فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الأخبار والمستجدات

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3050.2
إعلانات


17 أكتوبر 1961.. جريمة تنتظر الاعتراف

 

تخليدا للذكرى الـ 61 لليوم الوطني للهجرة الموافق لـ 17 أكتوبر 1961، ارتأت "الخبر" رفقة مؤرخين وباحثين العودة إلى هذا اليوم الأسود في تاريخ المهاجرين الجزائريين وتاريخ الثورة التحريرية المباركة، اليوم الذي أراده المتظاهرون أن يكون سلميا ومدنيا، وحوله "موريس بابون" ورفاقه إلى يوم دموي، بشع بقي وصمة عار في جبين فرنسا إلى اليوم، حيث أكد المشاركون في الملف أن هذه الأحداث كانت بمثابة المنعرج الحاسم في تاريخ الثورة، وفي تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، كونها تزامنت مع اتفاقيات "إيفيان". حيث حقّقت الثورة بفضل المظاهرات حضورها الفعال والمؤثر على مستوى الرأي العام الفرنسي، بضغطها داخليا وخارجيا على "ديغول"، للاستمرار في المفاوضات مع قيادة الثورة بجدية أكثر، حيث تم استئنافها بعد 10 أيام بمدينة "بال" السويسرية.

 

اعتبرت الدكتورة نفيسة دويدة من المدرسة العليا للأساتذة بالعاصمة، مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس إحدى المحطات التاريخية البارزة التي عرفتها الثورة التحريرية في مراحلها الأخيرة، وهي تحاول التوفيق في إستراتيجيتها الثورية ما بين النهج الدبلوماسي الذي كان يقطع آخر الأشواط في إيفيان من جهة، وبالحفاظ على المسعى الشعبي الرافض، لأية مناورات استعمارية محتملة من جهة أخرى.

 

وقالت دويدة في تصريح لـ"الخبر" لعلّ المتأمل في مسار الأحداث ليلة 17 أكتوبر 1961 بباريس، وبالخصوص حجم المجزرة الرهيبة المرتكبة ضد المتظاهرين الجزائريين العزل، التي تراوحت وتفاوتت المصادر في تقدير ضحاياها بشكل دقيق، يجد علاقة وطيدة ما بين الأوامر التي صدرت من قبل الأجهزة الأمنية الفرنسية وعلى رأسها موريس بابون، التي مفادها التعامل بقمع ووحشية، وما بين دعوات التهدئة والمناورة التي ركن إليها الوفد الفرنسي المفاوض، الذي كان - زعما- يقترح البحث عن السلم آنذاك".

وصرّحت الدكتورة دويدة أن التأكيد على كون المظاهرات التاريخية كانت سلمية ومطالبة وفق ما يتيحه القانون، هو أمر مفروغ منه، كما أن توصيف المجزرة يبقى بدوره بحاجة إلى توكيد واعتراف رسمي على أعلى مستوى، خاصة وأن بعض الأطراف الفرنسية تقول الدكتورة كثيرا ما لوّحت بفكرة أن المشكلة بالأساس كانت تخص تركيب جهاز البوليس الفرنسي نفسه، "الذي ضم حسبما يذكر هؤلاء بعض العناصر من بقايا نظام فيشي أو المحسوبين على التيار اليميني المتطرف، وإنها ادعاءات تكاد تثير السخرية، لأن الاعتبار الأول والأخير للموضوع يخضع لمبدأ المحاسبة والمعاقبة للجهاز الأمني، بغض النظر عن الجوانب الإيديولوجية المفتعلة".

 

وتعتقد الدكتورة دويدة في ذات السياق أن ذكرى المظاهرات باعتبارها آخر محطات الرفض الشعبي للدمار الاستعماري جديرة بأن تخلّد في الذاكرة الوطنية بأحرف من ذهب، فهي علامة دالة على شمولية الثورة وتنظيمها في التراب الفرنسي، وهي حدث يوثّق بوضوح للقمع الفرنسي دون مبرّر، "الذي لن يكون توصيفه - برأيي- أقل من الجريمة ضد الإنسانية، التي لا يكفي استعراض حيثياتها واستحضار صورها، بل يتوجب العمل أيضا على تعميق مضامينها في نفوس النشء واستكمال مسارات ملف المطالبة حتى تحقّق المطلوب، وهو الاعتراف الكلي والاعتذار على الأقل".

 

17 أكتوبر 1961 ... انهيار الوهم الفرنسي في الجزائر

 

قال الدكتور توفيق بن زردة من جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي، أن نقل الثورة إلى بلد المستعمر، يعتبر حالة فريدة في العالم، ما جعل من فرنسا قطعة جزائرية بمقاربات تحريرية انقلابية على دوائر السلطة الاستعمارية، التي أصبحت حسبه، غير قادرة على التحكم في الوضع العام، فكانت العمليات الفدائية "لم تقل عن 33 عملية" التي قامت بها فدرالية جبهة التحرير الوطني في الفترة الممتدة بين 29 أوت و03 أكتوبر 1961، وقتل فيها 13 شرطيا فرنسيا، هي واحدة من جرعات علاج جزائري لوهم فرنسي . وقال في تصريح لـ"الخبر" "طبعا إرباك العصب الأمني حرّك دوائر الشرطة الباريسية، التي أصبحت تبحث عن حماية معززة، لذلك تحرّك صنّاع القرار السياسي، وبدفع من موريس بابون، محافظ شرطة باريس، وأعلنوا حضرا للتجوال على الجزائريين "، حوالي 150 ألف من الساعة الثامنة مساء إلى الخامسة والنصف صباحا، ابتدءا من 05 أكتوبر 1961، بغية تجفيف منابع الزمنية الثورية وتعطيل ديناميكيتها.

وأوضح الدكتور بن زردة أنه بعد هذا الإجراء التعسفي الذي يتنافى والحقوق الكونية للإنسان، أشهرت فيدرالية جبهة التحرير الوطني آلتها السلمية، من خلال مظاهرات عمّت الدوائر الباريسية والساحات الكبرى، شاركت فيها حتى العوائل الجزائرية المغتربة بنسائهم وأطفالهم، فكان يوم 17 أكتوبر 1961 حسبه، الذي خرج فيه ما بين 30 ألف إلى 40 ألف جزائري شاهدا على انهيار الوهم الفرنسي في الجزائر.

وذكر الدكتور بن زردة أن ساسة فرنسا، وأمام هذا الواقع غير المتوقع لجأوا إلى عادة فرنسية قديمة تربت في أحضان الكولونيالية، وهي " قتل الحُر" فكان موريس بابون ومن ورائه حوالي 10 آلاف رجل أمن يُقَدمون على مدى أيام في دماء طاهرة لآلهة الاستعمار التي كانت منصوبة على نهر السين. كما أكد أن الصورة كانت فظيعة بعد هذه المظاهرات، خاصة عندما نجد من يدعي دعمه لحقوق الإنسان يفتك بالإنسان، حتى إن المؤرخين البريطانيين اعتبروه " أعنف قمع لمظاهرات في أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية"، حيث تتحدث الأرقام يقول بن زردة عن قتل مالا يقل عن 200 جزائري واعتقال 11 ألف آخر، من بينهم 500 امرأة "هي طبعا أرقام لا تعكس كل الحقيقة مادام أرشيف الشرطة الباريسية غير متاح إلى اليوم أمام الباحثين، فسقطت جل الحقيقة، مثلما سقطت بالأمس 60 دعوة قضائية، رفعها المغتربون الجزائريون ضد الشرطة الباريسية".

وخلص الدكتور بن زردة إلى القول بأن الأسطورة الفرنسية التي كانت تعد "الجزائر قطعة فرنسية" انهارت في معركة باريس "17 أكتوبر 1961"، يوم أصبحت فرنسا قطعة جزائرية، لأن الأولى بنيت على الاستعمار والأبدية، والثانية بنيت على الحرية والظرفية الثورية، وبينهما بحر من دماء المغتربين الزكية .

 

معركة باريس امتداد لمعركة الجزائر

 

قال الدكتور والكاتب أحسن تليلاني أن ما لا يعرفه الكثيرون، هو أن الشعب الجزائري، هو الشعب الوحيد في العالم الذي نقل ثورته من أرضه المستعمرة إلى بلاد الدولة التي استعمرته، وذكر تليلاني في تصريح لـ"الخبر" أنه هكذا وجدنا الثورة الجزائرية تنتقل إلى فرنسا، بل وإلى باريس العاصمة الفرنسية ذاتها، حيث انتفض المهاجرون الجزائريون ذات ليلة ماطرة من يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 1961، "فامتلأت جادة الشانزيليزيه بآلاف الرجال والنساء والأطفال الجزائريين الأبرياء، قدرت أعدادهم بـ 60 ألف متظاهر، ضد قرار السلطات الفرنسية فرض حظر التجول على الجزائريين وحدهم دون كل شعوب العالم "، وصرّح الدكتور تليلاني أن الجزائريون المهاجرون قد لبّوا نداء جبهة لتحرير الوطني، فجاءوا من كل مكان، فامتلأ بهم الشانزيليزيه إلى غاية ساحة الكونكورد، وعملوا بما أوصتهم فدرالية جبهة التحرير بفرنسا، فقد كانوا حسبه رفقة زوجاتهم وأطفالهم، وهم يرتدون أجمل ما لديهم من لباس، كانوا على موعد مع احتفال عالمي باهر مبهر، "يسيرون بخطى وئيدة ويهتفون بكل سلمية أن تحيا الجزائر"، لقد كان المشهد في منتهى الروعة والخشوع، يقول تليلاني، بشهادة الصحافة العالمية في عين المكان، أما الشرطة الفرنسية بقيادة السفاح موريس بابون، لم تجد ما تفعله إزاء هذا الاستعراض الجزائري الأسطوري الذي لم يشهد العالم مثيلا له، إلا المجابهة بالعنف، مؤكدا أن القرار صدر من أعلى السلطات بقمع المتظاهرين وقتلهم واحدا واحدا، فانطلق الرصاص وتحول المكان إلى "شارع الوندال".

وأكد الدكتور تليلاني في ذات السياق أن مظاهرات 17 أكتوبر 1961 كان لها دور كبير في التعجيل باستقلال الجزائر من خلال الدفع بمفاوضات إيفيان نحو الأمام وتقوية موقف وفد جبهة التحرير المطالب بتحرير الجزائر وتحقيق الاستقلال، فيما تأسف المتحدث من أن هذه المظاهرات لم تأخذ حقها من البحث والتدوين من قبل المؤرخين الجزائريين، وهذا بعكس المؤرخين الفرنسيين الذين كتبوا عن تلك المجزرة الكثير من المؤلفات مثل كتاب المؤرخ جون لوك إينودي الموسوم " معركة باريس"، "بل إن هذا المؤرخ والمناضل الحر قد رفع دعوى قضائية ضد محافظ شرطة باريس موريس بابون، وحكم عليه بعدة أحكام قضائية بسبب جرائمه في حق المهاجرين الجزائريين"، مشيرا إلى أن هذه الأحداث لم تلق بظلالها على كتابات الجزائريين إلا القليل جدا، مثل مسرحية أمسية في باريس للكاتب مجيد بن الشيخ، "وهي المسرحية التي قمت شخصيا بترجمتها من الفرنسية للعربية، وقام مسرح أم البواقي بعرضها بعدما قام المخرج حسن بوبريوة بإخراجها.

 

مظاهرات 17 أكتوبر 1961 .. قاعدة خلفية للثورة الجزائرية

 

صرّح الدكتور حميد قريتلي بجامعة يحيى فارس بالمدية، بأن مظاهرات 17 أكتوبر 1961، لم تكن وليدة الصدفة، بل هي نتيجة تراكمات نضال طويل، لأن مجابهة الواقع الاستعماري كان من ضمن أولويات الجالية الجزائرية بفرنسا. وذكر قريتلي في تصريح لـ"الخبر" أن ما يعبر عن ذلك هو انضوائها تحت لواء فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا، هذه الأخيرة التي كانت حسبه تقف وراء تأطير الثورة في المهجر، ووجدت الكثير من الظروف التي هيأت لبروز هذه المظاهرات منها: محاولة عزل المهاجرين عن الثورة، من خلال تواطؤ رئيس الحكومة "ميشال دوبري" ومحافظ الشرطة "موريس بابون" ورعاية وزير الداخلية "روجي فراي".

كما اعتبر تعثر المفاوضات الجزائرية الفرنسية حافزا لها، ولذلك كان لابد من التفكير في الاستناد إلى قوة المهاجرين في قلب فرنسا، والتأثير على الرأي العام الفرنسي، "تجدر الإشارة إلى أن الوضع في باريس عرف تعقيدا منذ أن فرض حظر التجوال منذ 05 أكتوبر 1961، الذي كان يهدف إلى القضاء على تحرك عناصر جبهة الحرير ليلا". وأضاف "وكرد فعل من فيدرالية جبهة التحرير، قامت بتعبئة المهاجرين الجزائريين بفرنسا للقيام بمظاهرات، وتم تحديد 17 أكتوبر كيوم لخروج المتظاهرين من باريس وضواحيها، والتأكيد على سلميتها وتحديد الأماكن بدقة :ميدان الأوبرا، شارع ديغول..، وحمل شعارات: الجزائر المستقلة، تحيا الجزائر..."

 

وذكر قريتلي أن رد فعل الشرطة الفرنسية، جاء بأعمال وحشية، من خلال رمي أكثر من 450 جزائري في نهر السين، واعتقال الآلاف من المهاجرين، إضافة إلى التعذيب والشنق والاعتقال، وامتد القمع إلى نفي العائلات خارج فرنسا، كما تم توقيف حسبه الكثير من العمال الجزائريين ونقلهم إلى الجزائر، ولمنع انتشار مظاهر الجريمة، قامت بمنع الصحافة من تغطية مجريات الأحداث، وتقديم أخبار زائفة.

وأكد الدكتور أنه ورغم النتائج المأساوية التي أسفرت عنها المظاهرات، إلا أنها انعكست إيجابا على القضية الوطنية، حيث عبرت من خلالها الجالية عن تواصلها مع تحديات الثورة، وأعطت للثورة بعدها الشعبي من خلال مشاركة جميع شرائح المجتمع، "ونجحت في إشراك الجالية الجزائرية في العمل السياسي والثوري، وأعطت دفعا قويا للثورة من خلال توقيع اتفاقيات إيفيان بعد ستة أشهر من وقوع المظاهرات وشكلت ضغطا لصالح استمرار المفاوضات التي تعثرت في مرحلتها الأولى هذه المفاوضات التي تم استئنافها في 29 أكتوبر 1961 بمدينة "بال" بسويسرا بين الوفدين الجزائري والفرنسي". مشيرا إلى أن هذه المظاهرات، ساهمت في كسب التضامن الدولي، حيث تم إصدار لائحة أممية في 15 نوفمبر 1961 تؤكد على تقرير مصير الشعب الجزائري.

 

ثقافة 17 أكتوبر 2022

لامية أورتيلان


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة