فضاءات بشار

بشار

فضاء التربية والتعليم

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1623.45
إعلانات


عن توظيف حاملي شهادة الدكتوراه غير الأجراء

الرأي

عن توظيف حاملي شهادة الدكتوراه غير الأجراء

بقلم: يحيى تقي الدين

2023/09/06

لقد تابع كل واحد منا التطورات الأخيرة التي شهدها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر، وفق مقاربة ثلاثية ترتكز على الرقمنة، والبعد الاقتصادي للتكوين، وتفعيل اللغة الانجليزية لغةً للتدريس والبحث، ولا يمكن بأي حال من الأحوال نجاح هذه الثلاثية دون الاهتمام بالمورد البشري القائم على عملية التكوين، وإضفاء نوع من المرونة في استقطاب الكفاءات الجزائرية إلى مدرجات الجامعات، وربط الخبرات بمحتويات عروض التكوين المقدمة إلى الطلبة.

إن القرار الشجاع الذي اتخذته وزارة التعليم العالي، في خطوة سابقة في تاريخ الجامعة الجزائرية، من خلال التوظيف الاستثنائي لما يزيد عن ثمانية آلاف متحصل على شهادة الدكتوراه والماجيستر، ضَمَن توفير عوامل نجاح المقاربة الثلاثية السابقة، وحتى وإن كان قرار التوظيف له بعدٌ اجتماعي بامتياز، كرسته الإرادة الحقيقية للسيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من خلال ضرورة تحقيق التكافل الاجتماعي والاهتمام بالفئات ذات الأولوية، إلا أنه حفظ للجزائر أحد أهم القيم التي تتأصل في المخزون الثقافي والقيمي للبلاد، وهي العناية بالعلم وأهله، ولقد أثبتت التجارب أن الدولة الجزائرية منذ الاستقلال أولت عناية خاصة لكفاءاتها عكس ما يروَّج له في بعض الدكاكين الإعلامية، بل وسخرت إمكانات معتبرة لمرافقة أهل العلم، وخاصة في قطاع التعليم العالي. ولنقف أكثر على أبعاد هذه العملية الخاصة بتوظيف حاملي شهادة الدكتوراه والماجيستر ينبغي علينا أن نشير إلى النقاط التالية:

التوظيف عملية اقتصادية بامتياز:

يواجه الشباب الذين يدخلون سوق العمل في الوقت الراهن مهمة شاقة لإيجاد فرص عمل دائمة، فمعدلات البطالة ترتفع باستمرار في ظل ازدياد فرص العمل المؤقت وغير المنظم وغيرها من أشكال العمل غير الثابت، وهناك اثنان من بين كل خمسة شباب في العالم إما عاطلون عن العمل أو يعملون ولكن يعيشون في فقر (إحصائيات منظمة العمل الدولية).

لا بد وأن نقف وقفة للمقارنة بين الإجراء الذي أقرته الوزارة الوصية في عملية التوظيف، وبين معاناة حاملي هذه الشهادات في بعض الدول الصديقة، إذ يتصدر “ترند” أحد الدول العربية بأن علماءها يستغيثون طلبا لتوظيفهم في الأجهزة الإدارية للدولة –وليس حتى في قطاع التعليم العالي- ودولة شقيقة أخرى نجد فيها أن حاملي هذه الشهادات قد نظموا أنفسهم ضمن تنسيقيات ونقابات للمطالبة بحقوقهم في التوظيف، لكن لاتزال تلك المطالب بلا استجابة إلى حد الساعة.

وللعمل على التقليل من البطالة تستطيع الحكومات أن تتدخل بفعالية لتعزيز فرص عمل الشباب وتخفيض البطالة في صفوفهم، من خلال تدابير على مستوى الاقتصاد الكلي، فالتوسع في الإنفاق العام مثلا –عن طريق برامج توظيف وتدريب ضخمة مدعومة– يعدّ سياسة مجدية لتعزيز تشغيل الشباب.

ولعل القرار بتوظيف حاملي شهادة الدكتوراه والماجيستر، يدخل في هذا الإطار فالعدد الكبير الذي مسه هذا الإجراء، يبقى استثنائيا في تاريخ الجامعة الجزائرية، وهو ما يتوافق مع احتياجات المؤسسات الجامعية، إذ أصبح معدل تأطير الطلبة ثلاثة وعشرون طالبا لكل أستاذ، وهي نسبة تشير إلى معدل مقبول ومعتمد في أكبر الجامعات في العالم، زد على ذلك أن عملية التوظيف قد قضت بصفة نهائية على البطالة في صفوف حاملي شهادة الدكتوراه والماجيستر، وهو الهدف الأسمى المحقق في هذه العملية، إذ يمكننا اليوم بكل فخر أن لا نجد دكتورا يصنف في خانة العاطلين عن العمل، وهي الميزة التي ستنفرد بها الجزائر على باقي الدول المجاورة.

منهجية حكيمة:

لقد مرت عملية توظيف حاملي شهادة الدكتوراه والماجيستر، بمنهجية احترافية شكلا ومضمونا، فبعد تسخير أرضية رقمية لإحصائهم، وفق طريقة عادلة متساوية المسافات بين كل المترشحين، وكذا ضبط احتياجات المؤسسات الجامعية من الكوادر البشرية لتكوين الطلبة وصقل معارفهم، تمت عملية التوظيف مع تسخير ترسانة من القرارات المنظمة، وكذا تفعيل الإجراءات المرتبطة بدراسة ملفات المترشحين والمقابلة، وهي الخطوة التي استحسنها كل الناجحين في هذه العملية، وكلنا رأى تلك الصور التي تبعث على الأمل في وجوه المترشحين، وهم يدخلون مدرجات الجامعة بعدما كانوا طلبة فيها يوما ما، للمساهمة في حركية التعليم والرقي بالجامعة الجزائرية، واعتبارها قاطرة للجزائر الجديدة.

أغلب المستفيدين شباب:

إن جيل اليوم المعروف بجيل البصمة الواحدة –دلالة على تمكنه في الرقمنة– من شأنه أن يواكب التحديات التي يعرفها قطاع التعليم العالي، خاصة وأن الكثير من النماذج التي نعرفها بطريقة شخصية، هي نماذج تمتاز بالكفاءة ولديها العديد من المساهمات العلمية، وعملية الاستثمار في المخزون الشباني وإقحامه في الجامعة، من شأنه أن يحافظ على الصلة، ويعمل على تقليص الفارق الذي قد يولد بين الأستاذ والطالب، فالكثير من الطلبة اليوم أصبحوا زملاء لأساتذتهم، أضف إلى ذلك أن تبادل التجربة في بعدها الميداني سيكون له دور حتما في تمكين هؤلاء الأساتذة الشباب. وفي احصائيات أولية نجد بأن أغلب الذين مستهم العملية تتراوح أعمارهم من 27 إلى 35 سنة، وهي فئة تحتاج إلى إدماجها في عالم الشغل خاصة وأنهم عانوا شبح البطالة لسنوات.

تخصصات جديدة بذهنيات داعمة جديدة:

مع الوتيرة المتسارعة لاصلاح منظومة التكوين في قطاع التعليم العالي، نجد أن الوزارة الوصية قد حققت انجازات معتبرة تجسدت في خلق ديناميكية جديدة لعروض التكوين، تتوافق مع سوق العمل من جهة، وتستجيب لرغبات الطلبة من جهة أخرى، فقد تضاعف عدد الطلبة المسجلين في العلوم الطبية وميادين الرياضيات والإعلام الآلي، ليأخذ تخصص العلوم والتكنولوجيا النسبة الأكبر لتوزيع حاملي شهادة البكالوريا 2023 بنسبة فاقت 53 في المائة. هذه الأرقام تدلل بشكل واضح على توجه الوزارة الوصية، إلى ضرورة انخراط قطاع التعليم العالي في ركب التطورات الحاصلة في المعرفة على المستوى العالمي، والعناية بالتوجهات ذات الأولوية خدمة للتنمية المحلية، وهذا يتطلب بطبيعة الحال ترسانة بشرية مؤهلة في مختلف هذه الميادين، وهو الأمر الحاصل في عملية التوظيف التي لا تزال تحتاج للمزيد من حاملي هذه الشهادات لتغطية بعض التخصصات الدقيقة.

ثنائية الجامعة الفاعلة والأستاذ الفاعل

لقد حرصت وزارة التعليم العالي في عملية التوظيف، على أن تتبنى سياسة توظيف كل البطالين كخطوة أولى، حققت فيها بذلك الجامعة الجزائرية أكبر مكسب، إذ كان هذا المطلب، مطلبا اجتماعيا يتجدد في كل المناسبات والمواعيد المختلفة، وإذ كسبت بذلك الجامعة الجزائرية لأسرتها هذا العدد الهائل من الأساتذة، فإنها لا تنظر إليهم بمعيار الكم على حساب الكيف، فنجد أن الوزارة الوصية نصّبت لجانا محلية عبر كل المؤسسات الجامعية لتكوين الأساتذة الجدد، وفق برنامج محدد يشرف عليه العديد من الخبراء والأساتذة، ومن محاسن الصدف نجد أن السيد وزير التعليم العالي البروفيسور بداري كمال، كان رئيسا للجنة الوطنية لتكوين الأساتذة، وهو ما يؤهله إلى الوقوف شخصيا على عملية التكوين وفق المقاربة التي تتبناها الوزارة الوصية.

التجربة الجزائرية والتجارب الدولية:

لا بد وأن نقف وقفة للمقارنة بين الإجراء الذي أقرته الوزارة الوصية في عملية التوظيف، وبين معاناة حاملي هذه الشهادات في بعض الدول الصديقة، إذ يتصدر “ترند” أحد الدول العربية بأن علماءها يستغيثون طلبا لتوظيفهم في الأجهزة الإدارية للدولة –وليس حتى في قطاع التعليم العالي- ودولة شقيقة أخرى نجد فيها أن حاملي هذه الشهادات قد نظموا أنفسهم ضمن تنسيقيات ونقابات للمطالبة بحقوقهم في التوظيف، لكن لا تزال تلك المطالب بلا استجابة إلى حد الساعة. إن استحضار هذه النماذج يجعلنا على الأقل نسعى إلى تثمين هذا القرار الجريء والعمل على تبنيه ودعمه –قرار توظيف حاملي شهادة الدكتوراه والماجيستر- من خلال توفير الظروف المناسبة للاستمرار في استحداث مناصب توظيف على مستوى الجامعة، لأن تسويق صورة الجامعة الجزائرية ينطلق من أبنائها، وتشجيع الدولة في دعمها للمواصلة في مسار التوظيف، يجعل أبناء القطاع يستفيدون من حصص توظيف أكثر وفق إستراتيجية واضحة المعالم ومحددة الأطر.

الجامعة للجميع:

وأخيرا، لا بد أن نقتنع بأن جهد الدولة اليوم في التكفل بمواطنيها تعزيزا للحكامة الرشيدة، وتكريسا لمبدأ المواطنة الفاعلة، يجعلنا نقف جميعا أمام تحدي انجاح المبادرات الوطنية التي بدأت نياتها ترتسم في المستقبل القريب، فتوظيف هذا العدد الكبير من الأساتذة، سنجني ثماره بدون شك، من خلال جودة التكوين والإنتاج العلمي.

كما أننا ضمننا بذلك خزانا حقيقيا للجامعة الجزائرية، يضاف إلى العقول النيرة التي تساهم في الإشعاع العلمي ببلادنا، ويعول عليه في مختلف الرهانات التي تعرفها الجزائر، ليبقى من الضروري في هذا الإطار، المواصلة في السعي نحو توفير مناصب شغل إضافية أخرى وفق أسس بيداغوجية وقانونية ومالية، حتى يتم تلبية حاجيات مؤسساتنا الجامعية والبحثية وتعزيز دورها التكويني والبحثي، وتسويق صورة مشرِّفة على الجامعة الجزائرية في العالم أجمع.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة