فضاءات البيوض

البيوض

فضاء الأخبار والمستجدات

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ayhar
مسجــل منــــذ: 2011-03-11
مجموع النقط: 25.4
إعلانات


أهم أحداث 2011 بالجزائر


الحركات الاحتجاجية في الجزائر (كانون الثاني/يناير 2011)
تحاول هذه الورقة تقديم تشريح سوسيولوجي للحركات الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر في كانون الثاني/ يناير 2011، والتي تميزت ببعض الخصوصيات، مع أنها أعادت إنتاج كثير مما عُرفت به الحركات الاجتماعية الاحتجاجية في البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فقد كررت هذه الحركات نفسها، ولا سيما في استمرار ضعف أشكالها التنظيمية وغياب الفئات الوسطى والمتعلمين عنها. كما ان دور شباب الأحياء الشعبية في الحركات الاحتجاجية الأخيرة تجدد كفاعل رئيسي فيها ومبادر إليها، مثلما تجدد لجوء المحتجين إلى أشكال عنف تعبيرية لم تتجاوز المرحلة الرمزية، على الرغم مما تتسم به الثقافة السياسية الشعبية في الجزائر -تقليديا- من "راديكالية" ليست مرادفة للعنف دائما.
  • مقدمة
  • محاولات احتواء
  • أحداث يناير 2011
  • غياب الشعارات
  • نقاط تشابه
مقدمة
تشِّـف الحركات الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر في كانون الثاني/ يناير 2011، عن الملامح التفصيلية للحالة الجزائرية بمختلف تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فهي تحيل ذلك إلى الركود الذي يميز أداء المؤسسات السياسية الرسمية والمعارضة، كما تؤشر على الضيق في الساحتين الإعلامية والسياسية، والتخبط في الأداء الاقتصادي، في وقت تحسنت فيه الحالة المالية للبلاد من دون أن يلجم ذلك اتساعَ آثار التهميش التي تمس، على وجه الخصوص، فئة الشباب ذات الحضور الديموغرافي الكبير. ويزيد الفساد المستشري قتامة الصورة، وهو الذي وصل إلى المؤسسات ذات المكانة الرمزية كشركة المحروقات الحكومية "سوناطراك".
"مثّلت أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988 التي انطلقت من الجزائر العاصمة، لتتسع إلى المدن الأخرى في مختلف مناطق البلاد، علامة فارزة في قوة تأثير هذا النوع من الحركات الاحتجاجية، بسبب طبيعة النتائج السياسية المهمة التي ترتبت عليها، كالإعلان بعدها مباشرة، عن دخول البلاد مرحلة التعددية السياسية وإصدار دستور جديد "
بيد أن فهم الخصائص التي اتسمت بها الحركات الاحتجاجية في الجزائر لا يتأتى من دون العودة إلى المستويات الثقافية والفكرية المرتبطة بمكانة النخب الثقافية والسياسية الجزائرية وأدوراها، والمتسم أداؤُها تاريخيا بالشلل وعدم الفاعلية في كثير من الأحيان، نتيجة ارتباطها بالمنطق الانقسامي(1) الذي تكونت على أساسه، في مجتمع عانى طويلا ظاهرة استعمارية استيطانية.
شهدت الجزائر منذ 1980 كثيراً من الحركات الاجتماعية الشعبية(2)، فقد عرفت مدن جزائرية عدة (وهران في 1982 والجزائر العاصمة في 1985، وسطيف في 1986، وغيرها) حركات احتجاجية شكّلت سلسلة من الحراك الاجتماعي الذي تحول إلى سمة مميزة للمجتمع الجزائري.
وضمن هذا السياق مثّلت أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988(3) التي انطلقت من الجزائر العاصمة، لتتسع إلى المدن الأخرى في مختلف مناطق البلاد، علامة فارزة في قوة تأثير هذا النوع من الحركات الاحتجاجية، بسبب طبيعة النتائج السياسية المهمة التي ترتبت عليها، كالإعلان بعدها مباشرة، وكنتيجة لها، عن دخول البلاد مرحلة التعددية السياسية وإصدار دستور جديد اعترف بحق تأليف الأحزاب وحق الإضراب وتكوين النقابات، وحق إصدار الصحف... إلخ. هذا الدستور الجديد مهد لإجراء أول انتخابات بلدية وتشريعية تعددية في تاريخ الجزائر(1990/1991)، والتي أُلغيت نتائجها مباشرة بعد إعلان فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ (4)، وهو ما شكّل الشرارة التي أدخلت البلاد في مرحلة عنف وعدم استقرار لم تتعاف منها بشكل نهائي حتى اليوم.
محاولات احتواء
لم يوقف إقرار التعددية السياسية والإعلامية الحركات الاحتجاجية، ولكنها أصبحت عرضة لاحتواء من التيارات الدينية السياسية الراديكالية التي حمَّلتها أبعاداً لم تكن لها في السابق(5). وعلى الرغم من تأثر هذه الحركات بمناخ الأزمة الأمنية والسياسية التي عاشتها الجزائر لأكثر من عقد من الزمن (1992-2002)، إلا أنها استمرت في الحضور كممارسة جماعية مطلبية، حتى ولو قل عددها في فترات معينة، مقابل توسع جغرافيتها لتشمل أرجاء البلاد كلها، وتمس مناطق كانت توصف بالهادئة تقليديا، كمنطقة أقصى الجنوب (أدرار(6)، وغرداية(7)) والهضاب العليا وكثير من المدن الصغرى والمتوسطة وحتى بعض القرى النائية. واصطبغت هذه الحركات الاحتجاجية، مع وصولها إلى هذه المناطق شبه الريفية، بمنطق الانتماءات "التحت وطنية" (sub-national)، في وقت تدهور فيه أداء الدولة الوطنية ومؤسساتها. فقد ظهر مع هذه الحركات منطق القبيلة والعرش حتى وهي تطرح مطالب عصرية مرتبطة بضعف أداء بعض المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعدداً من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، بما فيها علاقات المواطن بمؤسسات الدولة المختلفة (بلديات، ولايات، أجهزة أمنية).
في المقابل، شهدت منطقة القبائل (التي يتركز فيها المواطنون الجزائريون الذين يتحدثون "القبائلية"، وهي إحدى لهجات الأمازيغية) سلسلة من الحركات الاحتجاجية، مثلت بعض محطاتها نقلة نوعية مهمة في قوة تجنيدها ومستوى تأطيرها السياسي والجمعي، فشهدت المنطقة أحداث نيسان/ ابريل 1980 (8) وإضراب المحفظة في الموسم الدراسي 1994/1995(9)، وما سمي بـ "أحداث تيزي وزو" 2001/2002 (10) التي اتسمت بدرجة عنف لم تكن معهودة لدى الحركة الاحتجاجية الأمازيغية في السابق، والتي اشتهرت بدرجة عالية من التأطير الحزبي والجمعي، وبالطابع السلمي أيضاً، بعد أن فقدت تأطيرها الحزبي مع الجيل الجديد من المناضلين الذي فضل التعبير من خلال ما سمي بحركة "العروش" أو "حركة المواطنة"(11).
وعلى الرغم من بعض الميزات المتفردة، مقارنة بحركات احتجاجية عدة شهدتها الجزائر في السابق، كالانطلاق من المدن الكبرى (والعاصمة تحديدا بأحيائها الشعبية التاريخية كحي باب الواد (12)) وطابع التعبئة الكبير الذي عرفته، وحتى موجة العنف التي اتسمت بها، إلا أن ما شهدته مدن الجزائر خلال بداية كانون الثاني/ يناير 2011، من حركات احتجاجية؛ لم يأت بالجديد مرة أخرى على مستوى هذا النوع من الحراك الاجتماعي الذي عرفت به الجزائر. فقد استمرت ظاهرة ضعف التنظيم والتأطير الحزبي والجمعي التي ميزت الحركة الاجتماعية الشعبية، خلال أكثر من عقدين. كما استمرت حالة التوجس والحذر في تعامل الفئات الوسطى والنخب السياسية ـ بما فيها المعارضة ـ مع هذه الحركات التي تثار حولها كثير من الشكوك، جراء قابليتها الكبيرة للاحتواء والاختراق، أكان ذلك حقيقة فعلية أو مجرد تصورات(13).
وبرز كذلك استمرار التعامل الرسمي بالنهج نفسه مع هذه الأحداث. فقد تعود الخطاب الرسمي التركيز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المثارة على السطح أو المحفزة مباشرة لهذه الأحداث، مثل ارتفاع أسعار السكر والزيت في حالة أحداث كانون الثاني/يناير 2011، وهي مقاربة يساعد في تبنيها الطابع الريعي التقليدي للدولة التي تستطيع "شراء" نوع من الأمن الاجتماعي، بفضل السيولة المالية التي تتوفر لديها، رافضة الخوض في الأبعاد السياسية والعميقة التي تحيل إليها هذه الحركات. كما يَبرُز الخطاب الرسمي الإعلامي والسياسي الذي يركز على خصوصيات الفاعل الرئيس في داخل هذه الحركات الاحتجاجية ـ الشبان وحتى المراهقون والأطفال ـ ويرفع عنه صفة تمثيل المجتمع، ملصقا به القابلية للتضليل والاستخدام، والقصور عن التمييز. لكن الجديد هذه المرة كان تزامن هذه الحركة الاحتجاجية مع الثورة في تونس التي نجحت في تنحية زين العابدين بن علي من على رأس السلطة، بعد حوالى ربع قرن من الحكم القمعي.
أحداث يناير 2011
"اتخذت أحداث كانون الثاني/يناير 2011 النمط نفسه لحركات احتجاجية سابقة"
ويقتضي تركيز تحليلنا على الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في كانون الثاني/يناير 2011، والتي تزامنت مع ما يجرى في تونس من أحداث، وكانت الأقرب إلى النموذج اللينيني للتغيير، أن نعقد مقارنة بين أحداث تونس والجزائر، على الأقل في ما يتعلق ببعض النقاط المفصلية المهمة، وللإجابة عن تساؤل مهم هو: لماذا نجحت ثورة تونس، على الرغم من الهدوء الذي ميز هذا البلد تقليديا، وتعثرت احتجاجات الجزائر الكثيرة، ولم تصل إلى تحقيق أهداف ذات شأن على المستوى السياسي، وحتى الاقتصادي الكلي والنوعي؟ علما أن تاريخ الشعبين والبلدين يخبرنا بأن ما يحصل في تونس يجد صداه بسرعة في الجزائر، وبشكل يكون، في العادة، أكثر راديكالية واتساعا، نتيجة لخصوصيات الثقافة السياسية الشعبية في الجزائر (14).
انطلقت الحركة الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر في الأسبوع الأول من كانون الثاني/ يناير 2011، مباشرة بعد عطلة نهاية الأسبوع (الاثنين 3 كانون الثاني/يناير 2011) ودخول السنة الجديدة التي شهدت بداية سريان زيادة الأسعار لمجموعة من المواد الغذائية، كان على رأسها السكر والزيت، وهما سلعتان واسعتا الاستهلاك في الجزائر. وانتشرت شائعات(15) في العاصمة وكثير من مناطق البلاد الأخرى عن أمر ما سيحدث، وأن الشبان سيخرجون للاصطدام بالشرطة والقيام بتظاهرات ضد رفع الأسعار وغلاء المعيشة. و سرعان ما وقعت الأحداث في أكثر من منطقة من التراب الوطني(16)، ابتداء من مساء الاثنين في 3/1/2011 في مدينة وهران بالغرب الجزائري، لتنتشر بدءا من الثلاثاء في 4/1/2011 في بعض مدن ولاية تيبازا بالوسط، على حدود ولاية العاصمة الغربية، كمدينة بواسماعيل وفوكة(17).
ويمثل انتشار هذه الاحتجاجات في الجزائر العاصمة منذ الأربعاء في 5/1/2011 النقلة النوعية لهذه الموجة الاحتجاجية، خاصة عندما مست الأحياء الشعبية التي ارتبطت بمثل هذه الاحتجاجات في السابق، كأحياء باب الواد وبلكور وباش جراح.
لم تقتصر الاحتجاجات على منطقتي الغرب والوسط، فسرعان ما وجدت لها صدى في منطقة القبائل(18) متجهة شرقا، نحو مدن عنابة وسكيكدة والطارف وسوق اهراس بأقصى الشرق الجزائري على الحدود التونسية. كما امتدت حتى الجنوب في مدينة ورقلة والجلفة والأغواط، لتعاود الانتشار بشكل أوسع في الغرب الجزائري شاملة مدنا أخرى لم تمسها الموجة الأولى عند انطلاقها، كتلمسان ومعسكر وسيدي بلعباس التي تميزت فيها الأحداث بمشادّات واسعة بين الشبان والأجهزة الأمنية.
ويجسد يوم الجمعة الواقع فيه 7/1/2011 أهم أيام هذه الحركة، إذ تخوفت السلطات من خروج جموع المصلين من المساجد، في تظاهرات تغطي أحياء العاصمة الشعبية تحديدا (19). غير أن هذا اليوم مر بهدوء، عكس المتوقع، ولم تكن التعزيزات الأمنية وتحفز قوى الأمن هي السبب الوحيد في ذلك. وقد يكون التشرذم الذي آل إليه التيار الإسلامي الراديكالي الذي قاد المواجهات المسلحة ضد الدولة لمدة طويلة، السبب الرئيس في هذا الهدوء. كما أن انفصام علاقة المواطن الجزائري بهذا التيار ربما يكون عاملا حاسما بدوره في تفسير هذا الهدوء الذي يعني أن التحالف المتوقع بين الحركة الاحتجاجية والتيار الإسلامي الراديكالي، كما حصل في تشرين الأول/أكتوبر 1988، لم يعرف طريقه إلى التجسيد هذه المرة. وهذا يدفعنا إلى التساؤل: هل إن ما شهدته الجزائر في كانون الثاني/يناير 2011 هو بداية ما بعد الإسلام السياسي؟ (20)
اتخذت أحداث كانون الثاني/يناير 2011 النمط نفسه لحركات احتجاجية سابقة: شبان تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة يشكلون مجموعات صغيرة في أحيائهم، ثم يخرجون إلى الطريق العام لإقامة حواجز ومتاريس تستعمل فيها الإطارات المطاطية المشتعلة، ثم تنشب المواجهات بعد ذلك مع مختلف الأجهزة الأمنية (شرطة ودرك)، كما يقوم المحتجون الشبان بتحطيم المحلات التجارية والمؤسسات الرسمية القريبة من تجمعاتهم ويحاولون اقتحامها. حصل هذا مع عدد من مراكز محافظات الشرطة والمدارس ومكاتب البريد، بالإضافة إلى محلات وكلاء السيارات الجديدة والأجهزة الالكترونية والساعات والهواتف المحمولة المملوكة للخواص في مجملها.
وما ميز الأحداث في مدينة الجزائر العاصمة هذه المرة، من دون سواها من المدن، أن المواجهات كانت تنطلق ليلا في العادة، ليتفادى المتظاهرون كاميرات المراقبة المنتشرة في الشوارع والتي أضحت من الأهداف الأولى لهذه الحركات الاحتجاجية.
غياب الشعارات
وتميزت الحركات الاحتجاجية، أيضا، بافتقارها إلى شعارات محددة ذات طابع سياسي أو اجتماعي(21)، وهو ما تلقفه الخطاب
"يحيل ضعف تنظيم هذه الاحتجاجات إلى أزمة الساحة السياسية الجزائرية، ما يجعل هذه الحركات تبدو في مظهر الحركات الخام"
الإعلامي الرسمي محاولا أن ينفي عنها أي توجه سياسي، ويحصرها في احتجاج ضد رفع أسعار بعض المواد الغذائية. وهذا الموقف تبنته السلطات العامة التي رفضت أن تزّج الشرطة في مواجهات مع الشبان المحتجين حتى وهم يقطعون الطرق العامة، ليقتصر تدخلها على احتلال مواقع دفاعية، عندما يتعلق الأمر بمحاولة اقتحام مراكز الشرطة والمؤسسات الرسمية الأخرى. وهذا الموقف قلص كثيراً الخسائر البشرية بين الشبان المتظاهرين(22).
وصدر أول موقف رسمي عن السلطات الرسمية على لسان وزير التجارة (ممثل حركة مجتمع السلم ـ التنظيم السياسي للإخوان المسلمين في الجزائر)، تلاه تصريح وزير الشباب والرياضة (ممثل جبهة التحرير الوطني) الذي دعم الرؤية الرسمية التي تصور الاحتجاجات على أنها مجرد احتجاج على غلاء أسعار المواد الغذائية، يعبر عنه شبان عاطلون عن العمل، وبلا تأهيل وتنقصهم وسائل الترفيه، ويعانون مشاكل اجتماعية مرتبطة بانتمائهم إلى فئة عمرية محددة. ولم يتدخل وزير الداخلية -المعني الأول بضبط الأمن- إلا في اليوم السابع للاحتجاجات (الأحد 9 كانون الثاني/يناير)(23) بعد تسجيل أول الضحايا في صفوف المتظاهرين، ليصف الحركة الاحتجاجية بأنها عمل إجرامي من تدبير مجموعات إجرامية، حتى لو كان في صفوفها شبان يعانون مشاكل اجتماعية كالبطالة وغلاء المعيشة. وفي ماعدا هؤلاء المسؤولين الثلاثة، لم يتدخل الوزير الأول على سبيل المثال(24) ولا رئيس الجمهورية الذي عوّد الجزائريين على فترات غياب طويلة، بما في ذلك عدم الظهور في وسائل الإعلام الرسمية، وعدم التدخل مهما كانت جسامة الحدث. وعدم تدخل رئيس الجمهورية ووزيره الأول، يمكن تفسيره بحسابات سياسية دقيقة، جعلت هذين المسؤولين يتخوفان من أي عواقب معاكسة لتدخلهما، الأمر الذي ربما يضر بشعبيتهما (25) وبمشاريعهما السياسية المستقبلية.
عند هذه المرحلة من التحليل لابد من طرح قضية علاقة هذه الاحتجاجات باللحظة السياسية الراهنة في الجزائر، خاصة أن سنة 2011 كان يمكن أن تكون هادئة، باعتبارها سنة من دون رهانات انتخابية على الأقل، مقارنة بسنة 2009 التي شهدت انتخابات رئاسية، أو 2012 التي ستشهد تنظيم انتخابات المجالس المحلية والبرلمان. لكن نهاية العام 2010 شهدت حراكا سياسيا كان من أبرز مظاهره الصراع داخل حزب جبهة التحرير الوطني (الأكثر تمثيلا في البرلمان) بعد محاولة انشقاق قادها وزيران من الحزب ضد الأمين العام لجبهة التحرير، عبد العزيز بلخادم، وزير الدولة الجزائري، والممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. كما عرفت الفترة نفسها شائعات عن إمكان ترشح شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة (26)، المستشار في الرئاسة، لمنصب رئاسة الجمهورية، في حال عدم تمكن أخيه عبد العزيز من إنهاء ولايته الحالية التي تمتد حتى 2014، بسبب المرض. إن إمكانية الترشح هذه ربطتها الشائعات بأزمة جبهة التحرير الوطني، فيما ربطت شائعات أخرى هذا الصراع السياسي بالحركة الاحتجاجية، ما يدعم احتمال أن تكون مراكز القرار الرافضة لهذا الترشح ـ كشكل من أشكال التوريث السياسي ـ هي من يقف وراء تحريكها.
قرّبت هذه الأطروحات احتجاجات كانون الثاني/يناير 2011 إلى الاحتجاجات السابقة في تشرين الأول/أكتوبر 1988، من حيث الاشتراك في شبهة التحريك والاستخدام السياسي، والعديد من المؤشرات الأخرى، كانطلاق الحركة من الجزائر العاصمة، والحضور القوي للشبان فيها، والمناخ السياسي الوطني المكهرب الذي وقعت في خضمه.
نقاط تشابه
ثمة نقاط تشابه بين الحركتين تجعلنا نقترح، كخلاصة لهذا التحليل الذي تناول آخر حركة احتجاجية عرفتها الجزائر، بعضا من الاستنتاجات العامة في شأن ما يميز الاحتجاج على الطريقة الجزائرية. فاعتمادا على مراقبتنا المباشرة للحركة الاحتجاجية التي عاشتها الجزائر في بداية كانون الثاني/يناير 2011 وبناء على دراسات سابقة (27) عن هذا النوع من الحراك الاجتماعي الذي ميز ولا يزال يميز المجتمع الجزائري، يمكن إجمال أهم ما اتسمت به هذه الحركات الاحتجاجية بما يلي:
  • ضعف تنظيمها وغياب أي جهد للأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات في تأطيرها، حتى بعد انطلاق الاحتجاجات، وهذا معاكس لما حصل في تونس على سبيل المقارنة، إذ كان للقوى الاجتماعية المنظمة وبعض الأحزاب شأن فاعل. إن ضعف تنظيم هذه الحركات يجعلها تنطوي على القابلية لأن توجهها، من خارجها، قوى سياسية منظمة أو شبه منظمة وخفية، كما حدث عندما امتطت تيارات إسلامية راديكالية أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 1988. كما يحيل ضعف تنظيم هذه الاحتجاجات إلى أزمة الساحة السياسية الجزائرية، ما يجعل هذه الحركات تبدو في مظهر الحركات "الخام"(28)، التي تحدث في شارع فارغ سياسيا، كما يفتح الباب أمام افتراض الانتقال إلى حركات ما بعد الإسلام السياسي، وهذا ما تؤكده الحالة التونسية القريبة، جزئيا على الأقل.
  • من حيث المطالب، نلاحظ، كما حصل في آخر احتجاج في كانون الثاني/يناير 2011، أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية هي الشرارة المحركة لمثل هذه الأحداث، من دون أن يعني ذلك أن المحتجين لا يربطون هذه المستويات الاقتصادية والاجتماعية بالمستويات السياسية. كما لاحظنا في مناسبة الأحداث الأخيرة وحتى قبلها، أن الجو السياسي كحدث وليس كاتجاه، يمكن أن يؤثر في الاحتجاج ويزيده حدة. فالأكيد في الوضع الجزائري أن حالات الفساد التي انتشرت السنتين الأخيرتين جراء مشاريع استثمارية كبيرة بادرت إليها الدولة بعد التحسن المالي الذي تحقق (طرق، سدود، مساكن) كان لها أثر كبير في توليد حالة تذمر تعبر عن نفسها من خلال الاحتجاج الدائم الذي يعيشه المجتمع الجزائري. فالاحتجاجات، كما في الحالة التونسية، تعبر عن أزمة في توزيع الثروة الوطنية بين الطبقات والفئات، وحتى بين الجهات المختلفة من القطر.
  • برز دور شبان الأحياء الشعبية (29) في المدن الكبرى والمتوسطة، الذين كانوا الفاعل الرئيس في هذه الحركات الاحتجاجية. كما يمكن أن تجند هذه الاحتجاجات فئات شعبية أوسع عندما تندلع في مدن صغيرة وقرى، وتطرح قضايا اجتماعية تمس فئات واسعة، بطريقة مباشرة كأفراد أو كوسط اجتماعي، مثل مشكلة البطالة أو تجاوزات أجهزة الإدارة والأمن، أو حتى انقطاع الكهرباء والماء لفترة طويلة، مع الأخذ في الاعتبار أن انتقال هذه الحركات إلى مناطق ريفية خارج مدن الشمال، جعلها ترتبط بتقسيمات "تحت وطنية"، كالانتماء إلى "العرش" (تنظيم إجتماعي تقليدي في منطقة المغرب العربي يجمع عائلات لا تربطها بالضرورة علاقة قرابة) نفسه أو القبيلة أو حتى كنوع من الشعور الجهوي (30). ويضاف إلى هذا أن الحركات الاحتجاجية كان يقوم بها في كل مرة جيل جديد من الجزائريين، من دون حدوث أي تراكم في التجربة والخبرة، ما يجعلها تكرر نفسها في كل مرة (31). علما أن هذه الحركة الأخيرة، وعكس ما شهدته الجزائر في تشرين الأول/ أكتوبر 1988 أو أحداث تيزي وزو في 2001/2002، لم تنجح في تجنيد مواطنين من خارج الفئات الشابة التي فجرتها في البداية واستمرت معها وحيدة معزولة.
  • إعادة إنتاج الذات هي الصفة الجامعة لهذه الحركات الاحتجاجية التي كرست قابليتها لتكرار نفسها بالأشكال نفسها تقريبا، وفي سبيل المطالب نفسها التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي والاجتماعي، والانتقال على شكل موجات من منطقة إلى أخرى، من دون أن يكون وراءها تنظيم يساعدها على هذا الانتشار الجغرافي. هذه التكرارية تؤكد حالة التذمر العميقة التي يعيشها المجتمع الجزائري وقواه الشعبية العاجزة حتى الآن عن التعبير عن مشكلاتها من خلال وسائل تعبير عصرية كالأحزاب والجمعيات والنقابات، كما حصل في تونس في مرحلة تالية لانطلاق الأحداث بشكل عفوي. وهو العجز الذي يشير إلى أن عملية الانتقال السياسي في الجزائر قد تكون مكلفة مقارنة بالحالة التونسية.
  • على الرغم من مظاهر العنف التي ترتبط بهذه الحركات الاحتجاجية، إلا أن المتابع الجيد لها، يمكن أن يلاحظ أن العنف ما زال رمزيا، هدفه الأول لفت الانتباه أكثر من النية في الإيذاء. فالعادة في هذه الحركات الاحتجاجية، كما لاحظنا مباشرة في أكثر من حي بالجزائر العاصمة، إبان احتجاجات كانون الثاني/ يناير 2001، أن يتم غلق الطريق العام والاعتداء على بعض المقرات الرسمية العامة وحتى الأملاك الخاصة، من دون الوصول إلى مرحلة الاعتداء على الأشخاص. وكأن المحتجين يريدون أن يعبروا عن مشكلاتهم بهذا الشكل الجماعي الممزوج بعنف قليل للفت انتباه السلطات والرغبة في الحوار معها، بعد أن سدت قنوات الحوار المؤسساتي في وجوههم. إنه عنف رمزي أكده مثال الفقيد محمد بوعزيزي، كما أكدته الحالات العربية الكثيرة التي حاولت تقليده. غير أن لدى العنف الرمزي قابلية التحول إلى عنف أداتي للإيذاء، إذا تواصل ازدراء الحركات الاحتجاجية التي تجند مئات آلاف المواطنين في مواجهات مع قوات الأمن التي لا يمكن ضمان استمرارية التحكم في ردة فعلها، بالشكل الذي كان عليه في أحداث كانون الثاني/يناير 2011، خاصة إذا طال أمد الاحتجاجات وزادت حدة عنف المتظاهرين.
على الرغم من توقف الحركة الاحتجاجية في بداية الأسبوع الثاني من كانون الثاني/ يناير2011، إلا أن تداعياتها ما زالت
"يرفض الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي أي مقارنة بين الأحداث الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر والثورة في تونس، كما يرفض تسييس الحركة الاحتجاجية نفسها"
حاضرة في يوميات الجزائريين الذين لا يملون مقارنة ما حصل عندهم بما حصل عند جيرانهم في تونس، مع اختلاف الأوضاع في البلدين جراء التجانس الكبير الذي يميز المجتمع التونسي، مقارنة بالمجتمع الجزائري الذي يتميز بتجانس اجتماعي وثقافي أقل، الأمر الذي لا يظهر على مستوى المجتمع فحسب، بل على مستوى النخب السياسية والفكرية أيضاً؛ هذه النخب التي يغلب لديها الطرح الإيديولوجي العام وعدم التوافق على مشاريع تغيير ممكنة التحقق، وهو وضع يزيدها ضعفا على ضعفها الأصلي في مواجهة الدولة التي تتمتع بقدرة كبيرة على شراء نوع من "السلم الاجتماعي"، جراء ما تتمتع به من سيولة نقدية وطابع ريعي، في مجتمع عرف حراكا واسعا في فترة قصيرة، وسمح لكثير من الفئات، بما فيها الشعبية، بالاستفادة منه(32). وأخيرا يمكن أن نلاحظ ذلك الدور الذي قامت به الفئات الوسطى ذات الحضور الأقوى في الحالة التونسية، على خلاف الحالة الجزائرية التي عرفت فئاتها الوسطى حالة تفكك، جراء الدخول في منطق اقتصاد السوق في الجزائر مقارنة بالحالة التونسية (33).
يرفض الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي (34) أي مقارنة بين الأحداث الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر والثورة في تونس، كما يرفض تسييس الحركة الاحتجاجية نفسها. لكن هذا لم يمنع الأحزاب المعارضة وتنظيمات المجتمع المدني الجزائرية من القيام بمبادرات (35)، حتى أن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (36)، اقترح تنظيم مسيرة في شوارع العاصمة في 22 كانون الثاني/يناير الماضي رفضته السلطات ومنعتها فعلياً في يوم تنظيمها من خلال حضورها الأمني الكبير (37)، لتكون بذلك أول مسيرة يدعو إليها التجمع بعد ست سنوات من آخر مسيرة شهدتها الجزائر، وكان نظمها الحزب نفسه في حزيران/يونيو 2004، وعرفت بعض أحداث العنف، الأمر الذي جعل السلطات بعدها تواجه بالرفض أي طلب للترخيص بمسيرة في العاصمة. فهل قدر الجزائر أن يفرغ الشارع من السياسة والأداة السياسية، ليستمر مسلسل صراع الأخرس (38) والأصم في هذا البلد الذي تعود دفع الثمن غاليا مع كل تحول ينجزه؟
------
  • (1) خلافا لبعض الدول العربية، بما فيها بلدان المغرب العربي، لم تظهر مؤسسات إنتاج ثقافي فاعلة في الجزائر على شاكلة "الزيتونة" أو"القرويين"، ما جعل النخب الفكرية والثقافية ضعيفة الحضور في المجتمع ومنقسمة على نفسها لغويا وقيميا.
  • (2) عبد الناصر جابي، "الجزائر من الحركة العمالية إلى الحركات الشعبية"، الجزائر: المعهد الوطني للعمل، 2001.
  • (3) ليس هناك كتابات نوعية كثيرة عن أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 1988، لكن يمكن الرجوع إلى بعض شهادات الفاعلين الرسميين التي جاءت في كتاب سيد احمد سميان: Sid Ahmed Semiane (dir.), Octobre, ils parlent, (Alger: éd. Le Matin, 1998) أو الرجوع إلى بعض الدراسات الأكاديمية الفرنسية، مثل: Didier Le Saout et Marguerite Rollinde (dir), Émeutes et mouvements sociaux au Maghreb, (Paris: Karthala-Institut Maghreb-Europe, 1999).
  • (4) فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المجالس الشعبية البلدية في انتخابات 1990، وأكدت قوتها في الدور الأول للانتخابات التشريعية التي فازت بأغلبية المقاعد في كانون الأول/ديسمبر 1991. وهذا الفوز تم في ظرف سياسي تميز بحراك كبير لم تستطع المؤسسات الرسمية والنخب المسيطرة عليها مواكبته والتحكم فيه ما خلق لديها حالة هلع، وأدى إلى إلغاء نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية وحل المجالس الشعبية البلدية لاحقا بعد بداية المواجهات بين الجماعات الإسلامية والدولة. لمزيد من التفصيلات أنظر: عبد الناصر جابي، "الانتخابات الدولة والمجتمع"، (الجزائر: دار القصبة، 1999).
  • (5) على الرغم من مرور أكثر من عشرين عاما على أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 1988 لم يفصل حتى في مدى عفوية الأحداث ومن كان وراءها من قوى سياسية، على الرغم من اتفاق كثير من التحليلات على تأكيد أن مراكز قوى سياسية رسمية كانت وراءها، من دون أن يعني ذلك أن الأحداث مدبرة ومبرمجة سلفا. فقد بدت الحركة في بدايتها الأولى ولأكثر من أربعة أيام كحركة احتجاجية عنيفة نسبيا (بين 500 إلى600 قتيل) من دون شعارات وأهداف سياسية محددة قبل أن يحتويها التيار الإسلامي الراديكالي.
  • (6) انطلقت الحركة الاحتجاجية في أدرار وبعض المدن القريبة منها في أيار/مايو 2004 فأغلق، سكان المدينة الطريق الصحراوي الرابط بين أدرار وغرداية، وحطموا مقر الدائرة ومقرات شركات وطنية عمومية وإدارات أخرى احتجاجا على تأخر السلطات العمومية في العناية بهم بعد الفيضانات الطوفانية التي شهدتها المنطقة في ربيع 2004.
  • (7) في ربيع 2008، اتخذت الحركات الاحتجاجية في غرداية طابعا مذهبيا في بعض مظاهرها بين السكان السُّنة المالكيين وجيرانهم الإباضيين الأمازيغ.
  • (8) عن أحداث نيسان/ابريل 1980 يمكن الرجوع إلى الكتاب التالي الذي يحتوي شهادات الناشطين الأساسيين في أثناء الأحداث بمن فيهم الرسميون. علما بأن الأحداث قد انطلقت بعد منع الروائي والكاتب مولود معمري من إلقاء محاضرة عن الشعر الأمازيغي بجامعة تيزي وزو التي تحمل اسمه الآن، انظر: Arezki Aït-Larbi, Insurges et officiels du pouvoir racontent le printemps berbère, (éditions koukou, 2010)
  • (9) ما سمي إضراب المحفظة كان مقاطعة واسعة للمدرسة من أبناء منطقة القبائل خلال السنة الدراسية 1994/1995 بدعوة من الحركة البربرية
  • (10) Mohamed Brahim Salhi, Algérie, citoyenneté et identité, (Tizi Ouzou : éditions Achab, 2010)
  • (11) المعروف أن منطقة القبائل مشهورة من الناحية السياسية بحضور حزبي جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من اجل الثقافة والديمقراطية ، علاوة على أحزاب وطنية أخرى. كما تتميز المنطقة بحضور جمعي ونقابي قوي، ومع ذلك ظهرت الحركة الاحتجاجية تحت غطاء حركة العروش أو المواطنة المعادية للأحزاب والنخب المتحدثة باسمها، والتي فشلت بحسب وجهة نظر حركة العروش في حل المسألة الأمازيغية بالجزائر منذ ظهورها في سنة 1949.
  • (12) يحتل حي باب الواد بالجزائر العاصمة مكانة رمزية كحي شعبي تنطلق منه الحركات الاحتجاجية.
  • (13) تعيش النخب السياسية والفكرية في الجزائر تحت تأثير الذعر من إمكانات الاختراق والتأثير التي يتمتع بها جهاز المخابرات والأجهزة الأمنية عموما. وهو ما أدى إلى نوع من الشلل لدى هذه الفئات التي تتصور المخبر في كل مكان وتمنحه قدرات أسطورية لا علاقة لها بالواقع في كثير من الأحيان. إنها تصورات خفت حدتها بعد إقرار التعددية لكنها لازالت سائدة عند كثيرين.
  • (14) تأثرت الحالة الجزائرية بالتجربة النقابية التونسية ودور الزعيم النقابي فرحات حشاد على سبيل المثال، وحتى على مستوى الحركة الوطنية والنضال المسلح الذي شارك فيه مناضلون من الشعبين في البلدين.
  • (15) الشائعات نفسها سرت في مناسبة أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988، قبل أيام من انطلاق الأحداث فعليا. وهو تشابه جعل البعض يركز على نظرية المؤامرة والاستعمال الملتصقة بهذا النوع من الحركات الاحتجاجية، كما هو حاصل على المستوى الدولي . انظر على سبيل المثال:
    Erik neveu, Sociologie des mouvements sociaux, (Paris : Editions la découverte, 2002).
  • (16) تحدث وزير الداخلية عن 20 ولاية مستها هذه الحركة الاحتجاجية من مجموع 48 ولاية.
  • (17) سجلت مدينة بواسماعيل بولاية تيبازا ثاني ضحية في هذه الأحداث في 8/1/2001، في حين سجلت أول وفاة برصاص الشرطة في اليوم نفسه بعين لحجل بولاية المسيلة.
  • (18) تعد هذه الحركة الاحتجاجية التي حدثت في كانون الثاني/يناير 2011 التجربة الوحيدة التي بدأت خارج منطقة القبائل وانتشرت إليها بعد ذلك. فأحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988 لم تمس منطقة القبائل كثيرا. كما أن أحداث الربيع الأمازيغي (1980) لم تتمكن من الانتشار خارج منطقة القبائل باستثناء الجزائر العاصمة, وفي داخل الوسط الجامعي. وبالمثل اندلعت أحداث 2001 في منطقة القبائل ولم تنتشر خارجها.
  • (19) ذهب علي بلحاج، القيادي في الجبهة الإسلامية المحظورة، ضحية لهذا التصور، فقد اتصل بالمحتجين من الشبان في حي باب الواد الذي كان يؤم المصلين في مسجده سابقا (مسجد السنة)، لكن الشرطة ألقت القبض عليه ولم يغادر السجن إلا بعد انتهاء الأحداث.
  • (20) لم يكن الإسلام السياسي في تونس المتمثل في حركة النهضة وعدد من التيارات السلفية الأخرى مميزا في حضوره السياسي.
  • (21) على عكس تونس التي عادت فيها أشعار أبي القاسم الشابي بقوة إلى الشارع في مناسبة الانتفاضة الاحتجاجية.
  • (22) اختلاف موقف الأجهزة الأمنية في كلتا الحالتين الجزائرية والتونسية، قد يكون عاملا مهما في تفسير اختلاف حجم الخسائر البشرية، فمقابل المئة قتيل في تونس لم تسجل إلا خمس حالات وفاة في الجزائر.
  • (23) أعلن الوزير في القناة الإذاعية الثالثة الناطقة بالفرنسية، أنه قد تم تسجيل سقوط ضحيتين: الأولى في عين لحجل بولاية المسيل، والثانية في بواسماعيل بولاية تيبازا، علاوة على 300 مصاب بين الشبان المحتجين و320 إصابة في صفوف رجال الأمن.
  • (24) حتى عندما نظمت الحكومة اجتماعا وزاريا مشتركا تحت رئاسة الوزير الأول في 8/1/2011 لاتخاذ قرارات بخفض أسعار السكر والزيت، لم يبث التلفزيون الرسمي صورا عن هذا الاجتماع.
  • (25) تتحدث كتابات إعلامية جزائرية عن طموحات سياسية للوزير الأول الحالي ذات علاقة برئاسيات سنة 2014، وهو العائد إلى منصب رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، ويرأس حزب التجمع الديمقراطي الوطني، ما يمنحه قوة تأثير كبيرة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في حال عدم ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة.
  • (26) أجرت يومية "الجزائر نيوز" (21/1/2010) حوارا مطولا مع احمد عياشي الذي قدم كمسؤول حزبي، فأعلن قيام حزبه بحملة لجمع توقيعات لترشيح السعيد بوتفليقة لرئاسة الجمهورية. لكن الشخص نفسه عاد وكذب ما جاء في تصريحاته الأولى في اليوم التالي وعلى صفحات الجريدة نفسها.
  • (27) - عبد الناصر جابي، "الحركات الاجتماعية في الجزائر بين أزمة الدولة الوطنية وشروخ المجتمع"، في: "الحركات الاجتماعية في العالم العربي"، القاهرة: مركز البحوث العربية والإفريقية ومكتبة مدبولي، 2006.
  • كما يمكن العودة إلى دراستنا عن الحركات الاجتماعية في الجزائر في:
    Djabi, A.N., Algeria: from social regimentation to new popular movements, in : Polet, F. (ed.), The states of resistance, pp. 79-86,(London & New York : Zed books, 2007)
  • (28) أجلت السلطات مباريات الدوري المحلي لكرة القدم، خوفا من التجمعات الشبابية في ملاعب كرة القدم نظرا للتشابه الكبير من الناحية السوسيولوجية بين الشباب المحتج وشبان الملاعب وكرة القدم.
  • (29) بعد أسبوع من نهاية الحركة الاحتجاجية، بدأت مسيرات واحتجاجات قام بها هذه المرة طلبة الثانويات الذين يطالبون باحترام البرنامج الدراسي عند طرح أسئلة البكالوريا لسنة 2011 المتوقعة في 11 حزيران/يونيو المقبل. ولم تشهد هذه الحركة حالات عنف، بل اكتفت بمسيرات جابت كثيراً من المدن انطلاقاً من الثانويات.
  • (30) كان الحضور الجهوي أكثر قوة في الحالة التونسية كما عبرت عنه القواعد الوسطى للاتحاد العام للشغل في مناسبة الأحداث الأخيرة. والاتحاد الذي كان تاريخيا المتنفس الأساس لأبناء الجنوب، مقابل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي استحوذت على قيادته نخب من الساحل، وكان الأكثر حضورا في مؤسسات الدولة المختلفة. فالصراع بين الدستوري واتحاد الشغل في بعض مظاهره صراع بين نخب جهوية مختلفة؛ صراع بين جنوب مطلبي بنزعة نقابية وقريب من التيارات العروبية والقومية، وبين شمال أكثر تسيساً وانفتاحا على الغرب.
  • (31) من خصائص هذه الفئات الشابة الشعبية كفاعل رئيس داخل هذه الحركات الاحتجاجية مستواها التعليمي المتواضع وضعف تأهيلها وعدم اندماجها في عالم الشغل. وهذه الخصائص تفسر كيف أن هذه الحركات لم تلجأ كما هي الحال في تونس أو مصر (حركة 6 نيسان/إبريل على سبيل المثال) إلى وسائل الاتصال الحديثة (الانترنت والفيس بوك)، مفضلة الفعل المباشر الجماهيري والمواجهات مع أجهزة الأمن المختلفة. في المقابل يمكن أن نلاحظ بروز حركات شبابية أكثر استعمالا لهذه الوسائط الإعلامية و أكثر تأهيلا علميا وتنتمي إلى الفئات الوسطى في الغالب وأكثر اندماجا اجتماعيا، لكن بمستوى تجنيد أقل، وأكثر سلمية ووضوحا في المطالب التي يغلب عليها الطابع السياسي، كالمطالبة بحرية التعبير وإلغاء حالة الطوارئ. ومع هذا قامت السلطات في الجزائر بالتشويش على الفيس بوك والهاتف الجوال لمنع تبادل الرسائل القصيرة في أثناء أحداث كانون الثاني/يناير 2011.
  • (32) عوضت الجزائر بسرعة بعد مرحلة الاستقلال تأخرها في المجال التعليمي، وسُجلت فيه مؤشرات مساوية لتونس في السنوات الأخيرة. كما التحقت الجزائر بسرعة أكبر بمعدلات التحضر التي كانت تمتاز بها تونس بين بلدان المغرب العربي.
  • (33) تفكيك القطاع العام الاقتصادي وسياسات إعادة الهيكلة التي تم تبنيها في فترة الاضطراب الأمني والسياسي(1994) ساهمت بقوة في سحق جميع القوى الوسطى التي ارتبطت تاريخيا بنموذج التنمية "الاشتراكي" في الحالة الجزائرية.
  • (34) من الحجج الرئيسة التي يقدمها الخطاب الرسمي أن الجزائر لم تعرف حالة القمع والتضييق التي عاشتها تونس خلال فترة حكم بن علي، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الإعلامي وخاصة على مستوى الحريات الفردية.
  • (35) نادت "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" مع مجموعة من النقابات المستقلة إلى لقاء تشاوري في 21/1/2011 كما اقترحت "حركة الإصلاح" ما سمته ميثاق الحقوق والحريات الديمقراطية في الجزائر. في حين أعلنت "حركة مجتمع السلم " انطلاق مشاورات بين الأحزاب في ما سُمي "أرضية المبادرة الوطنية". انظر الموقع الرسمي للحركة:http://www.hmsalgeria.net/ar/
  • (36) ندد "حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" بمحاولات حزب الوزير الأول أي التجمع الوطني الديمقراطي التشويش على المسيرة ، وكذلك الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي قرر تنصيب ما سماه خلايا يقظة في المؤسسات. انظر موقع التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية: http://www.rcd-algerie.net/
  • (37) لا تحتل مؤسسة الشرطة المكانة نفسها في البلدين، فمكانة الشرطة في تونس بالإمكانات التي تتوفر لها والأدوار التي كانت تناط بها - بما فيها السياسية والاستخبارية- يقوم بها الجيش في الجزائر، علما بأن الشرطة الجزائرية عرفت تطوراً مهماً هي الأخرى في أدوارها وخاصة إمكاناتها التي بدأت في الحصول عليها بعد اندلاع أحداث العنف في التسعينيات في مواجهاتها لمجموعات الإرهابية وظاهرة العنف الحضري.
  • (38) المقصود بالأخرس ـ أو"العقون" باللهجة الجزائرية- هو الحركة الاحتجاجية التي لم ترفع شعارات ولم تعبر عن نفسها بالبيانات أو كان لها حد أدنى من التنظيم. في حين أن الأصم هي السلطات والطبقة السياسية الرسمية التي ترفض الإنصات إلى حركة الشارع منذ مدة طويلة والاستماع إليه.

  • كتبها عبد الناصر جابي


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة