فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3050.2
إعلانات


نوفمبر: عيــد الأحيـــاء والإحيــــاء

نوفمبر: عيــد الأحيـــاء والإحيــــاء

كتب الله في سجل أقداره، وتحديد الفواصل الزمنية في أقطاره، أن الفاتح من نوفمبر عام 1954 يمثل –في الجزائر- الحد الفاصل بين عيد الأموات وعيد الأحياء، وإنه التحول المصيري، من عهد التخدير والإستغباء، إلى عصر التغيير والإحياء.
فإذا كان الفرنسيون الذين واجهناهم بالسلاح في بداية نوفمبر، منغمسين –يومها- في طقوس عتيقة، وسط جو ما يعرف عندهم، بعيد الأموات، فإن الشعب الجزائري المجاهد، قد استهل فجر الأول من نوفمبر، وسط أفراح عارمة بترديد شعارات التكبير، إيذانا ببداية التحرير، وتلك هي المعادلة الحضارية الكبرى.

سبحانك اللهم، تجليت على قوم ظالمين بالهزائم المتتالية، لظلمهم وعتوهم، فلم تغن عنهم فئتهم شيئا ولو كثرت، وتجليت على قوم آخرين مستضعفين، بالنصر والتأييد لإيمانهم بحقهم، فحولت ضعفهم إلى قوة، وما ظلمت، أولئك، ولا حابيت هؤلاء.
ذلك –إذن- هو حال المعركة الجهادية، التي استهل شعبنا ملحمتها في أول نوفمبر فكانت البسملة التي سطرها في سورة النصر.
هكذا انقدحت في عيون وقلوب أبناء شعبنا بوارق الأمل، فأعقبتها صواعق العمل التي كانت تلاحق العدو في جميع الميادين داخليا وخارجيا.
فهل جاء هذا اليوم المشهود في تاريخنا بمحض الصدفة؟ إن من حق الأجيال الصاعدة من أبنائنا أن يدركوا الإجابة الدقيقة والعميقة عن هذا السؤال الكبير.
لقد أثبتت الأحداث والوقائع، أن الفاتح من نوفمبر قد جاء تتويجا لتخطيط عريق، ونتيجة جهاد طويل وسحيق، وانطلاقة لإعداد واستعداد محكم ودقيق.
إن جهاد نوفمبر، كتاب مليء بالأسرار، وأول أسراره، كلمة السر «عقبة وخالد»، فهذه الكلمة ترمز إلى الفتح والبطولة، وتحيل إلى الشجاعة والرجولة، ومعنى هذا، أن صوت السلاح، قد سبقه صوت القلم وشحذ الإرادة، وسلاح الكلمة والعزم على الشهادة.
ومعنى هذا أيضا، أن جهاد نوفمبر لم يكن عمل حزب مهما كانت شعبيته، ولا صنع زعيم بعينه، مهما تكن شخصيته، بل إنه عمل جماعي، تعاونت على صنعه عوامل متشابكة وفي مقدمتها الظلم الاستعماري الذي فاق كل الحدود، والقمع الأعمى الذي قضى على كل موجود، والتحدي الاستئصالي الذي لم يرحم الشيخ أو المولود.
بطلٌ واحد –إذن- في صنع نوفمبر هو الشعب، الذي أنجب المجاهد الصنديد، وآوى الفدائي والشهيد، وقدم المال، والسلاح، وكل أنواع الحديد الشديد.
وهكذا شاءت الأقدار الإلهية أن يرتبط الفاتح من نوفمبر 1954، بالخامس من ربيع الأول عام 1374هـ شهر المولد النبوي الشريف، الذي يرمز إلى ميلاد الأمة الإسلامية، بمولد خير البرية الذي هو مرادف للإشعاع الروحي والأريحية
لذلك يخطئ من يعتبر، هبّة الشعب الجزائري ويصفها بالثورة، فهي تحمل في ثناياها، إلى جانب الثورة، معنى الجهاد بكل مقوماته، ومعنى الإحياء، بمختلف مواصفاته، ذلك أن كل مجاهد هو ثائر، وليس كل ثائر مجاهدا، ولنا أن نعود إلى فقه الحضارة الإنسانية لندرك الفرق بين المفهومين.
فعملية الجهاد –في أقدس وأصح دلالاته- هي عملية إخلاء ثم ملإ، أو مشروع هدم ثم بناء، وذلك ما قام به جهاد نوفمبر في الجزائر، اقتلاع لفكرة القابلية للاستعمار كما يقول المفكر مالك بن نبي، وإعداد لجاهزية الجهاد، وتعبئة شمولية لتقديم كل التضحيات وسط الانضباط للقيادة، وغرس معالم العزة والسيادة.
إن التأصيل لجهاد نوفمبر، قد كان من دعائمه، بالإضافة إلى صوت السلاح، صوت القلم، ومصداقية الكلمة، فقبل الجبل، كانت المدرسة، وكان المسجد، وكان النادي، وهي المؤسسات التي صنعت العزم، والحزم، والإرادة لإعداد الرجال، وتقديمهم لخوض المعركة، والثبات وسط الميدان، والاستعداد لبذل النفس والنفيس للإنسان.
وبالمقابل لم يتورع العدو الفرنسي عن القيام بكل ما هو فضيع، لذلك لم تبق فرنسا للجزائريين قيد أنملة من الذكر الجميل الذي يمكن أن يذكروها به، فقد كانت النصال تنكسر على النصال في قمع فرنسا للجزائريين.
وإذا كان التاريخ لا يعيد نفسه، حسب قاعدة علم التاريخ، فإن هذه القاعدة، قد أبطلها الواقع في الجزائر، والدليل على ذلك، ما نلاقيه إلى اليوم، من عدوان على عقولنا، ومحاولات استئصال أصولنا، والتآمر على وحدتنا وحدودنا.
هذه إذن، هي تاريخية جهاد نوفمبر في وطننا، واليوم، ونحن نرفع البنود، ونعبئ الجنود، ونعمل على إثبات الوجود، ونخلد ذكرى الشهداء الشهود، ما هو واجبنا نحو هذه القيم الخالدة؟ والحقائق السائدة؟
إن من أبرز معاني الوفاء، لمواكب الشهداء الذين نحن بهم سعداء، هو أن نحيي في النفوس مبادئهم، ونعمق في العقول مآثرهم، ونجسد في السلوك مقاصدهم.
فمجرد الرضى بالاستعمار، وما زرع في مخيلتنا من شتات، وتشرذم، إن الرضى بهذا، هو كفر بالوطن وثوابت الوطن، دون غموض أو مواربة.
لذلك، وجب العمل على إعادة بعث نوفمبر جديد، يقوم على صيانة المكاسب، وحماية هذه المكاسب من كل ناهب، وتحصين الذات والمواهب من براثن كل المخالب، إن الوحدة الوطنية أمانة، والثوابت الوطنية حصانة، فلنحرص على حماية كل هذا من كل خيانة.
وإذا شئنا المزيد من التنوير للتحرير، فعلينا أن نستنجد بوصايا عالمنا النحرير، ابن باديس الذي هو بالتخليد جدير، عندما وضع لنا معاني الخلاص ممثلة في مايلي:
– إثبات الذات المتميزة: شعب الجزائر مسلم، وإلى العروبة ينتسب.
– تثقيف الجيل الصاعد وتوعيته بدوره وعقد الآمال عليه «يا نشء أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب».
– التعايش السلمي مع من سالـمنا، والتصادم الشمولي مع كل من عادانا «هذا نظام حياتنا بالنور خط وباللهب».
– فليذكر الجميع، عندما يحتفلون بذكرى عيد الأحياء والإحياء، إن هذا الاحتفال ليس مجرد شعارات تردد ولكنها قيم تخلد، وعهود تجسد، وتضحيات تجدد وتحدد.

المطورالأثنين 26 ربيع الأول 1443? 1-11-2021م

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة