فضاءات زاوية برمشا

زاوية برمشا

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ياسرعلى
مسجــل منــــذ: 2011-01-17
مجموع النقط: 13
إعلانات


ياسر على زاويه برمشا






فضل العلم على ما سواه
محمد محمود عبد الخالق
ومن أهم فضائل العلم:-
(1) أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترث محمداً صلى الله عليه وسلم وهذا من أكبر الفضائل .
(2) أنه يبقى والمال يفنى، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمي عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا ؟ نعم يجري كثيراً فيكون لأبي هريرة أجر من أنتفع بأحاديثه، إذ العلم يبقى والمال يفنى فعليك يا طالب العلم أن تستمسك بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له .
(3) أنه لا يتعب صاحبه في الحراسة، لأنه إذا رزقك الله علماً فمحله القلب لا يحتاج إلي صناديق أو مفاتيح أو غيرها هو في القلب محروس وفي النفس محروس وفي الوقت نفسه هو حارس لك لأنه يحميك من الخطر بإذن الله عز وجل فالعلم يحرسك ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الإغلاق ومع ذلك تكون غير مطمئن عليه .
(4) أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق والدليل قوله تعالى: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) ( آل عمران، الآية: 18 )، فهل قال: " أولو المال ؟ لا بل قال " وأولو العلم قائماً بالقسط " فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله عز وجل .
(5) أن أهل العلم هم أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله): يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( النساء، الآية: 59) فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام، والعلماء وطلبة العلم، فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها .
(6) أن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة، ويستدل لذلك بحديث معاوية رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله معطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي الله بأمره " رواه البخاري 0 وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطائفة:" إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم " وقال القاضي عياض رحمه الله -: " أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث "
(7) أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيء من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما:
1- طلب العلم والعمل به.
2- التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها "
(8) ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة طيبة ، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلاَّ فذلك مثل من فقه في الدين ونفعهُ ما بعثني اللهُ به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به "
(9) أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلي الجنة " رواه مسلم .
(10) ما جاء في حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من يرد الله به خيراً يُفقهه في الدين " أي يجعله فقيهاً في دين الله عز وجل والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط ولكن المقصود به هو: علم التوحيد وأصول الدين وما يتعلق بشريعة الله عز وجل ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملاً في الحثِّ على طلب علم الشريعة والفقه فيها.
(11) أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه ، وكيف يعامل عباده ، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة .
(12) أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم ، ولا يخفى على كثير من قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجلٍ عابد فسأله هل له من توبة ؟ فكأن العابد إستعظم الأمر فقال: لا فقتله فأتم به المئة، ثم ذهب إلي عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دلّه على بلد أهله صالحون ليخرج إليها فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق …..والقصة مشهورة فأنظر الفرق بين العالم والجاهل .
(13) أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلي الله عزَّ وجلّ والعمل بما عملوا وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به قال الله تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ( سورة المجادلة، الآية: 11).
وليس هذا فقط فللعلم فضائل غيرها ومناقب وآيات وأخبار صحيحة مشهورة مبسوطة في طلب العلم .
عقد ابن القيم رحمه الله تعالى مقارنة بين العلم والمال يحسن إيرادها في هذا المقام فقد فضل العلم على المال من عدة وجوه أهمها:
أن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الملوك والأغنياء 0
أن العلم يحرس صاحبه وصاحب المال يحرس ماله.
أن العلم يزداد بالبذل والعطاء والمال تذهبه النفقات عدا الصدقة.
أن العلم يرافق صاحبه حتى في قبره والمال يفارقه بعد موته إلا ما كان من صدقة جارية 0
أن العلم يحكم على المال فالعلم حاكم والمال محكوم عليه.
أن المال يحصل للبر والفاجر والمسلم والكافر أما العلم النافع فلا يحصل إلا للمؤمن.
أن العالم يحتاج إليه الملوك ومن دونهم وصاحب المال يحتاج إليه أهل العدم والفاقة والحاجة.
أن صاحب المال قد يصبح معدماً فقيراً بين عشية أو ضحاها والعلم لا يخشى عليه الفناء إلا بتفريط صاحبه.
أن المال يدعو الإنسان للدنيا والعلم يدعوه لعبادة ربه.
أن المال قد يكون سبباً في هلاك صاحبه فكم أختطف من الأغنياء بسبب مالهم !! أما العلم ففيه حياةٌ لصاحبه حتى بعد موته.
سعادة العلم دائمة وسعادة المال زائلة.
أن العالم قدره وقيمته في ذاته أما الغني فقيمته في ماله.
أن الغني يدعو الناس بماله إلي الدنيا والعالم يدعو الناس بعلمه إلي الآخرة.
وهاك مثالاً يبين فضل العلم على الإنسان إنه يدور في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد إنها قصة تلميذ الإمام أبي حنيفة ( أبو يوسف ) التي يرويها علي بن الجعد فيقول: " أخبرني أبو يوسف قال توفي أبي إبراهيم بن حبيب وخلفني صغيراً في حجر أمي فأسلمتني إلي قصار أخدمه فكنت أدع القصار وأمر إلي حلقة أبي حنيفة فأجلس أسمع فكانت أمي تجيء خلفي إلي الحلقة فتأخذ بيدي وتذهب بي إلي القصار وكان أبو حنيفة يعني بي لما يرى من حضوري وحرصي على التعلم فلما كثر ذلك على أمي وطال عليها هربي قالت لأبي حنيفة ما لهذا الصبي فساد غيرك هذا صبي يتيم لا شيء له وإنما أطعمه من مغزلي وآمل أن يكسب دانقاً يعود به على نفسه فقال لها أبو حنيفة: قري يا رعناء ها هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق فانصرفت عنه وقالت له: أنت يا شيخ قد خرفت وذهب عقلك !! …. فأكمل أبو يوسف فقال: ثم لزمت أبا حنيفة وكان يتعهدني بماله فما ترك لي خلة فنفعني الله بالعلم ورفعني حتى تقلدت القضاء وكنت أجالس هارون الرشيد وآكل معه على مائدته فلما كان في بعض الأيام قدم إلي هارون الرشيد فالوذجاً بدهن الفستق فضحكت فقال لي مم ضحكت ؟ فقلت: خيراً أبقى الله أمير المؤمنين قال: لتخبرني وألح علي فأخبرته بالقصة من أولها إلي آخرها فعجب من ذلك وقال لعمري: إنه العلم ليرفع وينفع ديناً ودنيا وترحم على أبي حنيفة وقال: كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه.
وهذا عبيد الله بن كثير يروي عن أبيه أنه قال: " ميراث العلم خير من ميراث الذهب والفضة والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ ولا يستطاع العلم براحة الجسم ".
وأما معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: (تعلموا العلم ـ دققوا في هذا الحديث الطويل ـ تعلموا العلم فإن تعلُّمه لله ـ أي مخلصاً به ـ خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة ـ أثمن هدية ـ وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على الدين، والنصير في السرَّاء والضراء، والوزير عند الإخلاء, والقريـب عند القرباء، هو منـار سبيل الجنة، يرفـع الله به أقواماً يجعلهم في الخير قادة وسادة، يُقتدى بهم، يدل على الخير، وتقتفى به آثاره، يجعلك مع الملائكة والمُقَرَّبين، يسبِّح لك كل رَطْبٍ ويابس، تستغفر لك حتى الحيتان في البحر، وهوامُّ السِباع في البَر، به يطاع الله عزَّ وجل ـ بالعلم يطاع الله عز وجل، كيف تطيعه إن لم تعلم ما أمره وما نهيه ؟ ـ وبه يُعْبَد الله عزَّ وجل، وبه يوحَّد الله عزَّ وجل، وبه يُمَجَّد الله عزَّ وجل، وبه يتورَّع الإنسان ـ يكون ورعاً ـ وبه توصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام. هو إمام العمل يلهمه السُعداء ويحرم منه الأشقياء).
الإمام الحسن رضي الله عنه يقول: " لولا العلم لصار الناس مثل البهائـم "، كلكم يعلم أن كل شيءٍ ماديٍ يشغل حيزاً في الفراغ، له وزن، له طول، له عرض، له ارتفاع، لكن النبات هو شيءٌ ماديٌ يشغل حيِّزاً وينمو، والحيوان شيءٌ ماديٌ يشغل حيزاً وينمو ويتحرك، ولكن الإنسان شيءٌ ماديٌ يشغل حيزاً ويتحرَّك ويدرك، ويفكر، ويعقل، فحينما يُعَطِّل الإنسان عقله، حينما يُلْغي عقله، حينما يحتقر عقله، حينما يستخدم عقله في غير ما خُلِق له هبط إلى مستوى البهائم؛ كتلةٌ من لحمٍ ودم، تبحث عن طعامٍ وشراب، تقتنص اللّذات، تريد أن تأخذ كل شيء بجهلٍ كبير، فالإمام الحسن يقول: " لولا العلم لصار الناس مثل البهائم "، أي أن طلاب العلم يخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية.
يقول يحيى بن معاذ ـ أحد العارفين بالله ـ: " العلماء أرحم بأمة محمدٍ من آبائهم وأمهاتهم، قالوا: كيف ذلك ؟ العالم أرحم بتلميذه من الأب والأم بابنيهما ؟‍! قال : إليكم الجواب ، الآباء والأمهات يحفظون أولادهم من نار الدنيا ـ يخافون عليهم المرض ، يخافون عليهم الحريق، يخافون عليهم الفقر ـ ولكن العلماء يحفظون أتباعهم من نار الآخرة . تنتهي فضائل الأبوة في الدنيا، لكن فضائل طلب العلم تستمر إلى أبد الآبدين ".



مواقع اسلامية




تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع

| ياسرعلي | 23/04/12 |
جزاك الله خير الجزاء

| ياسر على زاوية برمشا | 18/03/11 |
أحاديث مختارة من
مختصر صحيح مسلم

دكتور محمد سليم العوَّا

محاضرات جمعية مصر للثقافة والحوار

رجب 1424 ـ ربيع الثاني 1425هـ = سبتمبر 2003 ـ يونيو 2004





(1)



مسلم هو أحد أئمة الحديث العرب، وأنا أقول العرب لأن كثيرًا جدًّا من أئمة الحديث كانوا ممن يسمونهم الموالي. وهذا لم يكن مقصورًا على علم الحديث ولكنه شمل علوم الإسلام كلها: علوم اللغة، علوم التفسير، حتى النحويين، كثير من النحويين كانوا من الموالي من أصل فارسي، أو من أصل غير عربي ودخلوا الإسلام ولما احتاجوا إلى اللغة، درسوها فأصبحوا أئمة فيها وقعَّدوا قواعدها. والذي يشتغل بهذه العلوم يعجب من كثرة غير العرب الذين أتقنوا اللغة العربية، وتخصصوا فيها، وبرزوا وأصبحوا هم الأئمة.

انطبق هذا الأمر على علم الحديث كما انطبق على غيره من علوم الإسلام. وكثير من أساتذتنا القدماء يقولون إنه من الاستثناءات أن هناك أحدًا من العرب قد نبغ. ووجود نوابغ في علوم الإسلام كلها من غير العرب مزية للإسلام وليست عيبًا. ومزية للمسلمين وليست عيبًا. ولكنه ليس صحيحًا أن نبوغ العرب كان استثناءً. لكن مناقشة هذه القضية وتمحيصها ليس هذا مكانه.

الإمام مسلم بن الحجاج القشيري عربي صليبة، يعني عربي صحيح النسب، وهو أحد الأمثلة على أن العرب لم يقلّوا نبوغًا عن غيرهم من الأمم في علوم الإسلام وما اتصل بها من معارف، ومنها علم الحديث.

كلنا نعرف البخاري، مسلم هو أحد تلامذة البخاري، بل هو أخص تلامذته، وأكثرهم علمًا بروايته، وأكثرهم انتهالاً من علمه.

لم يكن شيخه البخاري وحده ولكن كان شيخه الأخص، كان له شيوخ كثيرون لأن العلم في زمانهم، ولا يزال في زماننا، بكثرة المشايخ. كلما كثر عدد العلماء الذين يتلقى عنهم طالب العلم، أو يتعلم منهم، كلما كان علمه أكثر وأوسع، وكلما قل عددهم كان علمه بحسب ما تعلم منهم.

وكما أن مسلمًا روى عن البخاري، أمير المؤمنين في الحديث، روى عن مسلم أئمة: الترمذي وغيره ممن نسمع أسماء كتبهم.

كُتب مسلم كثيرة ولكن أهمها وأشهرها وأكثرها شيوعًا بين الناس هو هذا الصحيح المسمى: «كتاب صحيح مسلم»، والذي هو الجامع الصحيح لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقول المسلمون عنه هو وصحيح البخاري إنهما أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى. وبعض الناس يبالغ ويقول عن كتاب البخاري: "ليس تحت أديم السماء بعد القرآن أصح من كتاب البخاري"، وبعض الناس يتعصبون لمسلم فيقولون: "ليس تحت أديم السماء بعد كتاب الله أو بعد القرآن الكريم أصح من كتاب مسلم".

ونحن يكفينا أن نعرف أن مجموع ما في هذين الكتابين من الأحاديث صحيح النسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن هذه الصحة بالمعايير الاصطلاحية مسلَّمٌ بها بين العلماء. وكثيرًا ما نجد انتقادات في بعض الكتب، كأن يشتري أحدنا كتابًا من على باب الجامع، أو من محطة الترام أو القطار، ويجد كاتبًا يقول إنَّ إمامًا من الأئمة ينتقد كلامًا قاله الإمام مسلم، أو حديثًا من أحاديث مسلم، فيتصور هذا القارئ أن مسلم أخطأ، ويقول: كيف تقولون عنه إنه إمام وإن أحاديثه صحيحة وهو مخطئ؟ العلماء بالحديث يعرفون وجوه هذا الخطأ وأنها لا تؤثر في صحة الحديث، كأن يروي عمن اشتهر بإرسال الحديث. والذين يدرسون علم الحديث يعرفون أنه إذا روى راوٍ بالإرسال فقط، يعني هذه الرواية ليست مسندة إسنادًا متصلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي موجودة في مسلم، فمعنى ذلك أنها إما من المتابعات وإما من الشواهد. والمتابعات والشواهد هي الأحاديث التي ينقلها الأئمة لبيان زيادة معنى، أو لبيان غاية معينة، وردت في اللفظ الذي رواه هذا المُرسِل ليست موجودة في الموصول والمسند الذي بدءوا به الباب أو الكتاب.

وكتاب مسلم بالنسبة لطلاب العلم وذوي المعرفة به فيه خصيصة لطيفة جدًّا تدل على ذكائه: فهو صدَّر كل باب بأصح الأحاديث التي في هذا الباب عنده. فعندما تقرأ مسلم نفسه، الأصل وليس المختصر، إذا قرأت الحديث الأول من الباب فاعرف أن هذا هو الأعلى من حيث درجة الصحة في نظر الإمام مسلم، ثم تقرأ الذي بعده إلى أن تصل للرابع أو الخامس أو ساعات عاشر حديث في الباب وتجده أصبح من المتابعات والشواهد الذي يجوز فيها أن يدخل بعض الإرسال أو بعض كذا، ولكن ليست هذه هي الرواية المعتمدة في مسلم. والمتن في كتاب مسلم نفسه، مروي فيه الحديث بسند صحيح متصل، فليس هناك عيب ولا خطأ.

إذن، ما هي العيوب التي يأخذها هؤلاء العلماء على بعض؟ نجد من العلماء من ينتقد أحاديث على البخاري. ما معني انتقدوه؟ هل هي ضعيفة، موضوعة، مكذوبة؟

لا، انتقدوها بمعنى أن البخاري خالف منهجه في جزئية من الجزئيات التي يضمها هذا المنهج في الرواية. لذلك، إذا وجدنا انتقادًا لهذين الإمامين الكبيرين لا نحكم أن الحديث المنتقد ضعيف، هو ليس ضعيفًا، إنما نبحث عن سبب الانتقاد من حيث المنهج الذي التزمه كل واحد منهما وقرره في كتابه.

المزية الثانية في كتاب مسلم، بالنسبة لكتاب البخاري على وجه الخصوص، أنه جمع الحديث الواحد في المكان الواحد، صحيح هناك أحاديث أخرجها عدة مرات، والأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمة الله عليه، له فهرس مخصوص للأحاديث التي أخرجها مسلم مرتين أو أكثر، وعندما طبع هو نسخة من صحيح مسلم محققة، جاء هذا الفهرس في 22 صفحة يذكر فيها الأحاديث التي أخرجها مسلم أكثر من مرة. لكن مسلم كل مرة يُخرج الحديث يذكر النص النبوي كاملاً، بينما كتاب البخاري مبني على فقه البخاري بما فهمه من الحديث، فيأتي مرة بكلمة ومرة بجملة ومرة بسطر ومرة بثلاثة أرباع الحديث ومرة بالحديث كاملاً.

لذلك كان آخر عمل نُشِر للشيخ الألباني رحمة الله عليه قبل وفاته من صناعة يده، لأن تلامذته نشروا بعد ذلك أشياء له، لكن آخر عمل نُشر له من صناعة يده كان اسمه «مختصر صحيح البخاري» وكان منهجه في هذا الاختصار أن يجمع الحديث الواحد للبخاري، الذي وزعه في أبواب عديدة، يجمعه كله في مكان واحد، لأن البخاري يرويه بنفس السند، بنفس الرواة ويقسمه حسب الفقه الذي استخرجه منه. فالألباني أراد أن يجمع كتابًا للبخاري على نمط كتاب مسلم، لا أعرف أكمله أم لا، لكن الجزء الأول الذي صدر منه نفيس جدًّا، وإن كان عدد الأحاديث التي فيه قليل جدًّا أقل من 500 حديث. [صدر كاملا بعد ذلك في أربعة مجلدات لكنه بلا فهارس فالنفع به أقل كثيرًا من النفع به لو صدرت فهارسه].

ومن الشائع عند العلماء أن الإمام مسلم لم يضع عناوين لكتابه التي نسميها تراجم الأبواب. لكن عندما طُبِع كتاب القاضي عياض «إكمال إكمال المُعْلِمْ لشرح صحيح مسلم»، وهو تكملة لأن هناك المُعْلِمْ ثم إكمال المُعْلِمْ للإمام المازري ثم إكمال الإكمال. فلما طُبع إكمال الإكمال وجد الدكتور الشيخ يحيي إسماعيل الذي حققه، وجد نصًا غريبًا جدًّا للقاضي عياض وهو يتكلم عن كتاب مسلم في جزء من الأجزاء فقال: "وهذا يُبطل قول من قال إن مسلمًا لم يبوب كتابه، إنما تلك نسخهم لم تكن فيها أبواب"، وذكر أن التبويب الذي عمله في الكتاب هو تبويب نسخة مسلم التي قرأها على مشايخه.

فسواء أكان مسلم ترجم لكتابه، يعني صنع أبوابًا أو عناوين أم لم يصنع، فهذا لا يؤثر في صحة الكتاب والثقة به. لأن الأبواب عبارة عن ما يستفيده المُحدِّثُ، أو يفهمه المُحدِّثُ من نص الحديث النبوي. أو يريد أن يدلنا بهذا العنوان على مضمون الحديث، نحن نستطيع أن نقرأ الحديث ونعرف مضمونه.

من أهم الأشياء التي في كتاب مسلم الأصلي أنه كتب مقدمة ليست بقصيرة في بيان مراتب رواة الحديث ومراتب المتون، أي النصوص المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال إن الصحيح فيها ليس درجة واحدة، ولا الضعيف درجة واحدة. وأتى بأمثلة من الرواة المتفق على صحة ما رووه. وذكر مثلاً خمسة أسماء وقال بعدهم خمسة أسماء أخرى، وبعدها خمسة أسماء، وكل من يشتغل بهذا العلم يعرف أن رواية الفريق الثالث أقل عند العلماء درجةً من رواية الفريق الذي قبله، ورواية الفريق الذي قبله أقل عند العلماء درجةً من رواية الفريق الأول. ولذلك لما رتب كتابه جعل أول حديث في الباب أصح حديث لأنه جاء عن رواة المجموعة الأولى، ثم رتب سائر أحاديث الباب على هذا الترتيب للرواة.

وكان عندما يذكر الأسماء يقول وأضرابهم، يعني نظراءهم في العلم والمعرفة والنقل والتحري والدقة والضبط والإتقان والتقى...الخ.

فهذه مقدمة جيدة يندر أن يصنعها مُحدِّث لكتابه ولكن مسلم صنعها.

والأمر الثاني أنه تكلم عن المتون أيضًا، المتون التي اختلطت على بعض الرواة: لفظ اختلط، اسم راوٍ صُحِّف، كلام النبي صلى الله عليه وسلم نُقِل بالمعنى، وموجود في مكان آخر باللفظ، فبين أين التصحيح. وهذه أيضًا أمثلة أراد أن يبين للناس أن طريقة التأليف في علم الحديث تقتضي هذا النوع من الضبط والدقة والإتقان...الخ

هذا هو الإمام مسلم باختصار شديد وهذا هو صحيحه الذي هو ثاني الكتب بعد كتاب البخاري. والفرق الأساسي بين الاثنين أن البخاري اشترط في العلماء الذين يروي عنهم: التلاقي، ثبوت مقابلة كل راوٍ لشيخه الذي روى عنه. بينما مسلم اكتفى بالمعاصرة، وكل العلماء الآخرين اكتفوا بالمعاصرة، ولم يشترط ثبوت التلاقي إلا الإمام البخاري. وهذا الذي تميز به البخاري عن بقية الناس وجعل منهجه أصعب من مناهج بقية المحدثين. إنما مثلاً اثنان متعاصران، واحد في الأندلس وواحد في مكة، وثابت أن الذي في الأندلس لم يخرج إلى مكة في ذلك الوقت، والآخر لم يأت إليه فتبقى اللقيا مستحيلة. وعندئذ إذا روى واحد من هذين الاثنين عن الآخر لا يُقبل. لكن اثنان في بغداد أو اثنان كانا يسافران بين بغداد والقاهرة، أوفلسطين والقاهرة، أوالنجف ومكة والمدينة فلا بأس. ثم إن لقاء العلماء كان أكثره في الحج وزيارة بيت المقدس، كان آلاف العلماء يلتقون في آلاف المناسبات المتعلقة بالحج والعمرة وزيارة بيت المقدس، ولذلك فإن مسألة اللقاء بين العلماء لم تكن مستحيلة ولا نادرة. وشرط البخاري وإن قال العلماء إنه تشدد فيه إلا أنه لم يشترط ما لا يمكن وقوعه ولذلك كان في كتابه تلك الآلاف من الأحاديث الصحيحة على شرطه. وقال «وما تركت من الصحيح أكثر» ولعل هذه الكلمة تشير إلى الصحيح لا على شرطه وحده بل على شرط جمهور العلماء. لأن هذا الشرط التزمه البخاري في صحيحه وحده، وليس في كل ما رواه من سائر الأحاديث في كتبه كلها.

* * * * *

مختصر صحيح مسلم صنعه عالم دمشقي عاش في مصر وكان مفتياً فيها، وهو الإمام حافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري. والمنذري له قصة طريفة مع سلطان العلماء العز بن عبد السلام. عندما كان العز يُدرس في دمشق كان عنده يوم من أيام الأسبوع يقرأ فيه الحديث قليلاً؛ لأنه فقيه شافعي عظيم ولكنه ليس مشتغلاً كثيرًا بالحديث ولكن ليسمع طلابه منه حديثًا، وتتصل السلسلة الإسنادية. فلما دخل مصر كف عن التحديث في اليوم الخاص به وقال إن الحافظ المنذري موجود فلن أُدرس الحديث سأحضر معكم عند الحافظ المنذري في حلقته. فلما سمع الناس الحديث وتقدموا إلى المنذري بإفتاء فقال: أنا كففت عن الفتوى منذ دخل العز بن عبد السلام مصر، فهو أحق مني في الفتوى. فهذا شافعي وهذا شافعي، وهذا إمام وهذا إمام، وهذا محدّث فقيه وهذا محدِّث فقيه، لكن، احترما التخصص. أما نحن فنهجم على الأشياء كما تعرفون، ونفتي بغير علم، ونتحدث في اللغة ونحن جُهال بها، ونُضَعِّفُ الروايات ونحن لا نعرف أسانيدها من متونها، ونُضعِّفُ المتون لأننا نفهم معاني الألفاظ كما نفهمها اليوم، وهي في زمانها كانت تُستعمل بمعنى آخر. والله يرحمها الدكتورة عائشة عبد الرحمن مرة قالت لي: "عندما يقول ربنا: «وإن من قرية إلا خلا فيها نذير» هو أنتم فاكرين المقصود بهذه القرية واحدة من ال 4200 قرية بتوعكم؟ طيب المركز يأتي له كم نبي بقى؟".. فالناس تفهم الألفاظ على هذا النحو، يفهمون القرية هي قريتنا، ولفظ الناس في القرآن على أنه كل الخلق، مع أن هناك آية واحدة فيها كلمة الناس مرتين، وكل مرة كان المقصود بها مجموعة معينة من الناس، ولم يقصد بها الخلق كلهم، «الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل». فالألفاظ لابد أن تُفهم على نحو ما كانت تُستعمل، وتُشرح على نحو ما كانت تُستعمل؛ وإلا سنبتعد، ليس بفهمنا فقط، وإنما سنبتعد بتطبيقنا وبعبادتنا وبطاعتنا عما ينبغي أن تكون عليه الطاعة والعبادة والعمل الموافق لصحيح الشرع.

الحافظ المنذري جمع هذا المختصر على وفق رؤيته العلمية لأنه عالم كبير، أمسك كتاب مسلم واختار منه الأحاديث التي يرى أن الإنسان المسلم إذا عرفها، تكفيه في علمه الديني مما جمعه مسلم. ثم رتبها ترتيبًا على رأيه هو فلم، يتَّبع ترتيب مسلم لكتابه، ولم يتَّبع اختيار مسلم للأحاديث. يعني نجده في بعض الأبواب أتى بالحديث الرابع عند مسلم أو الخامس مع أن مسلم عنده في الرواية أن الأول هو الأصح. لكن الحافظ المنذري وجد أن الحديث الرابع فيه المعنى الزائد أو المعلومة الجديدة أو الإضافة التي يريد أن يقدمها لطالب العلم. فهذا المختصر ليس على نمط مسلم في الترتيب، ولا على نمط مسلم في الاختيار. هذا كتاب آخر غير صحيح مسلم. كل الأحاديث التي فيه مأخوذة من صحيح مسلم لكنه ليس بترتيب مسلم ولا باختيار مسلم، إنما باختياره هو، باختيار الحافظ المنذري، وهو من كبار حفَّاظ الحديث وعلمائه.

حقق هذا الكتاب واحد ونشره واحد، لا أستطيع أن أقول عليه تحقيق، الذي حقق هذه النشرة التي نستخدمها هو الشيخ ناصر الدين الألباني وهذه نشرة المكتب الإسلامي.

الذي نشره قبل ذلك واحد من علماء الهند، هو صِدِّيق حسن خان، يقولون عليه القنوجي نسبة إلى بلده. وعمله هو كتاب ثالث، يعني المنذري اختار كتابًا من صحيح مسلم وسماه مختصر صحيح مسلم فأصبح عندنا كتابان، وهو أعني صديق حسن خان شرح ما جاء به المنذري من كتب الحديث الأخرى وعلوم الفقه الأخرى وعلوم اللغة الأخرى، وسمى كتابه «السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج» السراج الوهاج يعني السراج المضئ، من كشف مطالب يعني بيان الموضوعات والعناوين والفقرات المهمة والمعلومات الضرورية في صحيح مسلم. الفقرات والمعلومات من أين جاء بها؟.. من كتاب حافظ المنذري. هو اعتبر أن حافظ المنذري اختصر مسلم ليُقرِّب للناس أهم مطالب مسلم، أهم موضوعات مسلم. فهو شرح هذه الموضوعات في السراج الوهاج من كشف مطالب مسلم بن الحجاج، وطُبِع في الهند. ومن هذه الطبعة استفاد الشيخ ناصر أصلاً لأنه وجد نسختين مخطوطتين من مختصر المنذري بعد ذلك، لكنه استفاد من هذه الطبعة الهندية باعتبارها أصلاً من أصول طبعته التي صدرت عدة مرات عن المكتب الإسلامي في بيروت ودمشق، الذي صاحبه زهير الشاويش، وجعل المقابلة بينها وبين النسختين المخطوطتين.

تتميز هذه الطبعة أن الشيخ الألباني شَرَح شرحاً قليلاً جدًّا جداً لبعض الكلمات الغامضة المأخوذة من شروح مسلم أساسًا، وبالذات من شرح النووي. والمزية الثانية أن فيها بعض الإشارات الفقهية إلى بعض الأحكام في الهوامش، المأخوذة أيضًا من شروح مسلم، لأنه هناك مسائل خلافية فالمسائل التي تحتاج توضيحًا، حاول الشيخ الألباني أن يوضحها.

الشيخ الألباني نفسه، رحمة الله عليه، اختصر صحيح مسلم، عندما كان مسجوناً في دمشق، اختصره من عند نفسه، في كتابٍ على نمط ما صنع مسلم، اختصره باختيار الحديث الأول في كل باب وبوبه بتبويب مسلم وترتيبه. لكن هذا المختصر مما لا يكف الإنسان عن الأسف عليه، لأنه ضاع عند خروج الشيخ من السجن. لأنه كان يشتغل في أوراق أثناء ما كان مسجونًا. فجاءوا فجأة وأخرجوه، أخرجوه ولم يسمحوا له أن يأخذ حاجاته. وبعد مدة أحضروا له مِخْلَة فيها بعض حاجات وقصاصات من هذا المختصر، والباقي ضاع. حدثنا رحمه الله بذلك في عمان بنفسه. ومات الله يرحمه دون أن نرى هذا المختصر. وكنت أتمنى أن نراه. يمكن ربنا يوفق أحداً من طلاب العلم لأن يعمل هذا الاختصار، هو ليس عسيرًا ولا مستحيلاً ولكنه يحتاج مجهودًا وعلمًا بالحديث.

* * * * *

بدأ الحافظ المنذري كتابه بمقدمة صغيرة جداً في هذه الأسطر القليلة لهذا الكتاب الذي يضم أكثر من ألفي حديث، فقال في مقدمته:

بعد الحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه، وقال عنهم «وأصحابه الجدراءِ بالتعظيمِ والإكبار» صلاة باقية دائمة بقاء الليل والنهار. قال: «وبعد، فهذا كتاب اختصرته من صحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القُشيري النيسابوري رضي الله عنه، اختصارًا يُسهله على حافظيه ويُقربه للناظر فيه (يجعل من السهل أن تفهم الأحكام الواردة فيه) ورتبته ترتيبًا يسرع بالطالب إلى وجود مطلبه في مظلته (لأنه من أصعب الأشياء في كتبنا العلمية كافة، سواء أكانت كتب لغة أم كتب نحو أم كتب فقه أم كتب تاريخ أم كتب شعر، أن يجد الطالب ما يريده. والشعر أسهل حاجة لأنهم رتبوه على القافية في الغالب فالذي يحفظ آخر كلمة في البيت أو من أي بيت من القصيدة يقدر يجدها في القوافي بتاعته، لكن ما عدا ذلك فالترتيب من أصعب ما يمكن). وقد تضمن مع صغر حجمه جلَّ مقصود الأصل (هو لم يأت بكل مقصود مسلم، ولذلك قلت لحضراتكم إن الفرق بينه وبين مختصر الألباني أن مختصر الألباني كان سيضع تحت أيدينا صحيح مسلم كاملاً في أصح ما رواه مسلم فيه من أحاديث. أما هذا المختصر فالمنذري عمله واختار جُلَّ مقصود صحيح الإمام مسلم يعني أغلبه أو معظمه، وليس كل كتاب الإمام مسلم) وقال: وإلى الله سبحانه وتعالى أرغب في أن ينفعني به وقارئه وكاتبه والناظر فيه، إنه قريب مجيب».

* * * * *

أول كتاب بدأه أو أول عنوان وضعه في كتابه، كتاب الإيمان وهذا أمر طبيعي أن يبدأ المسلم كتابًا في السنة بالإيمان. وجعل أول باب فيه: «باب أول الإيمان قول لا إله إلا الله» هذا أول عنوان من عناوين كتاب الإيمان. وروى فيه حديث وفد عبد القيس، وهذه قصة مشهورة في السنّة: ناس حضروا للنبي صلى الله عليه وسلم وسألوه بعض الأسئلة، وقالوا له ما معناه: لقد جئنا من مسافة بعيدة ولا نستطيع أن نصل إليك كل يوم لأن قريش تمنعنا من الوصول إليك، فمرنا بأشياء جامعة نخبر به قومنا. وبدأ الإمام المنذري بهذا الحديث.

* * * * *

الحديث الأول: الراوي لهذا الحديث هو أبو جمرة يقول: «كنت أترجم بين يدي عبد الله بن عباس وبين الناس» أبو جمرة يقول كنت أترجم بين يدي عبد الله بن عباس. هل يعني هذا أنه كان ينقل من لغة لأخرى؟ لا كان يُبلِّغ، ينقل كلام ابن عباس الذي يقوله بصوت يسمعه القريبون منه بصوت عال يسمعه البعيدون عنه.

فقال: «كنت أترجم بين يدي عبد الله بن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر» نبيذ الجر هو نوع من أنواع الخمور توضع في جرار، والجرار جمع جرة، يضعون فيها العنب أو التمر حتى يخمر فيشربوه. فقال عبد الله بن عباس: «إن وفد عبد قيس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن الوفد؟ أو مَن القوم؟ قالوا: ربيعة. قال: مرحباً بالقوم أو الوفد (أو هذه من عند ابن عباس يعني إما أنه قال لهم القوم أو الوفد) غير خزايا ولا ندامى. فقالوا يا رسول الله إنا نأتيك من شُقة بعيدة (مكان بعيد جدًّا) وإنا بيننا وبينك هذا الحي (يعني هذه الجماعة أو هذه القبيلة) من كفار مُضر (مُضَر هم قريش) وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فمُرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا (أمر فصل يقطع ويفصل بيننا وبين الكفر والشرك) وندخل به الجنة. قال عبد الله بن عباس فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع. قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده. قال لهم أتدرون ما الإيمان؟ أو هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن توءدوا خُمسًا من المغنم» لو قلنا الشهادتين حاجة واحدة يبقى عندنا حاجة واحدة زيادة وهي خُمس المغنم.

العلماء وقفوا هنا وقفة طويلة، قالوا هم كانوا بجوار القبائل المعادية للرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت حدود أراضيهم التي يرعون فيها إبلهم وأغنامهم وفيها مياههم مستباحة، المشركون المعارضون والمحاربون للرسول صلى الله عليه وسلم يدخلونها ويخرجون منها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هؤلاء لا يكفيهم هذه الأركان الأربع، إنما يحتاجون إلى شيء يزيد عليهم وهو أن يحموا ثغرهم الإسلامي. كيف يحموه؟ أن يُقاتلوا في سبيل الله، المَغنم هذا لن يأتي إلا بالقتال في سبيل الله «واعلموا أن ما غنتم من شيء فأن لله خمسه» من أين سيأتي هذا الخمس؟ هو لا يريد أن يقول من أول لحظة اذهبوا وقاتلوا الناس بالسيوف، إنما قال لهم أشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأدوا الصلاة والزكاة والصوم، وأدوا الخمس من المغنم.

إذن ستقاتلون. وعندما تقاتلون سينصركم الله وتغنموا، فإذا غنمتم يبقى لكم الأربعة أخماس وعليكم الخمس.

أليست هذه بشارة عظيمة جدًّا؟ عبارة الخمس من المغنم حلت لهم المشكلة وعلمتهم أمرًا لم يكونوا يعرفونه، وقالت لهم: عندما تحاربون ستنتصرون وستغنمون أموالاً. فَبَشَّرَهم أنها ستكون حرب غنيمة وليست حرب مغرم، وقال لهم أدوا الخُمس من المغنم.

ونهاهم عن الدُبَّاء (الدباء هو القرع الكبير أو الوعاء المُتَخذ منه الذي يُخمرون فيه التمر أو العنب) والحنتم (الحنتم هي الجرار التي كانوا يصنعونها من الفخار ويطلونها بلون أخضر وكانوا يحضرون اللون الأخضر من نبات اسمه الحنتم فاختصر الرسول صلى الله عليه وسلم القصة، وفي بعض الروايات قالوا له: وما أدراك يا رسول الله بالدباء والحنتم؟ كيف عرفت وأنت من قريش فقال لهم: ألا تعرفون أني أعرف؟ فقالوا له: الله ورسوله أعلم والمُزَفَّت (أوالمُقيَّر أي المطلي بالقار أو بالزِّفت)، (والكلمتان واردتان في روايات صحيحة) (قال شعبة وربما قال: النقير). أي نهاهم عن النقير (النقير هو جذع النخلة ينقر وسطه ويكون من الأسفل أصم ليس به ما يُنْزِل الماء ويضعون داخله النبات ثم يصبون عليه الماء ثم يشربونه بعد أن يخمر وهو مُسكِر. فنهاهم عن الآنية التي توضع فيها الأشياء فتتحول إلى شراب مسكر أي نهاهم عن المسكر نفسه بالنهي عن الإناء الذي يوضع فيه.وسيأتي معنا في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكسر الآنية أو القدور فقالوا له: "أنغسلها ونشرب فيها" فقال لهم إن الظرف لا يحرم شيئاً ولا يحلله فاغسلوها وكلوا فيها ما حل أو اشربوا فيها ما حل. وقال: "احفظوه (احفظوا هذه الوصية الخماسية أوالرباعية) وأخبروا من وراءكم»

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج، أشج عبد القيس (الأشج هو من عنده جرح غائر وملتئم فسُمي أشج عبد القيس نسبة إلى قبيلته) «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» الحلم هو الصبر وسعة الصدر واحتمال الآخرين وغفران الزلات، والأناة هي عدم الاستعجال.

فقال النبي e لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة». ليت كل واحد منا ينظر إلى الخصال التي يحبها الله، التي سترد معنا بعد ذلك في عددٍ الأحاديث، ويحاول أن يتخلق بها، لكنا نخرج من هذا اللقاء وقد تخلقنا بمعظم أخلاق الإسلام، إن لم يكن بكلها. ولكن إذا استمعنا إلى هذه الأحاديث على أنها جلسة مسلية سنخرج دون أن نتعلم شيئاً.

فلنجعل أول ما نتعلمه من هذا الدرس هو الحلم والأناة، فيحاول كل واحد فينا؛ العصبي لا يكون عصبياً، المتعجل لا يكون متعجلاً، الغضوب لا يكون غضوبًا. الذي يريد أن تنتهي الأمور في ساعة زمن يحاول أن يجعلها ساعتين لأنه لن يحصل شيء في التأني. لأن هذا من الأناة التي يحبها الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم مدح بها أشج عبد القيس.

وإذا نظرت في مدح الرسول e أشجَّ عبد القيس علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيًا عن إسداء هذا المدح، رجل جاء مع الوفد من قبيلته أو قومه، وقالوا كلمتين وأخذوا كلمتين، وقعدوا كام يوم في المدينة، فما الذي يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة ما خرج عليهم وقال لهم مرحبًا بالوفد غير خزايا ولا ندامى، يختار واحدًا منهم ويقول له إن فيك لخصلتين يحبهما الله؟.. ما هذا الثناء العظيم؟ في الواقع ليس هناك تطييب للقلوب أكثر من الثناء على كبراء الناس وعظمائهم ومقَّدميهم. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يطيّب قلوب أصحابه، فهو لم يكن فظًا ولا غليظ القلب كما وصفه القرآن: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك». فالله سبحانه وتعالى ألقى في قلب النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الرأفة والرحمة التي جعلته يُحبب الناس في نفسه ودينه بهذه الطريقة اللطيفة. لم يقل لهم شيئًا كاذبًا؛ لم يقل يا أفخم الفخماء، ولا يا سمو الأمير، ولا يا معالي الوزير. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، إنما قال له شيئًا صادقًا. قال له: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة». ولا ريب أن هذا تطييب للقلوب عظيم. وهو تعليم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته كلها، سابقها ولاحقها، أن الحلم والأناة من الخصال التي يحبها الله، وإذا أحبهما الله يحبهما رسوله أيضًا، ويحبهما المؤمنون. ثم إذا أحبهما المؤمنون فيحبون من هما فيه. انظر إلى هذه السلسلة حتى تصل بالمسألة إلى الفهم الدقيق بالتفصيل.

هذا هو الحديث الأول الذي أتى به الإمام المنذري تحت عنوان أول الإيمان قول لا إله إلا الله.

* * *

الحديث الثاني: رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بارزًا للناس، (يعني قاعدًا) فآتاه رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخِر. قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه ( وفي رواية أخرى إن لم تكن تراه) فإنه يراك (عليك أن تعبده وأنت عالم أنه مطَّلع على ما تفعل في هذه العبادة، وليس المقصود بالعبادة هنا مجرد الصلاة والصوم، المقصود حياتنا كلها «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» فنحن مخلوقون للعبادة، إذًا حياتنا كلها ينبغي أن تكون بهذا التوجه، وأن تكون نيتنا في عملنا وفي سهرنا وفي قيامنا وفي زيارتنا وفي عطائنا وفي منعنا أن نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى) قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها (الأشراط هي العلامات) إذا ولدت الأمة ربها (وفي رواية إذا ولدت الأمة ربتها) (وهذا معناه أن يكثُر الإماء الذين يُتَخذون في البيوت ويكون في هذه الكثرة نوع من أنواع فساد الأخلاق لأنه لا يجوز استرقاق الإنسان للإنسان، هذا كان أمرًا متعلقاً بزمن الحرب، ومتعلقًا بالمعاملة بالمثل. فإذا انقضت المعاملة بالمثل، وانقضى هذا النوع من التنظيم الدولي فينبغي أن ينقضي عندنا أيضًا. وإذا استمر فهذا الاستمرار هو نوع من الفساد. فهذا كله كناية عن عدم جواز استرقاق الإنسان للإنسان إلا في الظروف المحددة التي كانت قائمة وقتها، وقت ظهور الإسلام أو بعد النبي صلى الله عليه وسلم) فذاك من أشراطها (فسَّروا ميلاد الرب أو الربة عندما تلد من سيدها، تلد ممن يملكها، فكأنها تلد من يملكها بعد وفاة أبيه. ونحن نعرف أنه لما كنا نُجيز الاسترقاق كان عندنا إنسانية في هذا الاسترقاق، فكانت المرأة إذا ولدت لزوجها حتى لو مات ولدها أو وليدتها مجرد ما تلد تكون على ذمة التحرر، تكون أم ولد، عندما يموت تكون حرة لا تكون أمة مملوكة لأولادها منه أو من غيره) وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها (الحفاة العراة كناية عن الطبقات السيئة الخُلق، السيئة السلوك التي لا تعرف كيف تدير الدنيا ولا كيف تؤدي للناس حقوقها ولا كيف تحترم ملكيات الناس وما لهم على الآخرين من حقوق. كنَّى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الطبقات التي هي لا عقل لها ولا علم عندها ولا تراث ولا ماضٍ كما قال الشاعر: "لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم". سراة يعني رؤساء، يعني لا يكون هناك رئيس، ولا سراة إذا جهالهم سادوا. إذا كان الذي يحكمنا جاهل لا يحسن القراءة ولا الكتابة، لا يحسن الصلاة. أو لا يُحسن الفهم عن الناس إذا حدَّثوه، أو لا يُحسن الرد على السؤال إذا سُئل، فكيف يكون لهم السيادة؟!. هؤلاء لا يستحقون السيادة. من نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بد) وإذا تطاول رِعَاءُ البَهْمِ (وفي رواية أخرى رعاة البهم) في البنيان فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله» (رعاة البهم هم الذين يرعون الإبل والغنم وما إليها، الناس الذين حياتهم أصلاً بسيطة وتجدهم اغتنوا فجأة من حيث لا يعرف الناس، ستجدهم يتطاولون في البنيان. ليس فقط رعاة الإبل ولكن كل الذين أتاهم مال من غير طريق الحلال المشروع، من غير الطريق الذي يعرفه الناس، وأتاهم فجأة دون أن يتعبوا في تحصيله بطرق السعي وراء الرزق المعتادة. ولذلك سيدنا علي له كلمة جميلة عندما قالوا له إن فلاناً كَثُر ماله، فسكت، فاغتاظ الناس؛ لأنه كان فقيرًا ووجدوه فجأة قد امتلأ بالمال. فقالوا له: يا أمير المؤمنين، فلان كثُر ماله. فلما أكثروا عليه (أي لما قالوا ذلك عدة مرات)، قال لهم: "المال ألف فإن زاد فألفان وفي الثلاثة شك". فإذا كان هذا الرجل قد كثر ماله لدرجة أنكم عرفتم ذلك عنه؛ لأن الألف أو الألفين لا يظهرون. فقال لهم: "المال ألف فإن زاد فألفان وفي الثلاثة شك". بعد الثلاثة انظروا وتأكدوا من أين جاء بهم. فهؤلاء الحفاة العراة أصبحوا رؤوس الناس، ثم رعاء البهم تطاولوا في البنيان وكثرت أموالهم فلم يكتفوا بالبيوت العادية إنما تطاولوا في البنيان ليظهروا أنهم أغنى من الناس وأنهم أقوى من الناس، وعندهم ما لا يملكه الناس.

هذه علامات ستكون قبل قيام الساعة. هذه علامات دالة على قرب الموعد. لكن الموعد واحد من خمسة أشياء لا يعرفها إلا الله) ثم تلا e قول الله تعالى «وإن الله عنده علم الساعة ويُنزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير» (فتلا على هذا السائل هذه الآية ليدله على أن العلم اليقيني بالساعة ليس لأحد من الخلق وإنما هو للخالق سبحانه وتعالى، هو في الأول قال له: ما المسؤول عنها أعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها. طيب كيف؟ وأنت تعرف كل هذه الأسرار. فرجع إلى أصل الجواب مرة أخرى، قال له: انتبه.. علمي بهذه الأشراط لا يعني علمي بالموعد. فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول إن علمه بأشراطها لا يعني علمه بالموعد) ثم أدبر الرجل (ذهب ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا عليَّ الرجل"، فأخذوا ليردوه (انطلقوا بسرعة) فلم يروا شيئًا. وفي رواية فلم يجدوا شيئًا فعادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله ما رأينا أحداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل جاء ليُعلم الناس دينهم».

هذا الحديث من الأحاديث الجامعة في الإسلام، والعلماء تكلموا عنه كلامًا كثيرًا. أريد أن أقول كلمة واحدة مما استوقف العلماء في هذا: أن أحدًا لم يكن قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأسئلة قبل أن يأتيه جبريل فيسأله، إنما جاء ليسأله حتى يعرف المسلمون ما الإيمان وما الإسلام والإحسان، وليعرفوا حدودهم في الكلام عن يوم القيامة. هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بالناس وهذا دليل على أن الإيمان في نفوس هؤلاء الصحابة، الذين لقوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، كان إيمانًا من نوع عجيب، لا يحتاجون أن يسألوه عن شيء. قال لهم لا إله إلا الله فصدقوه. هذه الواقعة كانت في المدينة، لأنه جاء في روايات أخرى أنه جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بمسجده، فجلس بإزائه، فجعل ركبتيه بإزاء ركبتيه ووضع كفيه على فخديه (أي فخذي الرجل)، قصة وحديث طويل. إذن، فقد أقاموا مسلمين في مكة 13 سنة ثم ذهبوا إلى المدينة وحاربوا وانتصروا، وانهزموا في أُحد.. وهكذا. ثم يأتي جبريل ويسأل هذه الأسئلة. إذن، لقد قبلوا هذا الإيمان وصدقوا هذا الرسول ومضوا خلفه وقاتلوا معه وقدموا أموالهم وأنفسهم فداء لدينه دون أن يسألوا هذه الأسئلة الجوهرية؛ لأنه كفاهم صدق قوله، فرحمهم ربهم تبارك وتعالى وأرسل جبريل بهذه الأسئلة لكي يعرفوا الإجابة عنها.

* * *

الحديث الثالث: والأخير في هذا الباب الذي هو باب: أول الإيمان لا إله إلا الله: «عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة (كان يُحتَضَر) جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية بن المغيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة (قلها كلمة أشهد لك بها عند ربنا، وفي روايات كثيرة جداً: كلمة تدخل بها الجنة، كلمة تنجو بها من النار) حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به هو على ملة عبد المطلب»

شوفوا الرواية الجميلة هنا، الراوي لم يقل أن أبا طالب قال أنا على ملة عبد المطلب، وعبد المطلب على ملة عبادة الأوثان. فالراوي مسلم موحد، فقال إن أبا طالب قال هو على ملة عبد المطلب، لا يريد أن يقول أنا على ملة عبد المطلب.

«فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك. فأنزل الله عز وجل «ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم» وأنزل لأبي طالب بالذات الآية الثانية «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين» العلماء يقولون بالإجماع إن هذه الآية نزلت في أبي طالب، ومختلفون في الآية الأولى.

في هذا الحديث أمر مهم ينبغي أن ننتبه إليه: بعض إخواننا الطيبين أصحاب الفهم الحرفي للنصوص لو واحد قال له: "والله".فربما ضربه أو نهره بشدة. أما إذا لم يكن شديد التمسك بحرفيته فربما يقول لك: "يا شيخ لا تحلف، لا تحلف، لا تعرض لسانك لليمين". وإذا كان عنده بعض علم يقول لك: "لا تحلف إلا إذا حُبِست على اليمين"، هذا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف في هذا الحديث للمشرك الذي لا يريد أن يقول لا إله إلا الله "والله لأستغفرن عنك ما لم أنه عنك"

أخذ منها الإمام النووي مأخذًا جميلاً قال:"في هذا الحديث جواز الحَلِفِ دون أن يُستحلف، والحَلِفِ بغير حاجة، والحَلِفِ في غير مجلس القضاء". ثلاث مسائل: يحلف من غير أن يستحلفه أحد، ويحلف من غير أن تكون هناك حاجة للحلف، ويحلف في غير مجلس القضاء. وهذا رد على إخواننا الذين يقولون لا تحلف إلا إذا حُبست على اليمين، أي كنت واقفًا أمام القاضي. والله أعلم.


| ياسر على زاوية برمشا | 18/03/11 |
أحاديث مختارة من
مختصر صحيح مسلم

دكتور محمد سليم العوَّا

محاضرات جمعية مصر للثقافة والحوار

رجب 1424 ـ ربيع الثاني 1425هـ = سبتمبر 2003 ـ يونيو 2004





(1)



مسلم هو أحد أئمة الحديث العرب، وأنا أقول العرب لأن كثيرًا جدًّا من أئمة الحديث كانوا ممن يسمونهم الموالي. وهذا لم يكن مقصورًا على علم الحديث ولكنه شمل علوم الإسلام كلها: علوم اللغة، علوم التفسير، حتى النحويين، كثير من النحويين كانوا من الموالي من أصل فارسي، أو من أصل غير عربي ودخلوا الإسلام ولما احتاجوا إلى اللغة، درسوها فأصبحوا أئمة فيها وقعَّدوا قواعدها. والذي يشتغل بهذه العلوم يعجب من كثرة غير العرب الذين أتقنوا اللغة العربية، وتخصصوا فيها، وبرزوا وأصبحوا هم الأئمة.

انطبق هذا الأمر على علم الحديث كما انطبق على غيره من علوم الإسلام. وكثير من أساتذتنا القدماء يقولون إنه من الاستثناءات أن هناك أحدًا من العرب قد نبغ. ووجود نوابغ في علوم الإسلام كلها من غير العرب مزية للإسلام وليست عيبًا. ومزية للمسلمين وليست عيبًا. ولكنه ليس صحيحًا أن نبوغ العرب كان استثناءً. لكن مناقشة هذه القضية وتمحيصها ليس هذا مكانه.

الإمام مسلم بن الحجاج القشيري عربي صليبة، يعني عربي صحيح النسب، وهو أحد الأمثلة على أن العرب لم يقلّوا نبوغًا عن غيرهم من الأمم في علوم الإسلام وما اتصل بها من معارف، ومنها علم الحديث.

كلنا نعرف البخاري، مسلم هو أحد تلامذة البخاري، بل هو أخص تلامذته، وأكثرهم علمًا بروايته، وأكثرهم انتهالاً من علمه.

لم يكن شيخه البخاري وحده ولكن كان شيخه الأخص، كان له شيوخ كثيرون لأن العلم في زمانهم، ولا يزال في زماننا، بكثرة المشايخ. كلما كثر عدد العلماء الذين يتلقى عنهم طالب العلم، أو يتعلم منهم، كلما كان علمه أكثر وأوسع، وكلما قل عددهم كان علمه بحسب ما تعلم منهم.

وكما أن مسلمًا روى عن البخاري، أمير المؤمنين في الحديث، روى عن مسلم أئمة: الترمذي وغيره ممن نسمع أسماء كتبهم.

كُتب مسلم كثيرة ولكن أهمها وأشهرها وأكثرها شيوعًا بين الناس هو هذا الصحيح المسمى: «كتاب صحيح مسلم»، والذي هو الجامع الصحيح لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقول المسلمون عنه هو وصحيح البخاري إنهما أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى. وبعض الناس يبالغ ويقول عن كتاب البخاري: "ليس تحت أديم السماء بعد القرآن أصح من كتاب البخاري"، وبعض الناس يتعصبون لمسلم فيقولون: "ليس تحت أديم السماء بعد كتاب الله أو بعد القرآن الكريم أصح من كتاب مسلم".

ونحن يكفينا أن نعرف أن مجموع ما في هذين الكتابين من الأحاديث صحيح النسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن هذه الصحة بالمعايير الاصطلاحية مسلَّمٌ بها بين العلماء. وكثيرًا ما نجد انتقادات في بعض الكتب، كأن يشتري أحدنا كتابًا من على باب الجامع، أو من محطة الترام أو القطار، ويجد كاتبًا يقول إنَّ إمامًا من الأئمة ينتقد كلامًا قاله الإمام مسلم، أو حديثًا من أحاديث مسلم، فيتصور هذا القارئ أن مسلم أخطأ، ويقول: كيف تقولون عنه إنه إمام وإن أحاديثه صحيحة وهو مخطئ؟ العلماء بالحديث يعرفون وجوه هذا الخطأ وأنها لا تؤثر في صحة الحديث، كأن يروي عمن اشتهر بإرسال الحديث. والذين يدرسون علم الحديث يعرفون أنه إذا روى راوٍ بالإرسال فقط، يعني هذه الرواية ليست مسندة إسنادًا متصلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي موجودة في مسلم، فمعنى ذلك أنها إما من المتابعات وإما من الشواهد. والمتابعات والشواهد هي الأحاديث التي ينقلها الأئمة لبيان زيادة معنى، أو لبيان غاية معينة، وردت في اللفظ الذي رواه هذا المُرسِل ليست موجودة في الموصول والمسند الذي بدءوا به الباب أو الكتاب.

وكتاب مسلم بالنسبة لطلاب العلم وذوي المعرفة به فيه خصيصة لطيفة جدًّا تدل على ذكائه: فهو صدَّر كل باب بأصح الأحاديث التي في هذا الباب عنده. فعندما تقرأ مسلم نفسه، الأصل وليس المختصر، إذا قرأت الحديث الأول من الباب فاعرف أن هذا هو الأعلى من حيث درجة الصحة في نظر الإمام مسلم، ثم تقرأ الذي بعده إلى أن تصل للرابع أو الخامس أو ساعات عاشر حديث في الباب وتجده أصبح من المتابعات والشواهد الذي يجوز فيها أن يدخل بعض الإرسال أو بعض كذا، ولكن ليست هذه هي الرواية المعتمدة في مسلم. والمتن في كتاب مسلم نفسه، مروي فيه الحديث بسند صحيح متصل، فليس هناك عيب ولا خطأ.

إذن، ما هي العيوب التي يأخذها هؤلاء العلماء على بعض؟ نجد من العلماء من ينتقد أحاديث على البخاري. ما معني انتقدوه؟ هل هي ضعيفة، موضوعة، مكذوبة؟

لا، انتقدوها بمعنى أن البخاري خالف منهجه في جزئية من الجزئيات التي يضمها هذا المنهج في الرواية. لذلك، إذا وجدنا انتقادًا لهذين الإمامين الكبيرين لا نحكم أن الحديث المنتقد ضعيف، هو ليس ضعيفًا، إنما نبحث عن سبب الانتقاد من حيث المنهج الذي التزمه كل واحد منهما وقرره في كتابه.

المزية الثانية في كتاب مسلم، بالنسبة لكتاب البخاري على وجه الخصوص، أنه جمع الحديث الواحد في المكان الواحد، صحيح هناك أحاديث أخرجها عدة مرات، والأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمة الله عليه، له فهرس مخصوص للأحاديث التي أخرجها مسلم مرتين أو أكثر، وعندما طبع هو نسخة من صحيح مسلم محققة، جاء هذا الفهرس في 22 صفحة يذكر فيها الأحاديث التي أخرجها مسلم أكثر من مرة. لكن مسلم كل مرة يُخرج الحديث يذكر النص النبوي كاملاً، بينما كتاب البخاري مبني على فقه البخاري بما فهمه من الحديث، فيأتي مرة بكلمة ومرة بجملة ومرة بسطر ومرة بثلاثة أرباع الحديث ومرة بالحديث كاملاً.

لذلك كان آخر عمل نُشِر للشيخ الألباني رحمة الله عليه قبل وفاته من صناعة يده، لأن تلامذته نشروا بعد ذلك أشياء له، لكن آخر عمل نُشر له من صناعة يده كان اسمه «مختصر صحيح البخاري» وكان منهجه في هذا الاختصار أن يجمع الحديث الواحد للبخاري، الذي وزعه في أبواب عديدة، يجمعه كله في مكان واحد، لأن البخاري يرويه بنفس السند، بنفس الرواة ويقسمه حسب الفقه الذي استخرجه منه. فالألباني أراد أن يجمع كتابًا للبخاري على نمط كتاب مسلم، لا أعرف أكمله أم لا، لكن الجزء الأول الذي صدر منه نفيس جدًّا، وإن كان عدد الأحاديث التي فيه قليل جدًّا أقل من 500 حديث. [صدر كاملا بعد ذلك في أربعة مجلدات لكنه بلا فهارس فالنفع به أقل كثيرًا من النفع به لو صدرت فهارسه].

ومن الشائع عند العلماء أن الإمام مسلم لم يضع عناوين لكتابه التي نسميها تراجم الأبواب. لكن عندما طُبِع كتاب القاضي عياض «إكمال إكمال المُعْلِمْ لشرح صحيح مسلم»، وهو تكملة لأن هناك المُعْلِمْ ثم إكمال المُعْلِمْ للإمام المازري ثم إكمال الإكمال. فلما طُبع إكمال الإكمال وجد الدكتور الشيخ يحيي إسماعيل الذي حققه، وجد نصًا غريبًا جدًّا للقاضي عياض وهو يتكلم عن كتاب مسلم في جزء من الأجزاء فقال: "وهذا يُبطل قول من قال إن مسلمًا لم يبوب كتابه، إنما تلك نسخهم لم تكن فيها أبواب"، وذكر أن التبويب الذي عمله في الكتاب هو تبويب نسخة مسلم التي قرأها على مشايخه.

فسواء أكان مسلم ترجم لكتابه، يعني صنع أبوابًا أو عناوين أم لم يصنع، فهذا لا يؤثر في صحة الكتاب والثقة به. لأن الأبواب عبارة عن ما يستفيده المُحدِّثُ، أو يفهمه المُحدِّثُ من نص الحديث النبوي. أو يريد أن يدلنا بهذا العنوان على مضمون الحديث، نحن نستطيع أن نقرأ الحديث ونعرف مضمونه.

من أهم الأشياء التي في كتاب مسلم الأصلي أنه كتب مقدمة ليست بقصيرة في بيان مراتب رواة الحديث ومراتب المتون، أي النصوص المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال إن الصحيح فيها ليس درجة واحدة، ولا الضعيف درجة واحدة. وأتى بأمثلة من الرواة المتفق على صحة ما رووه. وذكر مثلاً خمسة أسماء وقال بعدهم خمسة أسماء أخرى، وبعدها خمسة أسماء، وكل من يشتغل بهذا العلم يعرف أن رواية الفريق الثالث أقل عند العلماء درجةً من رواية الفريق الذي قبله، ورواية الفريق الذي قبله أقل عند العلماء درجةً من رواية الفريق الأول. ولذلك لما رتب كتابه جعل أول حديث في الباب أصح حديث لأنه جاء عن رواة المجموعة الأولى، ثم رتب سائر أحاديث الباب على هذا الترتيب للرواة.

وكان عندما يذكر الأسماء يقول وأضرابهم، يعني نظراءهم في العلم والمعرفة والنقل والتحري والدقة والضبط والإتقان والتقى...الخ.

فهذه مقدمة جيدة يندر أن يصنعها مُحدِّث لكتابه ولكن مسلم صنعها.

والأمر الثاني أنه تكلم عن المتون أيضًا، المتون التي اختلطت على بعض الرواة: لفظ اختلط، اسم راوٍ صُحِّف، كلام النبي صلى الله عليه وسلم نُقِل بالمعنى، وموجود في مكان آخر باللفظ، فبين أين التصحيح. وهذه أيضًا أمثلة أراد أن يبين للناس أن طريقة التأليف في علم الحديث تقتضي هذا النوع من الضبط والدقة والإتقان...الخ

هذا هو الإمام مسلم باختصار شديد وهذا هو صحيحه الذي هو ثاني الكتب بعد كتاب البخاري. والفرق الأساسي بين الاثنين أن البخاري اشترط في العلماء الذين يروي عنهم: التلاقي، ثبوت مقابلة كل راوٍ لشيخه الذي روى عنه. بينما مسلم اكتفى بالمعاصرة، وكل العلماء الآخرين اكتفوا بالمعاصرة، ولم يشترط ثبوت التلاقي إلا الإمام البخاري. وهذا الذي تميز به البخاري عن بقية الناس وجعل منهجه أصعب من مناهج بقية المحدثين. إنما مثلاً اثنان متعاصران، واحد في الأندلس وواحد في مكة، وثابت أن الذي في الأندلس لم يخرج إلى مكة في ذلك الوقت، والآخر لم يأت إليه فتبقى اللقيا مستحيلة. وعندئذ إذا روى واحد من هذين الاثنين عن الآخر لا يُقبل. لكن اثنان في بغداد أو اثنان كانا يسافران بين بغداد والقاهرة، أوفلسطين والقاهرة، أوالنجف ومكة والمدينة فلا بأس. ثم إن لقاء العلماء كان أكثره في الحج وزيارة بيت المقدس، كان آلاف العلماء يلتقون في آلاف المناسبات المتعلقة بالحج والعمرة وزيارة بيت المقدس، ولذلك فإن مسألة اللقاء بين العلماء لم تكن مستحيلة ولا نادرة. وشرط البخاري وإن قال العلماء إنه تشدد فيه إلا أنه لم يشترط ما لا يمكن وقوعه ولذلك كان في كتابه تلك الآلاف من الأحاديث الصحيحة على شرطه. وقال «وما تركت من الصحيح أكثر» ولعل هذه الكلمة تشير إلى الصحيح لا على شرطه وحده بل على شرط جمهور العلماء. لأن هذا الشرط التزمه البخاري في صحيحه وحده، وليس في كل ما رواه من سائر الأحاديث في كتبه كلها.

* * * * *

مختصر صحيح مسلم صنعه عالم دمشقي عاش في مصر وكان مفتياً فيها، وهو الإمام حافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري. والمنذري له قصة طريفة مع سلطان العلماء العز بن عبد السلام. عندما كان العز يُدرس في دمشق كان عنده يوم من أيام الأسبوع يقرأ فيه الحديث قليلاً؛ لأنه فقيه شافعي عظيم ولكنه ليس مشتغلاً كثيرًا بالحديث ولكن ليسمع طلابه منه حديثًا، وتتصل السلسلة الإسنادية. فلما دخل مصر كف عن التحديث في اليوم الخاص به وقال إن الحافظ المنذري موجود فلن أُدرس الحديث سأحضر معكم عند الحافظ المنذري في حلقته. فلما سمع الناس الحديث وتقدموا إلى المنذري بإفتاء فقال: أنا كففت عن الفتوى منذ دخل العز بن عبد السلام مصر، فهو أحق مني في الفتوى. فهذا شافعي وهذا شافعي، وهذا إمام وهذا إمام، وهذا محدّث فقيه وهذا محدِّث فقيه، لكن، احترما التخصص. أما نحن فنهجم على الأشياء كما تعرفون، ونفتي بغير علم، ونتحدث في اللغة ونحن جُهال بها، ونُضَعِّفُ الروايات ونحن لا نعرف أسانيدها من متونها، ونُضعِّفُ المتون لأننا نفهم معاني الألفاظ كما نفهمها اليوم، وهي في زمانها كانت تُستعمل بمعنى آخر. والله يرحمها الدكتورة عائشة عبد الرحمن مرة قالت لي: "عندما يقول ربنا: «وإن من قرية إلا خلا فيها نذير» هو أنتم فاكرين المقصود بهذه القرية واحدة من ال 4200 قرية بتوعكم؟ طيب المركز يأتي له كم نبي بقى؟".. فالناس تفهم الألفاظ على هذا النحو، يفهمون القرية هي قريتنا، ولفظ الناس في القرآن على أنه كل الخلق، مع أن هناك آية واحدة فيها كلمة الناس مرتين، وكل مرة كان المقصود بها مجموعة معينة من الناس، ولم يقصد بها الخلق كلهم، «الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل». فالألفاظ لابد أن تُفهم على نحو ما كانت تُستعمل، وتُشرح على نحو ما كانت تُستعمل؛ وإلا سنبتعد، ليس بفهمنا فقط، وإنما سنبتعد بتطبيقنا وبعبادتنا وبطاعتنا عما ينبغي أن تكون عليه الطاعة والعبادة والعمل الموافق لصحيح الشرع.

الحافظ المنذري جمع هذا المختصر على وفق رؤيته العلمية لأنه عالم كبير، أمسك كتاب مسلم واختار منه الأحاديث التي يرى أن الإنسان المسلم إذا عرفها، تكفيه في علمه الديني مما جمعه مسلم. ثم رتبها ترتيبًا على رأيه هو فلم، يتَّبع ترتيب مسلم لكتابه، ولم يتَّبع اختيار مسلم للأحاديث. يعني نجده في بعض الأبواب أتى بالحديث الرابع عند مسلم أو الخامس مع أن مسلم عنده في الرواية أن الأول هو الأصح. لكن الحافظ المنذري وجد أن الحديث الرابع فيه المعنى الزائد أو المعلومة الجديدة أو الإضافة التي يريد أن يقدمها لطالب العلم. فهذا المختصر ليس على نمط مسلم في الترتيب، ولا على نمط مسلم في الاختيار. هذا كتاب آخر غير صحيح مسلم. كل الأحاديث التي فيه مأخوذة من صحيح مسلم لكنه ليس بترتيب مسلم ولا باختيار مسلم، إنما باختياره هو، باختيار الحافظ المنذري، وهو من كبار حفَّاظ الحديث وعلمائه.

حقق هذا الكتاب واحد ونشره واحد، لا أستطيع أن أقول عليه تحقيق، الذي حقق هذه النشرة التي نستخدمها هو الشيخ ناصر الدين الألباني وهذه نشرة المكتب الإسلامي.

الذي نشره قبل ذلك واحد من علماء الهند، هو صِدِّيق حسن خان، يقولون عليه القنوجي نسبة إلى بلده. وعمله هو كتاب ثالث، يعني المنذري اختار كتابًا من صحيح مسلم وسماه مختصر صحيح مسلم فأصبح عندنا كتابان، وهو أعني صديق حسن خان شرح ما جاء به المنذري من كتب الحديث الأخرى وعلوم الفقه الأخرى وعلوم اللغة الأخرى، وسمى كتابه «السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج» السراج الوهاج يعني السراج المضئ، من كشف مطالب يعني بيان الموضوعات والعناوين والفقرات المهمة والمعلومات الضرورية في صحيح مسلم. الفقرات والمعلومات من أين جاء بها؟.. من كتاب حافظ المنذري. هو اعتبر أن حافظ المنذري اختصر مسلم ليُقرِّب للناس أهم مطالب مسلم، أهم موضوعات مسلم. فهو شرح هذه الموضوعات في السراج الوهاج من كشف مطالب مسلم بن الحجاج، وطُبِع في الهند. ومن هذه الطبعة استفاد الشيخ ناصر أصلاً لأنه وجد نسختين مخطوطتين من مختصر المنذري بعد ذلك، لكنه استفاد من هذه الطبعة الهندية باعتبارها أصلاً من أصول طبعته التي صدرت عدة مرات عن المكتب الإسلامي في بيروت ودمشق، الذي صاحبه زهير الشاويش، وجعل المقابلة بينها وبين النسختين المخطوطتين.

تتميز هذه الطبعة أن الشيخ الألباني شَرَح شرحاً قليلاً جدًّا جداً لبعض الكلمات الغامضة المأخوذة من شروح مسلم أساسًا، وبالذات من شرح النووي. والمزية الثانية أن فيها بعض الإشارات الفقهية إلى بعض الأحكام في الهوامش، المأخوذة أيضًا من شروح مسلم، لأنه هناك مسائل خلافية فالمسائل التي تحتاج توضيحًا، حاول الشيخ الألباني أن يوضحها.

الشيخ الألباني نفسه، رحمة الله عليه، اختصر صحيح مسلم، عندما كان مسجوناً في دمشق، اختصره من عند نفسه، في كتابٍ على نمط ما صنع مسلم، اختصره باختيار الحديث الأول في كل باب وبوبه بتبويب مسلم وترتيبه. لكن هذا المختصر مما لا يكف الإنسان عن الأسف عليه، لأنه ضاع عند خروج الشيخ من السجن. لأنه كان يشتغل في أوراق أثناء ما كان مسجونًا. فجاءوا فجأة وأخرجوه، أخرجوه ولم يسمحوا له أن يأخذ حاجاته. وبعد مدة أحضروا له مِخْلَة فيها بعض حاجات وقصاصات من هذا المختصر، والباقي ضاع. حدثنا رحمه الله بذلك في عمان بنفسه. ومات الله يرحمه دون أن نرى هذا المختصر. وكنت أتمنى أن نراه. يمكن ربنا يوفق أحداً من طلاب العلم لأن يعمل هذا الاختصار، هو ليس عسيرًا ولا مستحيلاً ولكنه يحتاج مجهودًا وعلمًا بالحديث.

* * * * *

بدأ الحافظ المنذري كتابه بمقدمة صغيرة جداً في هذه الأسطر القليلة لهذا الكتاب الذي يضم أكثر من ألفي حديث، فقال في مقدمته:

بعد الحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه، وقال عنهم «وأصحابه الجدراءِ بالتعظيمِ والإكبار» صلاة باقية دائمة بقاء الليل والنهار. قال: «وبعد، فهذا كتاب اختصرته من صحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القُشيري النيسابوري رضي الله عنه، اختصارًا يُسهله على حافظيه ويُقربه للناظر فيه (يجعل من السهل أن تفهم الأحكام الواردة فيه) ورتبته ترتيبًا يسرع بالطالب إلى وجود مطلبه في مظلته (لأنه من أصعب الأشياء في كتبنا العلمية كافة، سواء أكانت كتب لغة أم كتب نحو أم كتب فقه أم كتب تاريخ أم كتب شعر، أن يجد الطالب ما يريده. والشعر أسهل حاجة لأنهم رتبوه على القافية في الغالب فالذي يحفظ آخر كلمة في البيت أو من أي بيت من القصيدة يقدر يجدها في القوافي بتاعته، لكن ما عدا ذلك فالترتيب من أصعب ما يمكن). وقد تضمن مع صغر حجمه جلَّ مقصود الأصل (هو لم يأت بكل مقصود مسلم، ولذلك قلت لحضراتكم إن الفرق بينه وبين مختصر الألباني أن مختصر الألباني كان سيضع تحت أيدينا صحيح مسلم كاملاً في أصح ما رواه مسلم فيه من أحاديث. أما هذا المختصر فالمنذري عمله واختار جُلَّ مقصود صحيح الإمام مسلم يعني أغلبه أو معظمه، وليس كل كتاب الإمام مسلم) وقال: وإلى الله سبحانه وتعالى أرغب في أن ينفعني به وقارئه وكاتبه والناظر فيه، إنه قريب مجيب».

* * * * *

أول كتاب بدأه أو أول عنوان وضعه في كتابه، كتاب الإيمان وهذا أمر طبيعي أن يبدأ المسلم كتابًا في السنة بالإيمان. وجعل أول باب فيه: «باب أول الإيمان قول لا إله إلا الله» هذا أول عنوان من عناوين كتاب الإيمان. وروى فيه حديث وفد عبد القيس، وهذه قصة مشهورة في السنّة: ناس حضروا للنبي صلى الله عليه وسلم وسألوه بعض الأسئلة، وقالوا له ما معناه: لقد جئنا من مسافة بعيدة ولا نستطيع أن نصل إليك كل يوم لأن قريش تمنعنا من الوصول إليك، فمرنا بأشياء جامعة نخبر به قومنا. وبدأ الإمام المنذري بهذا الحديث.

* * * * *

الحديث الأول: الراوي لهذا الحديث هو أبو جمرة يقول: «كنت أترجم بين يدي عبد الله بن عباس وبين الناس» أبو جمرة يقول كنت أترجم بين يدي عبد الله بن عباس. هل يعني هذا أنه كان ينقل من لغة لأخرى؟ لا كان يُبلِّغ، ينقل كلام ابن عباس الذي يقوله بصوت يسمعه القريبون منه بصوت عال يسمعه البعيدون عنه.

فقال: «كنت أترجم بين يدي عبد الله بن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر» نبيذ الجر هو نوع من أنواع الخمور توضع في جرار، والجرار جمع جرة، يضعون فيها العنب أو التمر حتى يخمر فيشربوه. فقال عبد الله بن عباس: «إن وفد عبد قيس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن الوفد؟ أو مَن القوم؟ قالوا: ربيعة. قال: مرحباً بالقوم أو الوفد (أو هذه من عند ابن عباس يعني إما أنه قال لهم القوم أو الوفد) غير خزايا ولا ندامى. فقالوا يا رسول الله إنا نأتيك من شُقة بعيدة (مكان بعيد جدًّا) وإنا بيننا وبينك هذا الحي (يعني هذه الجماعة أو هذه القبيلة) من كفار مُضر (مُضَر هم قريش) وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فمُرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا (أمر فصل يقطع ويفصل بيننا وبين الكفر والشرك) وندخل به الجنة. قال عبد الله بن عباس فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع. قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده. قال لهم أتدرون ما الإيمان؟ أو هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن توءدوا خُمسًا من المغنم» لو قلنا الشهادتين حاجة واحدة يبقى عندنا حاجة واحدة زيادة وهي خُمس المغنم.

العلماء وقفوا هنا وقفة طويلة، قالوا هم كانوا بجوار القبائل المعادية للرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت حدود أراضيهم التي يرعون فيها إبلهم وأغنامهم وفيها مياههم مستباحة، المشركون المعارضون والمحاربون للرسول صلى الله عليه وسلم يدخلونها ويخرجون منها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هؤلاء لا يكفيهم هذه الأركان الأربع، إنما يحتاجون إلى شيء يزيد عليهم وهو أن يحموا ثغرهم الإسلامي. كيف يحموه؟ أن يُقاتلوا في سبيل الله، المَغنم هذا لن يأتي إلا بالقتال في سبيل الله «واعلموا أن ما غنتم من شيء فأن لله خمسه» من أين سيأتي هذا الخمس؟ هو لا يريد أن يقول من أول لحظة اذهبوا وقاتلوا الناس بالسيوف، إنما قال لهم أشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأدوا الصلاة والزكاة والصوم، وأدوا الخمس من المغنم.

إذن ستقاتلون. وعندما تقاتلون سينصركم الله وتغنموا، فإذا غنمتم يبقى لكم الأربعة أخماس وعليكم الخمس.

أليست هذه بشارة عظيمة جدًّا؟ عبارة الخمس من المغنم حلت لهم المشكلة وعلمتهم أمرًا لم يكونوا يعرفونه، وقالت لهم: عندما تحاربون ستنتصرون وستغنمون أموالاً. فَبَشَّرَهم أنها ستكون حرب غنيمة وليست حرب مغرم، وقال لهم أدوا الخُمس من المغنم.

ونهاهم عن الدُبَّاء (الدباء هو القرع الكبير أو الوعاء المُتَخذ منه الذي يُخمرون فيه التمر أو العنب) والحنتم (الحنتم هي الجرار التي كانوا يصنعونها من الفخار ويطلونها بلون أخضر وكانوا يحضرون اللون الأخضر من نبات اسمه الحنتم فاختصر الرسول صلى الله عليه وسلم القصة، وفي بعض الروايات قالوا له: وما أدراك يا رسول الله بالدباء والحنتم؟ كيف عرفت وأنت من قريش فقال لهم: ألا تعرفون أني أعرف؟ فقالوا له: الله ورسوله أعلم والمُزَفَّت (أوالمُقيَّر أي المطلي بالقار أو بالزِّفت)، (والكلمتان واردتان في روايات صحيحة) (قال شعبة وربما قال: النقير). أي نهاهم عن النقير (النقير هو جذع النخلة ينقر وسطه ويكون من الأسفل أصم ليس به ما يُنْزِل الماء ويضعون داخله النبات ثم يصبون عليه الماء ثم يشربونه بعد أن يخمر وهو مُسكِر. فنهاهم عن الآنية التي توضع فيها الأشياء فتتحول إلى شراب مسكر أي نهاهم عن المسكر نفسه بالنهي عن الإناء الذي يوضع فيه.وسيأتي معنا في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكسر الآنية أو القدور فقالوا له: "أنغسلها ونشرب فيها" فقال لهم إن الظرف لا يحرم شيئاً ولا يحلله فاغسلوها وكلوا فيها ما حل أو اشربوا فيها ما حل. وقال: "احفظوه (احفظوا هذه الوصية الخماسية أوالرباعية) وأخبروا من وراءكم»

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج، أشج عبد القيس (الأشج هو من عنده جرح غائر وملتئم فسُمي أشج عبد القيس نسبة إلى قبيلته) «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» الحلم هو الصبر وسعة الصدر واحتمال الآخرين وغفران الزلات، والأناة هي عدم الاستعجال.

فقال النبي e لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة». ليت كل واحد منا ينظر إلى الخصال التي يحبها الله، التي سترد معنا بعد ذلك في عددٍ الأحاديث، ويحاول أن يتخلق بها، لكنا نخرج من هذا اللقاء وقد تخلقنا بمعظم أخلاق الإسلام، إن لم يكن بكلها. ولكن إذا استمعنا إلى هذه الأحاديث على أنها جلسة مسلية سنخرج دون أن نتعلم شيئاً.

فلنجعل أول ما نتعلمه من هذا الدرس هو الحلم والأناة، فيحاول كل واحد فينا؛ العصبي لا يكون عصبياً، المتعجل لا يكون متعجلاً، الغضوب لا يكون غضوبًا. الذي يريد أن تنتهي الأمور في ساعة زمن يحاول أن يجعلها ساعتين لأنه لن يحصل شيء في التأني. لأن هذا من الأناة التي يحبها الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم مدح بها أشج عبد القيس.

وإذا نظرت في مدح الرسول e أشجَّ عبد القيس علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيًا عن إسداء هذا المدح، رجل جاء مع الوفد من قبيلته أو قومه، وقالوا كلمتين وأخذوا كلمتين، وقعدوا كام يوم في المدينة، فما الذي يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة ما خرج عليهم وقال لهم مرحبًا بالوفد غير خزايا ولا ندامى، يختار واحدًا منهم ويقول له إن فيك لخصلتين يحبهما الله؟.. ما هذا الثناء العظيم؟ في الواقع ليس هناك تطييب للقلوب أكثر من الثناء على كبراء الناس وعظمائهم ومقَّدميهم. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يطيّب قلوب أصحابه، فهو لم يكن فظًا ولا غليظ القلب كما وصفه القرآن: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك». فالله سبحانه وتعالى ألقى في قلب النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الرأفة والرحمة التي جعلته يُحبب الناس في نفسه ودينه بهذه الطريقة اللطيفة. لم يقل لهم شيئًا كاذبًا؛ لم يقل يا أفخم الفخماء، ولا يا سمو الأمير، ولا يا معالي الوزير. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، إنما قال له شيئًا صادقًا. قال له: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة». ولا ريب أن هذا تطييب للقلوب عظيم. وهو تعليم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته كلها، سابقها ولاحقها، أن الحلم والأناة من الخصال التي يحبها الله، وإذا أحبهما الله يحبهما رسوله أيضًا، ويحبهما المؤمنون. ثم إذا أحبهما المؤمنون فيحبون من هما فيه. انظر إلى هذه السلسلة حتى تصل بالمسألة إلى الفهم الدقيق بالتفصيل.

هذا هو الحديث الأول الذي أتى به الإمام المنذري تحت عنوان أول الإيمان قول لا إله إلا الله.

* * *

الحديث الثاني: رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بارزًا للناس، (يعني قاعدًا) فآتاه رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخِر. قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه ( وفي رواية أخرى إن لم تكن تراه) فإنه يراك (عليك أن تعبده وأنت عالم أنه مطَّلع على ما تفعل في هذه العبادة، وليس المقصود بالعبادة هنا مجرد الصلاة والصوم، المقصود حياتنا كلها «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» فنحن مخلوقون للعبادة، إذًا حياتنا كلها ينبغي أن تكون بهذا التوجه، وأن تكون نيتنا في عملنا وفي سهرنا وفي قيامنا وفي زيارتنا وفي عطائنا وفي منعنا أن نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى) قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها (الأشراط هي العلامات) إذا ولدت الأمة ربها (وفي رواية إذا ولدت الأمة ربتها) (وهذا معناه أن يكثُر الإماء الذين يُتَخذون في البيوت ويكون في هذه الكثرة نوع من أنواع فساد الأخلاق لأنه لا يجوز استرقاق الإنسان للإنسان، هذا كان أمرًا متعلقاً بزمن الحرب، ومتعلقًا بالمعاملة بالمثل. فإذا انقضت المعاملة بالمثل، وانقضى هذا النوع من التنظيم الدولي فينبغي أن ينقضي عندنا أيضًا. وإذا استمر فهذا الاستمرار هو نوع من الفساد. فهذا كله كناية عن عدم جواز استرقاق الإنسان للإنسان إلا في الظروف المحددة التي كانت قائمة وقتها، وقت ظهور الإسلام أو بعد النبي صلى الله عليه وسلم) فذاك من أشراطها (فسَّروا ميلاد الرب أو الربة عندما تلد من سيدها، تلد ممن يملكها، فكأنها تلد من يملكها بعد وفاة أبيه. ونحن نعرف أنه لما كنا نُجيز الاسترقاق كان عندنا إنسانية في هذا الاسترقاق، فكانت المرأة إذا ولدت لزوجها حتى لو مات ولدها أو وليدتها مجرد ما تلد تكون على ذمة التحرر، تكون أم ولد، عندما يموت تكون حرة لا تكون أمة مملوكة لأولادها منه أو من غيره) وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها (الحفاة العراة كناية عن الطبقات السيئة الخُلق، السيئة السلوك التي لا تعرف كيف تدير الدنيا ولا كيف تؤدي للناس حقوقها ولا كيف تحترم ملكيات الناس وما لهم على الآخرين من حقوق. كنَّى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الطبقات التي هي لا عقل لها ولا علم عندها ولا تراث ولا ماضٍ كما قال الشاعر: "لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم". سراة يعني رؤساء، يعني لا يكون هناك رئيس، ولا سراة إذا جهالهم سادوا. إذا كان الذي يحكمنا جاهل لا يحسن القراءة ولا الكتابة، لا يحسن الصلاة. أو لا يُحسن الفهم عن الناس إذا حدَّثوه، أو لا يُحسن الرد على السؤال إذا سُئل، فكيف يكون لهم السيادة؟!. هؤلاء لا يستحقون السيادة. من نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بد) وإذا تطاول رِعَاءُ البَهْمِ (وفي رواية أخرى رعاة البهم) في البنيان فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله» (رعاة البهم هم الذين يرعون الإبل والغنم وما إليها، الناس الذين حياتهم أصلاً بسيطة وتجدهم اغتنوا فجأة من حيث لا يعرف الناس، ستجدهم يتطاولون في البنيان. ليس فقط رعاة الإبل ولكن كل الذين أتاهم مال من غير طريق الحلال المشروع، من غير الطريق الذي يعرفه الناس، وأتاهم فجأة دون أن يتعبوا في تحصيله بطرق السعي وراء الرزق المعتادة. ولذلك سيدنا علي له كلمة جميلة عندما قالوا له إن فلاناً كَثُر ماله، فسكت، فاغتاظ الناس؛ لأنه كان فقيرًا ووجدوه فجأة قد امتلأ بالمال. فقالوا له: يا أمير المؤمنين، فلان كثُر ماله. فلما أكثروا عليه (أي لما قالوا ذلك عدة مرات)، قال لهم: "المال ألف فإن زاد فألفان وفي الثلاثة شك". فإذا كان هذا الرجل قد كثر ماله لدرجة أنكم عرفتم ذلك عنه؛ لأن الألف أو الألفين لا يظهرون. فقال لهم: "المال ألف فإن زاد فألفان وفي الثلاثة شك". بعد الثلاثة انظروا وتأكدوا من أين جاء بهم. فهؤلاء الحفاة العراة أصبحوا رؤوس الناس، ثم رعاء البهم تطاولوا في البنيان وكثرت أموالهم فلم يكتفوا بالبيوت العادية إنما تطاولوا في البنيان ليظهروا أنهم أغنى من الناس وأنهم أقوى من الناس، وعندهم ما لا يملكه الناس.

هذه علامات ستكون قبل قيام الساعة. هذه علامات دالة على قرب الموعد. لكن الموعد واحد من خمسة أشياء لا يعرفها إلا الله) ثم تلا e قول الله تعالى «وإن الله عنده علم الساعة ويُنزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير» (فتلا على هذا السائل هذه الآية ليدله على أن العلم اليقيني بالساعة ليس لأحد من الخلق وإنما هو للخالق سبحانه وتعالى، هو في الأول قال له: ما المسؤول عنها أعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها. طيب كيف؟ وأنت تعرف كل هذه الأسرار. فرجع إلى أصل الجواب مرة أخرى، قال له: انتبه.. علمي بهذه الأشراط لا يعني علمي بالموعد. فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول إن علمه بأشراطها لا يعني علمه بالموعد) ثم أدبر الرجل (ذهب ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا عليَّ الرجل"، فأخذوا ليردوه (انطلقوا بسرعة) فلم يروا شيئًا. وفي رواية فلم يجدوا شيئًا فعادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله ما رأينا أحداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل جاء ليُعلم الناس دينهم».

هذا الحديث من الأحاديث الجامعة في الإسلام، والعلماء تكلموا عنه كلامًا كثيرًا. أريد أن أقول كلمة واحدة مما استوقف العلماء في هذا: أن أحدًا لم يكن قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأسئلة قبل أن يأتيه جبريل فيسأله، إنما جاء ليسأله حتى يعرف المسلمون ما الإيمان وما الإسلام والإحسان، وليعرفوا حدودهم في الكلام عن يوم القيامة. هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بالناس وهذا دليل على أن الإيمان في نفوس هؤلاء الصحابة، الذين لقوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، كان إيمانًا من نوع عجيب، لا يحتاجون أن يسألوه عن شيء. قال لهم لا إله إلا الله فصدقوه. هذه الواقعة كانت في المدينة، لأنه جاء في روايات أخرى أنه جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بمسجده، فجلس بإزائه، فجعل ركبتيه بإزاء ركبتيه ووضع كفيه على فخديه (أي فخذي الرجل)، قصة وحديث طويل. إذن، فقد أقاموا مسلمين في مكة 13 سنة ثم ذهبوا إلى المدينة وحاربوا وانتصروا، وانهزموا في أُحد.. وهكذا. ثم يأتي جبريل ويسأل هذه الأسئلة. إذن، لقد قبلوا هذا الإيمان وصدقوا هذا الرسول ومضوا خلفه وقاتلوا معه وقدموا أموالهم وأنفسهم فداء لدينه دون أن يسألوا هذه الأسئلة الجوهرية؛ لأنه كفاهم صدق قوله، فرحمهم ربهم تبارك وتعالى وأرسل جبريل بهذه الأسئلة لكي يعرفوا الإجابة عنها.

* * *

الحديث الثالث: والأخير في هذا الباب الذي هو باب: أول الإيمان لا إله إلا الله: «عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة (كان يُحتَضَر) جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية بن المغيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة (قلها كلمة أشهد لك بها عند ربنا، وفي روايات كثيرة جداً: كلمة تدخل بها الجنة، كلمة تنجو بها من النار) حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به هو على ملة عبد المطلب»

شوفوا الرواية الجميلة هنا، الراوي لم يقل أن أبا طالب قال أنا على ملة عبد المطلب، وعبد المطلب على ملة عبادة الأوثان. فالراوي مسلم موحد، فقال إن أبا طالب قال هو على ملة عبد المطلب، لا يريد أن يقول أنا على ملة عبد المطلب.

«فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك. فأنزل الله عز وجل «ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم» وأنزل لأبي طالب بالذات الآية الثانية «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين» العلماء يقولون بالإجماع إن هذه الآية نزلت في أبي طالب، ومختلفون في الآية الأولى.

في هذا الحديث أمر مهم ينبغي أن ننتبه إليه: بعض إخواننا الطيبين أصحاب الفهم الحرفي للنصوص لو واحد قال له: "والله".فربما ضربه أو نهره بشدة. أما إذا لم يكن شديد التمسك بحرفيته فربما يقول لك: "يا شيخ لا تحلف، لا تحلف، لا تعرض لسانك لليمين". وإذا كان عنده بعض علم يقول لك: "لا تحلف إلا إذا حُبِست على اليمين"، هذا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف في هذا الحديث للمشرك الذي لا يريد أن يقول لا إله إلا الله "والله لأستغفرن عنك ما لم أنه عنك"

أخذ منها الإمام النووي مأخذًا جميلاً قال:"في هذا الحديث جواز الحَلِفِ دون أن يُستحلف، والحَلِفِ بغير حاجة، والحَلِفِ في غير مجلس القضاء". ثلاث مسائل: يحلف من غير أن يستحلفه أحد، ويحلف من غير أن تكون هناك حاجة للحلف، ويحلف في غير مجلس القضاء. وهذا رد على إخواننا الذين يقولون لا تحلف إلا إذا حُبست على اليمين، أي كنت واقفًا أمام القاضي. والله أعلم.


| ياسرعلى | زاوية برمشا | 28/02/11 |
أحاديث صحيحه من صحيح البخاري
هذه الاحاديث نسختها من الويندو اللي تطلع لي في برنامج إلى صلاتي اللي قلتلكم عليه…. إليكم…..
حدثنا أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة قال أحسبه قال هُنَيَّةً فقلت بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد
حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ذكر يوم الجمعة فقال ‏ ‏فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم ‏ ‏يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها

عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل
عن عبد الله رضي الله عنه قال خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا
عن ‏ ‏أم عطية الأنصارية ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏دخل علينا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حين توفيت ‏ ‏ابنته ‏ ‏فقال ‏ ‏اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء ‏ ‏وسدر ‏ ‏واجعلن في الآخرة ‏ ‏كافورا ‏ ‏أو شيئا من ‏ ‏كافور ‏ ‏فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فأعطانا ‏ ‏حقوه ‏ ‏فقال أشعرنها إياه ‏ ‏تعني إزاره

اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من عذاب القبر

عن البراء بن عازب قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك قال لا ونبيك الذي أرسلت
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال ,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان إذا أويت الى فراشك فقل : اللهم أسلمت نفسي اليك, ووجهت وجهي اليك, وفوضت أمري اليك, وألجأت ظهري اليك, رغبة ورهبة اليك, لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك, آمنت بكتابك الذي أنزلت, ونبيك الذي أرسلت, فإنك إن مت من ليلتك, مت على الفطرة, وإن أصبحت أصبت خيرا
عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لبلال ‏ ‏عند صلاة الفجر يا ‏ ‏بلال ‏ ‏حدثني ‏ ‏بأرجى ‏ ‏عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال ما عملت عملا ‏ ‏أرجى ‏ ‏عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي ‏قال أبو عبد الله ‏ ‏دف نعليك ‏ ‏يعني تحريك
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال
إن شاء الله حنزل المعلومات الاسلاميه اللي تطلع لي كمان.. قاعده انسخها من حين لآخر
مع تحيات ياسر على ابو عمار

| ياسرعلى | زاوية برمشا | 26/01/11 |



الرئيسة
اعرف نبيك
العلماء وطلبة العلم
أفكار دعوية
مكتبة صيد الفوائد
المكتبة الصوتية
الأنشطة الدعوية
زاد الـداعـيـة
زاد الخـطـيـب
العروض الدعوية
للنساء فقط
ملتقى الداعيات
رسائل دعوية
الفلاشات - القصص
مقالات
واحة الأدب
منوعات - مختارات
الملل والنحل
الطبيب الداعية
بحوث علمية
تربية الأبناء
جهاد المسلمين
محمد بن عبدالوهاب


صفحات مهمة

مخـتـارات ملتقى العلماء والدعاة تراجم العلماء والدعاة هواتف العلماء والدعاة أرقام مكاتب الدعوة وقفة مع الأحداث تبرئة المناهج الليبرالية في الميزان الشيخ محمد بن عبدالوهاب دعاوى المناوئين لأبن تيمية الأسهم المالية حتى لا تغرق السفينة لقاءات عبر الشبكة مختارات من منتدىالملل المنهجية في طلب العلم للشباب فقط سلاح المقاطعة كل شيء عن العلمانية الرد على حسن المالكي
صفحات مميزة قصص مؤثرة الفلاش الدعوي الفيديو الدعوي الجوال الدعوي المعارض الدعوية الباوربوينت الدعوية المواقع الإباحية وأثرها وقفة تأمل ومحاسبة يا روادَ منتديات الحوار البيت السعيد الشرح الفقهي المصور
الأنشطة الدعوية زاد الداعية المعلم الداعية المرأة الداعية الطبيب الداعية المراكز الصيفية الدورات العلمية تفعيل العمل الخيري دعوة الجاليات المسابقات الثقافية المخيمات الدعوية الألعاب الحركية والذهنية الرحلات الدعوية حلقات تحفيظ القرآن الدعوة في المنتديات أفكار دعوية ساهم في نشر الإسلام تربية الأبناء
زاد الداعية شحذ الهمّة للدعوة الى الله فن الدعوة ووسائل التأثير أفكار إدارية للدعوة معوقات في طرق الدعوة رسائل ومقالات دعوية قصص من آثار الدعاة رسالة عاجلة للدعاة أفكار دعوية تربية الأبناء الأنشطة الدعوية
مـوسـمـيـات فضائل بعض الشهور مختارات نهاية العام فضل شهر الله المحرم مختارات رمضانية مختارات الحج استغلال الإجازات الشتاء أحكام وآداب حكم المولد النبوي عيد الحب وقفات مع العيد التحذير من أعياد الكفار





فضل العلم على ما سواه



محمد محمود عبد الخالق


ومن أهم فضائل العلم:-
(1) أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترث محمداً – صلى الله عليه وسلم وهذا من أكبر الفضائل .

(2) أنه يبقى والمال يفنى، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمي عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا ؟ نعم يجري كثيراً فيكون لأبي هريرة أجر من أنتفع بأحاديثه، إذ العلم يبقى والمال يفنى فعليك يا طالب العلم أن تستمسك بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له .

(3) أنه لا يتعب صاحبه في الحراسة، لأنه إذا رزقك الله علماً فمحله القلب لا يحتاج إلي صناديق أو مفاتيح أو غيرها هو في القلب محروس وفي النفس محروس وفي الوقت نفسه هو حارس لك لأنه يحميك من الخطر بإذن الله – عز وجل – فالعلم يحرسك ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الإغلاق ومع ذلك تكون غير مطمئن عليه .

(4) أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق والدليل قوله تعالى: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) ( آل عمران، الآية: 18 )، فهل قال: " أولو المال ؟ لا بل قال " وأولو العلم قائماً بالقسط " فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله عز وجل .

(5) أن أهل العلم هم أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله): يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( النساء، الآية: 59) فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام، والعلماء وطلبة العلم، فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها .

(6) أن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة، ويستدل لذلك بحديث معاوية – رضي الله عنه – يقول سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم يقول:" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله معطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي الله بأمره " رواه البخاري 0 وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطائفة:" إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم " وقال القاضي عياض – رحمه الله -: " أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث "

(7) أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيء من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما:
1- طلب العلم والعمل به.
2- التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها "

(8) ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة طيبة ، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلاَّ فذلك مثل من فقه في الدين ونفعهُ ما بعثني اللهُ به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به "

(9) أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال :" ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلي الجنة " رواه مسلم .

(10) ما جاء في حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من يرد الله به خيراً يُفقهه في الدين " أي يجعله فقيهاً في دين الله عز وجل والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط ولكن المقصود به هو: علم التوحيد وأصول الدين وما يتعلق بشريعة الله عز وجل ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملاً في الحثِّ على طلب علم الشريعة والفقه فيها.

(11) أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه ، وكيف يعامل عباده ، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة .

(12) أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم ، ولا يخفى على كثير من قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجلٍ عابد فسأله هل له من توبة ؟ فكأن العابد إستعظم الأمر فقال: لا فقتله فأتم به المئة، ثم ذهب إلي عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دلّه على بلد أهله صالحون ليخرج إليها فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق …..والقصة مشهورة فأنظر الفرق بين العالم والجاهل .

(13) أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلي الله عزَّ وجلّ والعمل بما عملوا وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به قال الله تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ( سورة المجادلة، الآية: 11).
وليس هذا فقط فللعلم فضائل غيرها ومناقب وآيات وأخبار صحيحة مشهورة مبسوطة في طلب العلم .

عقد ابن القيم – رحمه الله تعالى – مقارنة بين العلم والمال يحسن إيرادها في هذا المقام فقد فضل العلم على المال من عدة وجوه أهمها:
أن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الملوك والأغنياء 0
أن العلم يحرس صاحبه وصاحب المال يحرس ماله.
أن العلم يزداد بالبذل والعطاء والمال تذهبه النفقات – عدا الصدقة.
أن العلم يرافق صاحبه حتى في قبره والمال يفارقه بعد موته إلا ما كان من صدقة جارية 0
أن العلم يحكم على المال فالعلم حاكم والمال محكوم عليه.
أن المال يحصل للبر والفاجر والمسلم والكافر أما العلم النافع فلا يحصل إلا للمؤمن.
أن العالم يحتاج إليه الملوك ومن دونهم وصاحب المال يحتاج إليه أهل العدم والفاقة والحاجة.
أن صاحب المال قد يصبح معدماً فقيراً بين عشية أو ضحاها والعلم لا يخشى عليه الفناء إلا بتفريط صاحبه.
أن المال يدعو الإنسان للدنيا والعلم يدعوه لعبادة ربه.
أن المال قد يكون سبباً في هلاك صاحبه فكم أختطف من الأغنياء بسبب مالهم !! أما العلم ففيه حياةٌ لصاحبه حتى بعد موته.
سعادة العلم دائمة وسعادة المال زائلة.
أن العالم قدره وقيمته في ذاته أما الغني فقيمته في ماله.
أن الغني يدعو الناس بماله إلي الدنيا والعالم يدعو الناس بعلمه إلي الآخرة.

وهاك مثالاً يبين فضل العلم على الإنسان إنه يدور في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد إنها قصة تلميذ الإمام أبي حنيفة ( أبو يوسف ) التي يرويها علي بن الجعد فيقول: " أخبرني أبو يوسف قال توفي أبي إبراهيم بن حبيب وخلفني صغيراً في حجر أمي فأسلمتني إلي قصار أخدمه فكنت أدع القصار وأمر إلي حلقة أبي حنيفة فأجلس أسمع فكانت أمي تجيء خلفي إلي الحلقة فتأخذ بيدي وتذهب بي إلي القصار وكان أبو حنيفة يعني بي لما يرى من حضوري وحرصي على التعلم فلما كثر ذلك على أمي وطال عليها هربي قالت لأبي حنيفة ما لهذا الصبي فساد غيرك هذا صبي يتيم لا شيء له وإنما أطعمه من مغزلي وآمل أن يكسب دانقاً يعود به على نفسه فقال لها أبو حنيفة: قري يا رعناء ها هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق – فانصرفت عنه وقالت له: أنت يا شيخ قد خرفت وذهب عقلك !! …. فأكمل أبو يوسف فقال: ثم لزمت أبا حنيفة وكان يتعهدني بماله فما ترك لي خلة فنفعني الله بالعلم ورفعني حتى تقلدت القضاء وكنت أجالس هارون الرشيد وآكل معه على مائدته فلما كان في بعض الأيام قدم إلي هارون الرشيد فالوذجاً بدهن الفستق فضحكت فقال لي مم ضحكت ؟ فقلت: خيراً أبقى الله أمير المؤمنين قال: لتخبرني – وألح علي – فأخبرته بالقصة من أولها إلي آخرها فعجب من ذلك وقال لعمري: إنه العلم ليرفع وينفع ديناً ودنيا وترحم على أبي حنيفة وقال: كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه.
وهذا عبيد الله بن كثير يروي عن أبيه أنه قال: " ميراث العلم خير من ميراث الذهب والفضة والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ ولا يستطاع العلم براحة الجسم ".

وأما معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: (تعلموا العلم ـ دققوا في هذا الحديث الطويل ـ تعلموا العلم فإن تعلُّمه لله ـ أي مخلصاً به ـ خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة ـ أثمن هدية ـ وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على الدين، والنصير في السرَّاء والضراء، والوزير عند الإخلاء, والقريـب عند القرباء، هو منـار سبيل الجنة، يرفـع الله به أقواماً يجعلهم في الخير قادة وسادة، يُقتدى بهم، يدل على الخير، وتقتفى به آثاره، يجعلك مع الملائكة والمُقَرَّبين، يسبِّح لك كل رَطْبٍ ويابس، تستغفر لك حتى الحيتان في البحر، وهوامُّ السِباع في البَر، به يطاع الله عزَّ وجل ـ بالعلم يطاع الله عز وجل، كيف تطيعه إن لم تعلم ما أمره وما نهيه ؟ ـ وبه يُعْبَد الله عزَّ وجل، وبه يوحَّد الله عزَّ وجل، وبه يُمَجَّد الله عزَّ وجل، وبه يتورَّع الإنسان ـ يكون ورعاً ـ وبه توصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام. هو إمام العمل يلهمه السُعداء ويحرم منه الأشقياء).

الإمام الحسن رضي الله عنه يقول: " لولا العلم لصار الناس مثل البهائـم "، كلكم يعلم أن كل شيءٍ ماديٍ يشغل حيزاً في الفراغ، له وزن، له طول، له عرض، له ارتفاع، لكن النبات هو شيءٌ ماديٌ يشغل حيِّزاً وينمو، والحيوان شيءٌ ماديٌ يشغل حيزاً وينمو ويتحرك، ولكن الإنسان شيءٌ ماديٌ يشغل حيزاً ويتحرَّك ويدرك، ويفكر، ويعقل، فحينما يُعَطِّل الإنسان عقله، حينما يُلْغي عقله، حينما يحتقر عقله، حينما يستخدم عقله في غير ما خُلِق له هبط إلى مستوى البهائم؛ كتلةٌ من لحمٍ ودم، تبحث عن طعامٍ وشراب، تقتنص اللّذات، تريد أن تأخذ كل شيء بجهلٍ كبير، فالإمام الحسن يقول: " لولا العلم لصار الناس مثل البهائم "، أي أن طلاب العلم يخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية.

يقول يحيى بن معاذ ـ أحد العارفين بالله ـ: " العلماء أرحم بأمة محمدٍ من آبائهم وأمهاتهم، قالوا: كيف ذلك ؟ العالم أرحم بتلميذه من الأب والأم بابنيهما ؟‍! قال : إليكم الجواب ، الآباء والأمهات يحفظون أولادهم من نار الدنيا ـ يخافون عليهم المرض ، يخافون عليهم الحريق، يخافون عليهم الفقر ـ ولكن العلماء يحفظون أتباعهم من نار الآخرة . تنتهي فضائل الأبوة في الدنيا، لكن فضائل طلب العلم تستمر إلى أبد الآبدين ".




طلب العلم

مقدمة الموسوعة
منهجية الطلب
القراءة
دراسة الفنون
الحفظ
أدب الحوار والخلاف
متفرقات
المكتبة
الأفكار الدعوية
الموسوعة

مواقع اسلامية









...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة