فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء التربية والتعليم

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3050.2
إعلانات


الجامعة.. فضاء الراحة والتسكّع!/ ل- ا-عبد الحميد عثماني 2022/07/17

ها قد غمرت الفرحة بيوتًا بنجاح فلذات الأكباد في امتحان شهادة البكالوريا بعد سنوات من الكدّ والمثابرة ومرافقة الأولياء معنويا وماديّا، مثلما علا الحزنُ محيّا آخرين لم تسعفهم الظروف.

لكن في كلتا الحالتين، لن تكون نهاية الدنيا للرّاسبين ولا مفتاح عبور آمن للناجحين نحو آفاق المستقبل بكل أحلامه الوردية، إذ لا يزال عملٌ شاقّ في انتظار الطموحين، مثلما تبقى الفرص مفتوحة أمام المتخلفين عن الجامعة.

سيكون من الخطأ المجهض للنجاح ركون التلاميذ المتوّجين وعائلاتهم إلى نتائج البكالوريا مهما كانت معدَّلاتها، لأن نيل الشهادة، ومثلما يثبته الواقعُ الماثل، ليست سوى عتبة أولى وبداية مسار شاقّ من عمل آخر مختلف في كثير من تفاصيله العلمية والاجتماعية والنفسية عن الحياة المدرسية، وهو أوّل ما ينبغي إدراكه لتكتمل الفرحة.

يعتقد كثيرون من حاملي البكالوريا الجدد أن ولوج الجامعة هو تدشينٌ لمرحلة الراحة الكاملة بعد تعب التعليم الثانوي، وفرصة للانغماس في الحرية المنفلتة من الالتزام الدراسي، وبناء العلاقات العاطفيّة وحتّى التسكّع دون رقيب، وهو، للأسف، حال آلاف الطلاب الذين يرتادون الجامعات دون هدف، سوى قضاء الأوقات المهدورة أو تحصيل شهادة فارغة إلا من توقيع مسؤولي الإدارة، طمعا في كسب وظيفة للارتزاق.

صحيحٌ أنّ مناخ الجامعة موبوء وفيها ما يحفّز طلابها على اللهو والمجون واستسهال النجاح، لكن ذوي العزائم لا يلتفتون إلى تلك المغريات العابرة، ولا يجعلون من مسارات العابثين العدميّين مسالك مضلّلة لهم، بل قلوبهم معلّقة بهدف أسمى، إنه طلب العلم النافع والتهيُّؤ للمستقبل الزاهر، باغتنام كل الأوقات والإمكانات في رفع صرح أحلامهم الكبيرة خطوة بعد خطوة إلى نهاية الطريق.

وإذا كانت الانتقادات لاذعة لواقع التعليم بكل أطواره في بلادنا، فإنّ الإنصاف وغرس الأمل يقتضي الإقرار بوجود فرص كثيرة وفّرتها الدولة للجادّين لأجل النجاح والتميّز، والدليل على ذلك انتقال الآلاف بعد تخرُّجهم لاستكمال دراساتهم العليا بالخارج بسهولة، لأنّ تكوينهم القاعدي في الجامعة الجزائرية مؤهِّلٌ للمنافسة العالميّة، مثلما اندمج زملاؤُهم في الحياة المهنية باقتدار وآخرون آثروا المقاولات الحرة فكان الإبداع حليفهم، فلا داعي لتثبيط الطلاب عن الجديّة في تحصيل المعارف بذرائع واهية عن صورة “الجامعة السوداء” وسوق الشغل المُحابي مستقبلاً، لأنّ حظّ المجتهد من الكسب غير نصيب المتكاسل.

إنّ أوّل شروط استكمال الفرحة هو حسن اختيار التخصص الجامعي المرغوب فيه، وفق المؤهِّلات الحقيقية للطالب وميوله الشخصيّة العميقة، بعيدا عن ضغط المحيط الاجتماعي والعائلي أو سراب المعدلات المرتفعة وعلامات المواد النوعية، إن لم تكن تعبيرا عن مستوى فعليّ لصاحبها، لأنّ مناهج الجامعة وأطوارها العليا مختلفة عن طرائق التعليم العامّ، ولا تسمح بالنبوغ إلا لذوي المواهب في مختلف التخصصات الدقيقة والإنسانية، والعاقل من وضع نفسه على السكّة الصحيحة منذ بداية المشوار.

لقد ضاعت عقولٌ كثيرة وطاقاتٌ عديدة بسوء التوجيه الناجم عن رغبة أسرة في رؤية ابنها أو ابنتها طبيبة أو مهندسة أو أستاذة أو محامية أو قاضية مثل أبناء وبنات الأقارب والجيران وسواهم، دون مراعاة للفوارق بين البشر من حيث القدرات والرغبات الدفينة، ولا يتميز الإنسان إلا في ممارسة ما يحبه ويهواه ولكم في تجارب الناجحين المبدعين عبرة.

إنّ حسن التوجيه لا يتقرّر لحظة إعلان نتائج البكالوريا، بل هو محصّلة مرافقة عائلية طيلة سنوات من التعليم والتنشئة يكتشف خلالها الأبوان مهارات الأبناء في كافة المجالات، فيعملون على تنميتها وتطويرها بالتدريب والتشجيع حتّى تتفتّق مواهبُهم الخلاّقة، ولذلك نجد الكثير من الطلاب والشباب هم نتاج متابعة عائلية سليمة أو ضحايا رعاية خاطئة.

وإذا تقرّر حسن الاختيار الجامعي بقي على الطالب مواصلة الاجتهاد، بعقد النيّة على التميّز الدراسي مجدّدا، واتخاذ كل ما يلزم من الأسباب، عوض التفكير بمنطق الانتقال من سنة إلى أخرى بالحد الأدنى من التحصيل المعرفي.

ذلك أنّ الجامعة لم تعد تلقّن المعارف في الحقيقة بل تعلّم المناهج، حيث يقع عبء التعلّم على كاهل الطالب المجدّ، باستغلال كافة وسائله، من المكوّن إلى المراجع العامة والكتب المتخصصة والأبحاث الدقيقة والإبحار في شبكة النت للاستزادة من كل جديد، أمّا من رضي بنسْخ الدروس المقتضبة التي لا تتجاوز التعريفات البديهية والمقدمات البسيطة فلا حاجة له إلى تضييع خمس سنوات من عمره بين مدرّجات الجامعة وساحاتها العامرة بالغدوّ والرواح، ويمكنه اختصار الطريق المهني بممارسة حرفة عمليّة يتقنها، لأنّ ارتياد الجامعة لا ينفعه في شيء على الصعيد العلمي وخيرٌ له منها كسْب مال مبكّر قبل الإحالة إلى البطالة لاحقا.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة