فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3047.38
إعلانات


فارسان ترجَّلا !ل /أ.د : 2022-12-19 أ.د. عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

فارسان ترجَّلا !

إن للموت منطقا، لا يقبله العاديون من الناس، لأنهم يتعاملون معه بحساسية وذاتية، غير أن منطق الموت هذا يسلّم به العقلاء من الناس، لأنهم يتعاملون معه بموضوعية وحكمة إنسانية. فعندما يُخضِع العقلاء من الناس منطق الموت إلى التحليل والتعليل يكشف لهم، رغم مرارته، وعواقب حدثه، يكشف لهم عن جملة من القيم والمبادئ، يمكن التأكيد على نماذج منها وأهمها:

1- العدل:
فالموت يصيب كل كائن حي، ويستوي في ذلك الكبير والصغير، والغني والفقير، والأمير والوزير، وقد صور حقيقة الموت هذه، شاعر المهجر إيليا أبو ماضي، فساءل نفسه، أمام حصاد الموت وآي المقبرة، قائلا لها:
«انظري كيف تساوى الكل في هذا المكان
وتلاشى في بقايا العبد رب الصولجان
والتقى العاشق والقالي، فما يفترقان
أفهذا منتهى العدل؟ فقالت:
لست أدري !
2- منطق التعمير والفناء:
إن من سنن الموت العمل بقانون التعمير والفناء الذي يشمل كلّ الكائنات، في إطار ما يُعرف بتعاقب الحضارات، وهو ما يُخفف لشموليته من خوف الناس منه.
وقد رسم لنا الشاعر كعب بن زهير حقيقة الموت هذه في قوله :
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته  يوما على آلة حدباء محمول
فإذا حملتَ جنازة في نعشها  فاعلم بأنك بعدها محمول
3- معاناة الموت من خلال الآخر:
لا يستطيع أي فقيه أو فيلسوف أن يصف لنا حقيقة ما يعانيه الميّت، حتى يصيبه الموت وقصارى ما يستطيع فعله، هو أن يصف الموت من خلال معاناة الآخر، ولقد قدّم لنا الشاعر ابن الخطيب الأندلسي، صورة الموت من خلال معاناة الآخرين فقال:
بَعُدنا، وقد جانبتنا البيوت  وجدنا يوعظ ونحن سكوت
وأنفاسنا سكنت بغتة  كجهر الصلاة، تلاه القنوت
وكنا عظاما فصرنا عظاما  وكنا نقوت وها نحن قوت
فقل للعدا ذهب ابن الخطيب ومات  ومن ذا الذي لا يموت؟
في هذا الجو المُهيب للموت، صرنا نتعامل مع مصيبة الموت، عندما يصيبنا في عزيز لدينا، فنتسلى بقول الشاعر:
الموت باب وكلّ الناس داخله  فيا ليت شعري، بعد الباب، ما الدار؟
وفي هذا السياق تلقينا، بقلوب مؤمنة وراضية بقضاء الله وقدره، نبأ ترجل فارسين عزيزين علينا، هما الدكتور عثمان سعدي والدكتور سعيد شيبان.
لقد شاء الله أن يجمع الموت بينهما، في نفس الأسبوع، وشاء الله –أيضا- أن يجتمعا في حياتهما على مجموعة من المزايا والخصائص طبعت شخصيتيهما وأهمها:
1- الجهاد بالقلم والكلمة في سبيل الوطن: وتلك هي رسالة كلّ مثقف شريف وعفيف، يضع إمكانيات علمه وفكره، في سبيل تحرير الوطن من براثن المستعمر الدخيل.
2- الأمازيغية الملتزمة: فلئن كان الدكتور عثمان سعدي سليل الكاهنة البطلة في خنشلة، فإن الدكتور سعيد شيبان هو سليل لالا فاطمة نسومر المجاهدة في منطقة زواوة، وكلاهما وظف العنصر الأمازيغي لصالح الوحدة الوطنية، وإحياء التراث العربي الإسلامي.
فلقد قضى عثمان سعدي بياضه وسواده في الدفاع عن العربية كعامل وحدة وطنية، من خلال جمعية الدفاع عن اللغة العربية، وكذلك فعل السعيد شيبان، عندما جعل اللغة بوجه عام، أداة دفاع عن الإسلام، كعامل وحدة وطنية، فأنشأ لذلك مؤسسة المسجد، التي تبرز دور المسجد في التكفل بقضايا الأمة.
هما فارسان –إذن- هذان اللذان غيبهما الموت في الأسبوع المنصرم، ففقدت الجزائر بموتهما، مجاهدين مخلصين، كانا يذودان عن الوحدة الوطنية، ويعملان على إشعاع الوطن الجزائري بمقومات وحدته، بعيدا عن كلّ تعصّب أو عنصرية مقيتة.
ولئن قُدِّرَ لي أن أغيب عن تشييع جنازتيهما، وتقديم العزاء لذويهما، فإن ما يشفع لي في حياتي، هو تلبيتي لدعوة كريمة من جمعية الفتح، بمدينة ليون الفرنسية التي كانت تهتمّ بجمع المساعدات لمسجد مالك بن أنس، بنفس المدينة، والذي أوشك على النهاية، وسيكون جاهزا للعبادة في شهر رمضان المقبل إن شاء الله، ولنا عودة إلى هذا الموضوع في عدد مقبل، إن كان في العمر بقية.
فيا ساكني القبر، ويا راحلين إلى عالم الخلود، ناما مطمئنين بعد حياة جهاد واجتهاد، وبعد ابتلاء وعناء، فإن غرسكما سيَتكفل به رفقاؤكما، وتلاميذكما، ومحبوكما؛ وإننا إن شاء الله للعهد لحافظون، ولرسالة الوطن لمخلصون !
إن في موتكما حياة للمبادئ التي عشتم من أجلها، وإنّ في فقدكما، لتذكير بالقيم التي يجب أن يعيش من أجلها كلّ مثقف حرّ، وكلّ مواطن مخلص.
فاخلفوني يا ثقاتي  إن في موتي حياتي


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة