فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3047.38
إعلانات


إنما الأمم الأخلاق عمار يزلي 2022/11/25

الأخلاق، ومنذ نشأة الخليقة العاقلة الآدمية على الأرض، كانت تمثل طريق المُثل العليا التي مجّدتها الأعراف والقيم وفلسفة الإغريق، القديمة والحديثة ومنها فلسفة أفلاطون في “جمهوريته” التي بناها على العقل والعقلانية وطرد منها الشعراء كونهم ميَّالين إلى الدونية البهيمية والغرائز الحيوانية، ومن بعده الفارابي في “المدينة الفاضلة”، نفس الأخلاق القيم تجسدت في المجتمع العربي الجاهلي من كرم، وشهامة، ومروءة، ورجولة، حتى ولو خالطتها قيم مكتسبة بعيدة عن الفطرة.

عندما جاء الإسلام بالرسالة المكملة للرسائل السماوية السابقة التي حُرِّفت وانحرف عنها أهلها باتجاه حياة الجاذبية نحو الدونية وحياة “الدنيا”، جاء “ليتمم مكارم الأخلاق” التي كانت موجودة سابقا.

الأخلاق، طريق الرقي الإنساني في إنسانيته نحو الكمال كما يقول محيي الدين بن عربي والمتصوفة بشكل عام، وكل ميل نحو غير ذلك، فهو ميل مائل غير سوي، تمليه الغرائز الحيوانية والجاذبية الدنيوية التي تعني “الهبوط” الذي يشير إليه القرآن الكريم، على لسان النبي موسى عليه السلام في الآية 61 من سورة البقرة “.. أهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم..”. الهبوط هنا، هو هبوط قيمي أخلاقي معياري لا هبوط بمعنى “النزول” كما يفسر ذلك الشيخ شعراوي رحمه الله، فـ”الهبوط” يكون من “مكانة” فيما “النزول”، يكون من “مكان”.

أوردنا هذا المَثل للاستدلال بأن القيم الأخلاقية السليمة والفطرية والمُثل العليا التي رسمتها للإنسانية والخليقة جمعاء، من آدم إلى آخر يوم على وجه هذه الأرض، هي المرشد والطريق المؤدي إلى الخلاص والارتقاء نحو الكمال الإنساني، وكل رذيلة وخطيئة تهوي بصاحبها إلى مستنقع الغضب الإلهي في آخر المطاف عاجلا أم آجلا.

هكذا عرفنا عبر التاريخ عدة “أشكال من الغضب الإلهي” عبر “معجزات”، اعتبرت ظواهر تبدو طبيعية أو تفسر لدى المنكرين وقتها وبعدها اليوم من بعض علماء “العلمائية” (الساينتسس) اليوم على أن مجرد ظواهر طبيعية لا أقل ولا أكثر. هكذا اعتبرت معجزة الله في قوم إبراهيم في “سادوم”، مجرد ظاهرة طبيعية غير معروفة، ولا علاقة لها بما كان أهلها يفعلون. هذا تبرير “علمائي” بعيد عن الحقيقة التي لا يعلم “تأويلها إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا”.

نحن الآن في حقبة الهبوط الدوري والمتكرر عبر حلقات الزمن اللولبي المتجدد، والذي قد يهوي بالإنسانية من جديد في منحدر فنائه واندثاره وانقراضه. نحن على الحواف وعلى شفا جرف هار، غير أننا لسنا بعد في القاع، لكن كل شيء يأتي في زمنه.

من دواعي هذا الكلام، ما تروج له “النيو ليبرالية” العالمية حاليا بشأن “الحريات الفردية” ومجتمع “الميم” وتدافع عن الشذوذ بشكل غير مسبوق في كل الأروقة والمحافل والمنصات الدولية السياسية والاقتصادية وحتى الرياضية.

ما حدث قبل وأثناء احتفاليات قطر كدولة عربية مسلمة، خليجية، صغيرة في الحجم كبيرة بالاسم، تنظم بكبرياء وأنفة وشموخ أحد أكبر الاحتفاليات الرياضية العالمية المتمثلة في كأس العالم لكرة القدم، هو جزءٌ خفيٌّ لجبل الثلج لهذا التوجُّه المجاهِر بالعداء للقيم والدين والأخلاق في كل الأديان السماوية، بل هو “دين عبدة الشيطان” فعلا وعملا؛ فهم الرعاة والدعاة الناشرون للرذيلة على حساب الفضيلة. هذا التوجُّه نحو “الطبيعانية” التي يتغنى بها دعاة العري والعودة إلى الطبيعة، حتى الطبيعة تأبى الشذوذ، كون الشذوذ هو خروجٌ عن قيم ونواميس الطبيعة نفسها، التي تجعل الثنائيات سر التطور والنمو التكاثر والتناغم،فيما الشذوذ، دعوة إلى انقراض البشرية بعد إفسادها، وهلاكها بعد تدمير جوهر كينونتها: الأسرة والمجتمع.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة