فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1579.48
إعلانات


بل تزوّجوا يا شباب

بل تزوّجوا يا شباب

سلطان بركاني

2022/01/14

يتداول الشّباب في السّنوات الأخيرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، دعوة صريحة للعزوف عن الزّواج، بسبب تكاليفه الباهظة، وبسبب ما يرونه قلّة وفاءٍ عند بعض الفتيات في هذا الزّمان، شعارها “لن أتزوّج، سأجمع المال وأسافر”، وهي عبارة لا شكّ أنّها تمثّل دعوة منكرة لتنكّبِ فطرة الله التي فطر خلقه عليها، ومخالفةِ سنّةٍ من أهمّ سنن هذه الحياة التي بها استمرار الجنس البشريّ، وتمثّل مخالفة صريحة لأمر النبيّ -صلّى الله وعليه وآله وسلّم- بالزّواج ونهيه عن لزوم العزوبية، في قوله: “الزّواج سنّتي، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي”. وما يزيد الأمر نكارة أنّ هذه الدّعوة التي يرفعها هؤلاء الشّباب تأتي في أحد أسبابها رضوخا لتلبيس شيطانيّ يُعمّم الأخطاء، ويُحمّل ذنوب المخطئين للأبرياء، ولو تروّى هؤلاء الشّباب وتدبّروا لعلموا أنّه ((لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))، وأنّ ((كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبتْ رَهِينَة))؛ فلا يجوز أن يُحكم على كلّ النّاس بما يفعله بعضهم، يقول نبيّ الهدى صلّى الله عليه وسلّم: “من قال هلك النّاس، فهو أهلكَهم”؛ فإذا أخطأت زوجة من الزّوجات وخانت زوجها، فليس كلّ النّساء يخنّ أزواجهنّ، وإذا كانت بعض النّساء لا همّ لهنّ إلا المال والمتاع، فليست كلّ النّساء كذلك، والقاعدة تقول: “الأصل في المسلم السّلامة حتى يثبت العكس”، والخير في الأمّة سيبقى إلى قيام السّاعة، ومن صدق في تحرّي الخير وسلك سبيله واتّقى الله جلّ في علاه، وسأله أن يعينه على تحصين نفسه وإكمال دينه بزوجة صالحة يسعد بها في الدّنيا والآخرة، لا شكّ أنّ الله سيرزقه ويبلّغه مناه، لأنّه سبحانه وعد بذلك فقال: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)).

كما أنّ هذه الدّعوة التي تبنّاها هؤلاء الشّباب في ترك الزّواج، تتناسى الأمر القرآنيّ الصّريح الدّاعي إلى التّزاوج في قوله تعالى ((وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (النّور، 32)، وهو الأمر الذي يتضمّن وعدا من الله -العليّ الأعلى- الذي بيده مقاليد الأمور في الأولى والأخرى، بأن يغني عباده الصّالحين الذين يطلبون بالزّواج رضاه وما عنده جلّ في علاه.

إنّه لأمر مؤسف حقا أن يصبح الزّواج لدى كثير من إخواننا الشّباب أمنية قريبة من المحال؛ يعلم الواحد منهم أنّ الزّوجة الصّالحة من أعظم أسباب السّعادة في هذه الحياة، ويتمنّى أن يتزوّج ليُعفّ نفسه ولكنّ اليأس من إيجاد الزّوجة المناسبة ومن توفير تكاليف الزّواج، قد قطع أمامه كلّ الطّرق، وأوصد أمامه كلّ الأبواب. تجده قد تجاوز من عمره العشرينات وربّما تجاوز الثلاثينات وأشرف على الكهولة، لكنّه إذا فكّر مجرّد تفكير في الزّواج لم يجد ما يسعفه في ذهنه غير لغة الملايين والشّروط والتّكاليف، ولم يكد يجد فيمن هم حوله من أصدقائه وخلانه غير من يزيده يأسا وقنوطا، وربّما يجد من شياطين الإنس والجنّ من يحدّثه بالبدائل المحرّمة ويغريه بالطّرق المختصرة، التي تزيد الطّين بلّة، وتُلقي به إلى عوالم الضّياع وحياة العبث واللاّهدف.

إنّ هذه الحال التي آل إليها كثير من شبابنا ويئسوا معها من إدراك حظّهم من الزّواج بسبب استشراء فكر التّعميم، وبسبب التّكاليف والتّفكير الماديّ الذي طغى على كثير من النّساء؛ مردّها إلى ضعف يقينهم بالله، وغفلتهم عن حقيقة مهمّة وأساسية، هي أنّ الزّواج ليس مطلبا دنيويا بحتا، بل هو مطلب دينيّ شرعيّ، يؤجر الواحد منهم في طلبه والسّعي إليه والصّبر على ما يلقاه من عقبات في طريقه، تحدوه في ذلك نية صادقة في تكوين أسرة مسلمة تُبنى على طاعة الله، ينشأ الأبناء في أحضانها على ما يحبّه الله ويرضاه، لتتوّج المسيرة بلقاء أبديّ بعد الموت، في جنّات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

فيا أحبّتي الشّباب.. إنّ رحمة الله بمن طرق بابه وأخلص في اللّجوء إليه وتذلّل بين يديه، أوسع ممّا تظنّون وتتخيّلون؛ تذكّروا دائما وأبدا قوله جلّ شأنه: ((وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).. لقد سمعنا بشباب صالحين، لا يملكون وظائف مستقرّة، تزوّجوا وفتح الله عليهم خزائن فضله، وبنوا المساكن واقتنوا السيارات، ورزقوا بالبنين والبنات، بل سمعنا عن شباب معاقين تزوّجوا ورُزقوا من فضل الله ما أغناهم وسترهم؛ فحقِّقوا يا شباب لله ما طلب منكم من الصّلاح، وابتغوا النّكاح، يحقّقِ الله لكم ما وعدكم، ويُغنكم من فضله ويُجزل لكم من رزقه.

نحن نعيش واقعا صعبا، لكنّ لهذا الواقع خالقا حنّانا منّانا يجعل من بعد العسر يسرا لمن طرق بابه وتضرّع إليه.. أنتم مكلّفون بتقديم الأسباب، لكنْ إذا أعيت الحيل وأوصدت الأبواب فالجؤوا إلى مسبّب الأسباب سبحانه الكريم الوهّاب.. أنتم مسلمون مؤمنون يا شباب، ولا يجوز أن تتعلّق قلوبكم بالماديات والحسابات وتنسوا من بيده خزائن الأرض والسّماوات.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة