فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3044.84
إعلانات


المقاصد الغائبة في شهر الصيام

المقاصد الغائبة في شهر الصيام

المقاصد الغائبة في شهر الصيام

نحمد الله أنّ الجزائريين من الشعوب المسلمة التي تعظّم شعائر الدين، ويظهر تعلقها جليّا بأداء العبادات المفروضة في مواسم الطاعات، مثلما نحن عليه في شهر رمضان، وهُم منْ أكثر المسلمين إقبالاً على أداء مناسك الحجّ والعمرة، مثلما تعجّ بيوت الرحمان بالمصلين من كل الفئات العمريّة، أمّا تدافعُهم المحمود على الإحسان وخدمة الفقير وعابر السبيل وإطعام المسكين، فتدلّك عليه إعانات رمضان ومطاعم الرحمة في كل مكان وحملات كسوة العيد.

لكن ذلك لا يمنع من المجاهرة بالحقيقة، وهي أنّ كثيرا منّا يعيش في حالة تناقض وانفصام بين القيام بالواجبات المفروضة وسلوكه العامّ في الحياة، ما يُثبت الخلل الحاصل في إدراكنا للمفهوم الشمولي للعبادة من الأساس، والاضطراب في ممارستها العملية.

لقد أضحى الشهر الفضيل، مع ما يحمله من قيم روحية وتربوية واقتصادية سامية، مناسبة مؤرِّقة لجمهرة من العباد وحتّى القائمين على شؤون البلاد، لأنّ العُرف الفاسد جعل منه عبئًا اجتماعيّا وحكوميًّا، تكثر فيه النفقات المرهِقة دون مبرّر، ويبرز معه جشع الإنسان المادي، حتى بلغ بنا الحال إلى ضجر خلْقٍ كثير من قدوم شهر الرحمة.

من العجيب أن نغفل عن معاني الصيام التربوية في لجْم النفس عن شهوات الطعام والشراب وكل الملذات، وتطويعها على الصبر والامتناع امتثالا لأمر الله، حتّى تتهيّأ لمقام التعبّد، وأن نقابل ذلك بالإسراف إلى حد التبذير المنهيِّ عنه شرعًا على موائد الإفطار، إذ تجد الناس تتزاحم في المحلات والأسواق لاقتناء كل شيء، حتى يخيل إليك أن البلد توشك على حرب لا تُبقي ولا تذر.

أليس من العيب في حقّ المسلمين أن يشتكي عمال النظافة في شهر رمضان المعظم من تراكم الأوساخ بالمدن وتكديس الأطعمة التالفة في المزابل ورمي الأطنان من الخبز المدعم بالمال العامّ، وما ذلك إلا لسبب بسيط، وهو أننا نفشل في ضبط سلوك التسوّق أمام شهوة البطن في النهار، ثمّ نُعرض عن الأكل عندما نتحرّر ليلا من الصيام؟

صحيحُ أن قطاعًا واسعًا من المجتمع مسّه العوْز نتيجة الغلاء، وليس من اللائق وعْظُه بالاقتصاد في الأكل، بينما هو يجد مشقة كبيرة في سدّ رمق عياله، لكن على الجهة المقابلة، لا تزال بيننا غالبية مسرفة، لا تراعي مقاصد الصيام، إلا من حبسه العُسر وقلة ذات اليد، والأسوأ أن يفعل ذلك دون شعور إنساني بفاقة الأقْربين والجيران والمساكين في محيطه الاجتماعي، ولا نظنّ معنى التقوى المرتجى من فريضة الصيام سيكون منسجمًا مع هذا الاختلال الفادح.

وفي الجهة الأخرى، يترقّب منتجون وتجارٌ أنانيّون غلبهم هوى الدنيا الشهر الفضيل بفارغ الصبر، ليتجردوا خلاله من كلّ قيم الرحمة، فيجعلون منه موسمًا للربح السريع على حساب المستهلِك المغلوب على أمره، في سوق تتقاذفها المضاربة وقواعد العرض والطلب.

في بلاد المسلمين، وفي شهر التراحم والتكافل، تنام وتصحو على أسعار مختلفة جذريّا لمواد واسعة الاستهلاك، مع أنّه لا شيء طرأ على محدِّداتها من حيث التكلفة النهائية، إنما هو فقط استغلالٌ فاحش لحاجة الناس إليها، فكيف يستقيم هذا السلوك المادّي الذميم مع خُلق الرحمة وهي من المقاصد الرئيسة التي شُرع الصيام لتحقيقها في واقع الأمة؟

في شهر القرآن والقيام، حيث الشياطين مصفّدة، تستنفر الدولة كلّ أجهزتها الرقابيّة والأمنيّة لملاحقة أبالسة الإنس، صونًا لحقوق العباد من المضاربين والغشاشين، وترتفع مخصصاتها المالية لتغطية حاجيات المواطنين الغذائية، فأيّ أثرٍ إيجابي كسبناه من مدرسة رمضان؟

لا يمكن التعميم في كل الأحوال والإفراط في جلد الذات بخطاب التقريع، لكن الواقع الماثل يُنبِّئنا للأسف الشديد بفقدان المقاصد الرمضانيّة في أبعادها الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، ما يجعلنا أمام نداء ضمير صارخ لتصحيح العبادة من الانحراف، لأن الصوم ليس مجرد انقطاع عن الأكل والشرب وشهوة الفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بل هو مثل سائر الفرائض تزكية للنفس البشرية من أدرانها الخبيثة.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة