فضاءات محمد آيت علو

خبار بلادي

محمد آيت علو

سجل التواصل مع محمد آيت علو

مسجــل فــــي: أكادير (البلدية) | سوس - ماسة | المغرب |
مسجــل منــــذ: 2020-12-29
آخـــر تواجــــــد: 2023-12-26 الساعة 12:56:51
محموع النقط: 14.24

إعلانات


>> محمد آيت علو >> سجل التواصل مع محمد آيت علو

الصفحة: 4 من 4

                                            “أنفاس تحت الكمامة ”                  مؤلف شعري جديد للباحث والكاتب المغربي محمد آيت علو

افتتح الكاتب والباحث المغربي محمد أيت لعلو سنة 2021 بإصدار مؤلف شعري جديد مميز في مضمونه والذي اختار له عنوانا جاء مناسبا للفترة الصعبة التي يشهدها المغرب والعالم ككل وهو ” أنفاس تحت الكمامة ” وهو المؤلف الذي صدر عن دار المعرفة للنشر والطباعة ودعم من جمعية ” التواصل والتنمية أركان” وهو الكتاب الذي جاء في حجم الموسط.

ويتألف هذا العمل من عشرين قصيدة هي قيم كورونا المستجد، بيروت: عاصفة الجروح، غربة في ليالي الشتاء، يطير القلب..!، بيننا والذي فات، عصر شاحب…، موج الشتاء…، متى تكبر آدميتنا…؟، جراحات، مات الرحيل…؟!، ما أوسع الانتماء، إلى حدائق ذات بهجة، صرخة ميلاد..، مقامات القرن، إسعاف وقمر، في سفر كنعان المقدس، سأغني للتعايش، للإنسان.. !، كمامة كورونا…” فضلا عن مقاطع شذرية.

كما أن الإصدار الجديد يوضح أن “القصائد المذكورة تنشغل بالهم الإنساني، وتنقل القارئ إلى عوالم اللغة الشعرية والدهشة الإشراقية، والمستجدات الحياتية الراهنة وبواقعنا المأساوي والكابوسية التي يشهدها العالم، وأمام تحديات الواقع المتخن بالجراح والاضطراب والداء والوباء…، ولا سيما ما تعرفه الإنسانية من انتكاسات ومواجع، وأمام الانحسار والانكسار، وضبابية القيم ومفارقات الوجود”.

هذا بالإضافة إلى أن الإصدار يهتم أيضا بالواقع الجميل أيضا، على وتر المشاعر الإنسانية السامية والرؤى والعواطف النبيلة، والمعاناة والهم الوجودي والكوني بحدس ملهم ورهافة حس، وأمام اختناق الشعر الحديث في زحمة الفنون المنافسة؛ فالزمن تغير وصار كثير الفوضى والمادية، والشعر قد انسحب من التعبير عن هموم البشرية، هذه الأخيرة التي انصرفت عن سماع صوت الشعر الذي بات شبيه نداءات وهمس في وديان.

هذا ووظف الأديب محمد آيت علو في هذه الأنفاس الشعرية لغة ذات إيقاعات رشيقة مرنة وشفافة روحية، وحبلى بصور الحلم والانتعاش والحب، لغة تجسد حنينه وبصور ماتعة، فشعره تجسيد ومرآة صادقة شاهدة له، كما أن سلاسة التناول وأداءه الهامس أكسب نصوصه رهافة وقدرة على الانسياب في النفس والتواصل مع أدق خلجاتها تعاطفا ومشاركة واستنفارا للمهمة وحثا على التجاوز والتسامح، وبقوافي ثرية بمفردات مجردة ومرنة وبلغة دافئة تتجاوز الكائن بحكم ظروف الحياة الصعبة.

كما ويقدم آيت علو صورا لملامح الحلم والحب الكبير التي تنسج خيوطها لتغزل نصوصا موشحة بماء القلب والحياة معا، وشفافية الروح ومباهج الحياة، حيث الإبداع يصير زاهيا ومختمرا ومخترا في خوابي وأجران الوجدان والجنان والروح الصوفية الصافية؛ شيء آخر هو هذا التجدد في الأسلوب، وذلك يتجلى أساسا في تفتيت الصوت الإنساني داخل النصوص وتعميقه، بحيث لا يقتصر على تعريف واحد لجهة الحالة الشعورية.                                                                                                                                                                                                                                                      بقلم تورية عمر / عن الثقافة المغربية الأوروبية


 نص ومسافة جديدة.      لمحمد آيت علو.                                                               حلمنا القابع هناك...!

 

1- وماذا كنا نكون غير إحساس مكتهل، وتجاعيد أيام، وبقايا حرمان، وملحمة عشق خرافي، وروح يملكها النزيف، كأس مهانة، يزرعنا التيه في غياهب النسيان، ترسمنا الثانية مجرد إطار لصورة إنسان، نحن الذين كنا ننتظر طيفا يخيط خرق الحال، يبددنا ويرشح قلبنا بفاتحة السؤال، من قال بأن العيون تدري سرالبكاء؟ من قال إن تلك العيون سترسم بالتيه مستقبلا بلا قسمات ، مثل حاضرنا المليء بالنكسات والخسران، والحروب والكوارث وقبح العالم والشتات وغياب القيم وإنسانية الإنسان، حيث أجسادنا خرقة تخاط إلى الأرض ؟

2- سجين بهذه القلعة، سجين سأبقى، حتى تنصفنا إن شئت، مرآتي البحر، وقصري الندى، سجين سأبقى بهذه القلعة، سبعة نوافذ على الريح. عفوا ستة نوافذ على الريح! لاتسأليني يا حلوة العينين، أشعلي نارك في موقدي ، فقلعتي رانت عليها الثلوج ...أذكر خمسة نوافذ على الريح هي بلا شبابيك ، من يصرخ شمالا يا حبيبتي؟ النهرالذي يجري في عنفوان، وهذه أمواج البحر تروح وتعود، بين مد وجزر، فاملئي بيتي عافية، بل الآن نافذتان على الريح، من يتنهدُ شرقاً يا حلوتي ؟ أنت  ذاتُك حيث تعرجين آفلة، النوافذُ نافذةٌ يتيمةٌ تُطلُّ على الريح، من ينوح غربا يا أنت؟ أنا الحي الميتُ  قادمٌ إلى مثواك، فمن أجل لا شيء، أنا مرمي هنا!!

3- يتكسر الحلمُ في عينيك ، شظايا من بريق، يترنح الهمس سكرانا، قالت ومشت، أعادت القول، دون أن تعانق حلمنا القابع هناك، الآن هي تمشي دون مظلة أو قمر ... قالت وقالت ... ولم أنبس ببنت شفة، لكن الشمسَ تبردُ في جسدي، والدماءُ كالجليد، يعصرُني الصَّمتُ، وأظَلُّ أمشي. أنا منذُ الآنَ:ـ لن أنبسَ ببنت شفَة ...

4- استريحي جانباً على النافورة فدوما تأتين متعبة، ولن ينتابك مني أسى،  هكذا افعلي، بربك لا تكثرتي، تباًّ أيُّ سخف ؟! للجحيم كل هذه الخرافات، وهذه الكائنات الخرافية، لللامبالاة كُلَّ المجد، لن أشرئبَّ بعدَ اليوم إلى مالم يفُت طمعاً، ولا ظُنون.

5- رُويداً، رُويداً، لا تُزعجي الهُدوءَ، وَلولي بإيقاع غير شبيه، بطيء، مهلاً! بطيء جداًّ، بربك لا تسأليني، هذا هو الإيقاع الوجيه، ولن يتصيَّدَهُ مُتَصَيّدٌ بعدَ الآنَ أو مُتلمس، غردي، وارقصي هذا هو الإيقاع البطيء، غني للشفق، للقمرالذهبي، هذه هي الشمس قد رحلت وكفى، والأفراح تلتهبُ وتزدانُ، والقلبُ يصيرُ نافورَةَ عطر، والغروب بنفس الإيقاع ، بطيء، بطيء جداًّ…

6-أوتدرين؟ وأنا الحبيسُ هُنَا، لم نحب بما فيه الكفاية، ولم نحب الكائنات والأشياء، وكُنَّا مع ذلك، نملك طفولةً بريئةً، حيث زرقة البحار، وكنا نملك الإختيار، كان اللؤلؤ في أعيننا محار، وكنا نغني تحت ظل أشجار البرتقال، فرحين نرقصُ على إيقاع انسكاب الأمطار، وكان الغناءُ بطيئاً، بطيئاً جداًّ ...

7- السفنُ بدلَ أن تغرقَ ، فهي تطفو، أو تدرين ؟! بالأمس عشرُ سفن غرقَت بالبحر، وأحدُ البحارة جريحٌ، يستنجدُ بمياه محايدة، كُنا …هُناكَ كُنا، حينَها كنت تنظرين إلى زيت القنديل، لقد كنا مرتاحين وبعيدين، وكانت أحلامنا البسيطة مع ذلك مزعجة، تُنوّرُها ومضاتُ المنار، وحيث كانت الحرب لعبة على الوسادة …

8- الـآن أذكـرك يـا نـجمتـي الـطالعة من عـيون الغيب! أذكرك وأنت بدر في ليل الطفولة، وأنت شمس نبوية طالعة، أذكرك جالسة بجواري، وأنا كشيخ صوفي في عزلة على فراش المرض.

أوشيخ صوفي يوصي بإبادة كتبه بالنار، أوتحليلها في الماء، وأن ما أنتجه لم يعد ذا جدوى، فقد صارت الحكاياتُ والخدَعُ الجميلةُ شيطاناًحقيقياً، كلُّها تهالكت، وتشبَّتَ أبطالُ راوييها بخيوط الدُّميَة، وليس لما تحتويه من  نواذرَ وجواهرَ وإنَّما لأنَّ العالمَ الذي ستحُلَّ به لن تدخُلَهُ، وأنَّ الواقع مليء بكثرة التشوهات والتجاعيد والتي لم تعد أجود مساحيق تجميل الإبداع قادرةٌ على محو دماتتها...، ولربما كله خواء، والتطهير ماءٌ أو نار…

9- آه ! يا طبيبتي، أذكرك جالسةً بجواري، وأنا الميتُ الولهانُ، وكنت تُصلين من كل الأعماق، تُقبلين جبهةَ القدر، تُرسلينَ باقةً من الصلوات عَلَّها تخترقُ مُدنَ السَّماء،  فتأتي بالفَرج الإلهي ...

حيثُ أنا المرميُّ بهذه القلعة، بينَ النَّدَى والبَحر.

10 – هاأنذا مفقودٌ مولودٌ، مولودٌ مفقودٌ، أبحثُ عن نفسي قليلاً، فلا أجدُها إلا ناقصةً مشوهةً، أومجزأة، أتلاشى في ظلام السواد، وفي شفاف البياض، وأضيع في غمرة الوحدة القاتلة  بهذه القلعة. 

                                                                                   مرتيل _ تطوان

                                                                                                       المملكة المغربية.


*زخة من الجنان وهدير على العتبات

"حينما عدتُ"                                                                                                                                   * للكاتب: محمد آيت علو.

 

         في مثل هذا اليوم، وأنا على مكتب الأخ  والصديق "عبدو" بمراكش الحمراء وقبل أن أحييه، بادرني بضحكته الرنانة، وهو يقول:" ما هذه المسافة التي ابتدعتها، يا كاتبنا" ، أم تراك عُدت؟"...

فابتسمتُ، ولم أنبس ببنت شفة...وحدثتُ نفسي بمثل ما حَدثها به يومَ ذاك..."يفقدُ الإنسان لونه ويسيطر عليه الشر، فلا بد من البحث عن وسيلة لترويضه، وإعادته مرة أخرى إلى جادته وسيرورته"...

²²²²²²²

يوم ذاك كان الزحام، وفيضان بشري يغطي الصالة، وهو الشيء الذي لم نعهده من ذي قبل في محفل ثقافي كهذا، ونحن جلوس على الأرائك الوثيرة في باحة الاستقبال بإحدى الفنادق المصنفة بالبيضاء،

 صحبة ثُلة منَ الكُتاب الشباب والمخضرمين ضمن الوفد الذي يستعد للذهاب إلى مصر في الأسبوع الثقافي المشترك المنظم هناك بالقاهرة...
 

²²²²²²²

القاهرة زخة من الجنان، زرد وهدير على العتبات، القاهرة صاحبة القبول والجاه، كم من قلب في حبك شجاه ما شجاه، من هذا الأطلس الحر الشامخ، من هذا الجبل الأشم كمجدنا، نأتيك ببضاعة مزجاة. ...يا قاهرة، حبكِ في الفؤادِ كبيرُ، وله أريجٌ طيبٌ وعبيرُ، دوحةٌ أغضانُها كعروقِنا يمتدُّ فينا عطرُها المسحورُ... والعَينُ التي تَنْعَمُ في بحبوحةِ الـجَفنَينِ...القاهرةُ المعنى الذي ظلَّ يُطِلُّ: الوردُ والـمِسْكُ، وغصنُ البانِ والشوكُ ...، وتلكَ النعمةُ السابغةُ: البسمةُ والنيلُ!  ونأتيك بالحب الكبير يا  قاهرةْ...
أثناء ذلك كانت الذاكرةُ تبحثُ عن أي وهم منسي أو هَم ثقافي تداعبه، تجتره، وتجره كخيبات، فينصاع عنوة، ثم أصلبه على عمود أفكاري، وتجهش به أحاسيسي فأنفثُهُ...وأبتَسم، محدقا في المدَى...:  ذو العقل يشقى في النعيم بعقله    ²²²    وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

 

²²²²²²²

الأصواتُ تتعالى، تقدم أحدهم ولم يكن مجبرا من رؤية كل ما يمكن أن يدفعه إلى مأزق ما، حتى لايعير النظر دافعا للهجوم، يغمض عينيه، يظهر اللامبالاة تماما مثل الآخرين، كل مستقر داخل حالته، كأنهم منقطعون عما حولهم، لايعنيهم شيء، تقوقع تام، يغردون خارج سرب وحدتهم، يعرفون مسبقا ما ينتظرهم وما يتطلعون إليه، مشى بخطوات متثاقلة بطيئة..كان يبدو في العقد الخامس، وقد غزا الشيب مفرقه، وهو يقدم بطاقات الأعضاء يمدها إلى من لايراهم...وكان ما يجري أمامه قد وصل إلى مرحلة انفلات الأصوات، حرارة الأنفاس لم تبرد بعد، فما زالت الأصوات تتعالى، وتختلطُ وتختنقُ حينها، وكان من بين ما راعني واستوقفني غياب كاتبين اثنين كبيرين، وثلاثةُ شعراء مرموقين، فقد كنتُ أعتبرهم مثل الشمس والأرض والسماء..في شموخهم ومجدهم وتميزهم وأنفتهم وكبريائهم وتمسكهم بهويتهم وتواضعهم...ولم أر أحدا في مثل عطائهم، فلم يكونوا يبخلون على أحد...وكان الشبابُ يجمعهمُ العُنفوانُ ورغبةٌ كبيرةٌ في تشكيل العالم بحثا عن الجديد، بدءا من الكتابة وانتهاء بالواقع....

ثم سمعنا أحدهم وهو يصعد على كرسي صائحا:"…حبدا لو أقام العرب صندوقا للثقافة لعلنا نعدل قليلا من صورتنا المشوهة..."وبدأ التصفيق...واختلطت الأصواتُ مرة أخرى... وكان من جملة ما شد انتباهي وأثار فضولي، أن كاتبا شابا قد ذهب إلى الغرفة المجاورة التي اتخذت كمكتب خاص باللجنة المشرفة على النشاط، ثم عاد إلى الصالة منكس الرأس، متدمرا صحبة كاتب صحفي، وكأن شيئا قد عكر مزاجه... كان الشاب ممتقع الوجه، قد هز رأسه بطريقة آلية بادئ الأمر ، حينما التقت عيناي بنظراته الحادة، وابتسم بتصنع، لكن نظراته هذه المرة واهنة كجسده الواهن، الألم ينبض في جسده ورأسه، وكأن السيل بدأ بقطرات..ثم صار أمواجا عاتية في ومضة برق خاطف، ثم انشقت الأرض وفتحت فيها هاوية، والارتعاب يعتصر عينيه، ليستلقي بمعطفه الثقيل على الأريكة مخفيا رأسه بين يديه، وكان في عقده الرابع فيما يبدو، إنه حي لكن...، ثم ما لبث أن لحقهما آخران وهما يلعنان ويشتمان...ولم نفهم شيئا...حتى سمعنا فنانا تشكيليا يتحدث عن أحد الكتاب المخضرمين والذي تعامل معهم بازدراء وجفاء وغرور وحسد وحقد دفين...وهو من أعضاء اللجنة، وسرعان ما طفت على السطح قضايا أخرى وفي رمشة عين وكالنار في الهشيم ...، ثم سمعنا كاتبا شابا يورد قصة دالة: "ذلك أن الشاعر الإيطالي "وفنزيو" كان مغرورا بنفسه إلى درجة التصلب في الرأي..وذات يوم وصلت إليه رسالة، وما إن قرأ العنوان حتى رفض أن يتسلمها، لأن العنوان كان كالآتي:"إلى أكبر شاعر في إيطاليا، ولما سئل عن ذلك، قال:"أنا أكبر شاعر في العالم"...ثم همس أحد الشباب في تخاذل وقد حدجنا ببصره، وأردف: إن الأقنعة لا تدوم طويلا، فسرعان ما تتلاشى، فيظهر المرء على حقيقته... ابتسمت بتصنع، ونظرت بعيدا كما جرت العادة في مثل هذه المواقف، ولم أفهم ما كان يرمي إليه..، وبصوت خفيض علق أحد المخضرمين:"أيا كان فالمرء أحيانا لا يكون سوى دورة مياه تسير على قدمين" استغربتُ كثيرا متسائلا: أما زال هذا الوباء ينخر روح بعض الكتاب على الرغم من الروح الكلية التي بدأت تحل في الفرد المعاصر..؟ والذي أومنُ به أن الذينَ تخونهم أنانيتهم لايستطيعون أن يبدأوا من جديد...وخاصة مع الآخرين، وكان مما أثارني كذلك في أحاديثهم هو أن بعضهم يربطُ بين الحياة الشخصية للأفراد وإبداعاتهم...في هذه الأثناء أخذ بعض الشباب ينسحب إلى الساحة، بجانب المسبح وهم يتابعون نقاشاتهم الحادة، ثم سمعنا مشاداة كلامية بين أعضاء اللجنة، وتعرت خلالها مجموعة من الحقائق وبودلت أثناءها اتهامات حول بعض الخروقات...لم تعد ثمة كلمات أخرى تُقال...وكانت السماء ملبدة بالغُيوم...

²²²²²²²

تقدم كاتبان وهما يحملان فنجانان يتحدثان ويرتشفان، ويحدقان في الوجوه، ثم بدا شاب غير أنه بادر بعناق آخر..عناقا ينم عن علاقة وطيدة، وإن مرحا يبدأ عنده الآن، في هذه الأثناء ظهر لي أحد النقاد المحترمين وكان يرتدي معطفا رقيقا، وهو يتطلع إلى ستائر النوافذ المغلقة وسط الصالة، كان يتطلع إلى اللافتات ويبدو أنه يقرأ أشعارا..ثم هو يطيل النظر في بعض اللوحات التشكيلية..، ثم تحرك ثلاثة إلى الصالة وليس معهم حقائب أو أمتعة..وكانت هناك شابة تومئ برأسها، يداها أمام صدرها، عيناها تشعان بالبهجة، كل من يلمحها يدرك على الفور أنها ذات وجد...ثم ظهر شاب حليق الرأس بملابسه الجلدية السوداء، سرعان ما تذكرته، كان شابا وسيما وأنيقا للغاية درس معي في السنة الأخيرة بالكلية، وقد تغيرت ملامحه كثيرا...وقد ولى وجهه إلى الزجاج ...وبجواره كهل يعتمر قبعة، ويضع فوق ركبته جهاز حاسوب ويُدونُ بعضَ الملاحظات في مذكرة صغيرة ويبدو وديعا...أما أنا فقد كنتُ مستغرقا في تجاعيد الصالة، وقد رسمتُ أملا ويمامة بالأفق...حتى التقيت صاحبا قديما فجلست بجانبه على الأريكة...وكانت أصداء المتعة سارية، وسرعان ما مالت شاعرة إلى ياقة الورود لتسوي أطرافها في المزهرية....

²²²²²²²

من اخترع المرآة، ليس ضروريا أن يكون نرجسيا، ربما اخترعها ليتشفى من الذين يتهربون من رؤية وجوههم فيها، إذا كانت المرايا تصوركم فأين ستولون وجوهكم؟ لقد هلكني البعد عنها ولم يهلكني المطر في الغابة، أنا حيث أنا، وجاري مثل جمجمة مصقولة في الصحراء، يحتمي فيها العقرب الأصفر هاربا من شروق الشمس...إن حياتنا هي تجاربنا، لكن الكاتب الحقيقي لايعلم التجارب، إنه يوقظ الإحساس بها، لم أجيء لأعلم، لكن لكي أوقظ "كما قال ميهر بابا" فكلما تعمق الوعي في فهم العالم زاد تناقضه وغرابته.

هناك من ينظر إلى الآخر نظرة "ساتورنوس" إلى أولاده، فإذا لم يجد من يفترس من صلبه أو غير صلبه، يتجه إلى نفسه بالذات ليسقط في عدمية مطلقة وليضاعف قبح العالم.       

                                                                                                                        ²²²²²²²

ثم ما لبث أن عاد بعض الشباب الذين غادروا مقاطعين...لما ظهر على حين غرة الكاتب المخضرم من جديد على المسرح، المنتشي بجنون العظمة المصطنعة الزائفة، ثم طاشت السهام، ويُفرض الرأي الواحدُ ويَتفرد بالساحة وحده، وبدا أن الآخرين في حالة انبهار، هو الذي يُفكر ويُقرر، فماذا يَبقى؟ كم في يم الغُرور من تمساح، فاحذر يا غائص!... وهاهو يتاجر بالمبادئ والشعارات...ولسان الجزاء يناديه: "يداك أوكتا، وفوك نفخ..." وبدل أن يصحح موقفه، اتبع هواه، فلم يسدد رأيه بالتأني، ولا ضميره باليقظة...بيد أن وجهه وصوته متغيران، كان يبدو أشبه بوجه سكران وصوته يتعالى، وكأنه يستهجنهم جميعا، حتى غمرهم الضحك، هكذا أصبحنا نضحك كي لانصاب بالإحباط الأخير، فقد اختلطت علينا المشاعر، ولكي لايصبح آخر ما تبقى في روحنا من ضوء...، همس أحدهم متهكما: يبدو بأنهملم يُقدروا أهميتَه ويرشحوه للجائزة، ثم تدخل آخر بقوله: إنه لم يعجبه انتقاد بعض الشباب له في إحدى الجرائد...وها هو يصب جام غضبه على من انتقده يوما...وفجأة صرخ أحدهم في وجه آخر: أنت مجرد نكرة...لا وجود لك..أنت صانع كذب، نارا أحيانا وحطبا في أحايين كثيرة.. كان فيما يبدو منتشيا، وسرعان ما غمرته صلابة، ولم يخمن أحدٌ في أية لحظة أن الرجل يمكن أن يكون مريضا نفسيا...كان يبدو كالمعتوه، ثم عمت الفوضى الصالة، ثم إذا بشخص يلتقط بلا وعي بعض الكتب، ورمى بها بعنف صوبه، أصابت رأسه...وضحك الجميع..وهو مازال يحدق ويشتم، ارتفع صوته أكثر من ذي قبل...حتى شعر بجفاف في حلقه، حدق نحوه بصوت مرتفع نسبيا، بما يدرك بعض الحاضرين أنه كان سبا مقذعا دون شك...

وطبعا لن تكون المرة الأولى التي سيضطرون إلى أن يستلهموا فيها روح أصنام متحركة، فقد تجاهلوه رغم رعونته، ثم ما لبثت أن غطت القاعة هيستيريا ونقاشات عقيمة، تداخل فيه ما هو سياسي بما هو حزبي ونقابي وحقوقي..واختلط الحابل بالنابل...وبدا كأنهم يحكون عن زمن فيه القنافذ والثعالب والضفادع والذئاب يحتقنون ويحتقرون وإن تواجد معهم حالما صداحا بين الزهور والورود أو في الشجر...

فكيف إذا تتعايش غالبة ساحقة من الكتاب مع مثل هذه المواقف، ولا تمتلك الجرأة في إذانة ما تبصره الحواس، التي تحولت إلى مستودع قديم مليء بالإحباط والتذمر واليأس، مصاب بالاهتراء وقليل من الحلم...

الآن... قد يموت الواقفون..وكل الشعراء الحالمين الأصفياء قد يتنقلون إلى الضفة الأخرى، وقد يموتون لأنهم رقيقوا الإحساس...ولم يكن أنا يُشغلني الآنَ ما يُقال وما لايُقال...ستلفظني وستغلقني الأبوابُ ...بلا كلام.

أما اليراع فقد تفيأ منحى آخر من البوح، باقتحام الذات وانقلابها عليه في الآن نفسه...وببَسط ما شاءَ له الانفلات من الألم والكمد...   

وقبل الختم وبعده، الكمد هو الكمد، وأن لاشيء تغير حتى بين بعض المثقفين، الكبر والعُجاب والحسد والتعالي والزهوُ الخَادع ... وكل ما يجري بين المثقفين وللأسف هو ما يجري في كل لقاء..وكل ما أعرفه أن كل ما يجري أشبه بالذي يجري بالكهوف المجاورة...صرتُ أدركُ أن لفظة الثقافة التي هي شديدة الصلة بحياتنا،  قد تميعت بل مسخت، أو ربما نحن الذين ضخمنا معناها بشيء من الهلامية والفضاضة المائعة، أدركت الآن أن الثقافة فعلٌ وليست مصدرا، إنها قيم وارتقاء وسمو نحو إنسانية الإنسان، وعلينا أن نعبر عنها بما نقوم به ونفعله. وإلا فويل للعالم من المثقفين إذا فسدوا، ثم لملمتُ ما تبقى من شدوي وحنيني، وما تبقى من فكري وصرخة روحي، ولم أستطع أن أتطهر أو أتخلص، فقد بقي هناك شيء ما يجثم على صدري...

²²²²²²²

أخي التوأم لم تكن هوايتُه القراءة ولا الكتابة، فهو لم يخط خطا ولن يفعل...ولن يكتبَ شيئا، ولن يحكي أية قصة عن الذي يقع...، ولايستطيع أن يتبنى أي رؤية سردية، ولا أعتقد بأنه سيكتبُ سطرا على حين غرة، وهو مثلُ أبيه لم يكتب خاطرة في حياته، لو سألت زوجته لفضلت الموت على كتابة رسالة، ولا أحد يكترث، لقد بدأت القصيدة بالتشتت والضياع لهذه الأسرة الصغيرة...مرة أخرى يُقتل الطفل في أحضاني...أم الذي كان طفلا سواي، لستُ أدري..؟ وهأنذا أفتح عيني حين أفتحها على كثير ...ولكن لا أرى أحدا...، ثم اقشعر بدني ورحلت...

²²²²²²²

           وفي يوم آخر لقيت شكري كانت عيناه ساهمتان وكأنهما يغوصان في مستنقع رديء، حالة من قلق الأيام والأعوام البعيدة، ترتسم في عينيه الأزقة والدروب، والصامدون على الجراح، والأطفال الضائعين، والمتاجرة في أحلام الفقراء، والحكرة، وسيرة الإنسان في المكان، وأهل الهامش من المسحوقين والتائهين والمكلومين والمهاجرين ومن مرغتهم الحياة...وحساد النجاح والكلمة، وصراع الأجيال... والرجال الذين غابوا في تراب المقابر...، والشهوة الزائفة، وجنون العظمة، والشهرة بعد الموت، ومن يدعي أنه أنقدك من الويل والموت، والتكريمات الأفاقة...، في هذه الأثناء تذكرت إحدى مواقفه المتميزة كالعادة، "فما من أحد فوق النقد" فقد رأيت أنه يصول ويجول مشرحا نصوص الجميع بمبضع العارف دون خشية من سطوة الأسماء الكبيرة، فهو ينتقد بأسلوب يلغي التبعية الفكرية والفنية دون أن ينتقص من كمية الاحترام التي يكنها لإنجازاتهم، ولم يكن يريد أن يكون محبوبا أومرهوبا بمقدار ما تشغله مسألة التعبير عن قناعاته الفكرية دون وصاية أو مصادرة..ذلك أن الكبار قبل الصغار يقعون في أخطاء كبيرة...فقد كتب "أندري جيد" ذات يوم تقريرا عن رواية "مارسيل بروست" "البحث عن الزمن الضائع" أكد فيه أنها لاتصلح للنشر، ثم ندم على ذلك الحكم بقية حياته...لذلك دخل شكري إلى النصوص التي شرح من خلالها تجربته الابداعية وفهمه لدور الابداع الأدبي، مغسولا من كافة الأحكام المسبقة...ويبدو أنه كان في هذا الوقت بالذات كمن يقرأ كل أفكاري التي أحملها وأعتقد فيها...

فقد تخلى عن جائزته مقابل مبدإ كان يسكنه، ويتمثل في رد الاعتبار للجنوب المتوسطي تضامنا مع قوارب الموت...، مؤكدا على ضرورة رد الاعتبار لساكنته...

وكأنني ما زلت أسمع صدى صوته ونحن ننزل عبر سلاليم مبنى إذاعة طنجة الجهوية، بعدما توقفنا بقاعة الانتظار ، آنذاك وكأنني أرى الشمس وهي لا تكف عن مغازلة ضفائرها الذهبية...وحين رفعت بصري إلى السماء كان كل واحد في اتجاه..   

²²²²²²²

حتى صاحبي لم يعد...كان قد خرج قبل قليل...سألت لحظة الساعة المعلقة وسط الصالة، والتي توقفت عقاربها برهة ثم سألت الغد...ولم يأت.

بحثت عنه في الدروب في الأزقة والزوايا في الطوابير المتراصة في "الموقف"وفي الغابات وفي شوارع المدينة المزدحمة، في الممرات وجنب الحدائق، في الدهاليز فوق الأرض وتحتها، بحثت طويلا طويلا...في الصياح والعويل والفحيح، سألت عنه الأيام الماضية التي لم أظفر منها بشيء، وسألت عنه العائدات المقبلات التي لن أترك فيها شيء، وهذه بدايتها، سألت كل غريب ومقيم، سألت كل قادم وسائح وجائل، قيل بأنه لم يمر من هنا، سألت وسألت... وفي خاتمتها لم أظفر بجواب، لا أحد استطاع أن يكشف لي عنه، ولم يجبني إنسان، كلهم غابوا...ثم راحوا إلى المقبرة....

وتساءلتُ مرة أخرى، أواهُ...قد مات...ومات الطيبون.

                                                                                                                         ²²²²²²²

في مثل ذلك اليوم....وبعد شرود طويل، حييت "عبدو" وقلت له: لعل "العودُ أحمدُ"، ثم حدجني بنظرة، وقال مغمغما: "لواه العودُ محمدُ"...ثم بدأنا نضحك ونضحك حتى غرقنا في الضحك، ربما لكي لا نصاب بالإحباط والتشتت والضياع الأخير، فقد اختلطت علينا المشاعر...

ثم أردف وهو يبحث ويقلب بعض الكتب، وكأنهُ يريدُ أن يُفاجأني بكتاب جديد ككل مرة، لاعليك يا شاعرنا، الحياة كلها لاتستحق، كل ما يجري شيء طبيعي، لابد من الاندفاع والمشاكسة والاختلاف...ما علينا إلا التجاوُز والتعايشُ "والله يسامح"...وحيثُ هناك ضوء...هناك نور....ثم خرجنا نهرولُ كل في اتجاه، حتى أنني لم أكمل شرب قهوتي، فقد كان "عبدو" مسرعا للمهرجان الذي أعد مواد برنامجه منذ ثلاثة أيام، أعرف بأنه لم يأكل ولم ينم جيدا، وإني أراهُ نموذجا لذلك المثقف الحقيقي، في تميزه وكبريائه وتواضعه وعطائه، سعيدٌ ومتفائل دوما، يشتغل في الظل ويُعينُ الجميعَ في المجال الثقافي والإبداعي، وهو لايبخل على أحد...أغبطهُ على سعة صدره، وإني أراهُ الآنَ يبتسمُ ويملأ زَواياهُ سعادة....


                                        الأيام الثقافية بمؤسسة عبد الله الشفشاوني - تمسية - تحتفي ب*الكاتب محمد آيت علو.*

                   بشراكة مع جمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وبدعم من المجلس الجماعي للتمسية، نظمت ثانوية عبدالله الشفشاوني التأهيلية أياما
ثقافية مفتوحة تحت شعار” المؤسسة التعليمية..فضاء للتواصل والانفتاح على المحيط” وتأتي هذه الأيام في إطار الأهمية البارزة للأنشطة في الحياة المدرسية، والتي تساهم في ترسيخ التعلمات المدرسية وتنفيذ المنهاج المدرسي بشكل فعال وبطرق تربوية حديثة، فضلا عن إحلال علاقات وضمان ممارسة التلاميذ لحقهم في الإعداد والإشعاع والمشاركة والمبادرة وإبراز القدرات والمهارات الخاصة وتطويرها، وذلك ما تأتى لهم فعليا في هذه الأيام المفتوحة من خلال عدة أنشطة تثقيفية وفنية ورياضية غنية ناجحة، وذلك عبر برنامج متنوع اشتمل على حملة للتبرع بالدم، وملتقى للتوجيه، وورشات تكوينية، وبيئة وجداريات، ومعرض للتراث، ودوري في كرة القدم والذي تميز بالندية والتنافسية والإقبال والنجاح الكبير وبالروح الرياضية، ووعيا بأهمية التشجيع والتحفيز على المثابرة والعطاء كان توزيع مجموعة من الجوائز والشواهد على المتفوقات والمتفوقين في الأسدس الأول، وفي إطار فعاليات هذه الأيام المفتوحة للمؤسسة كذلك تم برمجة “حفل لتوقيع كتاب وذلك يوم الجمعة 28 فبراير2020 على الساعة الرابعة عصرا، ويعد المؤلَّف آخر إصدارات الكاتب الأستاذ “محمد آيت علو” الموسوم ب”كأن لا أحد” ومن تقديم الأستاذة” وردية الفقير” مسيرة الجلسة، ومن خلال مقاربات نقدية/ وتحليلية لثلة من الأساتذة الكرام الذين أناروا هذا الحفل ومنهم الأستاذ مولاي رشيد الزرهوني والأستاذ مصطفى الزاويت الذين كانت مقارباتهم منصبة حول هوية الكتاب عامة، والنموذج التجريبي الحداثي والتركيز على طبيعة التجنيس ثم الوقوف على تمثلات الانفلات فضلا عن الرؤية الكابوسية والتذويت والشاعرية والصوفية، والجانب الرؤيوي والكتابي في القصة القصيرة اليوم، وطريقة البناء الجمالي والمرجعيات المتحكمة في هذه التجربة، وخصائص التجربة القصصية للكاتب، وما تنفرد به من أبعاد فنية وتصويرية جمالية…أعقبتها مداخلات السادة الأساتذة الذين شرفوا الحفل، وقد ركزوا في مداخلاتهم الأخادة على البناء الفني وبواعث التجربة وأيضا على العتبات لاسيما عنوان المؤلَّف، وكذا التجريب في القصة القصيرة المغربية، وتساؤلات عن التجريب باعتباره حاجة وضرورة ثقافية حداثية أم كونه صدى للتجريب في الغرب؟؟ كما أثار المتدخلون إشكاليات جمة من قبيل ما يتعلق بالتجنيس عامة وإشكالياته..كما أثيرت مسألة القراءة الجبرية في درس المؤلفات ثم المقصدية من كتابة هذا المؤلف، وقد تم عرض شريط فيديو تضمن نبذة عن المؤلف، ومساره الإبداعي وإسهاماته، وما قيل عن إبداعاته في الجرائد والصحف، كما تميز اللقاء الثقافي الحميمي بكلمة السيد مدير المؤسسة” أحمد امجيدو” والتي توجه فيها بالشكر الخالص إلى جميع مكونات المجتمع المدرسي، وكافة الأطر الإدارية والتربوية والأطر المشرفة على النوادي بالمؤسسة مركزا على أدوارها وأهميتها في تفعيل الحياة المدرسية من خلال الجوانب المعرفية والثقافية والإبداعية.. مهنئا ومشيدا بالمبدع الكاتب:محمد آيت علو على إصداره السادس والذي يشكل تجربة واعدة باعتبارها تجربة إبداعية تتميز بملامسة قضايا اجتماعية ونفسية متعددة، مع تركيزه على التهميش والاقصاء والوحدة والعزلة والضياع داخل الأسر والمجتمعات العربية المعاصرة…،مشيرا إلى أن هذه المجموعة ستشكل إضافة نوعية في المشهد الثقافي. وبعد استراحة شاي وزيارة معرض التراث استمتع الحاضرون بقصيدة شعرية للكاتب والشاعر المحتفى به بصوت فاطمة آيت بران، لتستأنف بعد ذلك فعاليات حفل توقيع الكتاب بالتناوب على الكلمة بقية المجتمع المدرسي من خلال جملة من المداخلات والتعقيبات والتساؤلات من طرف المتعلمات والمتعلمين، فضلا عن الأساتذة الفضلاء نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ الفاضل محمد آيت دمنات مدير ثانوية الجازولي الاعدادية، والروائي المتميز يوسف البورقادي..الذين ساهموا في إثراء النقاش.. وفي الختام تم تقديم تدخلات استنتاجية تركيبية وتصحيحية للأفكار السابقة المدرجة ضمن فعاليات هذا اللقاء من لدن الأستاذة وردية الفقير مسيرة الجلسة ..وليختتم العرس الثقافي بكلمة للمؤلف مع الإجابة على بعض التساؤلات المرتبطة بالعملية الإبداعية، كما شكر جميع مكونات المجتمع المدرسي على مثل هذه المبادرات الخلاقة، ثم كان الانتقال إلى توقيع المؤلف الجديد…
والجذير بالذكر أن الكاتب محمد آيت علو راكم نصوصا قصصية متميزة في إطار مشروع تجربته “نصوص منفلتة ومسافات ” في طبعتيه (الأولى غشت سنة 2000 / والطبعة الثانية أبريل سنة 2011 ) فبعد النجاح والإقبال، يواصل الكاتب تجربته من خلال هذه النصوص ” كأن لاأحد ” ومن المنتظر أن تلقى مجموعته هذه نجاحا مماثلا نظرا للعوالم التحديثية الخاصة لهذا الكاتب، والذي يستثمر لغته الشاعرية ليبدع لغة سردية خاصة…، وللإشارة فالكاتب له إصدارات شعرية نذكر منها:” عيون على سفر”، “زورق ونورس” و”عزلة والثلج أسود” والديوان الشعري القادم “طين الشتاء”.


قراءة في منجز المؤلَّف الجديد

للكاتب المغربي محمد آيت علو "كـأَنْ لا أَحَدْ"

                        عن منشورات“مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال”المغرب، صدر للكاتب محمد آيت علو، مؤلفه الجديد بعنوان: “كأنْ لا أَحَدْ”، ويقع الكتاب في 112 صفحة من الحجم المتوسط، المقاس: 14.5× 21.5 سنتم وتضم 20 نصا، هي على التوالي: “وجوه وأفواه”، “إلى حين تمطر”، “أصبع صغير”، “زنزانة لاتضيء”، “كذلك بعد اليوم”، “صوررجال جبال”، “حائل الاشتهاء”، “احتضارحياة”،“طيف ابتسامة”، “اختراق محموم”، “ تردد...”، “ذو الوجه النحاسي”، “الطفل الكهل”، “كوة في الغياب”، “آلة صماء وإنسان”، “نظرة بنظرة” ، “الاجتماع الأخير”، “قناع ممثل”، “أيقونات الغفلة”، “أخيراً وحدك”، وتتصدر غلافها لوحة تشكيلية للفنان التشكيلي خالد عروب.

   ومؤلف: “كأنْ لا أَحَدْ” يأتي ضمن المشروع المتميز بفرادته، وهي بحسب تقديم المبدع ابن الأثير عبده بن خالي: "...نُصُوص منفلتة، ولقد برع الكاتب محمد آيت علو لما اصطنع تلك المسافات بينها وبين القارئ، وهذا لايَصْدِمُنا في شيء طالما أن هذه النصوص تتماهى مع حقيقة تكاد تترسَّخ كما هو الحال عند كافكا:" إنني أكتب خلاف ما أتكلم، وأتكلم خلاف ما أفكر، وأفكر خلاف ما يجب أن أفكر، وهلم جرا إلى أعمق أعماقِ الغُموض" هكذا يتداخل هذا الإنفلات في تلك المسافات لتصبح المسافات انفلاتا حَداثِيا للإبداع، ثم إن الأعمالَ الإبداعيةَ المُتَميِّزة لايحدِّدُها بعدُ مقياسٌ ثابتٌ، فهذا لايحدثُ حَتىَّ في الحُلم. كما أنَّ العالمَ يفلتُ مِنَّا باستمرار، والإبداعُ يحاولُ القَبْضَ على هذا الإفلات، فنحنُ حين نستعيدُ بالإبداعِ هذا العالم الهاربَ منا، لانضعه في صورةٍ مُؤَطَّرةٍ ونحتفظُ به كذكرى لمسافات، واسترجاع لما قد فات...وتمتدُّ هذه المسافات في ذلك الإنفلات، ليُصبحَ الإنفلاتُ مسافات بين التداخُل والإمتدادِ رؤية في اتجاه أن نكون أو لا نكون...!!

إنها الكلمة / الإبداع، والحكي عن الفرح الجامح بصخب وتوهج، عبير ينتشر عبر الأمكنة / الأزمنة من ضوء يُغَذي جُوع العتَمات المنْدُوبة جِراحها فينا كالنَّزِيف، ومساءات الرَّغْبَة المبحُوحة في الانفلاتِ من ذاك العالم المسَيَّج بالريحِ والخواء، واحتراق الكلمات الناضجة فينا، فتبقى المسافةُ بيننا طُقوساً لانفلات لم نمارسه من قبل...!

         فسلاما عليك أيها الواقف عند مدخل القلب، سلاما عليك أيها الجسدُ المنفَلِتُ فينا، حُلماً يُراوِدُ الذَّاتَ، ويسعى إلى تدميرِ المَأْلُوفِ، سلاما أيُّها القلبُ الرَّاقِصُ على جدار الحُزنِ الرَّاكِضِ في اتِّجاهِ النَّافذَة بحثاً عن كُوَّةِ فَرح، ملفوفٍ بمرايا عشتار وأناشيد لوركا...يدك الريح على كف الشمس وسط الظلام، ومشيئة الظل الذي هو ظلك في ظلين...، الأولُ يحَلِّقُ داخل متاهاتِ الوَجْدِ وأزقَّةِ المدينةِ، يُغازِلُ الجرائد سيلاَ من رماد...، ويُغطِّي الثاني رموزه بحدائق تحَجَّرت نبوءاتها في دمِه، و من أجل لا شيء، هو المرمى هناك بين نوافذ الريح، بين النَّدى والبَحْرِ، يبقى الإشتهاءُ لديكَ في الإنفلاتِ إلى شُرْفةٍ مُضيئَة، مُطَرَّزة بِلَيْلِ السُّمارِ الموسُومِ بالحَكْيِ والشَّغَبِ المبْدِع...!

               مِن هُنا تَبدأُ الحكاية/ الكتابة والكلمات...، وحبك المشنوقِ بحبالِ المنْعِ والرَّدْعِ والصَّفْعِ، وحقيقة إنفجاراتك الداخلية، وكل التناقضات التي تجعلُ العالمَ يضيقُ أمام عينيك، حتى يُصبح في حَجْمِ عُلبَةِ الثِّقاب."

وهي نصوص تتميز ببعدها الإنساني، وعمق معانيها ورمزيتها ودلالاتها في الأغلب الأعم، كما أنَّها تمتحُّ من صور واقعية لترتقي بالمتلقي إلى رحابة القيم الانسانية، وبخاصة لما يدرك الواحدُ منَّا حقيقة وحدته الملازمة له في الأول والأخير، فيضطرُّ إلى أن ينعش ويطهر بالحب ساعات لقائه ووداعه لمن حوله، ومحمد آيت علو هو أديبٌ وباحثٌ مغربي ينشر في الصحف والمجلات المغربية والعربية وعبرَ مواقع الانترنيت المختلفة، وقد بدأ نشر إبداعاته الشعرية والقصصية منذ 1986. كما عمل مراسلا وكاتبا صحفيا، ومشرفا ومعدا للصفحة الثقافية لجريدة "تحولات" التطوانية الصادرة باللغتين الاسبانية والعربية، و اشتغل أستاذاً في العديد من المدن المغربية" تنغير،ورزازات، الشاون، مرتيل طوان، تزنيت،ثم آكادير...وكان لذلك أثر كبير في صقل تجربته، والتي عبر عنها ذ. محمد رحمان بقوله:" مسافات زمنية استطاع الكاتب أن يكثف فيها تجربته الحياتية، وأن يصقل تجربته الإبداعية ومن حيث المكان (من تيزنيت وإنزكان وآيت مــلول/أكاديرآسفي الصويرة جنوبا، وصولا إلى طنـجة وتطـوان شمال والميريا والشاون، بل إلى تخوم الشرق الصادع بالأنا والأنـوية(تنغير ـ ورزازات مثلا) أماكن دافئة، جعلت النصوص تمتلك دفقا شــعوريا وإحالة على المسافات .(لقد دخل المؤلف في سباق المسافات الطويلـــة مع الزمان والمكان وهذه طبيعة الأدب".

وفي سياق آخر يعتبر محمد آيت عـلو كبسولة تدَّخِرُ كل الأسئلة المحرقة، أو" رادار" يلتقِـطُ كل التفاصيل من على شاشة الإرسال النفسي والإجتماعي، إبداعهُ متنوعٌ يَنْصَهِر فيه ماهو نثري وشعري وسير ذاتي/مصورة الـذات، وانشطاراتها سواء في حزنها أوفي يأسها المرير..، وسرعان ما تتسامى لتشارك الآخرين التطهير من قبح العالم ونشر الفرح الإنساني".

ومن مؤلفاته الإبداعية - "باب لقلب الريح" في طبعتين، ط 1غشت"2000/ط2 أبريل2011،  "زورق ونورس"ديوان شعري2001، "عيون على سفر" 2002 شعر، "عزلة والثلج أسود" 2010ديوان شعري، "منح باردة "2017 قصص، " طينُ الشتاء" 2019ديوان شعري، وقد حاز على دروع وشهادات تقديرية للتميز والابداع فضلاً عن مجوعة من الجوائز منها: جائزة المسرح المدرسي من خلال مسرحية"زوال أقنعة هينة" شفشاون، جائزة المسرح المدرسي من خلال مسرحية"ظلال الدونكشوط" تنغير/ ورزازات، وجائزة قصص (كوريا/ سيول(القسم، العربي/ ?جائزة أناشيد الأطفال(رـ ت الثالثة (إذاعة هولندا/ق،ع)،  وجائزة عبدالله راجع في فن المقالة 2010/ ودرع البي بي سي اللندنية"*ق. العربي/الجامعة العالمية إ2011"وجائزة الثقافية الجزائر"شموع مضاءة"2012، وجائزة ملتقى القصة العربية الكويت 2014، ثم الجائزة الدولية الفلسطينية للفن السردي 2015، كما شارك في مجموعة من المهرجانات والملتقيات الأدبية، منها التميز للإبداع في المجال الفكري2016"تمسية/آكادير، ثم ملتقى الإبداع من خلال "إصدار جديد المجموعة القصصية: "منح باردة" 17 أبريل2019 .

ويأتي مؤلف "كأنْ لا أَحَدْ "في سياق مشروعه التجريبي "نصوص منفلتة ومسافات"، التي بدأها الكاتب أواخر التسعينات احتكاماً إلى التّجديدات في الشّكل وركوب مغامرة التجديد والتنوع ورفض قيود الإطارات المنمقة، فقد كان إيمانهُ منذُ البداية بأن التصنيف الأجناسي مجرد وهم، وليسَ له أي معنى، وأنَّ المسألة لاوجودَ لها، كما ذهب إلى ذلك كل من رولان بارث وكروتشه وبلانشو فيما بعد، ويبقى الإبداع هو الحاسم، وهي تجربةٌ مفعمةٌ بشيء من التّفاؤل والتّطلع إلى المستقبل، وركوب ممكنات التحدي، رغم كلّ العراقيل الراهنة التي تحفّ الطريق، وقد ارتأى الكاتب محمد آيت علو إصدار مجموعته نصوص أدبية”كأنْ لا أَحَدْ ”إلى عدّة خصائص شكّلت الإٌطار العام لهذه النصوص الجميلة، والتي ظهرت كأعمال لافتة بسحر سردها، وإن حافظت على خصائص القصّة القصيرة بشكل لافت، وفي التقائها مع خصائص السكريبت " أو السيناريو، حيث التَّخييل الخصب، والرّمز على اختلافه وتنوعه، والاستعارة، والاستفادة من نسق قصيدة النثّر. وعدم الرّبط بين الجمل. الشّيء الذي جعل النّصوص، في قصرها و كثافتها، و أسلوبها الوامض، ولغتها المجازية، واختلاف تيماتها،

 وتنوع رؤاها السّردية تبدو مختلفـة، اعتماداً على ما يُحفّز ويدعو إليه منطق التّجديد والتّجريب، بعيداً عـن النّمطية، ومُسايرة ما هو كائن… هذا ويمكن اعتبار" كأنْ لا أَحَدْ" لمحات ودهشة وومضات لما آل إليه الوضع الإنساني في الحال والمستقبل، بل إشارات قد تبدو بعيدة، ولكنّها من شظايا ما هو كائن....

               مؤلف “كأنْ لا أَحَدْ ” شهادة قصصية فنّية تلميحية، شحنة مركزة وجرعات مكثفة من المشاعر الرقيقة والقيم الانسانية، لفظاعة ما يعرفه الواقع الإنساني، وهي بمجموع نصوصها النّابضة بالحياة، وبحُرقة الواقع المعيش، وما يَعتريه، تشي بقلم متجدد لمحمد آيت علو، الذواق للإبداع، والمؤمن بقوته لتجاوز اللَّحظة الآن، البارع الماهر في اقتناص اللّحظة و تشكيلها… و الذي تَعِدُ مجموعته هذه، بعطاءٍ كثير على درب الإبداع الجميل السحري الرائق، كما عوَّدَنا دوما. وهو الذي يعتزُّ ويحترمُ قراءهُ كثيراً، ويستفيدُ من طرق مقارباتهم وإبداعهم في تصور المعاني وفي التعبير عنها، ويبقى من حق المتلقي لأي نص أن يبني أفق انتظاره بالطريقة الممكنة والمناسبة له.


مشاركة: