فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3045.7
إعلانات


ذلك هو الفوز العظيم

 

ذلك هو الفوز العظيم                           

 

 

بين حين وآخر، نعود للكتابة عن الهدف الأسمى – بعد رضوان الله – الذي ينبغي أن يظلّ ماثلا يتلألأ بين ناظريّ كلّ واحد منّا، هدف النّجاة من النّار والفوز بدخول الجنّة دار الأبرار، ويا له من فوز ما بعده فوز، يقول الحنّان المنّان سبحانه: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور)).. ما أعظمها من آية وأروعها من كلمات! وروعتها في أنّها قول من ربّ غفور رحيم ودود كريم، رحمته سبقت غضبه ووسعت كلّ شيء.

 

من زُحزح عن النّار: أي أبعِد عن النّار وجُنّبها.. وما من عبد في هذه الحياة إلا وهو في أمسّ الحاجة إلى عون الله ليزحزح عن النّار ويبعد عن طريقها ويتخلّص من جاذبيتها وكلاليبها المنصوبة في الدّنيا وفي الآخرة.. النّار لها جاذبية، وطريقها حفّت بالشّهوات والملهيات، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَات”.

ما أروع ذلك الموقف وأهنأ ذلك الفوز؛ حينما يُنصب الجسر على النّار يوم القيامة، فيجد العبد نفسه قد مرّ عليه بسرعة ونجا من كلاليب جهنّم وخطاطيفها، ينظر خلفه فيدرك أنّه قد نجا حقا وحقيقة، وضمن أنّه ليس من أهل النّار، فيحمد الله ويفرح بذلك الفوز العظيم، يقول الحقّ سبحانه: ((وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا))، في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ثمّ ينصب الجسر على جهنم؛ أي: يوم القيامة، وتحل الشفاعة، ويقول الأنبياء: اللهم سَلِّم سَلِّم، جسر ينصب على متن جهنم، دَحْض المزلة، فيه خطاطيف، وكلاليب، وحسكة، حسكة تكون في نجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمرُّ المؤمنون؛ أي: يمرون من على هذا الصراط، فمنهم من يمرُّ كطرف العين، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمرُّ كأجاويد الخيل وركاب الإبل، ومنهم من يمرُّ جريًا، ومنهم من يمرُّ مشيًا، ومنهم من يمرُّ زحفًا، فناج مسلَّم، ومخدوش مرسل، ومكر دس في نار جهنم”.

((زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّة)): أدخل الجنّة، أي صار من أهلها وضمن مكانا له فيها، ليس ليسكن خمسين سنة أو مائةً أو ألفًا، إنّما ليسكن فيها خالدا مخلّدا لا يخرج منها ولا يتزحزح عنها.. فيا الله أيّ فوز أعظم وأثمن من هذا الفوز!

كثيرا ما تطغى الدنيا على قلوبنا فنحزن ونموت كمدا بسبب خسارة هيّنة لعرض من أعراض الدّنيا؛ نحزن لفوات فرصة ربح في تجارة أو فرصة عمل في منصب مريح براتب مجزل، وربّما نحزن لخسارة مباراة، وفي المقابل ربّما نفرح فرحا غامرا حدّ البطر والخيلاء بحصول نعمة من النّعم، بتحصيل مال أو منصب، بشراء سيارة، بالفوز في مباراة، ونظنّ أنّ ما حُزناه هو الفوز الحقيقيّ والأكمل والأتمّ.. الفوز الحقيقيّ والأكمل والأتمّ ليس فوز فريق في مباراة، ولا نجاح عاطل في امتحان توظيف، ولا نجاح طالب في امتحان رسميّ، ولا ظفر شابّ بالزّوجة التي تمنّاها.. كلّ هذا نجاح ظرفيّ وفوز موقّت، والفوز الحقيقيّ هو النّجاة من النّار ودخول الجنّة دار الأخيار.. من حقّ العبد أن يفرح بنعم الله عليه في هذه الدّنيا من غير بطر ولا خيلاء، ومن واجبه أن يحمد الله عليها، ومن حقّه كذلك أن يسأل الله دوامها والبركة فيها، لكن ينبغي ألا يشغله ذلك عن النعمة الأكبر والفوز الحقيقيّ، ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون)).

((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)): هذه الآية ينبغي أن تظلّ نصب أعيننا، نستحضرها عند كلّ نعمة، وعند كلّ بلية؛ فمهما أعطي العبد ومنح في هذه الدّنيا، فإنّ ذلك لا يساوي شيئا أمام منحة النّجاة من النّار ودخول الجنّة.. ومهما ابتلي في هذه الدّنيا بالأمراض والهموم ونقص في المال والعَرض، فإنّ تلك اللّحظة التي يجد فيها نفسه قد مرّ على جسر جهنّم وتجاوزه سالما، ستنسيه كلّ ألم في هذه الدّنيا، كيف به لو دخل من باب الجنّة ورأى ما فيها من نعيم ممّا لم يكن يخطر له على بال في هذه الدّنيا، يرى في الجنّة نعيما لم يكن يتوقّعه ولا يتخيّله ولا يتصوّره، فلا يملك إلا أن يقول: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ))، فيأتيه النّداء من ملائكة الرّحمن: ((وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون)).

سيكون أسعد يوم، وستكون أسعد لحظة، عندما يُبعث العبد المؤمن ويرى الملائكة في انتظاره تتلقاه مرحّبة هاشّة باشّة وهي تقول: ((هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُون)).. هذا الفوز الذي وُعدتَه وتمنّيته وعملت له وصبرت لأجله.. ما أهنأها من لحظة حينما يسمع العبد المؤمن هذه الكلمة من الملائكة، فيتذكّر تلك الآيات التي كان يقرؤها في كتاب الله: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)).

نعم أخي المؤمن.. ستطير فرحا عندما تنظر خلفك فتجد زوجتك التي صبرتْ معك على لأواء الدّنيا خلفك فرحة مسرورة بصحبتك، لتسمع وإياها تلك البشرى التي يمتلئ لها القلب فرحا: ((ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُون))، لن تسعك الفرحة وأنت ترى أبناءك يتبعونك خلفك ليدخلوا الجنّة معك، وهم يتمايلون فرحا، وستتذكّر ما كنت تقرؤه في كتاب الله: ((وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)).. سيكون يوماً ليس ككلّ الأيام عندما تجد نفسك في أسعد موكب، يتقدّمه حبيبك وشفيعك المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).. في ذلك اليوم ستتذكّر -وأنت تملأ ناظريك من نعيم الجنّة- أناسا كانوا يتشدّقون بكفرهم وعنادهم ويستهزئون بالمؤمنين في الدّنيا، فيأذن الله بالمحاورة معهم: ((وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين)).. لحظتها ستتذكر ما كنت تتلوه في هذه الدّنيا: ((أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِين)).

نعم أخي المؤمن.. بإذن الله وبرحمته، ستكون من أهل ذلك اليوم، وستعيش هذه اللّحظات قريبا، إن أنت اتّقت الله وتبت إليه من غفلتك وتقصيرك ومعاصيك، وحافظت على الصلاة في وقتها، وطلبت العفو والصّفح ممّن ظلمتهم وأسأت إليهم، ورددت إليهم حقوقهم.. لن تكون من المبّشرين بالفوز والجنّة في هذه الدّنيا، ولكنّك ستكون من المبشّرين يوم القيامة، إن أنت حزمت مع نفسك وأخذت بلجامه.

 

سلطان بركاني

2021/12/12


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة