فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3044.84
إعلانات


التحرّر من سلطان البطن

عاد رمضان، وفتح أبواب مدرسته لكلّ عبد مسلم يهمّه أن يفهم غاية الوجود وحقيقة الحياة.. عاد ليذكّرنا أنّنا ما خلقنا لأجل أن نأكل ونشرب، وإنّما خلقنا لغاية أسمى من تحريك الأضراس والأمعاء؛ هي عبادة الخالق -جلّ وعلا- وإقامة دينه وشرعه في أنفسنا وبيوتنا وأهلينا ومجتمعنا: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين)).. يعود رمضان ليذكّرنا أنّ الهوان منتهى الهوان يوم يصبح العبد المؤمن لا همّ له إلا بطنُه؛ يوالي ويعادي ويَذلّ ويريق ماء وجهه ويضيّع صلاته وينسى دينه وأمّته وإخوانه لأجلها!

إنّنا لو سألنا عن كثير من العداوات والخصومات التي تنشب وتضطرم ويطول أمدها بين الأقارب والجيران والخلان، لوجدنا أنّ سببها البطون.. قطعت الأرحام وأسيء الجوار لأجل البطون، وأسيلت الدماء وأزهقت الأرواح لأجل أموال هي في تهاية أمرها ترصد وتجمع لإشباع نهم البطون!

يعود رمضان ليذكّرنا بأنّ شرّ وعاءٍ يملؤه العبد بما يزيد على الحاجة هو البطن الذي يتأذى ويسقهم ويؤدي بصاحبه إلى الهلكة متى ما أتخم.. إنّه ما انطلقت كثير من النّفوس تلهث خلف الشّهوات وتتطلّع إلى المحرّمات إلا بعد أن امتلأت البطون.. إنّه ما مرضت وقست كثير من القلوب وغفلت عن الموعد بين يدي الله علام الغيوب إلا بعد أن امتلأت البطون وثقلت الأرواح.. إنّه ما ذلّت هذه الأمّة ولا هانت بين الأمم إلا حينما ارتهنت قوتَها عند أعدائها وأصبحت تساوَم في دينها لأجل طعامها.. لقد ربط نبيّ الهدى -صلّى الله عليه وسلّم- حجرين على بطنه في موطن هو أحوج ما يكون إلى الشّبع في مواجهة حرّ السيوف، لكنّه أبى إلا أن يعلّمنا أنّنا لسنا أمّة البطون، وإنّما نحن أمّة لها رسالة في هذه الحياة، أمّة ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد والبطون والفروج إلى عبادة الواحد الأحد.

حرام وعيب وعار أن يصبح الهمّ الأوحد لعبد مؤمن ما يأكل ويشرب؛ يبيت ويصحو ويصبح ويمسي وهو يفكّر في مستقبله ومستقبل أبنائه في هذه الدنيا. لا يذكر الله إلا قليلا وإن ذكره تحّك لسانه وقلبه غافل لاه. يبكّر ويسعى ويتعب ويزاحم ويعرق إذا تعلّق الأمر بدنياه، ويصبح نائما كسولا خاملا متثاقلا إذا تعلّق الأمر بأخراه. في الأثر أنّ الله -جلّ وعلا- يبغض كلّ جعظريّ جواظ، سخّاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنّهار، عالم بأمر الدّنيا جاهل بأمر الآخرة، وقبله قال المولى سبحانه: ((فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)).

التحرّر من سلطان البطن

سلطان بركاني

2023/03/22


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة