فضاءات بني طالب

بني طالب

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
علاء محمد محمود
مسجــل منــــذ: 2010-12-29
مجموع النقط: 4.2
إعلانات


قصة قصيرة

نهاية ولــكن
ليست ملامح وجهه تلك التي اعتدت علي رؤيتها من قبل ، وليس ذلك وجهه الذي كان يشع إيمانا راسخا بعقيدة الإسلام الحنيف ، نعم .. لقد اختلطت ملامحه و تغيرت ، فأصبح هزيلا بعد أن رحلت عنه معاني الإيمان و كلماته0
اليوم و بعد ثلاثة أعوام مضت جئت لكي أراه ، فوجدته شخصاً آخر قد ارتدى ثيابه و اتخذ من اسمه لقبا ؛ قبل أعوام كنا صديقين لا نفترق ، تربينا معا على عقيدةٍ صادقةٍ صالحةٍ ،فأحببته و أحبني حبا خالصا،رافقته من الدهر أياماً ورافقني،إلى أن جاءت تلك الساعات التي جعلت من أيام الدهر خناجراً تخترق القلوب ، نعم إنها ساعات الفراق الصعبة ، فرحلت عنه و أنا أحمل له في قلبي و عقلي صورة لن تُنس مهما مرّ عليها الدهر0
طُويتُ الأيام و الشهور و السنوات مع صفحات هذا الدهر في سفرٍ كبير ، لأجد نفسي و قد قضيت ثلاثة أعوام كاملات ٍ في غربة قاسية ... لا أدري كيف مرت ولكنها بدت لي كلحظاتٍ من كابوس مرّ عليّ ليترك في أعماقي جرحا لم يشفه سوى مشهدُ لذلك الوطن الحبيب؛ ذلك المشهد الذي ظل صامدا في ذاكرتي يحارب شبح النسيان تارة وأخري يقهر الغربة ويهدأ من ألامها 0
و أخيراً حان موعد عودتي ؛ فكل الطيور تهاجر وتعاود أدراجها للوطن،وقفت في المطار لأستذكر لحظات من ذلك الماضي القريب في بلدي الذي طالما عشقته ... أستذكر ذلك الصديق الذي كان ينتظرني ، وحان موعد الإقلاع الذي كنت أنتظره ... ركبت ذلك الشيء الضخم الذي سيكون سبيلا لعودتي ... نعم ركبت الطائرة مسرعا متلهفاً أريد أن أرى وطني .. أريد أن أرى صديقي والأهل والأحباب .. أريد أشياء كثيرة كانت تسبح في بحر مخيلتي و تحتل ــ منذ أن جئت ـــ كل أفكاري
فالحلم الذي كثيرا ما راودني الآن يتجسد أمام عيني . عقلي وقلبي
و صلت إلى ضالتي التي كنت أنشدها في الساعة الواحدة ظهرا ولكن سرعان ما تغيرت عقارب الساعة لتشير إلى الرابعة .. خرجت وتركت كل من اجتمعوا ليهنئونا بالعودة واتجهت مسرعاً إلى بيت " أحمد " فطرقت الباب في لهفة و عجلة .. فخرج يستقبلني مقبلا فرحاً و لكنني شعرت بشيء غريب يتسلل إلى نفسي ، و من حديثه الذي طال علمت بأن الدهر قد اختاره ليكون واحداً من أشقياء هذه الدنيا .. واحداً من أشقياء هذا العالم البغيض .. فشعرت بالحزن يشق في أعماقي جرحاً جديداً قاتلاً يصعب أن يوجد له دواء،حاولت حينها بكلمات عديدة و مختلفةٍ أن أعيده إلى الطريق الذي كان عليه يسير، ولكنه لم يستجب لما قلت فأمهلته من الأيام ثلاثة ليرد إليّ جوابه الذي كنت آمل أن يكون ما أريد0
وعدت إلى البيت وفوق رأسي سحابة سوداء أتنفس هواء لا ينعش وكأنه قام من أنفاس الموتى في القبور المجاورة من منزلي ، و استلقيت على سريري محاولا النوم رامياً كل همومي في سلة المهملات فدقت الساعة معلنة منتصف الليل ، حاولت النوم ثانية فإذ بنفسي تقول : ويحك يا هذا أتنام و قد فقدت من الأصدقاء أفضلهم و من الناس أقربهم إلى قلبك ... فشعرت ببضع قطرات من الدمع تنساب على وجنتي محاولة بدفئها أن تحارب ذلك البرد الذي كان يحاول احتلالي .. نعم لم أستطع النوم فعقلي وقلبي لم يكونا معي كانا مشغولين بأشياء كثيرة لم أعرفها ، كنت أتمنى لو لم أسافر .. كنت أتمنى لو لم أعد لأرى أي حال آلت إليه هذه الأمة التي ادعت الحضارة و التقدم ...
و بعد أن مرت تلك الأيام الثلاثة ذهبت إليه أسأله ما الذي اهتدي عليه من الأمر ، فلم أجده هناك ولكن أخاه أخبرني أنه قد خرج في رحلة مع أصدقائه و صديقاته .. وهناك وفي تلك اللحظة عرفت ما هي الإجابة ، و لكنني لم أجعل لليأس إلى قلبي سبيلا ، فملامحه التي كانت تحمل كثيرا من البراءة كانت تشجعني .. و وجهه الذي كان مسرحاً لصراع يحتدم في داخله محاولاً أن يدفن معاني الإيمان و الحق في الأعماق ليظهر للناس متحضراً كان دوماً يحفزني و يدفعني إلى المثابرة .. حاولت مرات و مرات ٍ فلم استطع .. وجدته قد أغلق قلبه قبل أن يغلق أذنيه ، مما جعلني أتركه و أنسى تلك السنوات التي قضيناه معاً كبرنا وكبر معنا الدهر0
ومضت الأيام كعادتها دون توقف وأنا مازلت من وقت لأخر أتذكر صديق الأمس أتذكر ذلك الصديق الذي كان شمعة تحترق لتضيء للآخرين ، أتذكر من كان لي ضوء يضيء في ليلة حالكة السواد0
وفي إحدى أيام الصيف الحار كنت أجلس مع عائلتي فإذا بالهاتف يرن ، فرفعت سماعته لأسمع صوت امرأة هزيل تبكي قائلة : أهذا بيت محمد ؟ ، أجبتها نعم ، فقالت : أنا زوج صديقك القديم أحمد ، وأنا أريد مساعدتك ، وهنا حاولت أن أظهر لها عدم المبالاة ، و لكنها عادت إلى التوسل قائلة : أرجوك أغثني فأنا بحاجة إليك ، صديقك أحمد قد صار مدمناً فأرجوك ساعدني0
و في تلك اللحظات شعرت بالغثيان يمزق أحشائي من الداخل فلم أستطع حتى أن أمسك السماعة بيدي ، فألقيتها بعيداً و خرجت إليها مسرعاً إلى أن وصلت إلى بيت أحمد لتخبرني عن حالها و حال زوجها الذي صار سيد أشقياء هذه الدنيا ،كانت البائسة المسكينة لا تراه إلا في أيام قليلة من هذا الشهر الطويل، و أكملت حديثها قائلة : بأن مرضاً خطيرا قد أصاب ابنها الأصغر فنقلته إلى المستشفى و هي لا تمتلك من المال شيئاً كي تدفعه ، و طلبت مني أن أبحث عن أحمد ربما أجده فيتصرف في الأمر ...
فخرجت من هناك و أمواج الغضب تحتل عيناي و قلبي و كل نفسي .. بحثت في كل مكان فلم أترك من الزقاق شيئاً إلا دخلته إلى أن وصلت إلى أحد البارات التي اعتاد أولئك البؤساء أمثاله أن يدخلوها ، فوجدت مجموعة من الناس قد التفوا حول شيئاً ،فدفعني حب الاستطلاع أن أرى ما الأمر فذهبت نحوهم فإذ بأحمد قد خر صريعاً ميتاً على الأرض ..
ألقيت بنفسي فوقه أقبله و أستسمحه ..
و شعرت بأن الدنيا بأسرها صارت ظلاما لا أرى منها سوى وجه أحمد يعاتبني ...... أنا السبب لأنني تركته ولم أثابر على نصيحته ، وشعرت أن قلبي فارق موضعه إلي حيث لا أعلم له مكانا ثم دارت بي الأرض دورة سقطت علي أثرها في مكاني لا أشعر بشيء مما حولي ،ولم أفق إلا بعد حين ففتحت عيني فإذا أنا في المستشفى و قد مر عليّ يومين كاملين وأنا في غيبوبة خطيرة ..
و بعد أن خرجت ذهبتُ إلى زوجته التي كانت لا تعلم من حاله شيئاً فوجدت في عينيها شيئا من العتاب، و سألتني : لماذا لم تهتم به؟؛لم أستطع الإجابة و أنا أرى حولها أولئك الصغار الثلاثة المعذبين ، ولكن الحقيقة كانت أقوى من مخاوفي ، فنطقت بتلك الكلمات القاسية المؤلمة ،و لكنها حاولت أن تتمالك نفسها ولكن بلا جدوى فسقطت على الأرض لتخرج آخر أنفاسها الطاهرة من هذا العالم المقيت الذي لا يستحق حتى الحياة ؛ و حولها أولئك الصغار الثلاثة تنساب منهم براءة حزينة ، جعلتني أشعر بسكرات الموت قبل أوانها.
فحملتهم معي أربيهم على ما تربيت عليـه00000

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة