فضاءات يوب

يوب

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
enamiyoub
مسجــل منــــذ: 2011-09-09
مجموع النقط: 187.51
إعلانات


افتراضي الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم
الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه
الأولى: امتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
الثانية: موافقته سبحانه في الصلاة عليه ، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف، كما تقدم.
الثالثة: موافقة ملائكته فيها.
الرابعة: حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.
الخامسة: أنه يرفع له عشر درجات.
السادسة: أنه يكتب له عشر حسنات.
السابعة: أنه يمحي عنه عشر سيئات.
الثامنة: أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه، فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين عز وجل: (وكان موقوفًا بين السماء والأرض قبلها).
التاسعة: أنها سبب لشفاعته إذا قرنها (بسؤال الوسيلة له أو أفردها، كما تقدم حديث رويفع بذلك.
العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب، كما تقدم.
الحادية عشرة: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه.
الثانية عشرة: أنها سبب لقرب العبد منه يوم القيامة. وقد تقدم حديث ابن مسعود في ذلك.
الثالثة عشرة: أنها تقوم مقام الصدقة لذي العسرة.
الرابعة عشرة: أنها سبب لقضاء الحوائج.
الخامسة عشرة: أنها سبب لصلاة الله على المصلَّي، وصلاة ملائكته عليه ([1]).
السادسة عشرة: أنها زكاة للمصلي وطهارة له.
السابعة عشرة: أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته، ذكره الحافظ أبو موسى في كتابه، وذكر فيه حديثًا.
الثامنة عشرة: أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة، ذكره أبو موسى وذكر فيه حديثًا([2]).
التاسعة عشرة: أنها سبب لرد النبي الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه.
العشرون: أنها سبب لتذكر العبد ما نسيه، كما تقدم.
الحادية والعشرون: أنها سبب لطيب المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.
الثانية والعشرون: أنها سبب لنفي الفقر، كما تقدم.
الثالثة والعشرون: أنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره، صلى الله تعالى عليه وسلم.
الرابعة والعشرون: نجاته من الدعاء عليه برغم الأنف إذا تركها عند ذكره .
الخامسة والعشرون: أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها.
السادسة والعشرون: أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله تعالى ورسوله ، ويحمد [الله] ويثني عليه فيه، ويصلي على رسوله .
السابعة والعشرون: أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله تعالى والصلاة على رسوله .
الثامنة والعشرون: أنها سبب لوفور نور العبد على الصراط، وفيه حديث ذكره أبو موسى وغيره.
التاسعة والعشرون: أنه يخرج بها العبد عن الجفاء.
الثلاثون: أنها سبب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض؛ لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.
الحادية والثلاثون: أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه؛ لأن المصلي داعٍ ربَّه أن يبارك عليه، وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه.
الثانية والثلاثون: أنها سبب لنيل رحمة الله له؛ لأن الرحمة إما بمعنى الصلاة -كما قاله طائفة- وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلابد للمصلي عليه من رحمة تناله.
الثالثة والثلاثون: أنها سبب لدوام محبته للرسول وزيادتها وتضاعفها. وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به؛ لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه؛ تضاعف حبه له، وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضاره وإحضار محاسنه بقلبه؛ نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين العبد المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه، فإذا قوي هذا في قلبه؛ جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحسُّ شاهد بذلك، حتى قال بعض الشعراء في ذلك:

عَجِبتُ لمن يَقُولُ ذَكَرتُ حِبِّي


وَهَلْ أنْسى فَأذْكُرُ مَنْ نَسِيتُ


فتعجَّب هذا المحب ممن يقول: ذكرت محبوبي؛ لأن الذكر يكون بعد النسيان، ولو كمل حب هذا؛ لما نسي محبوبه.
وقال آخر:
أريد لأنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأنَّما



تَمَثُّل لي لَيلى بكُلِّ سَبيلِ



فهذا أخبر عن نفسه أن محبَّتهُ لها مانعٌ له من نسيانها.
وقال آخر:
يُرادُ من القَلب نِسْيانُكُم



وَتأْبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ



فأخبر أن حبهم وذكرهم قد صار طبعًا له، فمن أراد منه خلاف ذلك؛ أبت عليه طباعه أن تنتقلَ عنه، والمثل المشهور: (من أحبَّ شيئًا؛ أكثر من ذكره)، وفي هذا الجناب الأشرف أحقُ ما أنشد:
لو شُق عن قَلبي ففي وَسطهِ


ذِكْرُكَ والتَّوحيدُ في شطره

فهذا قلب المؤمن: توحيدُ الله وذكرُ رسوله مكتوبان فيه لا يتطرق إليهما محوٌ ولا إزالةٌ. ولما كانت كثرةُ ذكر الشيء موجبةً لدوام محبته، ونسيانُه سببًا لزوال محبته أو ضعفها، وكان الله سبحانه هو المستحقَّ من عباده نهاية الحب مع نهاية التعظيم، بل الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو أن يُشرَكَ به في الحب والتعظيم، فيحب غيره ويعظمُ من المخلوقات (غيره) كما يُحب الله تعالى ويعظمه. قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ{ [البقرة: 165]، فأخبر سبحانه أن المشرك يحب النِّدَّ كما يحب الله تعالى، وأن المؤمن أشدُ حبًا لله من كل شيء. وقال أهل النار في النار: }تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{ [الشعراء: 97، 98]، ومن المعلوم أنهم سووهم به سبحانه في الحب والتأله والعبادة، وإلا فلم يقل أحد قط: إنَّ الصنم أو غيره من الأنداد مساوٍ لرب العالمين سبحانه وتعالى في صفاته، وفي أفعاله، وفي خلق السماوات والأرض، وفي خلق عابده أيضًا. وإنما كانت التسوية في المحبة والعبادة.
وأضل من هؤلاء وأسوأ حالاً مَنْ سَوَّى كل شيء بالله سبحانه وتعالى في الوجود وجعله وجودَ كل موجودٍ كامل أو ناقص، فإذا كان الله حكم بالضَّلال والشقاء لمن سوى بينه وبين الأصنام في الحب – مع اعتقادهم تفاوت ما بين الله وبين خلقه في الذات والأوصاف والأفعال – فكيف بمن سوَّى الله بالموجودات في جميع ذلك، وزعم أنه ما عبد غير الله في كلِّ معبود ([3]).
والمقصود: أن دوام الذكر لما كان سببًا لدوام المحبة، وكان الله سبحانه أحقَّ بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال؛ كان كثرةُ ذكره من أنفع ما للعبد، وكان عدوُّه حقًا هو الصَّاد له عن ذكر ربه عز وجل وعبوديته؛ ولهذا أمر الله سبحانه بكثرة ذكره في القرآن وجعله سببًا للفلاح، فقال تعالى: }وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [الجمعة: 10]، وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا{ [الأحزاب: 41]، وقال تعالى: }وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ{ [الأحزاب: 35]، وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ{ [المنافقون: 9]، وقال: }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ{[البقرة: 152]، وقال النبي : «سبق المفردون، قالوا: يا رسول الله! وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا»([4]).
وعند الترمذي: عن أبي الدرداء ، عن النبي أنه قال:
«ألا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذَّهب والورق، وخيرٍ لكم من أن تَلقوا عدوَّكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله»([5]).
وهو في «الموطأ» موقوف على أبي الدرداء t.
قال معاذ بن جبل:
«ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله»([6]).
وذكر رسوله r تبع لذكره.
والمقصود: أن دوام الذكر سبب لدوام المحبة، فالذكر للقلب كالماء للزرع، بل كالماء للسمك لا حياة له إلا به ([7]).
وهو أنواع: ذكره بأسمائه وصفاته، والثناء عليه بها.
الثاني: تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده، وهو الغالب من استعمال لفظ الذكر عند المتأخرين.
الثالث: ذِكْرهُ بأحكامه وأوامره ونواهيه، وهو ذِكْر العَالم، بل الأنواع الثلاثة هي ذكرهم لربهم.
ومن أفضل ذكره؛ ذكره بكلامه، قال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{ [طه: 124]، فذكره هنا: كلامه الذي أنزله على رسوله، وقال تعالى: }الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28]، ومن ذكره سبحانه: دعاؤه واستغفاره والتضرع إليه، فهذه خمسة أنواع من الذِّكر.
الفائدة الرابعة والثلاثون: أن الصلاة عليه r (سبب لمحبته للعبد)([8])، فإنها إذا كانت سببًا لزيادة محبة المصلَّى عليه له، فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلي عليه.
الخامسة والثلاثون: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كلما أكثر الصلاة عليه وذكره؛ استولت محبتُه على قلبه، حتى لا يبقي في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شك في شيء مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوبًا مسطورًا في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقُب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاحَ وأنواعَ العلوم منه، وكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة؛ ازدادت صلاتُه عليه r.
ولهذا؛ كانت صلاة أهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين له عليه خلافَ صلاة العوام عليه الذين حظهم منها إزعاجُ أعضائهم لها ورفع أصواتهم، وأما أتباعه العارفون بسنته، العالمون بما جاء به؛ فصلاتُهم عليه نوعٌ آخر، فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله.
وهكذا؛ ذكر الله سبحانه كلما كان العبدُ به أعرفَ وله أطوع، وإليه أحب، كان ذكرهُ غير ذكر الغافلين واللاهين، وهذا أمرٌ إنما يعلم بالخُبر لا بالخَبر، وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الذي قد ملك حبُّه جميعَ قلبه، ويثني عليه [بها] ويُمجِّده بها، وبين من يذكرها إما إثارة وإما لفظًا، لا يدري ما معناه لا يُطابقُ فيه قلبُه لسانَه، كما أنه فرق بين بكاء النائحة وبكاء الثكلى، فذكرُه وذكرُ ما جاء به وحمد الله تعالى على إنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياةٌ الوجود وروحُه، كما قيل:

رُوحُ المجالِس ذِكْرُهُ وحديثُهُ


وهُدَىّ لِكُلِّ مُلدَّدٍ حَيْرَانِ


وإذا أُخِل بذكره في مجلس


فأُولئكَ الأمواتُ في الحيان


السادسة والثلاثون: أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه وذكره عنده، كما تقدم قوله :
«إن صلاتكم معروضة علي».
وقوله: «إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام».
وكفى بالعبد نبلاً أن يذكر اسمه (بالخير) بين يدي رسول الله ، وقد قيل في هذا المعنى:
ومن خّطّرَتْ منه ببالك خَطْرَةٌ


حقيقٌ بأن يَسْمو وأنْ يتقدّما


وقال الآخر:
أهلاً بما لم أّكنْ أهْلاً لِموقِعِهِ



قَوْلَ المُبشر بَعْدَ اليأسِ بالفّرّجِ


لَكَ البَشارَةُ فاخْلَعْ ما عَلَيْكَ فَقَدْ


ذَكرتَ ثّمَّ على ما فيكَ مِنْ عِوَجِ


السابعة والثلاثون: أنها سبب لتثبيت القدم على الصِّراط، والجواز عليه، لحديث عبد الرحمن بن سَمُرَة الذي رواه عنه سعيد بن المسيب في رؤيا النبي ، وفيه.
«ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحيانًا ويتعلق أحيانًا، فجاءته صلاتُه عليَّ، فأقامته على قدميه وأنقذته»([9]).
رواه أبو موسى المديني وبنى عليه كتاب في «الترغيب والترهيب» (وقال: هذا حديث حسن جدًا).
الثامنة والثلاثون: أن الصلاة عليه أداءٌ لأقلِّ القليل من حقّه، وشكر له على نعمته التي أنعم الله تعالى بما علينا، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علمًا ولا قدرةً ولا إرادةً، ولكن الله سبحانه – لكرمه – رضي من عباده باليسير من شكره، وأداء حقه.
التاسعة والثلاثون: أنها متضمنة لذكر الله وشُكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله، فالمصلي عليه قد تضمَّنت صلاتُه عليه ذكر الله تعالى، وذكرَ رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهلُه، كما عرفنا ربنا (تعالى) أسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرفنا مالنا بعد الوصول إليه، والقدوم عليه، فهي متضمنة لكل الإيمان، بل هي متضمنة للإقرار بوجود الرَّبِّ المدعو (تعالى)، وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلامه، وإرسال رسوله، وتصديقه في أخباره كلها، وكمال محبته، ولا ريب أن هذه هي أصول الإيمان، فالصلاة عليه متضمنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه (به)، ومحبته له، فكانت من أفضل الأعمال.
الأربعون: أن الصلاة عليه من العبد هي دعاء، ودعاء العبد وسؤاله من ربه (تعالى) نوعان:
أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.
والثاني: سؤاله أن يُثنَي على خليله وحبيبه ، ويزيد في تشريفه وتكريمه وإيثاره ذكرِه، ورفعه. ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله يحبه ، فالمصلي عليه قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محاب الله تعالى ورسوله، وآثر ذلك على طلبه حوائجه ومحابه هو، بل [كان] هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عنده، فقد آثر ما يحبه الله تعالى ورسوله على ما يُحبُّه هو، فقد آثر الله ومحابّه على ما سواه، والجزاء من جنس العمل، فمن آثر الله على غيره؛ آثره الله على غيره، واعتبر هذا بما تجد النَّاس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا أرادوا التقرب إليهم والمنزلة عندهم، فإنهم يسألون المطاعَ أن يُنعِمَ على من يعلمونه أحب رعيته إليه، وكلما سألوه أن يزيد في حبائه وإكرامه وتشريفه؛ علت منزلتُهم عنده، وازداد قربُهم منه، وحظوتهم لديه؛ لأنهم يعلمون منه إرادةَ الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه، فأحبُّهم إليه أشدُّهم له سؤالاً ورغبة أن يُتمَّ عليه إنعامَه وإحسانَه؛ هذا أمر مشاهد بالحسِّ، ولا تكون منزلة هؤلاء ومنزلة [من يسأل] المطاع حوائجه هو، وهو فارغ من سؤاله تشريف محبوبه والإنعام عليه واحدةً، فكيف بأعظم مُحبِّ وأجله لأكرم محبوب وأحقه بمحبة ربه له؟ ولو لم يكن من فوائد الصلاة عليه إلا هذا المطلوب وحده؛ لكفى المؤمن به شرفًا.
وهنا نكتة حسنة لمن علَّم أمته دينه وما جاء به، ودعاهم إليه، وحضَّهم عليه، وصبر على ذلك، وهي أن النبي له من الأجر الزائد على أجر عمله مثل أجور من اتبعه، فالداعي إلى سنته ودينه ، والمعلم الخير للأمة إذا قصد توفيرَ هذا الحظ على رسول الله r، وصرفه إليه، وكان مقصودهُ بدعاء الخلق إلى الله التَّقربَ إليه بإرشاد عباده، وتوفير أجور المطيعين له على رسول الله مع توفيتهم أجورهم كاملةً؛ كان له من الأجر في دعوته وتعليمه بحسب هذه النية، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.



([1])وهذا سبب من أسباب الخروج من الظلمات إلى النور، قال المصنف في (الوابل الصيب) (100): «إن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر، ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح، وفاز كل الفوز قال سبحانه وتعالى: }هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ{ [الأحزاب: 43]، فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى، ومن ملائكته إنما هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور، وإذا حصلت لهم الصلاة من الله تبارك وتعالى وملائكته وأخرجوهم من الظلمات إلى النور، فأي خير لم يحصل لهم؟! وأي شر لم يندفع عنه؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيرة وفضله! وبالله التوفيق.
قلت: والإخراج من الظلمات إلى النور من الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه r، كما ظهر لك، وهو مما فات ابن القيم ذكره هنا، وسبحان من لا ينسى، ولي رسالة مفردة بعنوان: «فتح من العزيز الغفور في بيان الأسباب الموجبة للخروج من الظلمات إلى النور» يسر الله تتميمها ونشرها.

([2])انظره في (القول البديع، ص129)، وعزاه للنميري في (الإعلام بفضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام). قلت: أخرجه ابن أبي الدنيا في (حسن الظن بالله، رقم 80) – ومن طريقه السبكي في (طبقات الشافعية) (1/197-198) – وإسناده واهٍ بمرَّةٍ، فيه عبد الله بن واقد الحراني، متروك الحديث، وخفي على محقق (حسن الظن)، وقال السخاوي عنه: (سنده هالك).

([3])القائلون بذلك: هم أهل وحدة الوجود، مثل ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، وعبد الكريم الجيلي، ومن اتبع طريقهم كما بين الشيخ ابن القيم رحمه الله في غير هذا الموضع.

([4])أخرجه مسلم (4/ رقم 2676) عن أبي هريرة t.

([5])أخرجه الترمذي (3377)، وابن ماجه (3790)، وأحمد (5/195) و (6/4476)، والحاكم (1/496)، والطبراني في «الدعاء» (1872)، والبيهقي في «الدعوات الكبير» (2)، والبغوي (1244)، وإسناده صحيح.

([6])هو قطعة من حديث الترمذي السابق. قال ابن حجر في «نتائج الأفكار» (1/95): «هذا من حديث مختلفٍ في رفعه ووقفه، وفي إرساله ووصله».
قلت: أخرجه مرفوعًا: ابن أبي شيبة (10/300)، والطبراني (10/ رقم 352)، وفي «الصغير» (1/77)، وإسناده ضعيف، على ما فصَّله ابن حجر في «نتائج الأفكار» (10/97-98)، وأفاد أنه عند الفريابي في «الذكر» موقوفًا.

([7])قد أوضح المصنف رحمه الله من فوائد الذكر وثمراته ما لم يسبق إليه، في كتابه «الوابل الصيب من الكلم الطيب»، فارجع إليه فإنه نافع جدًا، وهو مطبوع، والحمد لله.

([8])في الأصل بدلاً منها: «كما كانت سببًا لزيادة محبة المصلي عليه له، فكذلك سبب لمحبته المصلي».

([9])قال المصنف في «الروح» (ص115)، و «الوابل الصيِّب» (144): «سمعت شيخ الإسلام يعظِّم أمر هذا الحديث. وقال: أصول أهل السنة تشهد له، وهو من أحسن الأحاديث». وقال القرطبي في «التذكرة» (ص293): «هذا حديث عظيم، ذكر فيه أعمالاً خاصة، تنجِّي من أهوال خاصة».


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة