فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1579.48
إعلانات


من تراثنا الأمة في حاجة إلى الإصلاح، ولا يقدر على إصلاحها إلا العلماء :أد. مولود عويمر/ **2022-09-13

أد. مولود عويمر/

يجد القارئ في هذه السلسلة نصوصا قديمة متجددة حررها العلماء والأدباء الجزائريون حول قضايا عصرهم واهتماماتهم العلمية والأدبية والفكرية والسياسية الوطنية والعالمية. وحوت هذه النصوص المرجعية للفكر الجزائري المعاصر معينا غزيرا يغرف منه الباحثون المشتغلون على تاريخ الجزائر في القرن العشرين والدارسون لذخائر تراثنا. وألتزم هنا قدر الامكان بنشر الآثار المغمورة أو المتداولة بشكل محدود لننفض الغبار عنها ونحيي جهود أصحابها الذين لم ينصفهم دائما الباحثون لأسباب مختلفة. وأمهد في كل مرة بترجمة موجزة لصاحب النص، وبيان سياقه العام وعرض مختصر لمضمونه، وتعريف مقتضب للمصدر الذي اقتبست منه، وهي في غالب الأحيان عبارة عن جرائد ومجلات قديمة تعتبر في حد ذاتها وثائق مغمورة أو نادرة.

صاحب هذا المقال المرفق هو الشيخ الطيب العقبي واحد من أبرز أعلام الإصلاح في الجزائر، وأحد الأعضاء المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ولد ببلدة سيدي عقبة بولاية بسكرة في 1 شوال 1307 هـ/ 20 ماي 1890م. هاجر إلى الحجاز مع عائلته وهو طفل صغير. درس في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنوّرة فحفظ القرآن الكريم وتعلم العلوم الإسلامية والآداب العربية.
اشتغل في ميدان الصحافة مما جلب له أنظار السلطة العثمانية التي عاقبته بالنفي إلى أزمير بتركيا حيث مكث فيها عامين. ولما انتهت الحرب العالمية الأولى عاد إلى مكة وعينه الشريف حسين مديرا لجريدة «القبلة» و«المطبعة الأميرية». وفي 1920 عاد إلى الجزائر وتفرغ للدعوة والإرشاد والإصلاح في سيدي عقبة ثم في مدينة الجزائر حيث أصبح خطيب نادي الترقي الذي يقصده الناس من كل القطر الجزائري للاستماع إلى محاضراته ودروسه.
وأسس الشيخ العقبي جريدة «الإصلاح» في بسكرة واستقطب لها أبرز الأقلام العربية في الجزائر. ساهم أيضا في تأسيس جمعية العلماء وترأس تحرير جرائدها الأربع المتتالية: (السًّنة، الشريعة، الصراط، البصائر). ولما اختلف مع بعض قادتها، استقال من جمعية العلماء وتفرغ للنشاط الصحفي في جريدته «الاصلاح» والإشراف على أعمال الجمعية الخيرية ومدرسة الشبيبة الاسلامية. وبعد مرض أقعده الفراش سنتين، توفي في مدينة الجزائر في 21 ماي 1960 عن عمر ناهز 70 سنة من العطاء العلمي والنشاط الإصلاحي.
نشر الشيخ العقبي هذا المقال في جريدة السُّنة، العدد 5 الصادر يوم 8 ماي 1933م. وهي أول صحيفة أصدرتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 3 أفريل 1933م، وصدر منها 13 عددا. أشرف على رئاسة تحريرها الشيخان الطيب العقبي ومحمد السعيد الزاهري. كانت تصدر يوم الاثنين من كل أسبوع في 8 صفحات، كتب فيها أبرز أعلام هذه الجمعية الإصلاحية وغيرهم في المشاغل الدينية والعلمية والأدبية. ولم تعمر الجريدة طويلا إذ أوقفتها سلطة الاحتلال الفرنسية في 3 جويلية 1933.
الإصلاح سُنة في حياة الأمم والمجتمعات، فكل مجتمع يحتاج إلى التغيير ليتقدم وينتقل إلى مرحلة أخرى من سيرورته التاريخية، وإذا التزم الواقع باعتباره خطأ مظهرا من مظاهر الإستقرار، وليس محطة تتطلب مواصلة السير نحو محطات أخرى، تأخر ذلك المجتمع وتخلف عن ركب التطوّر.
وتعود مسؤولية نشر هذا الوعي والمشاركة في صناعة التغيير وتحقيق المجد الاجتماعي إلى العلماء الصادقين والمفكرين الفاعلين الذين يستشعرون رسالتهم ويؤدون واجبهم في الوقت المناسب بتفان وبلا تردد.
وهذا ما وقع في بداية القرن العشرين لما شعر العلماء الجزائريون بالخطر المحدق ببلادهم المحتلة من طرف الفرنسيين فبادروا إلى العمل الاصلاحي فرادى ثم جماعة في رحاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ولقد نجح عملهم وحققوا أهدافهم بفضل وعيهم الحضاري وإخلاصهم في العمل وصدقهم في القول وتضامنهم في السراء والضراء وإقبال الناس على مدارسهم ودروسهم وصحافتهم، ودعمهم للمشروع الإصلاحي بكل ما يملكون من أساليب الدعم والمساندة المعنوية والمادية.
«حقا إن أمّة الجزائر في حاجة شديدة وضرورة ماسّة إلى الإصلاح، وحقيقة لا يقدر على إصلاحها إلا العلماء، ونعني بهم العاملين بعلمهم الصالحين في إصلاحهم، لا العلماء الانتفاعيين ولا الذين يقولون ما لا يفعلون، لأن العلماء هم ورثة الأنبياء ولم يرثوا منهم دينارا ولا درهما، ولكنّهم ورثوا علما نافعا وإرشادا وهداية إلى طريق الحق وصراط مستقیم.
ما كان الأنبياء يسألون الناس على تبليغ الدين أجرا ولا كانوا يطالبون المتبعين لهم (دون تقديم الزيارة أو الأجر) بالخدمة لهم والقيام بمصالحهم الخاصة بهم، وما كانوا هم في أنفسهم إلا صالحين مصلحين، «ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت». لذلك ولما كانوا عليه من الهداية الكاملة والصلاح الذي ما بعده صلاح، اتبعهم من هداهم الله إلى سبيل السعادة والهداية والسلام: «اتّبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مّهتدون».
ولصفات الكمال التي ميّز الله بها الأنبياء والمرسلين وورثتهم من بعدهم، قامت الحجة لله على العباد، «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا». فمن لم يستجب لداعي الله والرسول فقد قامت لله عليه الحجة وبرئت منه الذمة، وكان من الذين يحكمون على أنفسهم «وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين».
أما من آمن وعمل صالحا ومن دعا إلى الله على بصيرة، فكل منهما ممن هدي إلى سواء السبيل، والناس بين داع إلى الله بحق، ومدعو عرف الحق فوعاه وآمن به، وبين معرض عن الدعوة إلى الله، وهي واجبة عليه، وضال لا يبتغي الداعين ولا يحب المصلحين.
وإنما تجب الدعوة على العلماء العاملين، وإنما يستجيب لدعوتهم الذين يسمعون، أما العلماء الذين هم بعلمهم لا يعملون، والموتى من أفراد الأمة، فهم شر الدّواب عند الله وهم الصم البكم الذين لا يعقلون، وإن خير الناس لمن علم القرآن وعلمه، وليس علم القرآن وتعليمه عبارة عن حفظه ألفاظا ونقوشا، وتلقينه كذلك للتلامذة والقراء، ولكن علم القرآن هو علم كل شيء نحن في حاجة إليه، ومعرفة كل ما به سعادة الدنيا والآخرة، «ما فرطنا في الكتاب من شيء».
والتخلق بخلق القرآن ذلك الخلق العظيم، وإن من لوازم علم القرآن الاعتماد في فهمه وتفسيره على سيرة وعمل من نزل عليه وأمر بتبلغيه، فكان خير مفسر له وعامل به، «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم»، فمن أخذ بهذين الأصلين وسار في طريقهما وهدي إليه كل منهما قولا وعملا، فقد صلح في نفسه لمعاملة ربه ومعاملة بني جنسه، وساغ له أن يكون من المصلحين! ومن لا، فأبعد به عن العلم النافع وعن الصلاح والمصلحين.
العلماء كما ذكرنا، والعارفون بدين الله كما بيّنا، والسالكون في طريق سيرهم تلك الطريق التي اخترنا، هم الذين يهمهم أمر الأمّة، وهم الذين يضرون أنفسهم لينفعوا غيرهم، وهم الذين إذا دعوا إلى الله دعوا إليه على بصيرة، وهم الذين تنتفع الأمة بإرشادهم وإصلاحهم، وترشد إذا اقتدت بهم، واهتدت يهديهم.
وإذا كانت أمتنا الجزائرية في حالة تذوب لها نفوس المصلحين حسرات، وتنقطع لها القلوب وتفتت الأكباد، أفلا يجدر بالعلماء الذين هداهم ربهم إلى صراطه المستقيم ودينه القيم، أن يقوموا بدعوة الحق ويبينوا للناس ما نزل إليهم من ربهم ليتبعوه ولا يتبعوا من دونه أولياء؟
ألا يجدر بهم أن يبيّنوا لهم سُنّة نبيهم محمّد لا سُّنة فلان وفلان، ويشرحوا لهم سيرته وما كان عليه أمر المسلمين زمنه وزمن من شهد لهم بخير؟ ألا يكون من الواجب المفروض والمتحتّم عليهم أن يحذروا الناس من البدع والابتداع والتفرق والافتراق في الدين: «وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة».
بلى والله، إنه لواجب لا مندوحة للعلماء عنه، كما أنّه لا مندوحة لمن يدعي الإيمان عن قبوله، ولكن أكثر الناس فاسقون، «وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون»، «وما أكثر الناس ولو حرصت بمومنين»، «إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله»، فويل للذين یکتمون الحق من العالمين، وويل للقاسية قلوبهم عن ذكر الله، «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون».
ألم ير الذين أعرضوا عن دعوة العلماء المصلحين أنهم كفروا بما عرفوا وكذبوا بتكذيبهم هؤلاء المصلحين الأنبياء والمرسلين؟ ألم يروا أنهم جحدوا آيات الله بعدما استيقنت بها نفوسهم؟ ألم يعلموا أنهم بمشاقتهم لمن لا يسألهم أجرا على التبليغ، إنما يشاقون سيد المرسلين وإمام المصلحين المرشدين؟ «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّی ونصله جهنم وساءت مصيرا».
ألا تستجيبون أيها المخاصمون لنا في ربنا، والمعادون لنا في عقيدتنا وديننا، تعالوا بنا نؤمن ساعة! ونتفکر مثنى وفرادى في أي الفريقين هو خير وأهدى سبيلا؟
تعالوا بنا إلى العمل بما أمرنا به القرآن! تعالوا بنا إلى الأخذ بدعوة الدين ودعاية الإسلام! «أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ممن دون الله»، فإن توليتم فاشهدوا بأنا مسلمون، نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، إيمان العارفين والعلماء العاملين، لا الجاهلين المقلدين حتى في التوحيد، وندعو إلى الله على بصيرة، ونعمل لإنهاض الأمة من كبوتها وإسعادها كما أمرنا الدين وأوجب علينا رب العالمين، ولا نريد من الناس على ذلك جزاء ولا شكورا، ولا نسألهم عليه أجرا، إن أجرنا إلا على الله.
هلّموا بنا إلى الاتحاد في التوحيد والاعتصام بحبل الله المتين، والتمسك بالعروة الوثقی، فنؤمن بالله وحده ونكفر بكل طاغوت، هلّموا إلى ما يبقى ودعوا ما يفنى، وآثروا ما عند الله على ما عند الناس، ف «ما عندكم ينفد وما عند الله باق»، «والآخرة خير وأبقى»، و«فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل».
هلموا إلى الله ورسوله، إلى دين الحق وكلمة الشرف، إلى الفوز الدائم، إلى النجاة من عذاب الله ومقته وخزيه، «إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا ويعلمون».
حي على الفلاح!.. حي على الصلاة والإصلاح، لأمة لا يصلحها إلا العلماء كما بيّنا، وبالصفات التي وضّحنا، حي على خير العمل، فإن الأمة في حاجة وضرورة إلى الإصلاح لا من ناحية الدين فقط، بل في مناحي شتّى وجهات عديدة، ولكن ناحية الدين عندنا أهم من كل ناحية، لأنها إذا صلحت في دينها، وصلحت في عقائدها، أمكنها أن تصلح في كل أعمالها كما تصلح في دنياها، و«لله الأمر من قبل ومن بعد».


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة