فضاءات منشأة منقطين

منشأة منقطين

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
عيسى زين فضل الكريم
مسجــل منــــذ: 2011-02-21
مجموع النقط: 3.8
إعلانات


أشباح العمر


لم أتعهده يحمل يحمل ميقاتاً للزمن " اقصد ساعة " ولم يرغب أن يقتنى إحداها طوال عمره كان يحس دقاتها دوى مدافع تدك حياته , كانت تلدغه عقاربها بأشد السموم . إنفجارات تلو انفجارات دقاتها تخنق سنين حياته التى عاشها لا يعرف لنفسه صباح من مساء ولا إشراقة شمس من مغيب الكل سيان والكل سواء . أما الآن فالصورة لم تعد واضحة والحزن خيم على الأجواء ولم يعد هو من أعرفه , غابت ابتسامته مع اشراقة الصباح الجديد ومر يوم وجر فى ذيله الآخر حتى صار قطارا يجرى بلا هوادة والحال هو الحال الأجواء معطرة بالشجن والفتور والأحزان .
أراه يبحث فى كل مكان عن سبب لضيق رحابة المكان والزمان من حوله , يبحث عن تلك الحقيقة التى أدت إلى إنحسار البسمة عنه فلم يجد . فعاد يفتش فى معطفه القديم البالى عن فرحة باقية فى إحدى جيوبه فلم يلقاها , نظر إلى دفتر مواعيده عسى يجد لقاء فتنبه أن جافاه كل الأصدقاء . . وهكذا مرة يبحث عن سبب لما ألم به فيرجع خائباً دون جواب والمرة الأخرى يبحث عن قطرة أو نقطة فرح لكن دون جدوى لم يجد تلك الحقيقة أو ذاك الجواب .
آهٍ لو نظر فى المرآة أو حدق أكثر بعيناه فيها لتَكشَف له الغموض الذى ساد حياته , أراه الآن حقق مطلبى ونظر إليها نظرة متفحص , غاص فيها وألقى ما بداخله على وجهها وعندها أحس أنها المرة الأولى التى ينظر للمرآة فيها . تلال وجبال من الظل يرسمها ضوء الغرفة على جبينه من كثرة تجاعيد العمر , كل ثنية من تجاعيد وجهه تخفى تحتها عدد من السنين كل دقيقة فيها تحمل عمراً بذاته من السعادة والشقاء كمتوالية حسابية ناتجها إلى ما لا نهاية .
أصبحت مرآته كصفحة ماء متموجة لا يرى فيها إلا أشباح العمر تتمايل أمام عينيه فانتفض يجرى وتدثر فى سريره من الخوف وحاول أن يشيح عباءة السنين من عليه لكنه وجدها قد طرزت على جسده ولا يملك منها فراراً .
لازمته الشيخوخة وأصبح إنساناً أليفاً لديها ويعز عليها فراقه أصبحت هى سامره فى الليل وأنيسه فى النهار . وها هو يحاول اللحاق بآخر عربات قطار العمر وأن يمسك بأذياله التى تبدو له كأطياف بعيدة المنال , فحطم عاداته وبدل كل شئ حتى أفكاره واشترى معطف جديد ليخبئ فيه لحظاته السعيدة القادمة لحين احتياجه إليها .
لكن ما لم أتخيله أن يبحث عن تلك الساعة التى أهديتها له فى يوم من الأيام , أحسست أنه يريد أن يضعها سواراً حول معصمه أو يعلقها نوطاً على صدره أن يحتضنها لعلها تعيد إليه ما مضى من دقات . أصبحت هى المىذ الأخير لديه ليحسب ما تبقى من سنين لا يرضى أن تضيع هباء .
لكن ساعته لم ترضى إلا أن تلتف وتزين عنقه وتضيق الخناق عليه , أصبحت كالقنبلة الموقوتة التى بدأت فى العد التنازلى لإنفجارها , وتسقط دقيقة بعد الأخرى ساعة تتهادى ثم تغيب وتبدأ الأخرى وتتلاشى حتى صباح اليوم التالى الذى كنت أول من يأخذ عزاءه فيه , ولم يترك لى إلا ورقة فى أحد جيوب معطفه الخاوية يقول فيها
" إرتديتها أم لا . . . فالكل سواء "

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة