فضاءات شنهور

شنهور

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1388.59
إعلانات


الفرَّاء

الفرَّاء

• اِسْمُهُ وَنِسْبَتُهُ :

هو: أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الفراء الكوفي ، وقد أجمع المؤرخون على أنَّ الفراء لُقِّبَ بهذا اللَّقب؛ لأنَّه كان يفري الكلام فريًا، وما عُرِفَ عنه بيع الفراء، ولا الاشتغال بها. وأغلب الظَّنِّ أنَّ إطلاق لقب الفراء على أبي زكريا إنَّما هو تعليلٌ لما هو كائنٌ كيفما كان، فحين وجدوه يفري الخُصُومَ قالوا لذلك سُمِّي الفرَّاء، وتابع الخلف السلف في ذلك0أمّـا نسبته إلى الكوفة، فهي البلد التي تنسم فيها أول أنسام الحياة، وهي مسقط رأسه، ومدرج صباه، وأمّـا بغداد، فهي البلد التي استوطنها بعد الكوفة، وذاع فيها ذكره، حتَّى أنَّ المأمون أسند إليه فيها تأديب ولديه.

• مَوْلِدُهُ وَنَشْأَتُهُ :

ولد الفراء في الكوفة، حتى إنَّه نُسِبَ إليها، فقيل: الكوفي، أمّـا من حيث الزمان فإنَّ الروايات التاريخية التي عرضت للفرَّاءِ قد تباينت في تاريخ مولده، فنجدُ السُّيوطي وكبري زادة، يقولان أنَّ الفراء تُوفِّي سنة 207 هـ عن سبع وستين سنة، وعليه يكون ميلاد الفَرَّاء سنة أربعين ومائة من الهجرة.

وذكر السَّمعاني، وابن الأثير، من أنَّ الفراء توفي سنة 209هـ، عن ثلاث وستين سنة، وعلى هذا يكون ميلاد الفراء سنة ست وأربعين ومائة من الهجرة. ويرى المُؤرِّخُ المُحقِّقُ ابنُ خلكان أنَّ الفراء تُوفِّي سنة سبع ومائتين، وعمره ثلاث وستون سنة، فيكون ميلاده سنة أربع وأربعين ومائة، وهو الرأيُ الرَّاجحُ.

إنّ حياة الفراء الأولى حياةُ إنسانٍ لم يحفلْ بها التاريخُ ؛ لأنَّ أسرته لم تكن ذات شأنٍ في علمٍ أو سياسةٍ، شأنُ كثيرٍ من الأسر التي لم تذكر عنها كتب التاريخ شيئًا. وكما علمنا فقد ولد الفراء في الكوفة سنة أربع وأربعين ومائة من الهجرة ، ويبدو أنَّ حياته الأولى كانت بها، وظلَّ بها حتَّى ظهرتْ عليه مَلامِحُ النُّبُوغِ، يدلُّنا على ذلك أنَّ شيوخه ـ كما سيأتي ـ في بواكير حياته، كانوا من أهل الكوفة، وكانت الكوفةُ حافلةً بالشُّيوخِ في فُرُوعِ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ في ذلك العصرِ، ثُمَّ رحل الفراء إلى بغداد، حيثُ كانتْ حاضرةَ الإسْلامِ، ومقرَّ الخِلافةِ، يَفِدُ إليها العُلماءُ مِنْ كُلِّ حدبٍ وصوبٍ، طلبًا للشُّهرةِ والحظوةِ والمال، وجعل أكثر مقامه فيها، وكان شديد طلب المعاش، لا يستريح في بيته، وكان يجمع طوال السنة، فإذا كان في آخرها خرج إلى الكوفة، فقسَّمَ ما جمعه. وكان الفراء يعيشُ في بغداد حياةَ تقشُّفٍ، لا يهتمُّ ببيتِهِ وفَرْشِهِ، ولم يكن يُرَى إلاّ عابس الوجهِ.

لقد نزح الفراء إلى بغداد حين استحثَّه الرؤاسي قائلاً له:" قد خرج الكسائي إلى بغداد وأنت أميزُ منه"، ويبدو أنَّ هذه الرحلة كانت في سنة سبعين ومائة من الهجرة ، بدليل أنَّ الفراء قد ظهر في المناظرة المشهورة بين سيبويه الكسائي، في خلافة الرشيد، وفي وزارة يحيى بن خالد البر مكي ، أي في سنة سبعين ومائة من الهجرة، وكانت له جولات مع سيبويه قبل حضور الكسائي، والتقى بالكسائي، وجادله في مسائل الرؤاسي، فسمع منه، وأنكر عليه.

أمّـا رحلته إلى البصرة فيدلُّنا عليها أخذه عن يونس بن حبيب البصري، وممَّا يُؤكِّدُ ذلك أنَّ الفراء التقى بسيبويه في داره بالبصرة، ونميلُ إلى أنَّ هذه الرحلة كانت بعد وفاة الخليل بن أحمد، حيثُ لم يذكر أحدٌ من المؤرخين أنَّ الفراء أخذَ عن الخليلِ مُشافهةً، وأغلبُ الظَّنِّ أنَّ ذهاب الفراء إلى البصرة، ورجوعه إلى بغداد، كان خلال السنوات الأربع أو الخمس التي كانت بين وفاة الخليل، وقدوم سيبويه إلى بغداد، فإذا صحت رواية اللقاء بين سيبويه والفراء في البصرة، فلا بدّ أن تكون قبل المناظرة المشهورة، ذلك أنَّ الرواية التاريخية تذكر أنَّ الفراء حينما سمع الثناء على سيبويه في البصرة، لم يُطقْ صبرًا فذهب إلى لقاء سيبويه في داره يتعجَّلُ الأمرَ، ولو كانت بعد المناظرة لما خفّ الفراء إلى سيبويه، لأنَّهُ حينئذٍ يكون قد عرفه مُسبقا، ومن ناحية أخرى فإنَّ التاريخ يذكر أنَّ سيبويه بعد الهزيمة عزّ عليه أنْ يبقى في البصرة، فاتَّخذ وجهة أخرى، ولم يلبث أن مات كمدًا بعدها بقليلٍ، وفي أخريات حياته جعل الفراء أكثر مقامه ببغداد، وكان لا يعودُ إلى الكوفة موطنه الأصلي إلاّ في آخر العام، ثُمَّ إنَّه أملى معظم كتبه في بغداد.

وأدّى هذا بالتَّالي إلى أنْ يحفل الفراء بالمأمون أكثر من غيره، وقد اتَّصل الفراء بالرشيد، وتحدَّث إليه بحضور وزيره جعفر بن يحيى البرمكي. واتَّصل الفراء بالمأمون اتصالاً وثيقًا لا يُدانيه أيُّ اتِّصالٍ مع أيِّ خليفةٍ أو أميرٍ، حكى أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، قال: لمّـا تصدَّى أبو زكريا للاتصال بالمأمون كان يتردد إلى الباب، فلمّـا أن كان ذات يوم، جاء ثمامة بن الأشرس، قال: فرأيت له أبهة أدب، فجلست إليه، ففاتشته عن اللغة، فوجدته بحرًا، وعن النحو فشاهدته نسيجًا وحده، وعن الفقه فوجدته فقيهًا عارفًا باختلاف القوم، وفي النجوم ماهرًا، وبالطبِّ خبيرًا، وبأيام العرب وأشعارها حاذقًا، فقلت له من تكون؟ وما أظنك إلاّ الفراء، فقال: أنا هو، فدخلت على أمير المؤمنين فأعلمته، فأمر بإحضاره لوقته، فكان سبب اتصاله به. ولقد عظم قدره عند المأمون، حتى تسابق ولدا المأمون على تقديم نعليه إليه حينما يهمّ بالخروج، وقد ألف الفراء للمأمون أشهر كتبه: الحدود، ومعاني القرآن، وكانت صلته به صلة إعزاز وإكبار.

• أَخْلَاقُـهُ وَرَأْيُ اَلْعُلَمَاءِ فِيْهِ :

كان الفراء مُتورِّعا ديّناً، وكان باراً بأهله، يُقسِّمُ بينهم ما جمعه في عامه، وكان وفيّـا لأشياخه، مُحبَّبًا إلى نفوس طلابه، قال محمد بن جهم السمري:... فيكون- يعني الفراء - أحلى في قلوبنا من الأحمر، وجميل فعله.وكان مُتسامحًا، كما كان حازمًا، وكان رحب الصدر،عفيف اللسان، يتحرَّى الصدق في المودة والعداء، مُعتزًّا بنفسه، على تيه وتعجُّب وتعظُّم، وهذا الاعتزاز بالنفس لا يصل إلى حدود الإضرار بالناس.

لقد كانت في طبيعة الفراء سماحةٌ، وفي خُلقه إسجاحٌ، وكان الفراء صدوقًا، يعدّ الرجوع إلى الخير فضيلةً، فقد راجعه أحد طلابه في بيت من الشعر كان الفراء رواه، فقال له الفراء: أحسن الله عن الإفادة بحسن الأدب جزاءك، وتراجع الفراء عن روايته، وهو الذي وثّقه ابن حبان، فذكره فيمن ذكر من الثقات.قال عنه أبو بكر الأنباري: لو لم يكن لأهل بغداد والكوفة من علماء العربية إلاّ الكسائي والفراء لكان لهم بهما الافتخار على جميع الناس، إذ انتهت العلوم إليهما. وقال الزبيدي أيضًا:قال أبو العباس ثعلب: كتب الفراء لا يوازى بها كتاب، وقال الزبيدي أيضًا: وكان أبرع الكوفيين في علمهم، وقيل للكسائي: الفراء أعلم أم الأحمر؟ فقال: الأحمر أكثر حفظًا، والفراء أحسن عقلًا، وأميز فكرًا، وأعلم بما يخرج من رأسه.

وقال ثعلب: لولا الفراء لما كانت عربية؛ لأنَّهُ خلَّصَها، ولولا الفراء لسقطت العربيةُ؛ لأنَّها كانت تتنازع، ويدعيها كل من أراد، ويتكلم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب، وقالوا: نجوم الكوفة الكسائي والفراء والمفضل الضبي، وكُلُّهم كان في قصر الخليفة، وكُلُّهم كان مُربِّي ولي عهد، وقيل عن الفراء: شيخ النحاة واللغويين الفراء، وكان يقال له أمير المؤمنين في النحو، وقال الأزهري: الفراء ثقة مأمون، وأهل الكوفة يقولون: لنا ثلاثة فقهاء في نسق لم ير الناس مثلهم... ولنا ثلاثة نحويين كذلك، وهم: الكسائي والفراء وثعلب، وحكى ثعلب أنَّ الفراء دخل على سعيد بن سالم فقال: جاءكم سيد أهل اللغة، وسيد أهل العربية، وقيل عنه: أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، وقال ابن الجزري: وكان الفراء شيخ النحاة، كما قيل إمام العربية0 وقد أنشأ محمد بن الجهم قصيدة طويلة تمجيدا للفراء وتقديرًا، كما أنشد الخليل بن أحمد السجزي من قصيدة طويلة يمدح فيها الفراء قوله :

وأجعلُ في النَّحوِ الكسائي عُمْدَتِي : ومِنْ بعده الفَرَّاءُ ما عِشْتُ سَرْمَدًا

وكان الفراء رأساً في قوة الحفظ، أملى تصانيفه كلها حفظا، ولم يأخذ بيده نسخة إلاّ في كتابين، وقد جمع إلى علم الكوفيين علم البصريين، ثم هو كبير العقل إلى جانب سعة الاطلاع، من أجل هذا قال له الرؤاسي: قد خرج الكسائي وأنت أميز منه، وقال سلمة ابن عاصم: إني لأعجب من الفراء كيف يعظم الكسائي وهو أعلم منه، وقال له الإمام محمد ابن الحسن الشيباني بعد أن سأله في مسألة فقهية تدور حول من سها في سجود السهو: ما ظننت آدميًّا يلم مثلك، وقال ابن حجر: النحو الفراء.أمّـا يوهان فك فيقول: الفراء العظيم. ويقول ثمامة بن الأشرس عندما رأى الفراء: فرأيت أبهة أدب، فجلست إليه، ففاتشته عن اللغة، فوجدته بحرًا .

ويقول اليافعي: الإمام البارع النحوي، أجل أصحاب الكسائي، كأن رأسا في النحو واللغة، ويقول الخوانساري: إمام أئمة النحو واللغويين الفراء، وقال الأصمعي للفراء: أنت أعلم الناس، ويقول الفيروزابادي: الإمام المشهور.

كان أبرع الكوفيين، ويُطلق عليه ابن الجزري لقب شيخ النحاة، أمّـا أحمد أمين فيقارن بين الفراء والكسائي قائلاً: إنهما كالمأمون والرشيد، وكالفرق بين محافظة الرشيد، وحرية العقل عند المأمون، وكالفرق بين الحركة العلمية الناشئة في عهد الرشيد، والناضجة في عهد المأمون . أمّـا مهدي المخزومي فيقول: وعندي أن الفراء أشبه بالخليل بن أحمد... حذقا وسعة اطِّلاع، واستفادة من الثقافات الأجنبية التي عرفت في البيئات المدرسية.

رحم الله أبا زكريا الفرَّاء، فقد كان غرة في جبين الدهر، أحبها قوم فبالغوا، وأبغضها آخرون فأسرفوا على أنفسهم، وما زال أمير النحاة، أو أمير المؤمنين في النحو كما يقولون.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة