فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1623.45
إعلانات


/على بصيرة/الرئيــــس الفــرنســـي الزائـــر للجــزائـــر: ماذا يريـــد؟ وماذا نريــــد؟..أ.د. عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/. 2022-08-29

يحلّ بالجزائر هذا الأسبوع زائر مثقل بالتبعات، ومطوّق بالقضايا والملفات، يدوس على بساط أحمر مخضب بالدماء، وتعزف له ألحان الوفاء للشهداء، إنه الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي سيفتح عينيه على جزائر لبست من الألوان أحلاها، وتجددت في أبنائها العزيمة الفولاذية وقوة الإرادة وأعلاها.

لن يهبّ الجزائريون لاستقبال هذا الزائر لأن هوة من الذكريات الفرنسية السيئة الذكر، قد أثقلت ممشاهم، وبحارا من الدماء الزكية قد شوهت مبناهم، وخلدت مغناهم ومعناهم.
سيقرأ الرئيس ايمانويل ماكرون، كتاب الجزائر، وقد توزع على ستين مجلدا،كلّ صفحة من صفحاته فيها تذكير بملحمة المجاهدين، ووخز لضمائر الظالمين المعتدين، الذين ينطق الكتاب بجرائمهم المجسّدة في المجازر، والسرقة، والاغتصاب والنهب، والإبادة الجماعية.
وهكذا فإن بين بلادي الجزائر، وبين بلاد القادم إلينا ذاكرة هموم وغيوم، يصعب محوها وتبديدها، لأنها تذكّر الجزائريين بالمآسي التي عاشها آباؤهم وأجدادهم، ولم تقتصر على القتل والهدم والتدمير، بل تعدته إلى استئصال الإنسان الجزائري من أصوله بالانسلاب، والتنصير.
فماذا يريد الزائر الفرنسي من الجزائر اليوم بالذات، وهي تضمد جراحها من جائحة الكوفيد، وتلملم أتراحها من حرائق الغابات وما نتج عن إطفائها من شهيد؟
إنه ولا شك قد جاء مدفوعا بمعاناة بلاده من أزمة الطاقة، وفزعا من مظاهر الاستعراض العسكري الذي عبّر عن قوة الاستفاقة، ومنزعجا من محاولات التخلّص من الإعاقة، بالإقدام على الإنجليزية بدل الفرنسية، في المدرسة، والثانوية، والجامعة، للخلاص من الانسلاب، والقضاء على كلّ ألوان الفاقة.
عندما يستقبل الرئيس الفرنسي جامع الجزائر الأعظم، بصواريخه الروحية الصاعدة في شموخ وعلو نحو السماء، سيُدرك حينها أن عصر لافيجري، والآباء البيض، والإخوان البيض قد ولى، وأن عصر المحمدية في صفائها ونقائها، قد أهلّ بأنواره وأفكاره، وشعائره وأنصاره.
كما سيدرك الوفد الفرنسي، أن الجزائر الجديدة تعمل على استعادة مفاتيح سيادتها الكاملة، السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والتربوية. فقد تحصّنت الذات الحضارية للجزائر، وفرضت الدبلوماسية الجزائرية الناجحة، منهجها في الدفاع عن القضايا العادلة، في مختلف الدوائر، وهاهي الجزائر الجديدة، تفرض منطقها الاقتصادي في مجال الصناعة، والتجارة، والطاقة على كلّ متعامل، وبإرادة الجزائريين المنشودة من موقع النديّة، والسيادة.
لن تكون مهمة المفاوضات بين الوفدين سهلة، فتنوع القضايا، إقليميا، ودوليا، هي من التعقيد، بحيث لن يفيد فيها القليل من الجولات، بدءا بليبيا والصحراء، وفلسطين، ووصولا إلى غار جبيلات.
وسوف يسيل عرق كبير من الجبين الفرنسي، بسبب حساسية القضايا المطروحة، وأهمها ما يريده الجزائريون من فرنسا، بدءا بعدم التدخل بأي شكل من الأشكال في شؤوننا، واحترام سيادتنا في إدارة وتسيير مصالحنا، وعدم المساس أو التضييق على حاشيتنا المسلمة في ديارها، وتسريع تسهيل عملية التبادل في منح التأشيرات والوقوف إلى جانب الحق والعدل في القضايا العالقة في العالم، كقضية فلسطين، وقضية الصحراء، وقضية ليبيا، والحدود الإفريقية وغيرها.
إن ما نريده من فرنسا، هو الاعتراف بجرائم الحرب التي اقترفتها، والاعتذار عنها وتعويض الضحايا من الجزائريين، سواء من هدمت عليهم بيوتهم بمختلف أنواع الألغام، أو من لا يزالون يحملون آثار التعذيب، أو التجارب النووية في الأجسام.
فبمثل الإقدام بكلّ شجاعة على هذا الاعتراف وما نتج عنه، يمكن أن نرمم الذاكرة، وأن نقيم تعاونا إيجابيا وفعالا بيننا، من شانه أن يقضي على آثار الاحتلال التي لا تزال مجسدة في الإعاقة الجسدية وفي الإعاقة الفكرية.
فإن لم يملك الرئيس ماكرون الشجاعة لمعالجة قضايا الذاكرة بهذه الروح فسيكون حاله، كحال من عناه الشاعر العري في قوله:
قولوا له أن الدماء تسيل من جسمي الجريح
قولوا له أنّ الدموع تذوب من جفني القريح
قولوا له وهو الذي لا يقبل القول الصريح.
إنا حلفنا، لم نذل لغاشم أو مستبيح
وغدا تذوب بعزمنا هذه القذائف والحمم.
هذا ما يريده الزائر الفرنسي من بلادنا، وهذا ما نريده نحن منه لتحصين سيادتنا.
إن الأجيال الصاعدة في الجزائر، وقد رضعت حليب الجهاد والاستشهاد، وتحصنت ذاتها بحقنة البادسية النوفمبرية، سوف تشب حامية للوطن، ذائدة عن وحدته الوطنية، ووحدته الروحية.
هذه هي الدروس العملية التي يجب أن يعيها القاصي والداني، يعيها من في الخارج كي لا يفاجأ بالمواقف، ويعيها من في الداخل كي يدرك، أن جيل المستقبل قد برئ من الانسلاب، والولاء للأوثان والأنصاب.
ورائدنا في كلّ هذا قول الزعيم الروحي عبد الحميد بن باديس الذي قال: «لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله ما قلتها».
وقوله أيضا:
لسنا وإن كرمت أوائلنا  يوما على الأحساب نتّكل
نبني كما كانت أوائلنا  تبني ونفعل فوق ما فعلوا


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة