فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1579.48
إعلانات


غَرْسٌ لا ينبت… ولا يثبت 2023-02-28 أ. محــمد الهادي الحســني نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

قُرْبَ نهاية النصف الأول من القرن العشرين استيقن الغربُ الصليبي أن أيامه في المشرق العربي صارت قاب قوسين أو أدنى من نهايتها، وأنه سيخرج منه طوعاً أو كرْهاً، فتآمرت دُوَلُهُ الرئيسة، ومَكَرَتْ مَكْرًا كُبَّارًا وقرَّرَتْ غرس فَسِيلَةٍ خَبِيثةٍ في الأرض المباركة الطيبة، أعني النَّبْتَة الشيطانية الصهيونية في فلسطين. وقد تَغَيَّتْ هذه الدول الصليبية من وراء ذلك تحقيق غايتين هما:

1) التخلص مما كان يُسمى في الغرب «الجراد الأصفر»، الذي لا يأتي على أرض إلا جعلها حَصِيدًا، وفي دول هذا الغرب نبتت نبتة ما يسمونه «عداء السامية»، أي كره كلّ ما هو يهودي، ولا يتم هذا التخلص إلا بِـاختلاق أساطير، لإنشاء كيان من أمشاج من شعوب شتى، وهو ما سَمّتْهُ الكاتبتان اليهوديتان دوريس بن سيمون واغلال إريرا في كتاب لهما «إسرائيل وشعوبها»، فكان هذا الكيان كما وصفه القرآن: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾[سورة الحشر، الآية: 14]، فجاء «كثَوْبٍ ضمَّ سبعين رقعة» كما يقول أحد الشعراء.
2) إشغال العرب بهذا الكيان، حتى لا يهتموا بما يعيدهم سيرتهم الأولى من القوة، والنهوض في جميع الميادين العلمية والاقتصادية والتنمية الاجتماعية..
وعندما كان الغرب الصليبي يخطط وينفذ كان أمر العرب ليس بأيديهم، فقد كانوا مُسْتَعْمَرِينَ، ومن كان منهم «شبه مستقل» كان «استقلاله» أقرب إلى الاستعمار منه إلى الاستقلال، حيث كان أولئك الحكام «مَطَايَا ذُلُلًا» وأدلَّةً أذِلَّةً، هم أشبه بالعبيد منهم بالأحرار..
وللأسف فإن مَنْ يُفْتَرَضُ فيهم قيادة وعي الأمة، وهم العلماء، كان أكثرهم غافلين، وتحسبهم أيقاظا وهم رقود.. وكانت الأمة لغفلتها تلقي السَّمع لهؤلاء «العلماء» الغافلين، ولا تلتفت للعلماء الناصحين، الذين يُبَيِّنُونَ لها الحقائق..
وقعت الواقعة، وأنشِئَ هذا الكيان المختلق، ولكن نشأته لم تكن طبيعية، وهو يفتقد إلى أهم عَنَاصِرِ «البقاء» و»الديمومة» وهما ما سماه المستشرق الفرنسي جاك بيرك «الانسجام»، أي انسجام العناصر المكونة لهذا الكيان، و«السُّمك التاريخي».
لم يكن علماء الأمة كلهم «غافلين»، وكان منهم علماء يستقرئون التاريخ، ويستخلصون عِبَرَهُ ودروسه، ويرون ما لا يراه الذين ألهَاهُم التكاثر، وشغلتهم الفرعيات عن الأصليات، والصغائر عن كبائر الأمور وأمهات القضايا، فبَيَّنُوا لأمتهم ما يُكاد لها، وما يُتآمَرُ به عليها، وما يُتَرَبَّصُ بها من أعدائها..
ومن هؤلاء العلماء الأعلام الإمام محمد البشير الإبراهيمي الذي كتب ما اعتبره الملاحظون «آيات» في كشف هذه المؤامرة وأبعادها القريبة والبعيدة، وفي تشريح هذا الداء، وفي فضح المقصرين والحالبين في دَلْوِ الأعداء، والذين مَرَدُوا على النفاق.
رغم كِبَرِ المؤامرة، وشدة خطرها، ومرارة وَقْعِها لم ييأس الإمام، فهو يعلم أن اليأس والقنوط مما نَهَى الله –عز وجل- عنهما، ولم ييأس لأنه يعلم أن الله –عز وجل- يداول الأيام بين الناس، وأن الحلف الصليبي –الصهيوني لم يَتَّخِذْ عند الله عهدًا أن تدوم حالُه، وتستمر قوَّتُه.. واستمر ينشر الرجاء في أمته الإسلامية وقومه العرب، ويبين لهم أن «الحياة عقيدة وجهاد»، وأن أعداءنا يألمون كما نألم، ونرجو من الله ما لا يرجون، ويؤكد لهم أن لله-عز وجل- سُنَنًا لا تتبدل ولا تتغير، وما عليهم إلا أن يُعِدُّوا ويَسْتَعِدُّوا ليبزغ فجرهم، وتطلع شمسهم، ويُوَلِّي الأدبار عدوُّهم الذي لا يقاتلهم إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدْران، وهو على غيره من الصليبيين أكثر اعتمادًا منه على نفسه .. ثم ينتهي الإمام إلى ما اعتبره معاصروه من «علماء وأمراء» «خيالا»، ولكنه كان يراه بعين المؤمن، وهو أن هذا الكيان المختلق إلى زوال مهما يطل أَمَدُه، وأن هذا الليل سينجلي، وأن هذا القيد سينكر بفضل الله –ذي القوة المتين- ثم بفضل عباده المجاهدين، وأكد في مقال نشره في جريدة البصائر بتاريخ 09/02/1948: «إن غرس صهيون في فلسطين لا ينبت، وإذا نبت فإنه لا يثبت». (آثار الإمام الإبراهيمي ج3. ص444).
تذكرت هذا القول الحكيم لمن وصفه الإمام ابن باديس بـ «الحكيم» وأنا أقرأ ما كتبه مؤخرا الكاتب الصهيوني ميخائيل بريزون في الجريدة الصهيونية هآرِتْسْ عما سماه «سيناريو زوال دولة الاحتلال» (الشروق 2023/02/12). وإذا كان بعض «الأعراب» يرون ذلك بعيدا فهو في حكم الله «كلمح البصر أو هو أقرب».
وإذا كنت مستغربا مِنْ أَحَدٍ فلستُ مستغربا إلا من هؤلاء «الحكام» «العرب» «المسلمين» الذين يحملون اسم «محمد» -عليه الصلاة والسلام- وهم يوالون أشد أعداء محمد –عليه الصلاة والسلام- ويسارعون فيهم، ويحبونهم ولا يحبهم هؤلاء الصهاينة. وصدق الله العليم الخبير في قوله: ﴿إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾[سورة الحج، الآية: 46]، والعجب الأعجب هو أن بعض هؤلاء «الحكام»-»المحكومين» يلطخون شرف أشرف مخلوق بزعمهم أنهم من آله، ومن خدام حرمه، ويا ويلهم يوم يقال لهم اخسأوا فيها ولا تكلمون..


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة