فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3050.2
إعلانات


ماكرون.. نموذجٌ فرنسي قبيح

إذا كان من حق الجزائريين حكومة وشعبًا مطالبة فرنسا بالاعتراف بكلّ جرائمها الوحشية التي يندى لها جبين البشرية منذ فجر التاريخ وإلى قيام الساعة، فإنهم لم يعلقوا يوما الأمل على صحوة ضمير أبناء السفاحين وأحفادهم المشبعين بالفكر الاستعماري ممن يحنّون عبثا إلى الفردوس المفقود.

بل إنهم مصمِّمون على إخضاع فرنسا لإرادتهم الجماعية مهما طال الزمن، ومثلما أجبروها قبل 60 عاما على جرّ أذيال الهزيمة نحو الضفة الشمالية، فإنها سترضخ مرة أخرى في لحظة الانهيار النفسي للاعتراف، كما يقع مع كل مجرم يحاول دومًا الإنكار والتنصل من أفعاله الشنيعة، والتاريخ حكم عدل بين الأجيال والأمم.

إن محاولة إيمانويل ماكرون الأخيرة الهروب من مسؤولية الدولة الفرنسية عمّا اقترفته في الجزائر طيلة 132 سنة من التدمير الحضاري والنهب المادي والاستغلال الطبيعي والبطش العسكري والإبادة الإنسانيّة، لن تفلح في محو عار فرنسا ولا نسيان الأجيال تاريخها الأسود الشنيع في بلادهم.

وعوض الوقوف عند مطلب الاعتراف أوَّلا، وفق قاعدة “خُذ وطالب”، لنعرف موقف ساكن الإليزي، قفز ماكرون في حواره مع مجلة “لوبوان” للحديث عن رفضه تقديم الاعتذار، ليُثبت في كل فرصة متجدِّدة أنه ليس سوى نموذج قبيح للفرنسيين المناورين، والذين يتوددون، في كل مناسبة من التوتّر بين البلدين، لإحداث التقارب ورأب الصدع الدبلوماسي، بحثًا عن مصالح بلاده الضائعة، غير أنه سرعان ما ينقلب على عقبيه إلى معسكر اليمين المتطرِّف جبرا لخواطر الاستعماريين الجدد.

ماكرون لم يفعل شيئا ذا قيمة حتى الآن قياسًا بمن سبقوه سوى تصريحات ومبادرات رمزية انتقائية، تجسِّد في طياتها هروب فرنسا من جريمتها الكبرى في الجزائر، لأنه عندما يربط كل قراراته المتصلة بملف الذاكرة بمرحلة الثورة التحريرية فقط، فهو بذلك لا يزيد على تكريس مغالطات “حرب الجزائر” التي ظلت الأدبيّات الرسمية والأكاديمية والإعلامية الفرنسية تلوكها طيلة عقود، بمعنى أنه مستعدٌّ فقط للتعاطي مع أحداث فترة ثورة التحرير، ليستعمل بالمقابل أوراق الابتزاز المحترقة بخصوص الأقدام السوداء والأملاك الشاغرة وما جرى غداة وقف إطلاق النار.

جميع قادة فرنسا يتهرَّبون من إدانة الاحتلال الفرنسي في الجزائر جملة وتفصيلا، لأنّ ذلك لو حدث سينسف الأطروحة الاستعمارية الكاذبة عن “المَهمَّة الحضارية” المزعومة لجيوش الغصب والنهب وقطعان اللصوص، التي قتلت الإنسان والحيوان والنبات وسمّمت الأرض وسرقت كل ما وقع بين يديها من كنوز وأموال، وهدمت الجوامع وحوّلتها إلى إسطبلات وأحرقت الكتب، ولم تسلم منها حتى المقابر، إذ نبشتها وهرّبت عظامها إلى مصانع الصابون بمرسيليا، ثم لا يستحي الفرنسيون الخبثاء، من تزييف التاريخ المعاصر والماثل أمام العالم، وهم يسنّنون قانون 23 فبراير 2005 لتخليد جريمة التمدين المفترى عليه.

إنّ هؤلاء الفرنسيين الوقحين الذين لا يزالون يحملون الحقد الدفين على شعب الثوار لا يمكن أن يتخلّصوا من بقايا كبريائهم الاستعماري المجروح، ليستوعبوا نهاية ماضيهم المشؤوم وتقدّم عجلة تاريخ الجزائر نحو المستقبل الزاهر، كما كان يردِّدها الشهيد البطل العربي بن مهيدي، وليس منتظرا منهم ذلك إلا بمواصلة سياسة النديّة والإباء الجزائري.

صحيحٌ أنّ هناك مصالحَ تهمّ بلدنا وشعبنا وجاليتنا، وهي من نتائج التاريخ المشترك ومقتضيات الواقعية الدوليّة، لا نريد التفريط فيها، لكنّ الشعب الجزائري، ومهما كانت إكراهات السياسة العابرة، سيبقى متمسّكا بحق الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم فرنسا في بلاده، ويستحيل التطلعُ إلى بناء علاقات طبيعية، ناهيك أن تكون متميزة، فوق جماجم الشهداء وذاكرة الدم المهدور.

 

عبد الحميد عثماني

2023/01/15

 

 

 


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة