتالي فهي تحترم الأديان كلها على قدم المساواة.

فإذا حاد بعض الساسة عن هذا المنهج فإن العيب في الساسة وليس في منهج اللائكية، الذي لو طبق كما يجب أن يطبق لساد المجتمع الذي تطبق فيه، الاحترام المطلوب، والتسامح المرغوب، والتعايش المحبوب.
فمال بعض الساسة، ينأون عن هذا الشعار الذي يرفعونه، فيبعدونه عما خلق له، وينزلون به إلى الدرك الأسفل من التطبيق، فيفرغونه من مضمونه الصحيح، ويحولونه إلى أداة تفريق بين الناس، وإلى كل اتهامات بدون قياس.
لقد صدمنا حقا، بخطاب الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي حمل عنوان: «مخطط هجوم صد الانفصالية الإسلاموية».
ويظهر لأول وهلة من العنوان، أن الخطاب معد للعدوان على الإسلام، لا في فرنسا فحسب، بل ضد المسلمين في كامل أنحاء العالم.
فلو أن هذا الخطاب، قد صدر من زعماء اليمين الفرنسي المتطرف بزعامة «مارين لوبان» لما استغربنا ذلك، «فمن حاد عن أصله فلا سؤال عليه»، ولكن الغرابة تكمن في أن صاحب الخطاب الشاب السياسي، الذي قدم مشروعه لبلوغ منصب الرئاسة، على أنقاض المشروع العنصري المتطرف.
ولو أن خطاب الرئيس ماكرون، جاء في نطاق الإسلام في فرنسا، لوجد من بعض أتباعه من يلتمس له العذر، وإن كنا نحن لا نقره على ذلك.
غير أن منطق تدخلنا، يأتي من كون خطاب الرئيس ماكرون، كان شموليا للإسلام في العالم، واحتوى –هذا الخطاب- مجموعة من المفاهيم كلها ألغام قابلة للانفجار.
مصطلح الانفصالية، ومصطلح التأزم، ومصطلح الإرهاب، ومصطلح الهجوم، وما أشبه هذا، كله قد حواه الخطاب الفرنسي، وهو ما أثار غضب الرأي العام الإسلامي، في كل أنحاء العالم.
لقد كال الرئيس الفرنسي من التهم للإسلام والمسلمين، ما جعل كل مسلم يحس بأنه المقصود بهذه التهم.
فعندما يطالب المسؤول الفرنسي الأول بإعادة هيكلة الإسلام، وإعادة تنظيمه فإن في هذا تطاول على الذات الإلهية التي –حسب منطقه- لم تحسن تشريع هذا الدين، وبالتالي فإن المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وقناعاتهم، هم في ضلال تائهون، تعالى الله عن ذلك علوا عظيما.
ليس من شأننا التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب والدول، وإن في مسلمي فرنسا من الكفاءات والمواهب، ما يجعلنا نثق في إمكانية التصدي لمثل هذا الخطاب، بالتصحيح والتوضيح، والتصريح، من أمثال الصادق سلام ، وغالب بن الشيخ ، وجيل كيبل، وفرنسوا بورغات وغيرهم، ولكن ما نود أن نشير إليه في هذا المقام، هو أن الرئيس ماكرون، قد أخطأ الهدف، عندما ارتقى هذا المرتقى الصعب، في الهجوم على الإسلام والمسلمين.
ربما كان صاحب هذا الخطاب معذورا وهو يرى شعبيته تتناقص، بالقرب من طلب تجديد عهدته، وبداية حملته، ولكن الجالية الإسلامية في فرنسا ذات وزن ثقيل، فهل يعقل، أن تكتسب أصواتها عندما تهاجم أصولها؟
ثم إن الهجوم قام على مقدمات خاطئة فاللائكية في أصلها لا تعادي الديانات، ولا تملك حق إلغاء التشريعات. ثم لماذا تتخصص اللائكية في معاداة الإسلام دون باقي الديانات؟ كما أن الجمهورية كنظام سياسي، وقيمها، تتسع لكل القناعات ولا تضيق بأية إيديولوجيات ما لم تعلن تهديدا لقيم هذه الجمهورية.
وتعالوا بنا إلى القانون الفرنسي الجديد الذي أصدره وزير الداخلية الفرنسي والذي يقوم على أسس خمسة هي:
1- حيادية جميع المؤسسات والخدمات العامة، وعمومها لكل المواطنين.
2- مراقبة الجمعيات التي تقوم بنشر أحكام مخالفة لمبادئ وقيم الجمهورية الفرنسية.
3- منع إصدار شهادات العذرية التي تمنح للنساء، لإثبات عذريتهن، وكذلك تعزيز دور الدولة في متابعة حالات تعدد الزوجات، وتأسيس منظومة قانونية تحمي المرأة الفرنسية من قوانين الميراث الأجنبية.
4- منع تعليم الأطفال في البيوت.
5- إخضاع أماكن العبادة، وبصورة خاصة أماكن عبادة المسلمين، إخضاعها لروحية قانون 1905 الذي ينص على الفصل بين الدين والدولة.
لا يحتاج أي عاقل إلى عناء، كي يكتشف التحيز في هذه القوانين، ضد المواطنين الفرنسيين ذوي العقيدة الإسلامية.
فحظر الطعام الخالي من الخنزير في المدارس، لا ينم عن التسامح، بل إنه إجراء تعسفي ضد المسلمين.
كما إن منع تعدد الزوجات، أمر مضاد للدين، في اطلاقيته، وماذا لو أخضع هذا القانون لضوابط الإسلام نفسها، ومثل ذلك قانون الميراث، الذي يعتبره القانون الفرنسي أجنبيا عن فرنسا في حين أن فئة كبيرة من الفرنسيين المسلمين تعمل به.
والسؤال الذي يفرض نفسه، ما هو الإزعاج الذي يحدثه الحجاب، بالنسبة لقيم الجمهورية؟ وهل العفة قيمة إنسانية فاضلة أم أنها رذيلة في قانون الجمهورية؟
إن هناك الكثير من المخاطر التي تصب في خانة العنصرية، والتي سيستغلها اليمين الفرنسي المتطرف، اعتمادا على خطاب الرئيس ماكرون.
الحقيقة، إن هذه القضايا المثارة في الخطاب، لا تعكس أزمة الإسلام، كما لا تعكس أزمة الهوية في فرنسا، بقدر ما تعكس سوء الطوية، وإثارة العنصرية وتغذية البذور العرفية والطائفية وهو ما يتناقض مع الشعار الذي قامت عليه الجمهورية الفرنسية: «الحرية والمساواة والأخوة».
ما كنا والله، نتوقع من أعلى سلطة في فرنسا، أن تجاري الذين عملوا على تحريرها من النازية الألمانية، من مواطنيها المسلمين، أو الشعوب التي تحابيها في التعامل الاقتصادي والتجاري، ما كنا نتوقع أن يكون هذا هو المكيال الذي يكال لها من أعلى السلطة في فرنسا، وعلى كل واحد أن يستخلص ما يجب استخلاصه من دروس.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة