فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1640.16
إعلانات


هكذا فلْتكنْ أخلاقنا في أيام الوباء

                                                                                

 سلطان بركاني 2021/08/08

في خضمّ وباء كورونا الذي بلغ أمده 20 شهرا إلى حدّ الآن، ظهرت معادن كثير من النّاس، وحتّى بعض الغربيين الذين يَنظر إليهم بعض المسلمين على أنّهم سادة الأخلاق في هذا الزّمان، أظهرت الجائحة بأنّ بينهم من يتحلّى بأنانية قاتلة ومن يريد أن يضحّي بالضّعفاء وكبار السنّ على كثرتهم لأجل الشّباب الذين يشكّلون قلّة في المجتمع الغربيّ، وظهر كيف أنّ كثيرا منهم لا يتخلّون عن مصالحهم وأرباحهم مهما كانت الأزمة وأيا بلغت الضّرورة. ليس غريبا أن تظهر معادن بعض الغربيين في وقت الأزمات، وتسقط الأقنعة عن وجوه بعض من يقال عنهم إنّهم مسلمون بلا إسلام وإنّهم لو نطقوا بالشّهادة لكانوا خيرا من المسلمين، لكنّ ما يحزّ في النّفوس أن يُظهِر بعض المسلمين في وقت البلاء أخلاقا لا تليق أبدا بمن يؤمن بالله واليوم الآخر والبعث بعد الموت والحساب والجنّة والنّار. سمعنا عن تجّار مسلمين يستثمرون في الأقنعة (الكمامات) التي يزيدون في أسعارها أضعافا مضاعفة، ورأينا كيف احتكر بعض التجار السّميد والزّيت وزادوا في أسعارهما، وكيف ضاعف بعض التجار أسعار الليمون بعد أن كثر عليه الطّلب، ونحن الآن نسمع بمن يتاجرون في أجهزة تكثيف الأكسجين، فلا يرحمون فقيرا ولا مريضا ولا مبتلى؛ يأتيهم من يذرف الدّموع ويطلق الآهات والحسرات لأجل والدته أو والده الملقى في المستشفى ينتظر الأكسجين وحياته مهدّدة في أيّ لحظة، فلا تؤثّر حاله في قلوبهم بل يستغلّون حاجته إلى قارورة الأكسجين ليعرضوا سعرا خياليا يقصم الظّهر، فآه لو يعلم مصّاصو الدّماء هؤلاء أنّهم لن يدخلوا الجنّة ولن يجدوا ريحها، مع ما يسلّط عليهم في الدّنيا من هموم وغموم وأمراض ومصائب تذهب بأموالهم.. يقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: “من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالى، وبريء الله تعالى منه” (أحمد)، ويقول أيضا: “من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم، فإنَّ حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة” (أحمد). في مقابل هؤلاء رأينا وسمعنا عن تجار رفضوا أن يقتاتوا من الأزمة، بل تحلّوا بالقناعة وأنقصوا من أرباحهم بل ومنهم من باع السّلعة برأس المال، ومنهم من باعها بأقلّ من رأس المال لييسّر على إخوانه، يريدون ما عند الله، نحسبهم كذلك، ورأينا من عباد الله المسلمين، من التجار ومن غير التجّار، من هبّوا في حملة تضامن وتكاتف لاقتناء أجهزة تكثيف الأكسجين، بل منهم من تداعوا لشراء محطّات توليد الأكسجين للمستشفيات.. هذا هو الإسلام، هذه هي أخلاق المسلمين.. هذا ما ينبغي أن يسود ويعمّ في مثل هذه الظّروف الصّعبة التي يمرّ بها العالم.. وبمثل هذه الأخلاق يرحمنا الله ويرفع عنّا الوباء.. السّماحة والتعاون والرّحمة من أعظم الأخلاق التي يرحم الله بها عباده، فالرّاحمون يرحمهم الرّحمن، والحقّ سبحانه إذا رأى عباده يرحم بعضهم بعضا ويرأف بعضهم ببعض، قال: أنا أولى بالرّحمة من عبادي بعضهم ببعض. ومن الأخلاق والأحوال التي ينبغي للمسلم أن يتحلّى بها في وقت البلاء وفي خضمّ هذا الوباء: التّوبة إلى الله من المعاصي والذّنوب ومن الغفلة والتفريط؛ فإنّه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة؛ التوبة من الشرك بالله، التّوبة من السّحر، التوبة من ظلم الوالدين وظلم الأبناء والإخوة والأخوات والأرحام والجيران، التوبة من أكل ميراث الأخوات والأقارب، التوبة من جحد الدين والمماطلة في أدائه، ومن التطفيف في الميزان. التوبة من إضاعة صلاة الفجر، ومن التبرّج الذي ما عاد مقتصرا على النّساء، حتّى تعدّاه إلى بعض الرّجال، التوبة من أكل الحرام في مكان العمل، بالدخول بعد الوقت والخروج قبل نهايته وقضاء وقت العمل في التنقل بين المكاتب وممازحة الزملاء… يقول سبحانه وتعالى: ((فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)). ومن الأحوال والأخلاق كذلك: التفاؤل وترك الطيرة والتشاؤم.. التفاؤل بأنّ بعد العسر سيأتي اليسر، وبعد الضّيق سيأتي الفرج، وبعد البلاء ستأتي العافية.. كم من وباء أصاب البشرية ومكث ما كتب الله له أن يمكث ثمّ انقشع، أين وباء الموت الأسود؟ أين الجدريّ؟ أين الطّاعون؟ أين الحمّى الصّفراء؟ أين أنفلونزا الخنازير؟ أين الكوليرا؟ كلّها ذهبت وحلّت بعدها العافية عقودا من الزّمان، وهكذا سيذهب كورونا وتأتي بعده العافية بإذن الله، لكن لا بدّ من الحذر والحيطة والأخذ بالأسباب حتّى تكون حصيلة هذا الوباء أخفّ ما يمكن، وحتّى لا نفج في والدينا وأحبّتنا فنواريهم التّراب في الصّناديق بالجرافات ونهيل عليهم الجير ونتجرّع الحسرات.. لقد سجّلت كتب السيرة أنّه وفي خضمّ غزوة الأحزاب وما أحاط فيها بالمسلمين من أهوال، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطّط لأصحابه ويحضّهم على بذل أسباب النّصر، حيث أمر بحفر الخندق وأخذ الأهبة وبعث من يأتيه بخبر الأعداء، لكنّه في المقابل كان يبشرهم بفتح روما وفارس.. وهكذا نحن في خضمّ هذا الوباء ينبغي أن نوجّه النّاس إلى الأخذ بأسباب النّجاة والسّلامة، لكن مع ذلك ينبغي أن ننشر في أوساطهم التفاؤل والسّكينة ونبعد عنهم الهلع والاضطراب؛ فكما نلفت انتباههم إلى تزايد أعدا الإصابات والوفيات، ينبغي كذلك أن نلفت انتباههم إلى المئات الذين يُشفون يوميا ويخرجون من المستشفيات سالمين معافين بفضل الله. ومن الأحوال والأخلاق التي ينبغي أن تصاحبنا في أيام الوباء كذلك: الجود والإنفاق والتعاون على البر والتقوى، فلا ينبغي للعبد المؤمن في هذا الظّرف الصّعب والعسير أن ينكفئ على نفسه ويغلق عنه بابه وينسى إخوته وأقاربه وجيرانه.. لا ينبغي لمن حباه الله منصبا مستقرا وراتبا ثابتا أن ينسى إخوته وأقاربه وجيرانه الذين تتعطّل أعمالهم في هذه الأيام والأشهر بسبب الحجر وتداعياته.. حرام أن ينعم العبد المؤمن بالملذّات في الوقت الذي يكابد أخوه من أبيه وأمّه أو قريبُه أو جاره للحصول على ضروريات العيش. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إنّ الأشعريِّين إِذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحدٍ، ثمَّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي وأنا منهم” (متفق عليه).


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة