فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1641.9
إعلانات


** 2022/07/02**سلطان بركاني 2022/07/02 **أيام تُشحن فيها القلوب والأرواح

 

نعمة عظيمة هذه التي حظينا بها، حين أمدّ الله في أعمارنا حتى أدركنا أفضل أيام الدنيا وأفضل أيام العمر، العشرة من ذي الحجّة.. أيام أفضل من أيام رمضان، ولياليها هي أفضل الليالي بعد ليالي العشر الأواخر من رمضان، ويكفيها فضلا أنّ الله أقسم بها في كتابه العزيز، فقال: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾.. ليالي العشر الأواخر من رمضان فيها ليلة القدر، أمّا أيام العشر من ذي الحجة ففيها يوم العتق الأكبر يوم عرفة، وفيها يوم الحجّ الأكبر يوم النحر، وهو أفضل أيام السّنة على الإطلاق.

في ليالي العشر الأواخر من رمضان، لا نعلم أيّ ليلة هي ليلة القدر ليلةُ العتق الأكبر، لكنّنا في أيام العشر من ذي الحجّة نعلم أيّ يوم هو يوم العتق الأكبر يوم عرفة، ونعلم السّاعات التي تعتق فيها الرقاب ويجاب فيها الدّعاء ويحقّق الرّجاء وتبلغ الأمنيات، من بعد زوال يوم عرفة إلى غروب الشّمس، ومن فضل الله على هذه الأمّة أنّ يوم عرفة -ثاني أفضل أيام السّنة- يوافق هذا العام أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، لتتّفق ساعة الإجابة من يوم العتق مع ساعة الإجابة من خير يوم طلعت فيه الشّمس، في آخر ساعة قبل المغرب.

يوم عرفة، يوم المنح والأعطيات والعتق من النّار، منحة ربانية لهذه الأمّة، تستحقّ أن يتهيّأ لها العبد في أيام العشر هذه التي نعيش ساعاتها الغالية.. ليلة القدر في رمضان تحتاج إلى تهيئة وتحضير، وكذلك يوم عرفة يحتاج إلى نفوس وقلوب تتهيأ.. لذلك كان حريا بكلّ عبد مؤمن أن يعرف لهذه الأيام قدرها وفضلها، ويقدّم فيها لنفسه أعمالا صالحة وهو يرجو القبول عند الله، ويرجو أن يوفّقه مولاه لحضور قلبه في ساعات يوم عرفة.

أيام تجتمع فيها أمّهات العبادة: الصّلاة والصّيام والصّدقة والحجّ والتّهليل والتّكبير والنّحر.. أيامٌ العمل الصّالح فيها أفضل منه في سائر أيام السّنة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما العمل في أيام أفضل منه في هذه”، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله. قال: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء”، بل إنّ أجور الأعمال الصّالحة تضاعف أضعافا كثيرة فضلا من الله وتكرّما، وقد ورد في حديث ضعّف إسنادَه بعضُ أهل العلم، ويُرجى أن يكون مضمونه ثابتا، أنّ الحبيب -صلَّى اللَّه عليه وسلم- قال: “إِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَالْعَمَلَ فِيهِنَّ يُضَاعَفُ سَبْعمِائَةِ ضِعْفٍ”.

ألا يا باغي الخيرات أقْبِل * إلى ذي الحجَّة الشهر الحرام

به العشر الأوائل حين هلت * أحب الله خيراً للأنام

بها النفحات من فيض ونور * وعرفات فَشَمِّرْ للصيام

بها النحر الذي قد قال فيه * إله العرش ذكرا للأنام

بها الميلاد يبدأ من جديد * إذا ما القلب طُهر من سقام

وبالحسنات فرج كل ذنب * إذا شئت الوصول إلى المرام

ألا يا باغيَ الخيرات أقبل * فإن الشهر شهرٌ للكرام

إذا استهواك شيطانٌ فأدبر * ولا تركنْ إلى الفعل الحرام.

إنّه ليس أشدّ حرمانا ممّن يغفل عن فضل هذه الأيام، فتمرّ به ساعاتها كما تمرّ به سائر الأيام! أيام تأتي شهرين بعد رحيل رمضان، لتعود بقلوبنا وأرواحنا إلى رحاب الطّاعة والإيمان، لنشحن فيها قلوبنا وأرواحنا ونعود إلى ما كنّا عليه في رمضان، وأفضل.. كثير من المسلمين يجتهدون في رمضان، لكنّهم يفترون في العشر من ذي الحجّة، مع أنها أعظم من أيام رمضان، والعمل فيها أحب وأفضل عند الله!

كان الصّالحون يجتهدون في هذه العشر ما لا يجتهدون في غيرها، قال أبو عثمان النهدي -رحمه الله-: “كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم”.. هذا أحد أئمّة التابعين، سعيد بن جبير -رحمه الله- كان يجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه، ويقول: “لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر”.. أمّا الإمام الحافظ ابن عساكر رحمه الله، فكان يعتكف في هذه العشر من ذي الحجّة كما يعتكف في عشر رمضان الأواخر.

الموفّق حقّا، من وفّقه الله ليكون هذه الأيام في بقاع مكّة الطّاهرة؛ يحرم ويلبّي ويخفق قلبه ويلهج لسانه بالدّعوات وتنهمر عيناه بالدّمعات، ويصلّي في المسجد الحرام حيث الصّلاة بمائة الله ألف صلاة، ويقف بعرفات حيث أعظم وأنفع موقف في الحياة، ويبيت بمنى ومزدلفة ويرمي الجمار.. لكنّ فضل الله جلّ وعلا واسع، ففي وسع كلّ عبد مؤمن حرم الحجّ في هذه الأيام لعذر، أن يحجّ بقلبه؛ يحرمُ بقلبه عن الحرمات والمحرّمات وعن الدّنيا، ويعلن بقلبه وجوارحه أنّه تائب إلى مولاه من جميع الذّنوب والخطايا، ويعقد العزم على أن تكون عشر ذي الحجّة بداية عهد جديد وجولة جديدة مع النفس الأمارة بالسّوء.. يأخذ بتلابيب نفسه، ويقول لها: يا نفس، هذه العشر من ذي الحجّة في شهر الله الحرام، فإلى متى وأنت غافلة عن الله؟ إلى متى وهذه القسوة؟ إلى متى هذا الإعراض؟ إلى متى وأنت يا نفس غارقة في الدّنيا الفانية؟


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة