فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3072.67
إعلانات


"مسجد لم يؤسس على التقوى" الكاتب محمد الهادي الحسني

author-pictureicon-author

الكاتب
محمد الهادي الحسني

ذكر كاتبٌ جزائري معروف أن قدور ابن غبريط - جد وزيرة التربية نورية- هو الذي أسّس مسجد باريس الحالي في ثلاثينيات القرن الماضي، "عرفانا" من فرنسا لمساهمة "الجزائريين المسلمين" في تحرير فرنسا في الحرب العالمية الأولى.

وقبل أن أذكر الأخبار التي تذكرها المصادر والدراسات، أودّ أن استدرك على كلمة هذا الكاتب "الجزائريين المسلمين"، حيث قد يظن الناس أن هناك جزائريين "غير مسلمين" والحقيقة هي أن الجزائريين كلهم مسلمون، وإن غلبت على قليل منهم شقوتهم فارتدوا، ومنهم من تاب وعاد في ملته الأولى، وهذا لا ينفي وجود جالية يهودية قليلة في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، كان اللؤم والخسة هما طبعهم، حيث انحازوا إلى الفرنسيين من أول يوم لاحتلالهم الجزائر - أما النصارى فما جاءوا إلى الجزائر إلا غزاة محتلين، ولا يشرّفهم الانتساب إليها.. وإن كان "بعضنا" يريد إعادتهم إليها.

إن صاحب فكرة تأسيس مسجد باريس ليس قدور بن غبريط، فما هو إلا عبد مأمور، ولا تسمح له نفسه أن تحظى على باله فكرة تأسيس "مسجد" ولو كان "للغرام ملعبا" كما وصفه المفكر الحر محمد إقبال رحمه الله.

وأما صاحب فكرة تأسيس "مسجد" في باريس فهو أحد أكابر المجرمين الفرنسيين الجنرال الصليبي ليوطى، يؤكد ذلك ما ذكره المؤرخ المغربي الدكتور محمد مطاط في دراسته "الجزائريون في المغرب.." (170) من أن قدور ابن غبريط عند تدشين مسجد باريس "ألقى خطابا مطوّلا رحب فيه بالجنرال ليوطي صاحب هذه الفكرة" (فكرة تأسيس مسجد باريس).

كما أن الجنرال ليوطي لم يكن بهذا المستوى من النبل حتى تخطر بباله فكرة التعبير عن عرفان فرنسا لمساهمة الجزائريين في تحرير فرنسا في الحرب العالمية الأولى، وكيف تبني فرنسا مسجدا في باريس، وهي التي لم تبق في مدينة الجزائر المليئة بالمساجد في 1830 (أكثر من 100) إلا أربعة مساجد هي: الجامع الكبير، والجامع الجديد، وجامع سفير، وجامع سيدي رمضان.

وأما عرفان فرنسا لمساهمة الجزائريين في تحريرها فقد مثّله ابن غبريط عندما خطب باسم رئيس فرنسا جورج كليمانصو في الجنود الجزائريين والمغاربة عشية معركة ?يردان بين ألمانيا وفرنسا، حيث قال سي ابن غبريط الذي سيصبح "إماما أكبر" بعد عشر سنوات في مسجد باريس، قال سي ابن غبريط "يا اولاد ادزاير"، يا اولاد ماروك، جيت لكم توّه (الآن) من عند الشيخ موسيو كليمونصو عليه السلام (كذا) قال لي ما يحب إلا أولاد الدزاير وولاد مروك.. والليلة يطلب ليكم الكسكوس باللحم، ويزيدلكم الكاردوفان (ربع ليتر من الخمر) بقرعة كبيرة، وفي الصباح يحب يشوفكم في الفرون (الجبهة) باش تحاربو الالمان، وتنحّيوا لهم دين والدين بوهم، ويلعن والدين بوهم.. كولو آمين" .. (د. محمد أمطاط.. الجزائريون في المغرب.. ص 170). وكلمة "كولو" الواردة في آخر هذا النص "الجاحظي" متروكة للأساتذة والمعلمين ليشرحوها للتلاميذ بحسب "لغات أمهاتهم" فإن كان التلاميذ "جواجلة" فمعناها "قولوا" وإن كان التلاميذ في عين صالح فمعناها "كلوا" و"آمين" زائدة لأنها لا تتناسب مع "القرعة"، وأما سبب اقتراح المجرم الصليبي الجنرال ليوطي تأسيس "مسجد" باريس، فهو عملية تدليسيّة واحتياط للمستقبل، حيث لاحظ ما قام به العالمان الجزائريان صالح الشريف ومحمد لخضر حسين من نشاط كبير في أثناء الحرب العالمية الأولى ضد فرنسا.

لقد استقر هذان العالمان اللذان لم يخونا الله، والرسول، وقومهما، ووطنهما، استقرا في ألمانيا وكانا يكتبان "المناشير" التي تُسرب إلى الجنود المسلمين ـ وأكثرهم جزائريون ـ في صفوف الجيش الفرنسي يفتيان فيها بوجوب التحاقهم بصفوف الجيش الألماني، ومنهما إلى صفوف الجيش العثماني المتحالف مع الألمان.

وقد كان من نتيجة عمل ذينك العالمين الشريفين صالح الشريف (توفي في سويسرا في 1920) ومحمد لخضر حسين (صار شيخا للأزهر، وتوفي 1958) أن أسس مسجد الهلال ومعسكره قريبا من برلين، كما كان من نتيجة ذلك العمل التحاق فصيلة بقيادة ضابط جزائري يسمى كابوية من الجيش الفرنسي بالجيش الألمانيـ (انظر كتاب: فرنسا ومسلموها للباحث صادق سلام).

ومما أذكره أننا ـ مجموعة من الطلبة الجزائريين الذين كانوا يدرسون بدولة الكويت الشقيقة ـ كنا في زيارة إلى مدينة اسطنبول في أوائل سنة 1968، وكنا نتجول ونتكلم بصوت مرتفع ـ كعادتنا نحن أكثر الجزائريين ـ فتقدم منا شيخٌ وحدثنا بلهجة جزائرية، وأخبرنا أنه من معسكر، وأنه فرّ في الحرب العالمية الأولى من الجيش الفرنسي، والتحق بالجيش التركي عن طريق الجيش الألماني، ثم استقر في تركيا.

لقد سألنا ذلك الشيخ ـ الذي نسيت اسمه ـ إن كنا قد زرنا متحق "توب كابي" فنفينا ذلك، لأنه ليس من تقاليد الأكثرية منا ـ خاصة شبان في العشرين من أعمارهم ـ فأعطانا بطاقة عليها اسمه، وكتب بالتركية شيئا آخر فيها، ودلنا على الذهاب إلى ذلك المتحف، فسمحوا لنا بالدخول مجانا، ومنعونا من إدخال آلة التصوير ـ فبناء "مسجد" باريس ـ إذن ـ داخل في هذا الاستعداد لمخبآت الأيام، خاصة أن فرنسا أرسلت قبل أن تضع الحرب أوزارها "إمامين" من الجزائر "يفسدان" عمل العالمين المجاهدين صالح الشريف ومحمد الخضر حسين الصالح.

أما ذكر الشيخ حمزة بكوشة من أنه توارث "الإسلام الفرنسي" من ابن غبريط، فأنا أؤكد أن الشيخ حمزة بكوشة لن يقبل أن يلتقي مع ذلك "الكائن"، خاصة أنه كان "جنديا" من جنود الإمام ابن باديس (الفضيل الورتلاني، صالح بن عتيق، سعيد صالحي) ثم جنود الإمام الإبراهيمي (اليعلاوي، البيباني، بوشامة) لـ"يفسدوا" عمل قدور ابن غبريط.. الذي لم يرض عن عمله الله ـ عز وجل ـ ولا صالح المؤمنين.

وأعترف أنني عشت حولين كاملين في مسجد باريس، وكنت أمر على قبر ابن غبريط في اليوم "سبعين مرة" فما أذكر أن لساني "أخطأ" مرة وترحم عليه، رغم أنني أن الإسلام يرغّب في الترحم على المسلمين إن كانوا "مسلمين" وإلا فلماذا يأمر الله ـ عز وجل ـ بعض من وصفهم بالإيمان ـ على زعمهم ـ بالإيمان الصادق فقال: "يا أيها الذين آمنوا آمِنوا.." وقال:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به...".

وما قصة "مسجد باريس" منذ "استعادته" الجزائر، التي لم "تستعد" نفسها فلذلك قصة أخرى قد أخوض فيها ذات يوم.

أما تدشين "مسجد" باريس فقد حشدت له فرنسا من شبِّه لها أنهم "بشر" ليكونوا شهود زور على أنها دولة "قيم عالية"، و"مُثل سامية"، ووضعت على رأسه قدور ابن غبريط الذي قال للشيخ النقشبندي الذي قال "من المأمول أن تستعيدوا استقلالكم في يوم من الأيام"، وكان ذلك في الحجاز في 1916، قال له ابن غبريط ـ كما شهد صديقه الشرشالي ـ :"إننا نحمد الله على أن ميكروب هذا المرض ـ الإستقلال ـ غير معروف عندنا" (سعد الله.. على خطى المسلمين. ص 114).

كان ممن دعتهم فرنسا لحضور تلك المسرحية ذلك المسلم الصادق الإيمان والإسلام، الصالح الأعمال، المفكّر الأصيل محمد إقبال ـ رحمه الله، ورضي عنه ـ وكان ممن لا تغرّه المظاهر، ولا تفتنه الشكليات، فرفض تلك الدعوة كما سبق أن رفض دعوة بريطانيا له ليكون "نائب ملكها" في جنوب إفريقيا، مستنكِفا أن يكون عبدا في صورة "حر". وقد عبّر محمد إقبال عن هذا الرفض بأبيات من الشعر الصادق تكشف نفاق فرنسا وخيانة خدامها، فقال:

يا ناظري لا يخدعنك فنه

وليس هذا حرما، ولكنه

قد أخفت الفرنج روح موثن

إن الذي شيد هذا موثنا

للزور هذا الحرم المغرب

عند الفرنج للغرام ملعب

في صورة من حرم تكذب

دمشق من عدوانه تخرب

لقد تزامن تدشين "مسجد" باريس مع احتلال الجيش الفرنسي دمشق بقيادة الجنرال الصليبي غورو الذي يجسد الروح الصليبية، إذ بمجرد دخوله دمشق إلى ضريح المجاهد صلاح الدين الأيوبي فنجسه، ثم وجه كلامه إليه بصلافة الأوباش وحقا?

الشروق الجزائريةarticle-title


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة