فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1579.48
إعلانات


ليتفكروا عوائـــــق النهضــــة: فوضـــى «عالـــــم الأفكار»

ليتفكروا

عوائـــــق النهضــــة: فوضـــى «عالـــــم الأفكار»

المطورالأثنين 20 صفر 1443? 27-9-2021مآخر تحديث: الأثنين 20 صفر 1443? 27-9-2021م

د. بدران بن الحسن */

كنا قد تحدثنا في مقالات سابقة عن بعض عوائق تحقيق مشروع النهضة الحضارية لأمتنا، وضرورة الوعي بهذه العوائق، لنشخصها، ونقوم بمعالجتها، ونمهد الأرضية لبناء مشروع النهضة الحضارية الذي بذلت جهود كبيرة لتحقيقه، ولكن النتائج لم تصل بعد إلى المبتغى.
ولعل من العوائق التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق النهضة، الفوضى الفكرية التي يعيشها العالم الإسلامي؛ سواء في البنية الفكرية، أو مصادر الأفكار، أو الكم الهائل من الأفكار المتداولة في عالمنا دون إخضاعها لرؤية ومنهج، وتصفية، بحيث نقوم بنفي خبث الأفكار «الميتة» و«القاتلة»، ونثبت ونطور الأفكار التي لها كثافة الواقع وحقيقته، كما لها توافق مع نموذجنا الحضاري المرجعي والمستقبلي الذي نسعى لتحقيقه في واقعنا اليوم.
فالفوضى الفكرية، والهشاشة، تطبع عالمنا الفكري. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تأمل الأفكار السائدة واتجاهاتها، فسنجد ذلك التركيب النشاز الذي يملأ عالمنا الفكري من خليط متنافر من الأفكار؛ بعضها أصيل وآخر دخيل، وبعضها يتجه للمستقبل وآخر يتجه للماضي، ليس وفق تركيب مخطط له يثري تجربتنا ويوجهها بفعالية لبناء بنية فكرية سليمة تحقق النهضة المنشودة … فكأن الأفكار السائدة في العالم الإسلامي اليوم ما هي إلاّ مزيج من الأفكار التي تعيق التطور والنمو وتتمثل في الأفكار الميتة والأفكار القاتلة كما يقول مالك بن نبي [وجهة العالم الإسلامي، 146 وما بعدها]، ورغم اختلاف مصدريهما إلا أن كلاهما يؤدي إلى الهدم لا البناء.
وبالرغم من أن بن نبي قد انتبه لهذه المشكلة مبكرا في النصف الأول من القرن العشرين، فإن الوضع لا يزال على حاله، مما جعل فوضى الأفكار وعدم تماسكها يسبب خللا في الرؤية، واضطرابا في المفاهيم، واختلالا في المنهج، مما جعل جهودنا الفردية والجماعية في أغلبها يساهم في تعميق التخلف بدل الخروج منه، وجعلنا ذلك نسلك للنهضة دروبا غير مخطط لها [مشكلة الأفكار، 78].
وقد ساهم إشعاع الحضارة الغربية وأفكارها ونموذجها المعرفي ومنتجاتها في مختلف المجالات في هذه الفوضى، إضافة إلى ذلك الاطراد التاريخي الداخلي الذي حدث في مجتمعاتنا بفعل غلبة التقليد، وانعدام الاجتهاد والابداع، وتراكم الانحرافات عن النموذج الأصلي الذي قامت عليه حضارتنا الإسلامية، حتى وصلنا إلى حالة في عصورنا الحديثة، صار بناؤنا الفكري هشا، وفوضويا، وغير قائم على نسق أصيل واضح المعالم، فتعمق الخلل في بنيتنا الفكرية، وفقدت قدرتها على التجديد والابداع. فتحول عالم الأفكار عندنا إلى تجميع نشاز من أفكار «ميتة» أصابها الوهن وفقدان المبرر وانعدام الترابط المنطقي والمنهجي، وأفكار قاتلة حملتها إلينا الثقافة الوافدة من خارج إطارنا الحضاري والديني، زادت في التشويش على ما تبقى من أفكار أصيلة، وعمق من التبعية وجعل الفوضى هي الأصل في أفكارنا؛ سواء ما تعلق منها بالأفكار في المجال الروحي الذي هيمنت عليه غنوصيات مرتبكة أو روحانيات منكفئة، أو الأفكار في المجال السياسي الذي تسببت الأفكار السياسية الوافدة في اضطرابه، فدخلت عليه مصطلحات العلمانية والحداثة والعقلانية وغيرها من المصطلحات التي تحمل مضامين مرتبط بسياق نشأتها في التاريخ الحضاري للغرب، فلما وفدت علينا حملت مضامينها المتحيزة، وساهمت في تفكيك المستقر من مفاهيمنا الأصيلة، فصار عالم أفكارنا في المجال السياسي مثلا، يقوم على التلفيق بين المصطلحات المستوردة بمضامينها المتحيزة، وبين المصطلحات الأصيلة التي فقدت فعاليتها عبر التاريخ بفعل عوامل تاريخية داخلية، فصرنا نعاني من فقدان التوازن الفكري الذي له آثاره على بقية البنى في مجتمعاتنا.
إذن، صرنا اليوم نعاني من اختلال التوازن، لأن مجتمعاتنا المسلمة بقيت رهينة لفوضى الأفكار هذه، ولم تخطط لنهضتها تخطيطا مدروسا، ولم تأخذ في اعتبارها العوائق التي تثقل كاهلها وتمنع تحقيق نهضتها، فلم يضع المفكرون والمصلحون ورواد أمتنا «جهازا للنقد والتحليل» يقوم بتصفية عالم أفكارنا من هذه الفوضى، فانعكس ذلك على السلبية التي ذكرناها في مقال سابق، وعدم الفعالية، والاضطراب في الأداء، وهدر الإمكانات والوسائل، لأن جهدنا لم يقم على منظومة فكرية متناسقة ومتماسكة، كما يقول الدكتور عمار طالبي.
وهذا الاختلال وعدم التماسك في عالم أفكارنا؛ أي في بنية تفكيرنا، يفقد المنطق والتفكير المنطقي مكانته، مما يفقدنا القدرة على إدراك الكلي فنتيه في الجزئيات، كما توقعنا هذه الفوضى الفكرية في الالتباس في شأن تراتبية القيم، وفي تحديد الأولويات، وفي الخلط بين الأسباب والنتائج، وفي الاكتفاء بالفكرة النصف والموقف النصف والجهد النصف؛ غير المكتمل. ولعل ذلك جعل مالك بن نبي يخصص كتابا كاملا للموضوع سماه [مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي]، يتناول مشكلة بنيتنا الفكرية ومنظومة الأفكار في العالم الإسلامي، وسعى في الكتاب إلى وضع قواعد لتصفية جهازنا المفاهيمي من الفوضى الناتجة عن «الأفكار الميتة» و«الأفكار القاتلة»، لتحقيق فعالية عالم الأفكار واستعادة دور الفكرة في عالمنا الإسلامي؛ بما تكون فيه الأفكار أصيلة منسجمة مع رؤيتنا الكونية التوحيدية الإسلامية، وفعالة بما لها من كثافة الواقع وقدرة على تحقيق المنجزات التي تنقلنا إلى مستويات متقدمة في تحقيق النهضة الحضارية.

*مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية/ جامعة قطر


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة