فضاءات محمد آيت علو

خبار بلادي

محمد آيت علو

سجل التواصل مع محمد آيت علو

مسجــل فــــي: أكادير (البلدية) | سوس - ماسة | المغرب |
مسجــل منــــذ: 2020-12-29
آخـــر تواجــــــد: 2023-12-26 الساعة 12:56:51
محموع النقط: 14.24

إعلانات


>> محمد آيت علو >> سجل التواصل مع محمد آيت علو

الصفحة: 1 من 4

نص ومسافة جديدة.

               *شتات الرياح والزوابع                      للكاتب: محمد آيت علو.

 

       1- وماذا كنا نكون غير إحساس مكتهل، وتجاعيد أيام، وبقايا حرمان، وملحمة عشق خرافي، وروح يملكها النزيف، كأس مهانة، يزرعنا التيه في غياهب النسيان، ترسمنا الثانية مجرد إطار لصورة إنسان، نحن الذين كنا ننتظر طيفا يخيط خرق الحال، يبددنا ويرشح قلبنا بفاتحة السؤال، من قال بأن العيون تدري سرالبكاء؟ من قال إن تلك العيون سترسم بالتيه مستقبلا بلا قسمات ، مثل حاضرنا المليء بالنكسات والخسران، والحروب والكوارث وقبح العالم والشتات وغياب القيم وإنسانية الإنسان، حيث أجسادنا خرقة تخاط إلى الأرض ؟

 

2- سجين بهذه القلعة، سجين سأبقى، حتى تنصفنا إن شئت، مرآتي البحر، وقصري الندى، سجين سأبقى بهذه القلعة، سبعة نوافذ على الريح. عفوا ستة نوافذ على الريح! لاتسأليني يا حلوة العينين، أشعلي نارك في موقدي ، فقلعتي رانت عليها الثلوج ...أذكر خمسة نوافذ على الريح هي بلا شبابيك ، من يصرخ شمالا يا حبيبتي؟ النهرالذي يجري في عنفوان، وهذه أمواج البحر تروح وتعود، بين مد وجزر، فاملئي بيتي عافية، بل الآن نافذتان على الريح، من يتنهدُ شرقاً يا حلوتي ؟ أنت  ذاتُك حيث تعرجين آفلة، النوافذُ نافذةٌ يتيمةٌ تُطلُّ على الريح، من ينوح غربا يا أنت؟ أنا الحي الميتُ  قادمٌ إلى مثواك، فمن أجل لا شيء، أنا مرمي هنا!!

 

3- يتكسر الحلمُ في عينيك ، شظايا من بريق، يترنح الهمس سكرانا، قالت ومشت، أعادت القول، دون أن تعانق حلمنا القابع هناك، الآن هي تمشي دون مظلة أو قمر ... قالت وقالت ... ولم أنبس ببنت شفة، لكن الشمسَ تبردُ في جسدي، والدماءُ كالجليد، يعصرُني الصَّمتُ، وأظَلُّ أمشي. أنا منذُ الآنَ:ـ لن أنبسَ ببنت شفَة ...

 

4- استريحي جانباً على النافورة فدوما تأتين متعبة، ولن ينتابك مني أسى،  هكذا افعلي، بربك لا تكثرتي، تباًّ أيُّ سخف ؟! للجحيم كل هذه الخرافات، وهذه الكائنات الخرافية، لللامبالاة كُلَّ المجد، لن أشرئبَّ بعدَ اليوم إلى مالم يفُت طمعاً، ولا ظُنون.

5- رُويداً، رُويداً، لا تُزعجي الهُدوءَ، وَلولي بإيقاع غير شبيه، بطيء، مهلاً! بطيء جداًّ، بربك لا تسأليني، هذا هو الإيقاع الوجيه، ولن يتصيَّدَهُ مُتَصَيّدٌ بعدَ الآنَ أو مُتلمس، غردي، وارقصي هذا هو الإيقاع البطيء، غني للشفق، للقمرالذهبي، هذه هي الشمس قد رحلت وكفى، والأفراح تلتهبُ وتزدانُ، والقلبُ يصيرُ نافورَةَ عطر، والغروب بنفس الإيقاع ، بطيء، بطيء جداًّ…

6-أوتدرين؟ وأنا الحبيسُ هُنَا، لم نحب بما فيه الكفاية، ولم نحب الكائنات والأشياء، وكُنَّا مع ذلك، نملك طفولةً بريئةً، حيث زرقة البحار، وكنا نملك الإختيار، كان اللؤلؤ في أعيننا محار، وكنا نغني تحت ظل أشجار البرتقال، فرحين نرقصُ على إيقاع انسكاب الأمطار، وكان الغناءُ بطيئاً، بطيئاً جداًّ ...

7- السفنُ بدلَ أن تغرقَ ، فهي تطفو، أو تدرين ؟! بالأمس عشرُ سفن غرقَت بالبحر، وأحدُ البحارة جريحٌ، يستنجدُ بمياه محايدة، كُنا …هُناكَ كُنا، حينَها كنت تنظرين إلى زيت القنديل، لقد كنا مرتاحين وبعيدين، وكانت أحلامنا البسيطة مع ذلك مزعجة،تُنوّرُها ومضاتُ المنار، وحيث كانت الحرب لعبة على الوسادة …

8- الـآن أذكـرك يـا نـجمتـي الـطالعة من عـيون الغيب! أذكرك وأنت بدر في ليل الطفولة، وأنت شمس نبوية طالعة، أذكرك جالسة بجواري، وأنا كشيخ صوفي في عزلة على فراش المرض.

أوشيخ صوفي يوصي بإبادة كتبه بالنار، أوتحليلها في الماء، وأن ما أنتجه لم يعد ذا جدوى، فقد صارت الحكاياتُ والخدَعُ الجميلةُ شيطاناًحقيقياً، كلُّها تهالكت، وتشبَّتَ أبطالُ راوييها بخيوط الدُّميَة، وليس لما تحتويه من  نواذرَ وجواهرَ وإنَّما لأنَّ العالمَ الذي ستحُلَّ به لن تدخُلَهُ، وأنَّ الواقع مليء بكثرة التشوهات والتجاعيد والتي لم تعد أجود مساحيق تجميل الإبداع قادرةٌ على محو دماتتها...، ولربما كله خواء، والتطهير ماءٌ أو نار…

9- آه ! يا طبيبتي، أذكرك جالسةً بجواري، وأنا الميتُ الولهانُ، وكنت تُصلين من كل الأعماق، تُقبلين جبهةَ القدر، تُرسلينَ باقةً من الصلوات عَلَّها تخترقُ مُدنَ السَّماء،  فتأتي بالفَرج الإلهي ...

حيثُ أنا المرميُّ بهذه القلعة، بينَ النَّدَى والبَحر.

10 – هاأنذا مفقودٌ مولودٌ، مولودٌ مفقودٌ، أبحثُ عن نفسي قليلاً، فلا أجدُها إلا ناقصةً مشوهةً، أومجزأة، أتلاشى في ظلام السواد، وفي شفاف البياض، وأضيع في غمرة الوحدة القاتلة  بهذه القلعة. 


نص ومسافة جديدة.

               *شتات الرياح والزوابع                      للكاتب: محمد آيت علو.

 

       1- وماذا كنا نكون غير إحساس مكتهل، وتجاعيد أيام، وبقايا حرمان، وملحمة عشق خرافي، وروح يملكها النزيف، كأس مهانة، يزرعنا التيه في غياهب النسيان، ترسمنا الثانية مجرد إطار لصورة إنسان، نحن الذين كنا ننتظر طيفا يخيط خرق الحال، يبددنا ويرشح قلبنا بفاتحة السؤال، من قال بأن العيون تدري سرالبكاء؟ من قال إن تلك العيون سترسم بالتيه مستقبلا بلا قسمات ، مثل حاضرنا المليء بالنكسات والخسران، والحروب والكوارث وقبح العالم والشتات وغياب القيم وإنسانية الإنسان، حيث أجسادنا خرقة تخاط إلى الأرض ؟

 

2- سجين بهذه القلعة، سجين سأبقى، حتى تنصفنا إن شئت، مرآتي البحر، وقصري الندى، سجين سأبقى بهذه القلعة، سبعة نوافذ على الريح. عفوا ستة نوافذ على الريح! لاتسأليني يا حلوة العينين، أشعلي نارك في موقدي ، فقلعتي رانت عليها الثلوج ...أذكر خمسة نوافذ على الريح هي بلا شبابيك ، من يصرخ شمالا يا حبيبتي؟ النهرالذي يجري في عنفوان، وهذه أمواج البحر تروح وتعود، بين مد وجزر، فاملئي بيتي عافية، بل الآن نافذتان على الريح، من يتنهدُ شرقاً يا حلوتي ؟ أنت  ذاتُك حيث تعرجين آفلة، النوافذُ نافذةٌ يتيمةٌ تُطلُّ على الريح، من ينوح غربا يا أنت؟ أنا الحي الميتُ  قادمٌ إلى مثواك، فمن أجل لا شيء، أنا مرمي هنا!!

 

3- يتكسر الحلمُ في عينيك ، شظايا من بريق، يترنح الهمس سكرانا، قالت ومشت، أعادت القول، دون أن تعانق حلمنا القابع هناك، الآن هي تمشي دون مظلة أو قمر ... قالت وقالت ... ولم أنبس ببنت شفة، لكن الشمسَ تبردُ في جسدي، والدماءُ كالجليد، يعصرُني الصَّمتُ، وأظَلُّ أمشي. أنا منذُ الآنَ:ـ لن أنبسَ ببنت شفَة ...

 

4- استريحي جانباً على النافورة فدوما تأتين متعبة، ولن ينتابك مني أسى،  هكذا افعلي، بربك لا تكثرتي، تباًّ أيُّ سخف ؟! للجحيم كل هذه الخرافات، وهذه الكائنات الخرافية، لللامبالاة كُلَّ المجد، لن أشرئبَّ بعدَ اليوم إلى مالم يفُت طمعاً، ولا ظُنون.

5- رُويداً، رُويداً، لا تُزعجي الهُدوءَ، وَلولي بإيقاع غير شبيه، بطيء، مهلاً! بطيء جداًّ، بربك لا تسأليني، هذا هو الإيقاع الوجيه، ولن يتصيَّدَهُ مُتَصَيّدٌ بعدَ الآنَ أو مُتلمس، غردي، وارقصي هذا هو الإيقاع البطيء، غني للشفق، للقمرالذهبي، هذه هي الشمس قد رحلت وكفى، والأفراح تلتهبُ وتزدانُ، والقلبُ يصيرُ نافورَةَ عطر، والغروب بنفس الإيقاع ، بطيء، بطيء جداًّ…

6-أوتدرين؟ وأنا الحبيسُ هُنَا، لم نحب بما فيه الكفاية، ولم نحب الكائنات والأشياء، وكُنَّا مع ذلك، نملك طفولةً بريئةً، حيث زرقة البحار، وكنا نملك الإختيار، كان اللؤلؤ في أعيننا محار، وكنا نغني تحت ظل أشجار البرتقال، فرحين نرقصُ على إيقاع انسكاب الأمطار، وكان الغناءُ بطيئاً، بطيئاً جداًّ ...

7- السفنُ بدلَ أن تغرقَ ، فهي تطفو، أو تدرين ؟! بالأمس عشرُ سفن غرقَت بالبحر، وأحدُ البحارة جريحٌ، يستنجدُ بمياه محايدة، كُنا …هُناكَ كُنا، حينَها كنت تنظرين إلى زيت القنديل، لقد كنا مرتاحين وبعيدين، وكانت أحلامنا البسيطة مع ذلك مزعجة،تُنوّرُها ومضاتُ المنار، وحيث كانت الحرب لعبة على الوسادة …

8- الـآن أذكـرك يـا نـجمتـي الـطالعة من عـيون الغيب! أذكرك وأنت بدر في ليل الطفولة، وأنت شمس نبوية طالعة، أذكرك جالسة بجواري، وأنا كشيخ صوفي في عزلة على فراش المرض.

أوشيخ صوفي يوصي بإبادة كتبه بالنار، أوتحليلها في الماء، وأن ما أنتجه لم يعد ذا جدوى، فقد صارت الحكاياتُ والخدَعُ الجميلةُ شيطاناًحقيقياً، كلُّها تهالكت، وتشبَّتَ أبطالُ راوييها بخيوط الدُّميَة، وليس لما تحتويه من  نواذرَ وجواهرَ وإنَّما لأنَّ العالمَ الذي ستحُلَّ به لن تدخُلَهُ، وأنَّ الواقع مليء بكثرة التشوهات والتجاعيد والتي لم تعد أجود مساحيق تجميل الإبداع قادرةٌ على محو دماتتها...، ولربما كله خواء، والتطهير ماءٌ أو نار…

9- آه ! يا طبيبتي، أذكرك جالسةً بجواري، وأنا الميتُ الولهانُ، وكنت تُصلين من كل الأعماق، تُقبلين جبهةَ القدر، تُرسلينَ باقةً من الصلوات عَلَّها تخترقُ مُدنَ السَّماء،  فتأتي بالفَرج الإلهي ...

حيثُ أنا المرميُّ بهذه القلعة، بينَ النَّدَى والبَحر.

10 – هاأنذا مفقودٌ مولودٌ، مولودٌ مفقودٌ، أبحثُ عن نفسي قليلاً، فلا أجدُها إلا ناقصةً مشوهةً، أومجزأة، أتلاشى في ظلام السواد، وفي شفاف البياض، وأضيع في غمرة الوحدة القاتلة  بهذه القلعة. 


إبحار إلى ضفاف أخرى وانفتاح حيث الإبداع تعايش وقيم وجمال.

                                                                                                                                                                 * عبر إصدارات الجديدة للكاتب المغربي محمد آيت علو.

.

للطباعة والنشر والتوزيع     Éditions U. Européennes                    ضمن منشورات

   وبالتعاون مع مؤسسة النشرMUSE  إصداران جديدان للكاتب المغربي محمد آيت علو، بنسخ أنيقة عالية الجودة، ويقع الكتاب الأول"COMME SI PERSONNE" في مائة صفحة من القطع المتوسط أما  المؤلف الثاني "Ombre légère" فيقع في ثمانين صفحة ضمن جنس القصة القصيرة جدا،  ولقطات قصصية ومتوالية قصصية  قصيرة جدا تكلَّفَتْ بتصميم غلافه مطبعة "Éditions U. Européennes" نظرا للإشادة الكبيرة بالتجربة المميزة من خلال مشروع "نصوص منفلتة ومسافات" فبعد سلسلة نصوص "باب لقلب الريح" بطبعتين ، و"منح باردة" و"كأن لا أحد" ، وهما إصداران لافتان للانتباه - للكاتب المغربي محمد آيت علو- حازا أصداءً إيجابية بدار نشر والترجمة والتوزيع Éditions U. Européennes ، إذ حازت «جائزة الأدب» في مسابقة l’Antre guillemets، ضمت مختارات من نصوصه، التجربة التي لقيت استحسانا كبيرا من تقديم ومراجعة الأكاديمية والكاتبة "فوجيل إيكاترينا" و"الكسندرا رايش" الجامعة الأوروبية للنشر، كما ضمت المجموعة نصا باذخا من ترجمة الأستاذ المغربي مصطفى الزاويت، وهوأبحارإلى ضفاف أخرى، رحلة  ثقافية حضارية إنسانية، وقطع المسافات بالمسافات، إمتاع ومؤانسة واصطناع لجسور بصور وبأصوات مشرقة مع الآخر، تواصل واستمرارية حياة، حيث الإبداع سلام وتعايش وقيم وجمال وانفتاح، وأداة فاعلة تمحو تجاعيد  الزمن، وسمو بالإنسان حيث الكتابة جزء لا يتجزأ من حياة الأمم والمجتمعات، ولاسيما إذا كانت كتابة مغايرة، باعتبارالكتابة المغايرة تقدم رؤيا أصيلة للعالم، وخاصة حين تستند على أساس فكري وتعيدنا إلى وعينا الحقيقي بالذات وبالعالم،  حيث تجاوز اللحظات الصعبة حتى لا ننهار وندخل في متاهات القلق والاكتئاب، وذلك من خلال نصوص تعمل على  اصطناع سعادة لروح المتلقي ولو من خلال كوة للفرح، بما يعني العودة إلى الذات التي قادتها للبحث في وجعها الروحي حيث القلق والتيه، والواقع المرغوب وغير المرغوب، وفي ظل غياب المعنى وبشخوص تخوض وحل المسافات اللامتناهية، المترامية المفتوحة على التيه والضياع، شخوص لا تعرف الاستكانة والوثوق بالأرض تحتها، لذلك تجدها دائمة الترحال، نصوص تنفلت من عقالها ومن عقدها وهمومها وآلامها وآمالها، ثم الانطلاق والتحليق خارج المألوف، ولو عبر الحلم... لتعانق من خلالها الخلاص المرغوب/المشتهى، وعبر رحلة لاقتناص الدهشة في غابات الحياة، بجمالها غموضها أسرارها...سفينة وسفر لزرع الآمال في واقع محبط، فضلا عن تميّزها باللغة الشعرية الممتدة على مساحة السرد؛ وهي لغة مبتكرة راقية منمّقة، تأخذنا باتجاه الحيّز الزمكاني الذي يخدم الأحداث، وتنمو في ظله الشخصيات، لقد اجتمعت عناصر السرد جميعها وتآلفت منسجمةً لتأتي بهذا العمل المميّز الذي يأسر المتلقي، ويأخذ به إلى الدهشة والإعجاب، كما تصوّر هذه النصوص الصراعات الحادة، وتختصر الواقع في سردٍ متخيّلٍ يحاكي الإشكاليات المتعددة برمزيةٍ تنضاف إليها الواقعية المعبّر عنها بأسلوبٍ ينطوي على أشكالٍ شتى من المتناقضات مثل الوجود والعدم والموت والحياة، ومصاير ضائعة مضطربة، وكما جاء في الدراسة للأستاذ "نور الدين النوني":"إن النماذج الأدبية المختارة التي تعمدنا أن تكون ممثلة لجميع النصوص التي يتألف منها المتن، جاءت لتجسد مناحي اشتغال الكاتب محمد أيت علو ضمن إطارعام هدفه: «الاحتراق من أجل تأسيس هوية الحداثة»، ونشيده: «معانقة التحول والاستمرار». وهذا الانطلاق هو الذي سيكون المنفذ الوحيد لفهم علائق نصوصه وحضور ظاهرة السردية فيها، باعتبارها عنصرا يمنح المبدع حرية في التعبير ودقة في التصوير، ناهيك عن دورها في تثبيت التواترات ووصف التغيرات.

تشاء إذا نصوص الكاتب محمد أيت علو أن تمنحنا نفسا عميقا، نفسا يفضح علاقته بالكتابة والإبداع، وهو الحال عشناه عند وقوفنا على ناصية أول نصوصه "إلى حين تمطر" واصبع صغير" و"زنانة لا تضيء"، إذ بمجرد انتهائك من قراءتها تحس إحساسا لا مثيل له بأنه لا طعم للحياة ما لم يكن الإنسان متشبعا بالأمل، متمسكا بروح المبادرة، إنه السرد بمقوماته وأساليبه زرع فينا ذلك، ولعلنا بذلك أمام متمكن من تقنياته متمرس بخباياه الفنية عارف بأساليبه الجمالية، لهذا جاءت نصوصه غاية في الجمال والمتعة، يجد فيها القارئ المبحر المتفسح ما يسعده...إن ما يمكنه استخلاصه من هذا التحليل السردي لنصوص الكاتب المغربي محمد أيت علو أنه لم يغفل عن توظيف المقومات السردية، من أحداث وشخصيات وأزمنة وأمكنة...، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على معرفة الفذة بأدبيات السرد الفني الراقي، الذي يحقق المقصود، وينفتح على تأويلات وتفسيرات متجددة، وما ذلك إلا لأنه عبر بلغة مختلفة، لغة يكثر فيها الجمال والسحر، ثم بالبنية السردية وما تكتنفه من أحداث وشخصيات وبيئة زمكانية.

وبالجملة فهي نصوص سردية هاجسها المشترك هو الدعوة إلى التغيير وإعادة بناء الذات والحياة، كما أن المسافات الإبداعية التي يرسمها الكاتب محمد آيت علو  في نصوصه، تفتح أمام المتلقي كوة للفرح، وتقحمه بشكل منفلت في مواجهة خبايا الحياة، حيث إن عليه أن يقطع هذه المسافات اللغوية، قصد الإمساك بخيط تلك النصوص، ولن يتأتي له ذلك إلا بفك تلك الرموز المكتوبة، وكشف الدلالات العميقة في سواد الكتابة، والدلالات المغيبة في بياضها، لأنها مسافات نصية، يتداخل فيها الشعري والصوفي، ويمتزج فيها الخيالي بالواقعي، وتتعرى فيها الذات من عقدها، وكبريائها لتفصح عن صراعاتها، ومشاعرها وانفعالاتها، إنها مسافات ملغومة حقا بتشكيلها، ولغتها وشرعيتها وواقعيتها وخيالها وصوفيتها. وكما أشار الأستاذ نور الدين النوني في دراسته لبعض نصوص الكاتب محمد آيت علو المعنونة ب"ظاهرة السردية في كتابات محمد آيت علو: "نكاد نقول: إن ما يمكنه استخلاصه من هذا الرصد والمتابعة لنصوص الكاتب المغربي محمد أيت علو أنه لم يغفل عن توظيف المقومات السردية، من أحداث وشخصيات وأزمنة وأمكنة...، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على معرفته الفذة بأدبيات السرد الفني الراقي، الذي يحقق المقصود، وينفتح على تأويلات وتفسيرات متجددة، وما ذلك إلا لأنه عبَّر بلغة مختلفة، لغة يكثر فيها الجمال والسحر، ثم بالبنية السردية وما تكتنفه من أحداث وشخصيات وبيئة زمكانية، نكاد نقول: إن الكاتب محمد أيت علو أضحى ممن ينبغي أن نعكف على كتبهم رصدا لكل ما يساهم في رقي اللغة والسرد على وجه عام".

تبقى الإشارة في الأخير وعلى الرغم من المحاولات الخجولة من بعض دور النشر العربية في تقديم مؤلفات عربية بلغات أخرى في أوروبا ترويجا للإبداع والثقافة العربية، إلى أنه بات من الضروري إماطة اللثام عن تلك العلاقات التي تنتج ماهية الأدب والإبداع، وتقديم الصورة الحقيقية للمشهد الإبداعي الواعد عندنا والذي يزخر بمواصفات عالمية ويعرف تزايدا في فعل الترجمة وحصد الجوائز مع امتلاك طاقات وإضافات واعدة، لكنها ما زالت لم تحقق الحضور بالشكل الذي يليق بها في مختلف أصقاع العالم، مع الاعتراف الداخلي بدل التعتيم، والمواكبة النقدية الموضوعية،  وتعزيز دور المنابر الإعلامية والتي من مهامها توسيع دوائر التلقي وانفتاحه.


محبتي للمتحابين في لمحمد آيت علو\ | 17/10/22 |
إن المحبة هي جوهر الحياة، وأما محبة الله فهي الحياة الحقيقية، وهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هم وضنك وألم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل: (وجبت محبتي للمتحابين فيّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ)، وهي سير إلى الله، وإذا كان الحب في مقاييس البشـر هو حاجات يفتقدها المحب، فيجدها عند المحبوب، فإن الله جل جلاله غني عنا، فحبه جل جلاله لنا حبُّ عطفٍ وتفضل ورحمة، حبُّ قويٍّ لضعيف، وحب غني لفقير، وحب قادر لعاجز، حبُّ عظيمٍ لصغير، وإذا بحثنا عن محبة الله لنا في أدق الأمور، في شيء منعه عنا، في طريق انعطف بنا رغم إرادتنا، سنكتشف تمة شيئا أجمل من ما كنا نبحث عنه. فإذا أحبنا الله هان كل شيء، سنصبح أقوى وأكثر صبرا إذا أحبنا الله فمن ذا الذي يستطيع أن يشقينا؟ فاللهم إنا نسألُك حبَّك، وحبَّ رسولك صلى الله عليه وسلم، وحب من يحبك، والعمل الذي يقربنا إلى حبك، واجعل محبتك يا ربنا أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا وأولادنا وأموالنا، آمين.
* ذرر روحية يعطرها الشغف فتتوهج الروح للأبد.\ | 07/10/22 |
*رحلة مفتوحة في مقاربة الديوان الشعري "قشعريرة الروح" للشاعرة "فضيلة برستجيه"
* ذرر روحية يعطرها الشغف فتتوهج الروح للأبد.
للكاتب: محمد آيت علو.
القلق وصيانة الذات والمعاناة والتقاط نبض الحياة واكتشاف حياة أفضل، والبوح بما يعتمل في الخوالج، واللواعج المتوقدة عاطفيا ونفسيا، والمخاض العسير لولادة وحياة جديدة، والسلوك المتحرك داخل الزمن، والتعبير عن الأحاسيس والجراح الغائرة والعثرات والانتعاش، هذا هو سر المتعة المنشودة في الشعر، ومن تم ترانيم غنائية صادقة تتولد من شعور المبدع ونفسيته، كل هذا نلمسه ويتحقق في الديوان الشعري الجديد الباذخ "قشعريرة الروح" للشاعرة المقتدرة "فضيلة باستندجي" الصادرعن دارالنشر الفرنسية "سبينيل"Spinelle الواقعة في باريسSPINELLE - Librairies Charlemagne، سنة2022 وهو ديوان شعري باللغة الفرنسية من الحجم المتوسط، حساسية وكتلة مرهفة أخاذة لكتابة مغايرة، ساحرة وعذبة لما يختمر في الدواخل، كما يعبر عن تجربة إنسانية ذاتية وشاملة، رؤية عميقة أداتها اللغة، وحصانها الخيال، تسافر وتجنح بدلالة اللغة الحقيقية إلى دلالات مبتكرة، فمنذ الوهلة الأولى يشدنا ديوان "قشعريرة الروح" بانسيابيته، حيث تعانقت الذات مع الإيقاع بلغة موجعة ومشحونة بالأمل والوجد، وشفافة بصياغات متنوعة، وأسلوب شاعري رقيق يشد المتلقي ويحمله كمنصت مرهف الإحساس إلى عوالمه الخفية، وبذلك جعلت الشاعرة "فضيلة باستندجي" الشعر كيمياء لواقع أفضل وللحياة المنشودة، حيث التمرد على سوء المعاملة التي كابدتها في طفولتها وأثناء الدراسة، فضلا عن اليتم في وقت مبكر جدا، والمعاناة التي تفاقمت بسبب عملها كطبيبة، ثم كمستشارة طبية لصندوق الضمان الاجتماعي، العمل الذي أضناها وأخذ منها كل شيء، ومر العمر سريعا.
ديوان"قشعريرة الروح" ديوان شعري باذخ وماتع، وهو كما أشرنا سلفا ديوان شعري استلهمت الشاعرة "فضيلة برستجيه" مادته من المواقف والتجارب الحياتية والإنسانية عبر تراكمات شتى، إذ يمثل عنوان الديوان العتبة الأولى في فهم العالم الشعري للديوان، فهو حامل للدلالة الكلية والبوابة الرئيسة لفهمه؛ وعلى ضوء الاستهلال الذي وضعته الشاعرة في مقدمة ديوانها، نستشف علاقة عنوان الديوان كمفتاح لقراءة ما بين دفتيه من قصائد والإبحار فيها، لما يحمله من دلالات عبر متن رائع يزخر بالمشاعر الفياضة والجياشة والصادقة النابعة من أعماق الوجدان، الذي لو ترجم لعدة لغات فسيظل محافظا على رونقه وجماله المؤثر في النفوس، كما أننا نستشف من خلاله تلك الرقة الأنثوية، علاوة على القوة والعزيمة التي تؤمن وتصر على انتصار الحق والجمال والوجد والوله، ورغبتها في وجود عالم إنساني حقيقي، فكم نحن نتوق لمثل هذه الروح في زماننا المتقلب المتخن بالجراح والألم وغياب المعنى، نحو التطهير وغسل النفوس المعذبة من أرزاء العنف والمعاناة والألم وغياب القيم، وتجاوزالسلبية التي باتت لغة كريهة تشوه العقول والجمال وتنسف القيم ومعالم السلام والأمن؟.
ويعد ديوان "قشعريرة الروح" للشاعرة "فضيلة برستجيه" ثمرة كتاباتها الإبداعية على مدار سنوات، وهي الشاعرة التي عرفت منذ أمد بعيد بشغفها بكتابة الشعر، وتمكنها من الكتابة باقتدار، حيث بدأت نشر كتاباتها مبكرا منذ أن كانت في الثانية عشرة من عمرها، وهي تنشط في بعض الصحف والمجلات في عدد من المواقع الالكترونية المحلية وعلى صفحتها الفيسبوكية، وتنثر درّها المكنون على صفحات الروح والقلب، بما يخالجها من هواجس وانفعالات، ووجع وألم وغربة وحنين وأمل وفرح ووفاء وسعادة، فقصائدها حبلى بالآمال والتوهج الشعري، وترجمة صادقة لمشاعرِها وأحاسيسِها المرهفة ولواعجها الجياشة، وانفعالاتها وتفاعلاتها الكيميائية الداخلية، قصائد مشعة بالإبداع، مشبعة بنفس ورؤيا شعرية عميقة، وتعكس القيمةَ الجمالية للروح الإنسانية، كما تمتاز كتاباتها بالتكثيف والاختزال اللغوي والمعنويّ عن التجربة الذاتية القاسية، كل ذلك ممزوج بروحها الثائرة المتمردة، وبروح يلامسها بعض اليأس وبعض الاحتجاج والفوران، فضلا عن دلالة الوجد والشغف والصبوة والشوق والمودة ونكران الذات ودعوة لسيادة ثقافة الاعتراف والوفاء، بذل الجحود والأنانية، فروح الشاعرة نفس شعري حالم متدفق بالتضحية والشغف والاحتفاء بل وبالتكريم أولا وأخيرا لكل المشاعر الطيبة، وخطابها الشعري خطاب متخيل، يختزن جملة من الأحاسيس والمشاعر والرؤى والرموز، وفنية فذة عالية، والديوان الشعري يمكن اعتباره ثمرة معاناة ومكابدة للمآسي والأوجاع والتسلط والضيق وإكراهات الحياة والانتهازية والانتقاص والاحتقار، حيث يخبرنا شعرها المؤثر عن اضطرابات الروح والألم الذي فرضته تجربة غياب ثقافة الاعتراف، وهي لا تتوقف عن المسير إلى الأمام، فالمتتبع بتذوق فني لعناوين الشاعرة "فضيلة باستندجي" يصل إلى خلاصة تجربتها الحالمة في مستقبل التقارب الإنساني بكل اتجاهاته، بتركيزها في نظرتها الحالمة لمستقبل جديد تعيش فيه الإنسانية بتحضر إنساني وبسلام وبكرامة وإنسانية واحترام، ورفض الازدراء والتنقيص من الآخر مهما كان، خلخلة كل ما هو بائد بل وتجاوزه مثل القهر والظلم والانتقاص من الآخرين، من تم فشعرها ثورة وتمرد، لكنه مفعم بالحب والوله والصبابة والمودة والشوق والجمال، وبالبيان والكلمة السحر الحلال، وبالجملة يمكن القول إن"فضيلة باستندجي" شاعرة مثقَلة بالحياة فما علينا جميعًا إلا أن ننهض من جديد ونحن مسلحون بالإرادة والعزيمة، لمواصلة مشوار الحياة التي يجب أن نتقبلها كما هي، فبالإبداع تتم فرحتنا جميعًا ونتشارك هموم الحياة ونتقاسم آلامها، فيصفو كل شيء، وفي الشعر خاصة القدرة الهائلة على التجاوز والتسامح الأصيل، المشبع بكل التناقضات والسعادة بكل تأكيد في عالمه الرحب، نحو عالم مليئ بالحب والأمل والسعادة والأمن والسلام والشغف والصبوة والشوق والحنين.
عطر وورد وياسمين
خذ بيدي، إلى يدك،
خرجت للتمشية، من الطراز القديم،
في سحر ومبهجات لياليك يا عالمي
فوق رؤوسنا، يتكشف، دانتيل الأبنوس الخاص بك،

ملمح آخر يشي بشدة الغضب الطافح من الداخل، وهربا إلى الأمام، قبل إفراغ وعاء بوح الروح، والتحرك من محور وضعية المعاناة والقلق، بدفقات شعرية وشعورية وببذل جهد في تجاوز وقفة البياض والصمت والانتكاس، فتسقط منها الكلمات مثقلة بالهموم متناثرة وبالحب والشوق والحنين والوجد معطرة.
عانقني قريباً، مملكتي، حبيبتي،
خارج قلبك، لا شيء يسعدني أو يثيرني.
لأنني أحبك يا "كيم" من حب معين،
وتسحر بروائح ياسمينك للأبد.
مباشرة خارج الخطاف
وهو ما أضفى عليها بهاء وجعلتها ترقى إلى لغة كونية في خلجاتها الإنسانية الراقية، كما أن هناك متعة متجددة في كل قصيدة، واللغة والنفس الشعري الساحر الأخاذ والشاعرية العذبة، لقد لفتت الشاعرة "فضيلة بسترجي"وشدت انتباه الكثيرين لقدرة قصيدتها على نقل الهاجس الفكري والفني، بكل رونق الشعر وقوته، وأكثر ما لفت الانتباه لديها كان قوة جرأة الموقف لتجاوز حالات الانهزام واليأس، فمقدمة ديوانها (الاهداء) اهداؤها يقول كل شيء من ناحية الموقف، فهي صرخة للوفاء والاعتراف، فضيلة أحيانًا غاضبة ثائرة، وفي أحايين كثيرة شغوفة ولهة حالمة تبدع الجمال وتسمو بالإنسان والحياة، بحكم أن نصوصها تعتبر نصوص زمان فضلا عن كونها نصوص مكان، فالشاعرة تفتح جراحنا وتحاصرنا بين عمق المعنى وجمال رمزيته ورؤاه، وبين جراحات الألم وصدق معاناته، فنشعر بالقشعريرة والصخب، فإذا كان خارج الروح لاشيء يسعد، فإن الشاعرة تثيرالعواطف الجياشة الفياضة بالنبل لتستل بهاء الأرواح، ومن تم فهي تفتحُ جِراحَنا وتُحاصرُنا بينَ جمالِ المعْنَى وَعُمقِ الألمِ، فنشعرُ بعواصِفِ الذات والروح في أبهى جمالها وعنفوانها وشغفها.
ديوان "قشعريرة الروح " فيض من المشاعر الجياشة والقيم الإنسانية العالية النبيلة الأصيلة، إنه ديوان طافح بالتلقائية والعفوية، وبروح إنسانية عميقة نحو الجنس البشري بشغف، ووجد يعانق الإنسانية في تسامح ولين الإنسان الحقيقي بقيمه النبيلة السامية، كما يحفل بعذوبة ودفق الحياة والحب والجمال بكل صدق:
وعيني في عينيك مئات النجوم
زفير ربيعي، يمشي على ثناياك
أرتعد قهرًا، أنت تبهرني، يا حلو آسين،
والعندليب يغني يصفر التيرلوتين
نضارة ظلك هي الملجأ الذي ينفرني
أنت نبيل و مرحب و رباني صدري
مداعب بين ذراعيك، مداعبتك، لقد قيدتني
أنت مثمر ومثمر عندما تزرع سهولك
لف وتدفق يا برادا، إنه أنت، السافين الخاص به؛
تصفيقاتك، ألحانك، صريرك وهادئ.
باتيفول ومروي الوردة الجميلة دمشقية
همساته، مداعباته، وعوده ما رينجين.
دراويشها يدور، في غزل سامى،
رأس مال دخلها؛ ثقافتها وجذورها.
عانقني قريباً، مملكتي، حبيبتي،
محركة في دواخلنا فيض من المشاعر الإنسانية التي تتداخل في المعاني مكونة حالة وجد وتوق وصور عاطفية بالغة الصدق، فهي تتفاعل من خلال قصائدها مع القارئ على أساس وعيه ومعرفته، رغم الانزياحات القوية التي ترمي لها رمزية المعنى والتي تغوص في الذات الإنسانية، قصائد تجعلنا الشاعرة "فضيلة بسترجي" من خلالها ننغمس بحرارة في الرومانتيكية التي تقوم بمزج العاطفة بالإدراك الجمالي مع السرعة في الإيقاع المشحون بالشاعرية المشتغلة على كتابة مغايرة كنور وهاج لا يخلو من متعة سحر جذوة الحياة، كما يؤسس فينا مفهوم الاحترام والتقديرالإنساني، مما يجعلنا ندعمها ونشكرها على هذا الديوان الباذخ والذي يعد شامة فخر في أدبنا كما يعد تجربة ناضجة بكافة المقاييس، حقا لقد نجحت الشاعرة القديرة "فضيلة بسترجي" في إثبات قدرتها ولباقتها، وأسلوبها بروح الشّاعر الإنساني الشغوف، وميولها في أن تكونَ كتابتها بكر، دون إعلان لمشروعها بأن تجعل ديوانها الماتع"قشعريرة الروح" ينطق بوردية أحلامها وشغفها وولهها، وأهدافها النبيلة، وتركت للقراء الحكم على ما فيها من عالمية انطلقت من ذاتها الحالمة، لتعلن شعرية حبلى بالقيم والإنسانية والشغف والوجد والحلم الجميل، كما أنها روح جبلت على التضحية والكفاح وكيف لا؟، وهي حفيدة الشهيد العلامة العربي التبسي حيث القيم المعنوية لمن يدرك قيمة المعاني، والهيبة والرهبة والخشوع والتضحيات الجسام والوفاء.

وجهك الذي يراك.للكاتب:محمد آيت علو \ | 01/10/22 |
وجهك الذي يراك..
أحقا!لم يتعلم الإنسان كيف يضحك، إلا حين إخترعَ المرآة..؟!
وهو يتحسس المنشفة المنزوية جانبا، تلمَّسها وهو يُـفْركُ عينَـيه بالصابون، ويَسْتَـعرضُ حُـلمه المُزْعِج، والذي لم يجد لـه تفسيراً، وجوه وأقنعة شتى وورود غريبة؟ ورود لارائحة لها؟ ثم هذا الدم الأسود الذي رآه في الحلم..؟ وما تكونُ دلالة الأسنان المتآكلة وهو يراها تتساقط من فمه اتباعا، وتحل محلها أسنان جديدة بيضاء لامعة..؟ هكذا بدا مضطربا وهو يتـأمـل المرآة، ويحاور ذاته في الآن نفسه، ثم بعد ذلك هو يتساءل: من اخْتَرعَ المرآة؟ أيكون نرجسيا أوربما إخترعها ليتشفى من الذين يتَهَـرَّبُـون من رؤيَـة وُجوهِهِم فيها؟ إذا كانت المرايا تفضحكم، فماذا ستصنعون؟ إبتسمَ، تقَدَّم قليلاً... يتأمل في المِرآة، لكنها لم تعكِسْ شيئا، أو لم تُـرد أن تعكِـسَ أي شـيء على الإطلاق بعد الآن.......ينظرُ إلى مرآته والتي كانت محطَّـمة إلى أجزاء مثل نفسيته وقلبِـهِ المتصدَّع والذي لم يندمل بعد، أجزاء وأشكال منها المقوَّسُ والمثلثُ والمستطيل، ومنها مالاشكل له، على طول هذا المستطيل الزُّجاجي الملْـتَصق بإطار من الخشب العتيق، تمتَدُّ ملامح وجهه الباهت المجزء إلى قِطَعٍ مُـشَوَّهة، تتفرد بخصوصيتها، منها ما يعكسُ وجها له أنفان وعين واحدة، ومنها ما يعكس وجها بفـمٍ كبير، فوقه ثلاثة عيون بحاجب واحدٍ خفيفِ الشعر، ويستَمِرُّ التَّـشكيل العَجِـيب لوجوه متـنوعة ومختلفـة تعكسها، وتأبى على أن تَـعكِس صورته الحقيقية، وكيف لها أن تحقق ذلك؟ ولم يستطع أن يحدد ملامح صورته الحقـيقـية إطلاقا..!! فكُلَّما أراد أن يقدم الصورة التي يعتقد فيها للآخرين، يجد نفسه أمامهم بصور أخرى متعددة بتعدُّدِهم، يُكَـوِّنُونها عنه في كل مرة فيَتيه، أثارتْـهُ لعـبة التَّـشْوِيه هَـاتِـه، أزاح وجْـهَه مِن على المرآة، ووضع بدلها يَده، فتعدَّدت الأيادي، أزال يده من جديد..ثم إقترب إلى المرآة ورسَمَ بأصابعه أمواجاً فوق الزجاج المكْسُورِبِحَذر، ثمَّ امْـتَدَّتْ أنَـامِلُـه إلى شـظـية على شكل مثـلث، ودون تَردُّد...، نَـزعَها من الطرف الحَـاد على الملصق بالإطار الخشبي، أحَـسَّ بتفاهَـتِه وضعفـه على الرغم من قوة بنيته، شعر بهشاشته ولم يقْوَ على مسايرة شيطانه، تأملها كما لو أنه يهـم بشيء خـطير حين قَـرَّب يَـده من عنقه ! ثُمَّ وكأنَّهُ يخاطبها أويسألها...، بماذا أحسست؟ والبريقُ الغريب في عينيه! لاتسخري مني...! لوصارحتك بالحقيقة فستَسْخرين أنت مني......!؟ ثم ولكأنه استفاق من لوثته، أَأَخْسَرُ الدُّنيا والدِّين؟؟ وهُوَ سَاهٍ في هواجِسِه، تساءل: كيف يجرؤُ هؤلاء الذين يضَعُون حداًّ لحَياتهم دونَ رادع أوخوف من الله، بِمَ سيَحْتَجُّون...؟وبمَ سيُبَرِّرُون...؟ وهُوَ سَاهٍ،لم ينتبه إلى الخُدُوش والدم على أنامله والتي أحدثَتْها الشظية الحادَّة...ولم يكبح جماح فَـوْرَة الدَّم وهذه اللوثة الجنونية التي تحدق به بين الفينة والأخرى، والتي جعلته يفـقد صبره ويجمع قبضته في لَكْمَةٍ صَوَّبها إلى وجهِهِ في المرآة، فسقَط صحبة أجزائه وأشلائه، فتلاشى الوعي للحظات طـويلة، ولما أفاق من غيبوبته، امتزج توجُّسُه بحيرته، فلم يتذكرشيئا، فقـد تفاقمت معاناته أمام المرآة، مثل وضعية المِرآة المكسَّرة أمامه، والتي لم يتبقَّ منها إلاَّ الجزء السُّفلي والإطـار...! وتلمس وجْـهَه أمام المـرآة فرأى وجها مجزَّءاً شاحِـباً، وفي صورة الهذيان الجميل يُطل إليه منه، أهذا الذي أراه حقا وجهي؟ ثم وكأنه يسمع وجيب قلبه يهتف، الوجه الذي تراه، ليس وجهـا لأنك تراه، وجـه هـو لأنه يراك، فابتسم باستسلام، لمـسه بأطراف أصابعه ليحـدده وليجده بلا تعـدد، وليس مثل الأقنعة والوجوه التي رآها في الحلم، وليلْمَس التَّجاعيد الدقيقة الجديدة عند طرفي عينيه، ويرى الشـيب الذي يتسلَّلُ إلى شعره، ويكتَنِفُه من خلال لحيته وذقنه، ثم همس لماذا تَبدو هرِماً كالخريف؟ ألأنَّ في داخلك أوراقا صفراء جافة يحولها قلبك المتقد إلى رماد..؟ إبتسم لوجههِ مخاطبا إياه: لم لاتتصالح مع ذاتك..؟ في هذه الأثناء بدا له وجه غير الذي يعرف، ثم صاح هذا ليس وجهي....؟! ماهذه الكسور؟ هذا ليس وجهي....؟ كاد عقْلُه يزيغُ، يـطيرُ،كاد أن يتشتت مثل صورته...صورة وجهِه التي يحملُـها ويَعتَـقِد فيها، صاح،كَرَّر الصياح، لكـن لم يسمع صدى لصوته، عـاد لوجهِـه تحسَّسه بكَـفَّي يَديْه، أحـس بضآلة حجمه، نظر لكفيه وجدهُـما مملوءتين بالدم، دم يميل للسَّواد، مـثل الدم ولون الورود الـتي رآهـا في الحلم؛ تحسَّسَ وجهه مرات ومرات، حتى تضاءل أكثر أولم يَعُـد موجوداً، الجَسَدُ بلا رأس ليس شيئا عنده على الأقل الآن، ولكن حين لا تعكس المرآة شيئا على الإطلاق، هنا المصيبة العظمى؟ كَـرَّرَ الصيَّاح لَم يؤمن بأنه لاَ شيء، هو الذي كانَ يبحثُ عن نفسه قليلا، فلم يَجِدْها إلا ناقصةً مُشَـوَّهةً، ومُجَزَّأةً، فتَـلاشى في ظلام السَّواد، وفي شَـفاف الـمرآة، وضاعَ في غَـمْرَة الازدِحام بين الدم والورود والوجوه التي رآها في الحلم، وصاحَ أين أنا؟ أين جسدي؟ أين وجهـي؟ أين وجهي؟ ثم صاح مرةً اُخرى بأعلى صوت رُدُّوا إلَيَّ وجهي، رُدُّوا إليَّ وجهي...، ثم شرع في الرقص بهستيريا فائقة والضحك طويلا...ثم هدأ قليلا لِيُقَدِّم رِجْلاً، ويُؤَخِّر أخرى نحو المرآة.
تساءل: هذا ليس وجهـي..؟ والمغسلة أَتصيرُ مقصلة..؟وجـ..هـ...؟ هـو الَّذي يُصِرُّ على أنه شيء، خرج من المغسلة واتَّجَـهَ نحـو السرير في الغرفة المعتمة، الشبابيك مازالت مغلقة، استلقى على السرير كالجِـذْعِ المنخور، أحس بخدر يتوغل حتى العـظم، وفي هدوء وهو يتلمس رأسه ووجهه وأطراف جسده، تساءل: ما جـدوى أن أحرق أعْصَابي؟ المهم أني مازلت حيا أرزق...

قبلَ بضعة أيام، كان له جارٌ يُقِيم بجانبه بنفس المصحة، سيطر عليه الذُّعر والكآبَةُ، فقد اندلَقَ من فمه دم مفاجيء فلطَّـخ اللِّـحْيَة والمـلابس والسـرير...، قَـبل أن يقْـضِي نَحْبَه، وها هُـو وَحْـدَهُ يجد نفسه أمـام رجال بِبِذَلِـهِم البيضاء يبتسمــــونَ لَـه، وهو مُسْتَلْـقٍ على سرير طويل، ينظرُ إليهم كالأبله وهو غارق في الضحك، فقد بدت له وجوههم كالمرايا، تقَـدَّمَ أحـدهم وقال له: لقد تعافـيت! فمَدَّ لسانه نَحْوَه عابـثاً، وهُـمْ يَضْحَكون.

مشاركة:

إضافة توقيع جديد

الاسم:

التوقيع:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة