فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1623.45
إعلانات


أنا حرة فى الجزائر

أنا حرة فى الجزائر

محمد سلمـاوى

تلك هى الصيحة التى أطلقتها المطربة العالمية والمناضلة الإفريقية مريام ماكيبا عام 1972، وفى الأسبوع الماضى أعلن وزير ثقافة الجزائر الشاعر والكاتب الكبير عز الدين ميهوبى إطلاق جائزة إفريقية كبرى للإبداع الثقافى قيمتها 100 ألف دولار تحمل اسم مطربة جنوب إفريقيا الراحلة.

وميريام ماكيبا بالنسبة لجيلنا هى واحدة من أكبر مطربات إفريقيا اللاتى حققن شهرة دولية فى اواسط القرن الماضي، من الأمريكتين غربا إلى اليابان وأستراليا شرقا، وقد ذاع صيتها فى جميع أنحاء العالم بأغنية «پاتا پاتا» المستوحاة من التراث الشعبى فى جنوب إفريقيا، ومع تصاعد موجة مناهضة سياسة التمييز العنصرى فى جنوب أفريقيا صارت ماكيبا رمزا لتلك المقاومة، بل ولكل حركات التحرر فى القارة الإفريقية التى غنت لها جميعا حتى لقبت باسم Mama Africa.

وقد نفيت ميريام مكيبا «1932-2008» من بلادها طوال 30 عاما وجردت من جنسيتها ولم تعد إلى جنوب إفريقيا إلا بعد سقوط حكومة «الأبارتايد» وتولى نلسون مانديلا الحكم،حيث أعاد لها الجنسية وقامت بالغناء فى جوهانسبرج لأول مرة عام 1991.

وخلال تجوال مريام ماكيبا فى العالم التقت فى الولايات المتحدة المناضل الأمريكى الأسود ستوكلى كارمايكل «1941- 1998» فأحبته وتزوجته عام 1968، وقد قاد كارمايكل، المولود فى ترينيداد، حركة «الفهود السوداء» التى طالبت بالحقوق المدنية للملونين، وكان من أكثر من تصدوا لسيطرة البيض، وكشف زيف الحركة الصهيونية العالمية، مما أدى فى النهاية إلى نفيه خارج الولايات المتحدة بعد أن وصفه إدجار هوفر رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية بأنه خطر على أمن البلاد.

وقد غادرت ماكيبا الولايات المتحدة مع كارمايكل الذى أسقط اسمه الغربى واتخذ لنفسه اسما إفريقيا هو كوامى توري، واستقر الزوجان فى غينيا حيث حصلت ماكيبا على الجنسية الغينية وعينت بعد ذلك سفيرة لغينيا فى الأمم المتحدة، وفى عام 1972 التقت ماكيبا الرئيس الجزائرى هوارى بومدين الذى دعاها إلى احتفالات الجزائر بعيد ثورة التحرير، وهناك منحت الجنسية الجزائرية التى ظلت محتفظة بها حتى وفاتها، وفى الجزائر أنشدت مريام ماكيبا أول أغنية لها باللغة العربية وهى «أنا حرة فى الجزائر...انتهى عهد العبيد» التى حيت فيها نضال الشعب الجزائرى للتحرر من الاستعمار، كما ربطتها علاقة قوية بالزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات ودافعت فى أكثر من مناسبة عن القضية الفلسطينية.

وقد توفيت مريام ماكيبا على أثر نوبة قلبية أصابتها بعد الانتهاء من الغناء فى حفل خيرى أقيم فى إيطاليا فى أغسطس عام 2008، وطلبت أن تنثر رفاتها فى المحيط الأطلسى الذى يربط بين مختلف دول العالم حتى تحملها مياه المحيط - على حد قولها - إلى شواطئ تلك الدول التى احتضنتها خلال حياتها.

وقد شرفت باختيارى رئيسا للجنة التحكيم الدولية الخاصة بجائزة مريام ماكيبا التى طالما تابعت سيرتها خلال فترة الشباب واستمتعت بأغنياتها الشهيرة، وقد شكلت لجنة التحكيم من كل من السينمائى الجنوب إفريقى المعروف رمضان سليمان ومطربة الرأس الأخضر الشهيرة سولانچ كازاروفنا رودريجز والفنان المغربى الكبيرعبد الوهاب الدكلى والمثقف الجزائرى القدير الدكتور أحمد بجاوي، وقد استقبلنا وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، وأوضح من البداية أن الحكومة الجزائرية لن تتدخل فى عمل لجنة التحكيم أو فى اختياراتها، وأنه يكتفى فقط بوضع شرط واحد للجائزة وهو أن الحاصل عليها يجب أن يكون إفريقيا مقيما فى القارة الإفريقية، فهى جائزة إفريقية مخصصة للأفارقة، وقد اتفقنا جميعا مع رأى الوزير، وبدأنا سلسلة من الاجتماعات بمقر مكتب حقوق الملكية الفكرية والحقوق المجاورة برئاسة سامى بن شيخ الذى وفر للجنة كل سبل الراحة دون أى تدخل من جانبه، وكان علينا أولا أن نضع لائحة الجائزة باعتبار تلك هى دورتها التأسيسية، واتفقنا على أن تمنح الجائزة فى مجالات الابداع الثقافى المتنوعة التى مارستها مريام ماكيبا وهى الموسيقى والغناء والتأليف والتمثيل على أن يكون الفائز ملتزما بقضايا القارة الإفريقية كما كانت من منحت اسمها للجائزة، ذلك أن مريام ماكيبا مارست الغناء والتأليف والتمثيل، ومن أشهر أفلامها فيلم Come Back Africa أو «عودى يا إفريقيا» الذى هاجمت فيه سياسة التمييز العنصري، وهو الفيلم الذى أدى إلى نفيها خارج جنوب إفريقيا وإسقاط جنسيتها.

وانتهت مداولات اللجنة إلى منح الجائزة لإحدى الهيئات الثقافية الإفريقية وهى هيئة السينما والتليفزيون الإفريقية المعروفة باسم «فسپاكو»، ومقرها فى بوركينا فاسو، وهى تقيم مهرجانا سنويا للأفلام الأفريقية، ولا تقبل إلا الأفلام الإفريقية المنتجة فى إفريقيا، ولم يفتنا أن نتذكر أيضا مؤسسة مريام ماكيبا التى أسستها المناضلة الراحلة فى جنوب إفريقيا قبل رحيلها، والتى تحتفل هذا العام بمرور 15 عاما على قيامها، بحيث تحصل «فسپاكو على 80 ألف دولار وتحصل مؤسسة ماكيبا على 20 ألفا».

وقد قلت فى كلمتى فى أثناء إعلان الجائزة بقصر الفنون بالجزائر العاصمة، والتى ستسلم للفائزين فى حفل كبير يوم 9 فبراير القادم، إن مريام ماكيبا كانت تجسد الوحدة الإفريقية التى طالما عمل الاستعمار على تجزئتها، تارة ما بين شمال إفريقيا وإفريقيا السوداء، وتارة أخرى ما بين إفريقيا المتحدثة بالإنجليزية وإفريقيا المتحدثة بالفرنسية، لذلك كان يجب أن تذهب الجائزة لجهة تتخطى حدود الدول لتمثل القارة ككل.

وأنا إذ أنتهز الفرصة فى هذا المقال لأوجه الشكر للجزائر الشقيقة وللوزير النشط عزالدين ميهوبى على هذه المبادرة، فكم كنت أتمنى أن تقوم مصر بمبادرة مماثلة وهى تستعد لرئاسة منظمة الوحدة الإفريقية فى العام القادم، ذلك إن التقارب مع إفريقيا لا يكون فقط بالسياسة وبتبادل زيارات الوزراء، وإنما بالثقافة أيضا، فالثقافة هى التى تؤثر أكثر من غيرها فى وجدان الشعوب.


محمد سلمـاوى


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة