فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1619.56
إعلانات


حتى لا نخــــــــدع / عين البصائر

الأثنين 24 رمضان 1443? 25-4-2022م

أ. لخضر لقدي/

الإنسان يتعلم في المدرسة علوما كثيرة، ولكنه يظل في حاجة إلى أشياء كثيرة يتعلمها من مدرسة الحياة، وهي مدرسة طويلة الأمد، ليس فيها صف، وتتنقل معك أينما ذهبت.
وفي مدرسة الحياة نخضع للاختبار ومنه نتعلّم الدروس.
ونحن في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل وصعب فيه التمييز بين الصالح والطالح، إنه زمن المظاهر الخداعة والكاذبة وزمن التضليل والتزوير والتدليس.
والعين خداعة تريك الشمس بحجم الرغيف، وتريك جمال البحر وهو مالح، وتريك جمال الفراشة وهي حشرة، وتريك شوك الصبار رغم أنه وردة.
وقد قالت العرب في أمثالها: «مَا كُلُّ بَيْضَاء شَحْمَةً، ولاَ كُلُّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً، ولَيس كُلُّ ما يلمعُ ذهبًا».
وفي عالم الأشياء كثيرًا ما ننخدع ببريق وجمال أشياء من حولنا، فنلهث وراءها، ونتطلع إلى الحصول عليها، معتقدين أنها من النفائس والدرر، وعند الاقتراب يصدمنا زيفها، ونتمنى لو أننا اكتفينا بمشاهدتها عن بُعْد.
وكما في عالم الأشياء، فالأمر ذاته في عالم الإنسان، فنحن نعيش زمنًا ملوّنًا يكثر فيه اللّمعان والبريق والجمال، ويكثر فيه المديح والتّبجيل والمجاملة.
والنّاس مختلفون في طباعهم وأخلاقهم، والنفوس الطيبة لها وجوه طيبة، وإن لم تكن تملك ملامح جميلة، والنفوس الشريرة لها وجوه شريرة وإن كانت تملك ملامح جميلة. وكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله خاو فارغ.
يحكي أحد الحكماء أن جده قال له: يا بني الأشخاص كالمنازل، بعضها يستحق الترميم البسيط، وبعضها يستحق الهدم وإعادة البناء، والبعض الآخر يستحق أن نكتب عليه للبيع بأقل الأسعار.
وقد حدثنا القرآن أن هناك من ينخدع بالَسرابِ {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}.
ومن الناس من تكتنفه ظروف تمنعه من الكسب قهراً، وتمسك به كرامته أن يسأل، ومن الناس من تحسبهم سعداء يدارون مشاعرهم النفسية في حياء، يتجملون كي لا يظهر ألمهم، ويتألمون ولا يتكلمون.
وتنبهر ببريق حديث أناس وزيف حضورهم، وتعدد ثقافاتهم، وجمال مظهرهم، يملؤون الشاشات ويحتلون مختلف المساحات، تتصور خطأً أنهم يعانقون الكمال والمثالية، والحقيقة أنهم ليسوا أهلا للانبهار أو الإعجاب.
ومن الناس من حديثهم شيء وحقيقتهم شيء آخر، وهناك من يجيد تصنع الطيبة.. ويخبئ بين زواياه خبثاً وريبة.
رأى أحد الطيور صياداً وهو يذبح طيراً ويبكي-من شدةالبرد- فقال الطير لأخيه: انظر إلى الصياد المسكين كيف يبكي رحمة للطير المذبوح، فقال أخوه: لا تنظر إلى عينيه بل انظر إلى فعل يديه.
وكما في عالم الأشياء وفي عالم الإنسان، فالأمر ذاته في عالم الأمم والحضارات.
فاليوم تسود حضارة تعتمد الزيف والخديعة والتغرير، بالغت في العناية بالمظهر، وأغفلت تماما المخبر، اكتشفت ابتسامة هوليود «ابتسامة المشاهير» وتجميل مظهر الإنسان، بالغت في الإغراء والإغواء، وغيرت المفاهيم وزورت الحقائق، ونشرت الأكاذيب، ورسخت مفاهيم لا يقرها عقل سليم ولا شرع حكيم، فأصبح الالتزام تشددا وتطرفا، ومقاومة العدو إرهابا، وإلقاء حمم النار والدمار على الرؤوس حماية وتنفيذا للقانون الدولي…
ومنذ عقود تعمل دول كبرى، وأجهزة ضخمة، ومؤسسات متخصصة، وأقلام مأجورة، ووسائل إعلام مسخرة، كلها مغرضة تسهم جميعا في تزوير التاريخ، وتشكيل عقل جديد، ونشر عولمة تلغي خصائص الأمم، وتغير المصطلحات وتسوقها، وتسهم في التضليل والتزوير والتدليس، استخدموا كل شيء للصد عن سبيل الله…
تقدم لنا تاريخا مشوهاً وتستحيل صفحاته المشرقة مظلمة كالحة مما يورث الإحباط ويدعو إلى الانهزام النفسي.
وليت شعار المسلم كان قول الفاروق: لست بالخب ولا الخب يخدعني.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة