فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1633.12
إعلانات


من أطفال ونساء غزّة نتعلّم

من أطفال ونساء غزّة نتعلّم

سلطان بركاني

2021/05/30

كنّا نقرأ أحاديث النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- عن فضل الشّام وأهلها في آخر الزّمان، فنعجب لذلك الفضل العظيم الذي اختصّت به تلك الأرض ولم تصل إليه أرض الحجاز، مثل قوله عليه الصّلاة والسّلام: “ألا وإنّ الإيمان حين تقع الفتن بالشام”، وقوله: “عليكم بالشام؛ فإنها خيرةُ الله مِنْ أرضه، يَجْتَبِي إليها خِيرتَهُ من عباده. فأما إن أبيتم؛ فعليكم بيمنكم، واسقوا من غُدُركم؛ فإن الله توكل لي بالشام وأهله”، وقوله: “إِذَا فسدَ أهلُ الشامِ فَلا خيرَ فِيكُمْ، لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي منصورين، لا يضرُّهم مَنْ خَذَلَهم حَتَّى تقومَ الساعة”.

كنّا نعجب لهذه الأحاديث، حتّى رأينا ثبات إخواننا المرابطين في فلسطين، وخاصّة أهل غزّة، ورأينا من مواقفهم ما أعاد إلى أذهاننا قصص السّلف الأوائل في الثّبات والفداء وبذل المهج والأرواح نصرة لدين الله؛ رجال ونساء، شباب وشيوخ، بهِمم تناطح السّحاب، وبأمانٍ تتعلّق بما عند الله والدّار الآخرة، بل قد رأينا ممن أطفال غزّة ما تتقاصر عنه همم الرّجال في مواطن أخرى من عالمنا الإسلاميّ.

من المقاطع التي نَقلت نُتفا من واقع أهل العزّة في غزّة، مقطع مصوّر لاختبار تجريبيّ خضع له بعض الأطفال هناك، في مقابلة أجريت لهم للمشاركة في مخيّم صيفيّ، حيث كان بين الأسئلة المطروحة على كلّ واحد منهم سؤال يتعلّق بالمقاومة، نصّه: هل هناك مركز تدريب للمقاومة قريب من مقرّ سكناك؟ فكان الأطفال يستنكرون بشدّة طرح هذا السّؤال ويرفضون الإجابة عنه، ومنهم من يغضب ويهمّ بالخروج.. لأنّهم تربّوا على أنّ المقاومة هي درعهم الحامي الذي لا يجوز التّفريط فيه ولا العمل ضدّه مهما كانت الظّروف والأحوال.. فيا ليت أطفال الأمّة وشبابها يتربّون على مثل هذه المبادئ الأصيلة من الوفاء لدين الله أولا ثمّ لأوطانهم، فلا نرى أطفالا وشبابا يبيعون المبادئ ويخونون الأمانات لأجل مصروف الجيب! ولأجل سيجارة أو ضحكة من فتاة لعوب! يا ليت بعض شبابنا يُعلون هممهم ويتخلّون عن حياة الرقّة والتذلّل التي جعلت الشابّ في الثلاثينات من عمره يتصرّف كما لو كان طفلا في العاشرة! بل قد يكون عقله عقل طفل لا يتعدّى همّه الضّحك والمشاغبة!

مقطع آخر تدمع له العين، لكنّه يملأ النّفس فخرا وعزّة بهذا الدين العظيم الذي صنع نساءً من طراز نساء فلسطين الشّامخات شموخ الجبال الرواسي، لامرأة من غزّة تدعى أمّ خالد، قدّمت ابنيها محمود وخالد شهـيــدين في سبـيل الله، في العامين 2003 و2009م على التوالي، تقول وهي تودّع ابنها الشّهــيد الثالث “مصطفى حسن العابد” الذي ارتقى شهيدا يوم عيد الفطر الماضي: “والله العظيم فخورة جدا، الحمد لله، لأنّ هذا شيء أكرمنا الله به، نحن أهل ربـاط.”.. أمّا زوجة هذا الشّهــيد البطل فتقول: “إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، وإنّا على فراقك يا مصطفى لمحزونون، ولكن الحمد لله طلبها (الشــهادة) ونالها وهو يستحقّها، المشكل فقط أنّه سبقني ونالها.. وسأربّي أولاده الأربعة على طريق الاستشـهاد، وكلنا فــداء الأقصى، وفـداء لله عزّ وجلّ.. رضينا عنك يا ربّ فارض عنّا، اللهمّ خذ من دمـائنا وأموالنا حتى ترضى”.

فلله، ما أعلى هممكنّ يا نساء غزّة! ارتقى زوجها شهيدا فاستعدّت لتربّي أبناءه الأربعة على درب الشهادة.. هكذا هم أهل غزّة؛ يقتل الصّهاينة رجلا منهم فتسري دماؤه في أجساد أبنائه وإخوته، بمعنى أنّ الواحد يخلفه العشرة وأكثر.. لهذا يحقد الصّهاينة على أهل غزّة.. ولهذا يستهدف طيران الاحتلال بيوت المدنيين ليقتلوا النّساء والأطفال، ولهذا يتآمر المتآمرون على قطاع العزّة، ولهذا يطعن الجاهلون في مجاهدي ومرابطي غزّة؛ لأنّ غزّة تصنع رجالا يحبّون الموت في سبيل الله كما يحبّ الصّهاينة وأولياؤهم الحياة.. رغم أنّ صـواريخ القسـام -بارك الله في الأيدي المتوضّئة التي تطلقها- قد ألقت الرّعــب في قلوب الصّهايــنة وأدخلتهم إلى الملاجئ كالجرذان، إلاّ أنّ كلمات نساء غزّة أشدّ وطأة على قلوب المحتلـين الجبناء.

كلمات زوجة الشّهيد مصطفى العابد، لم تكن كلمات عابرة نطق بها لسان زوجة صالحة، إنّما هي ترجمة لواقع عملَ على إيجاده رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نحسبهم كذلك، من أمثال الشّيخ أحمد ياسين والرّنتيسي وإخوانهما رحمهم الله جميعا.. كلمات تلك الزّوجة الغزّاوية الصّابرة، ينبغي أن نحفظها ونُسمعها زوجاتنا وبناتنا، خاصّة ونحن مقبلون على موسم الأعراس الذي تتعلّق فيه همم كثير من النّساء بالمظاهر والمباهر وتلتصق بالطّين.. موسم الأعراس الذي تتنافس فيه كثير من النّساء في مصوغات الذّهب، وفي أنواع وأشكال الفساتين التي خرجت بعضها عن الفطرة وعن الذّوق وعن المعقول. فساتين لا يحلّ لامرأة مسلمة أن تلبسها أمام النّساء فضلا عن لبسها أمام الرّجال.. نساؤنا –إلا من رحم الله منهنّ- في حاجة إلى أن ترتفع هممهنّ قليلا عن المظاهر الفانية ويذكَّرن بهموم الأمّة وآلامها وآمالها، وبالدّار الباقية التي تُنال بالإيمان والعمل الصّالح وتربية الذرية الصّالحة، وليس بسجن القلب في المظاهر الفانية.. المرأة مجبولة على حبّ التزيّن، وقد رغّبها الشّرع في التزيّن لزوجها، وأباح لها إظهار بعض الزّينة أمام المحارم، كما أباح لها التوسّع في إظهار الزّينة أمام النّساء بشرط ألا تخرج عن المشروع والمعقول، وبشرط ألا تستعبدها المظاهر وتصبح قيمتها بقيمة ما تلبسه من لباس وما تتحلّى به من مصوغات، وتتحوّل المظاهر الفانية إلى ميدان رحب للتّنافس بين نساءٍ مسلمات يفترض أن تكون لهنّ رسالة سامية وهدف نبيل في هذه الحياة.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة