فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1633.12
إعلانات


بما كسبت أيدي النّاس / بقلم سلطان بركاني

بقلمسلطان بركاني

بما كسبت أيدي النّاس

2020/03/02

ح.م

رأينا في السّنوات الأخيرة ولا نزال نرى آثار عظمة الله وقوته، ونرى في المقابل دلائل ضعفنا وقلّة حيلتنا أمام القوارع والابتلاءات التي يرسلها الله من حين إلى آخر.. كورونا، مثلا، هذا الفيروس الذي أرعب العالم وحوصرت بسببه مدن بأكملها وكادت مدن أخرى أن تصبح خاوية على عروشها، وألغيت بسببه بطولات وتجمّعات رياضية، وعلّقت العمرة إلى البلد الحرام.. كورونا هذا عبارة عن فيروس قطره لا يتجاوز 150 نانومتر.. أي أقلّ من جزء من مليون جزء من المليمتر.. هذا المخلوق الضّعيف من خلق الله. أربك العالم، واستنفر العلماء والمخابر العالمية التي لا تزال تبحث عن لقاح مضادّ له.

نعم، ربّما صاحبت انتشار فيروس “كورونا” بعض المبالغات الإعلامية لحاجة في أنفس أهل المكر في هذا العالم، لكنّ خطورته على الأشخاص الذين يعانون ضعفا في المناعة حقيقة مسلّمة، خاصّة الأوروبيين في القارة العجوز الذين يشكّل كبار السنّ الفئة الأكبر بينهم، ومعلوم أنّ كبار السنّ هم الفئة الأكثر تضررا بهذا الفيروس لضعف مناعتهم. لقد رأينا كيف أثبت هذا الفيروس ضعف كلّ مأمول من المخلوقين غير الله.. في الأيام القليلة الماضية تداولت المواقع والصّفحات صورا من إيران والعراق، لعمّال يرشّون شبابيك القبور والأضرحة والمزارات بالمعقّمات حذرا من انتقال فيروس كورونا من تلك الشّبابيك إلى الزوار الذين يتمسّحون بها ويضعون عليها خدودهم.. سبحان الله! ألم يكن أولئك المتمسّحون يعتقدون أنّ أصحاب تلك القبور ينفعون ويضرّون ويشفون؟ كيف لا يستطيعون إبعاد فيروس كورونا عن قبورهم وعمّن يتوسّلون إليهم أو بهم؟!.. أصحاب تلك القبور رجال صالحون وبينهم صحابة مرضيون، لكنّهم لم يقولوا في حياتهم إنّهم ينفعون أو يضرّون، كيف بهم بعد مماتهم؟ وهم بريئون كلّ البراءة ممّا يفعله المفتونون عند قبورهم.. فسبحانك سبحانك ربّي ما أعظمك! وما أصدق قولك حين قلت: ((وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا))!

ما قيل عن كورونا يقال كذلك عن الزّلازل التي تهزّ الأرض من حين إلى آخر في مناطق مختلفة من هذا العالم.. زلازل تتفطّر لها القلوب ويجد البشر أنفسهم عاجزين أمامها، لا يملكون كشف الضرّ عن أنفسهم ولا تحويلا.. رغم تقدّم العلم وتطوّره إلا أنّ العالم لم يجد حلا لهذه الزّلازل المرعبة.. قبل أقلّ من أسبوع ومع بداية الثّلث الأخير من اللّيل قبيل فجر يوم الأربعاء الماضي.. استيقظ سكّان بعض المدن الشّرقية مذعورين على وقع هزّة أرضية خفيفة، وجلت لها القلوب، وفارق بسببها النّوم كثيرا من الجفون، بل إنّ كثيرا من النّاس ظلّوا ينتظرون حتّى أذّن للفجر لينطلقوا إلى بيت الله وهم يهرعون، وازداد عدد الصّفوف في صلاة الفجر يوم الأربعاء بصورة لافتة.. فسبحانك ربّي ما أعظمك! وما أشدّ ضعفنا وغفلتنا عنك وعن نقمتك! ((أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُون)).

وما قيل عن بلاء الزّلزال يقال أيضا عن هذا الجفاف الغريب الذي ابتلينا به شتاءَ هذا العام.. جفاف وحرّ قلّ أن يُعرف لهما نظير في فصل الشّتاء.. جفاف جعلنا ندرك حاجتنا إلى رحمة الله وفضله، وجعل كثيرا منّا يرجعون البصر لينظروا في واقعهم وواقع الأمّة والعالم عن الأسباب التي أحلّت بنا هذا البلاء.

الجميل في الأمر، أنّنا بدأنا نتّجه في الطّريق الصّحيح، وبدأنا جميعا نعاتب أنفسنا ونحمّلها المسؤولية فيما يحصل.. بدأنا نفهم جيّدا قول الله تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)).. بدأنا نستشعر حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة الْمُؤْنَةِ وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القَطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلّط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض مافي أيديهم، ومالم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم” (رواه ابن ماجة).

ما حلّ بالعالم هو بما كسبت أيدي النّاس: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون)).. فساد عظيم وطويل وعريض في بلدان العالم جميعا.. يضطهد الأبرياء ويقتلون ويفتن آخرون في دينهم ويمنعون الصّلاة والصيام، وتقطّع أجساد آخرين بالقنابل والصّواريخ والبراميل المتفجرة، ويحرق آخرون أحياء، ويودع آخرون سجونًا يسامون فيها سوء العذاب وتنتهك أعراضهم.. أمّا الموبقات التي عذّب الله بسببها قوم نوح وعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط، فإنّها كلّها اجتمعت بين البشرية في هذا الزّمان، ويكفي أن نعلم أنّ الشّذوذ أصبح حقا محترما عند الغربيين وأتباعهم من بني جلدتنا، بينما إنكار الشّذوذ الجنسيّ أصبح مرضا تنبغي مقاومته ومدافعته وتجريم من يحملونه!

لقد كان منتظرا أن تحلّ العقوبات بالعالم السّاكت عن هذا الظّلم وهذا الفساد الذي لم يعرف تاريخ البشريّة له نظيرا.. هل كنّا ننتظر أن تذهب صرخات الأطفال ودموع اليتامى هدرا؟ هل كنّا ننتظر أن تذهب أنّات الأرامل والأيامى سُدًى؟.. في بلاد المسلمين، قتل مسلمون ظلما وعدوانا وانتهكت أعراضٌ واستحلّت دماء وسجن أبرياء قهرا، واستعان المسلمون بالكفّار ضدّ إخوانهم المسلمين، واستحلّ الرّبا وعمّ التعامل به إلا ما رحم الله، واستبيحت الرشوة وانتشرت الأثرة ووسّد الأمر إلى غير أهله وأزيحت شريعة الله عن الحكم، وطاف بعض المفتونين بالقبور، وسبّ الخالق سبحانه وسبّ خيار الأمّة بين ظهراني المسلمين وهم يضحكون ويبتسمون ويرتشفون كؤوس الشاي وفناجين القهوة، وشهدنا خلال الثلاثين سنة الماضية أمورا عظاما يشيب لها الولدان.

لا يكاد يخلو بيت من بيوت المسلمين إلا ما رحم الله من تارك للصّلاة، ولا يكاد يخلو بيت من بيوت المسلمين من متبرجة أو متلاعبة بالحجاب، ولا يكاد يخلو بيت من بيوت المسلمين من أجهزة تلفاز وحواسيب وهواتف يُفتح على شاشاتها ما حرّم الله.. منعت الزّكاة وأخّرت وامتنّ بها الأغنياء على الفقراء وأعطوها كرها.. وضيع كثير من المسلمين ركن الحجّ ونسوه.. عقّ الوالدان وقطعت الأرحام وساءت الأخلاق في البيوت والشّوارع والطّرقات والأسواق وفي كلّ مكان.. هذه وغيرها كانت كفيلة بأن يطبق الله السّماء على الأرض، أو يجعل عالي هذه الأرض سافلها، أو يرسل علينا البحر فيغرقنا، ولكنّه سبحانه لطيف بعباده، ((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا)).

كثر الفساد في دول العالم جميعا، وكثر الفساد في بلاد المسلمين، ولولا أنّ خالق هذا العالم لطيف رحيم، لجعل عالي العالم سافله.

الزلازل التي هزّت ولا تزال تهزّ العالم، لم تتعدّ شدّتها 9.5 على سلم ريشتر.. الأوبئة والفيروسات التي اجتاحت العالم بدءًا من القرن العشرين، وباستثناء الأنفلونزا الإسبانية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، لم يتجاوز عدد ضحاياها واحدا في الألف،.. فيروس كورونا رغم الهلع الذي رافقه، لم يتجاوز عدد ضحاياه منذ اكتشافه أواسط ديسمبر الماضي 3500 ضحية.. بل لعلّ من رحمة الله ولطفه ارتفاع درجات الحرارة مع بدء انتشار هذا الفيروس، وربّما ينحسر انتشاره تدريجيا ويختفي بحلول فصل الصّيف، بإذن الله.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة