فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1619.56
إعلانات


رسائل إلى الإمام في اليوم الوطني للإمام *ل*ا د- محمد بوالروايح 2022/09/17

 

كنت من أوائل الأئمة الأساتذة عقب الإصلاحات الهيكلية داخل قطاع الشؤون الدينية واستحداث مؤسسة المسجد. اعتليت المنبر وأنا شاب يافع، كنت أنظر من حولي فأرى أعناقا مشرئبة وصفوفا متراصة آخذا بعضها بعناق بعض.

كان ذلك في زمن عصيب، اختلط فيه الحابل بالنابل وكثر فيه العالمون بمسائل الدين والمتعالمون أيضا. لم أكن أملك في لحظة اعتلائي المنبر في ذلك الوقت إلا يقيني بأن الله لن يخذلني وسيحل عقدة من لساني ليفقهوا قولي. كنت أرتجل الخطبة من غير تحضير ولكن ما إن أطفق أتحدث حتى يتزاحم في ذهني سيلٌ من الأفكار وتحضرني الشواهد من الكتاب والسنة وأقوال العلماء وكأنني أقرأ من لوح، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

مرّت الأيام وازددتُ تمرُّسا بالخطابة وتكوّنت لديّ ملكة خطابية استعنت بها على خدمة ديني ووطني وأمتي. لم أمكث في الإمامة طويلا وتوجهت تلقاء أرض الكنانة لفترة قصيرة ثم عدت إلى حضني الأول جامعة الأمير عبد القادر التي كنت أتابع بها دراساتي العليا في مقارنة الأديان فأكملت مشواري بهذه الجامعة إلى منتهاه وأنا الآن كاتبٌ صحفي بجريدة “الشروق اليومي” وباحثٌ ومحكّم معتمد لدى كثير من الجامعات الأمريكية في مجال حوار الأديان والحضارات، ولكنني سأبقى كغيري من المؤمنين مرتبطا بالمسجد لأنه المكان الذي لا يُملّ ولا يُستبدل، المكان الذي تلوذ به من متاعب النفس وضوضاء المجتمع ورعناء بعض البشر.

احتفلت الجزائر في الخامس عشر من سبتمبر باليوم الوطني للإمام الذي يتزامن مع الذكرى السنوية لوفاة الشيخ العلامة محمد بلكبير. يوم أغر، نسي فيه بعض إخواننا أو تناسوا نبل المهمة التي يؤديها الإمام في المجتمع واشتغلوا وشغلوا الناس كعادتهم بجدل عقيم حول مشروعية الاحتفال بهذا اليوم فحرّمه بعضهم وكرّهه آخرون وأحدثوا في المجتمع بلبلة فكرية وجاؤوا بإفك عظيم. لا أريد الرد على هؤلاء فقد جربنا معهم كل الردود فلم تغن شيئا لأنهم آثروا البقاء في ضلالهم القديم لأن الولاء للشيخ عندهم مقدَّمٌ على الولاء للحق وتلك مصيبة كبرى نسأل الله أن يريحنا منها وممن تولى كبرها.

رسالتي الأولى إلى الإمام هي أن يضع في الحسبان أنه لسان الأمة وليس لسان جماعة، فينبغي أن لا يوظف المنبر للتفريق بين علماء الأمة فيمدح هذا ويشنِّع على هذا ويحرص على إلزام المصلين بما يعتقده وجماعته وهم له كارهون. إننا لا نجد في مواعظ وخطب بعض الأئمة من هذا الفصيل ذكرا لعلماء الأمة فضلا عن علماء الجزائر، فالعلماء عندهم ابن تيمية وأحمد بن حنبل ومن ذهب مذهبهم، وأما غيرهم فنافلة لا يستحقون أن يذكَروا وإذا ذُكروا أتبِعوا بوابل من السلب والثلب كأنهم ضالون ومبتدعون. إن مكان هذا الصنف من الأئمة ليس المسجد لأن المسجد وُجد لجمع الكلمة ولم شمل الأمة وليس لهذا التنابز المذموم الذي نعوذ بالله من شره ومن شر الداعين إليه. استمعت إلى أحد الأئمة من الفصيل التي ذكرت وهو يشنّع على دارسي مقارنة الأديان فخُيِّل إليّ أننا وزملائي في الاختصاص داعون إلى التثليث أو ناطقون باسم الكنيسة أو ممثلون للبابا!  لقد ضل منتقدنا وغوى وحاد عن الصراط السوي وما اهتدى فنحن نحسب أنفسنا -والله أعلم بسرائرنا- على ثغر من ثغور الإسلام وما نقوم به في مواجهة خصوم الكتاب والسنة أكبر بكثير مما يقوم به هؤلاء الفاتنون المفتونون بثقافة المشيخة والجاهلون بمقاصد الشريعة الإسلامية.

رسالتي الثانية إلى الإمام هي أن يتعهد مسجده بالليل والنهار وأن يسهر على فرض الانضباط في رحابه، فإنما جُعلت المساجد لتكون مكانا للطمأنينة والسكينة وقبلة للذاكرين والراكعين الساجدين وليس مكانا تتعالى فيه أصوات المتشاحنين والمتجادلين مما يشوش على المصلين، فقد روى أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: إن المصلي يناجي ربه عز وجل فلينظر بم يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن.

هناك سنة حميدة درج عليها بعض الآباء وهي اصطحاب أبنائهم إلى المسجد لتحبيهم في القرآن والسنة ولتنشئتهم على خلق الاستقامة فهذه سنة حميدة نثمنها ونشد على يد فاعلها، ولكن أن يترك الأبناء في المسجد يصرخون ويخترقون الصفوف ويعتلون السطوح ويشوِّشون على المصلين فهذا سلوكٌ مذموم نرجو أن يتصدى له الأئمة حفاظا على حرمة المسجد. إن الصبي غير مميز وقد تصدر منه سلوكاتٌ لا يكترث لها ولا يدرك خطرها ولا يتحمل وزرها فتقع مسؤولية كل ذلك على أبيه، فأرجو أن تصل هذه الرسالة إلى السادة الأئمة وأن يعيها المصلون فيرعوها حق رعايتها.

رسالتي الثالثة إلى الإمام هي أن يحث المصلين على التمسك بالمرجعية الدينية في صورة عقد الأشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد السالك. ليس في هذا حجرٌ على الفكر كما يدّعي بعض إخواننا وإنما هو وسيلة للحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها؛ فأمتنا لم تنضج فقهيا بعد وكل اختلاف فقهي قد يجرّ إلى جدل لا ينتهي، ومن ثم فإنه يجب على الإمام -من باب سد الذرائع- أن يحث الجميع على احترام مرجعية الأمة، أقول هذا لأن بعض الأئمة من الفصيل الذي ذكرتُ آنفا يتعمدون مخالفة الأمة ويعدّون ذلك مظهرا من مظاهر التمسك بالسنة كقراءة القرآن على مذهب حفص وعدم القنوت في صلاة الفجر تغليبا لمذهبهم وتغييبا لما درجت عليه الأمة الجزائرية منذ الفتوحات الإسلامية.

ويصر بعض الأئمة من الفصيل الذي ذكرت على بعث بعض المسائل القديمة كمسألة خَلق القرآن ومسألة الذات والصفات ومسألة الاستواء فينتصر أحدهم لمذهب شيوخه ويقرر الحق حسبما يعتقده وليس حسب ما تقرره أحكام الشريعة فيوقع المصلين في فتنة كبيرة تضاهي فتنة خلق القرآن.

رسالتي الرابعة إلى الإمام هي أن يتحوّل إلى عنصر اجتماعي فعّال لا أن يبقى حبيس المحراب وأن يخرج يتحسس أحوال الناس ويضم جهده إلى جهود رجال الأمن والحماية المدنية والرعاية الاجتماعية في مكافحة الجريمة. ينبغي أن يقتدي الإمام بإمام هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يزور الناس في رحالهم ويصغي إليهم ويشاركهم أفراحهم وأقراحهم. إن بعض الأئمة مقصِّرون في أداء واجبهم الاجتماعي تجاه مجتمعهم فتراه عنصرا خاملا جامدا يصلي في محرابه ثم يهرع إلى بيته ويغلق عليه بابه فلا يهمه ما ينزل من نوازل وما يحدث من كوارث.

رسالتي الأولى إلى الإمام هي أن يضع في الحسبان أنه لسان الأمة وليس لسان جماعة، فينبغي أن لا يوظف المنبر للتفريق بين علماء الأمة فيمدح هذا ويشنِّع على هذا ويحرص على إلزام المصلين بما يعتقده وجماعته وهم له كارهون.

رسالتي الخامسة إلى الإمام هي أن يحصل -إلى جانب العلوم الشرعية- نصيبا من العلوم المدنية؛ فقد تُعرض عليه مسائل لا يجديه لتجليتها وجواب سائلها ما درسه من علوم الدين إلا أن يشفعها بما تيسّر من العلوم الأخرى. إن أغلب المصنفات الإسلامية القديمة كتبها كتّابٌ مسلمون جمعوا بين علم الدين وعلوم الدنيا كما هو الشأن بالنسبة للجاحظ وابن حزم الأندلسي وابن سينا وغيرهم فلقيت مصنفاتهم قبولا لدى عموم الأمة وهكذا ينبغي أن يكون أئمتنا ولو بالحد الأدنى.

رسالتي السادسة إلى الإمام هي أن يتفرغ لوظيفته لا أن يتحول إلى تاجر خضروات وخردوات، فللإمام اليوم على خلاف أئمة القرون الخوالي أجرة تعفه فإذا كان ولابد فينبغي ألا تطغى التجارة على الإمامة فيوجه الإمام كل اهتمامه إلى التجارة وما تدرّه عليه من أرباح ويهمل المسجد فلا يأتيه إلا متثاقلا، في يوم الجمعة أو في بعض أيام الأسبوع فهذا سحتٌ ظاهر لا يختلف فيه اثنان، ويقاس على ذلك أيضا أن يركّز الإمام اهتمامه على إعداد رسالة الدكتوراه بالكلية ويهمل واجبه في المسجد بالكلية أي بالمطلق، ثم يهرع في آخر الشهر إلى البريد لأخذ أجرة شهر كامل.

رسالتي السابعة إلى الإمام هي أن يكثف من دعوات اليقظة داخل المسجد من أجل قطع دابر المجرمين الذين قرأنا مؤخرا في الأخبار تجرُّؤ بعضهم على الاعتداء على بيوت الله.

إن المجرم لا عقيدة له ولا أخلاق له ولا يقدِّر للمسجد حرمته، ولذلك على الإمام أن يكون يقظا وأن يجنِّد لهذه المهمة النبيلة مساعديه وكل من يبدي تعاونا في هذا الشأن، فهذا في تقديرنا تجسيد لقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.

 

***********************************************************************************************************


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة