فضاءات شنهور

شنهور

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1388.59
إعلانات


بين النحوي والفقيه

بين النحوي والفقيه

يروي الزبيدي (ت 379 هـ) مُناظرةً بين الكسائي (ت 189 هـ) وأبي يوسف الفقيه الحنفي ( ت 182هـ)، قال: دخل أبو يوسف على الرشيد ـ والكسائي يُـمازحه ـ فقال له أبو يوسف: هذا الكوفيُّ قد استفرغك وغلب عليك، فقال: يا أبا يوسف إنَّه ليأتيني بأشياءَ يشتملُ عليها قلبي، فأقبل الكسائي على أبي يوسف فقال: يا أبا يوسف هل لك في مسألةٍ ؟ قال: نحو أمْ فقه ؟ قال: بل فقه ، فضحك الرشيد حتى فحص برجله ، ثم قال : تلقي على أبي يوسف فقهاً ! قال: نعم ، قال: يا أبا يوسف ، ما تقول في رجل قال لامرأته : أنتِ طالقُ إِنْ دخلتِ الدَّارَ ؟ قال : إِنْ دخلتْ الدَّارَ طُلِّقَتْ . قال: أخطأتَ يا أبا يوسف، فضحك الرشيدُ، ثم قال: كيف الصَّوابُ ؟ قال: إذا قال " أن " فقد وجب الفعل، وإِنْ قال " إن " فلم يجبْ ولم يقعْ الطلاق. قال: فكان أبو يوسف بعدها لا يدعُ أن يأتي الكسائي(1).

وذكر ابن هشام (ت761هـ) ما يُـماثلُ هذا الذي يُنسبُ للكسائي، حيث يدير المسائل الفقهية على الأصول النحوية، ذلك أنَّ الرشيد كتب ليلة إلى القاضي أبي يوسف يسأله عن قوله:

فَإِنْ تَرْفَقِي يَا هِنْدُ فَالرفقُ أيمنُ وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالخَرقُ أَشْأَمُ

فَأَنْتِ طَالقٌ والطَّلاقُ عَزِيْمَــةٌ ثَلاثٌ، وَمَنْ يَخْرقْ، أَعقّ وأظلمُ

فقال : ما يلزمه إذا رفع الثلاث ونصبها ؟! قال أبو يوسف: فقلت: هذه مسألة نحوية فقهية ، ولا آمن الخطأ إن قلت فيها برأيي ، فأتيت الكسائي وهو في فراشه ، فقال : إِنْ رفع " ثلاث " طلقت واحدة ، لأنَّه قال: "أنت طالقُ" ثم أخبر أنَّ الطَّلاقَ التَّامَّ ثلاثٌ، وإِنْ نصبها طلقت ثلاثاً، لأنَّ معناها أنت طالق ثلاثاً، وما بينهما جملة معترضة، فكتبت بذلك إلى الرشيد، فأرسل بجوائز، فوجهت بِـها إلى الكسائي"(2).

ففي هذه الحادثة انكشف التفاعل الحقيقي بين النحو والفقه، وتقاسما الدور في حلِّ القضايا الشَّائكة التي تعترضُ الناس عامَّةً، فالقاضي أبو يوسف لجلالته في الفقه يعلمنا أن قضاياه بحاجة إلى علم النحو لفك ألغازها وإشكالاتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي:

(1) ينظر: طبقات النحويين واللُّغويين، للزبيدي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط 2(ص 127).

(2) ينظر : مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، لابن هشام الأنصاري ، تحقيق : د.مازن المبارك ومحمد علي حمد الله ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة السادسة ، 1985م، (1/76، 77).


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة