فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1640.16
إعلانات


طَايَرْ مُخُّو- ل- الكاتب/محمد الهادي الحسني

 

طَايَرْ مُخُّو                                           

 

محمد الهادي الحسني

2021/08/15

 

كتب الشيخ أحمد حماني ـ رحمه الله ـ في أحد مقالاته التي نشرها في جريدة البصائر تحت عنوان: “حديث المتجول”؛ كتب يقول إن المكان الذي بنيت فيه بلدة “القرارم” على الطريق الوطني الرابط بين مدينتي قسنطينة وجيجل؛ ذلك المكان كان يسمى “طاير مخّو”. (جريدة البصائر في 15-4-1938. ص6) وكان غير معمور.

لم يخبرنا الشيخ عن سبب هذه التسمية الغريبة، ولا عن هذا الشخص الذي أطلق اسمه على هذا المكان… رغم اشتهار الشيخ بذكر التفاصيل فيما يكتب.

قد يكون هذا الشخص “ظالما”، جاء شيئا إداًّ، وخوفا من القصاص لجأ إلى هذا المكان الخالي من العمران؛ وقد يكون “مظلوما” اتهم بما لم يفعل، وليس له قوة لدفع ما اتهم به، فآوى إلى هذا المكان ليعصمه من الناس.. والمهم أن اسم “القرارم” وشِواءها اللذيذ أنسيا الناس الاسم القديم للمكان..

و”المخ” الوارد في هذا الاسم هو ـ كما جاء في بعض المراجع ـ القسم الأهم في الجهاز العصبي المركزي، ويهتم بشكل عام بالوظائف الإدراكية والحسية والعقلية ووظائف اللغة، ولأهمية هذا الجهاز أحاطته العناية الإلهية بمنظومة دفاعية قوية، تسمى “الجمجمة”، ويتوقف على مكونات هذا الجهاز وما يحتوي عليه من الخلايا كِياننا كآدميين نعقل، ونفكر، ونتحكم في أفعالنا، وقديما قال الشاعر عن “العقل” الذي يعتقد أنه المخ:

لولا العقول لكان أدنى ضيغم

أدنى إلى شرف من الإنسان

ذكّرني بهذا الاسم “طاير مخو” ما وقع في وطننا الحبيب من شرقه إلى غربه من حرائق مهولة حوّلته من “جنة أرضية” أو “جنة الدنيا” ـ كما جاء في بعض الكتابات ـ إلى “جحيم دنيوي” يشوي الوجوه، ويحرق الجلود، مع ما أصابنا من نقص في الأنفس والثمرات، وخسائر في الحيوانات والغابات.

وأما الأبشع، والأشنع فهو تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق شاب دفعه واجبه الإسلامي، وحسه الوطني، وشعوره الإنساني إلى أن يقطع مسافة طويلة تحت حرارة عالية لينجد إخوانه، ويخفف عنهم، ويواسيهم ولو بكلمة طيبة؛ ولكنه ـ للأسف ـ وجد أناسا “طارت أمخاخهم”، ولم يجد كرماء؛ بل لقي لؤماء، فأزهقوا روحه، ومثّلوا بجسده، وفعلوا فعلتهم الشنعاء، جاهلين أن من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، كما قال الله ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم. وما خفف من وقع ذلك على النفس إلا تخلّق أهل الفقيد بخُلُق الإسلام وهو كظم الغيظ.. وهبّة المواطنين لمواساة إخوانهم بجميع أنواع المواساة..

إن الذي يتابع أحوال الجزائر في الثلاثين سنة الماضية يرى العجب العجاب، حتى ليُخَيَّل إليه أنها صارت ملأى بكثير ممن “طارت أمخاخهم”، مع زعمهم أنهم هم “الأمخاخ”. وإلا فكيف نفسر هذا العدد الكبير الذي قتل في التسعينات، وهذا العدد الكبير من كبار المسؤولين ـ المسجونين والهاربين ـ المتورطين في جرائم السرقة، والرشوة، واستغلال السلطة، والاستهانة بالدولة إلى درجة إغلاق “البرلمان” بـ”الكادنة”.. وإلى درجة أخذ السبائك الذهبية. وما خفي أعظم.. مما ينطق الموتى في اللحود والأطفال في المهود، ويشيب الغربان.

فهل مسئولون بهذا التسفل، والحمق، والسفه، يملكون “أمخاخا”، أم كانوا ـ هم وكبيرهم ـ “طايرين امخاخ”. اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة