فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3050.2
إعلانات


رغم تغير الحكام، فرنسا الرسمية تتمسك بمسار الكذب والإنكار حول تاريخها في الجزائر

رغم تغير الحكام، فرنسا الرسمية تتمسك بمسار الكذب والإنكار حول تاريخها في الجزائر

مرت في الجزائر هذه السنة الذكرى الستون لمجازر 17 أكتوبر 1961، في أجواء رسمية وإعلامية متميزة ، فقد وقف الجزائريون دقيقة صمت في مختلف ربوع الوطن بعد أن قرّر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون هذا العام (2021)، ترسيم الوقوف، دقيقة صمت، كلّ سنة، عبر كامل التّراب الوطني، في السّاعة الحادية عشرة صباحا، ترحما على أرواح شهداء المجزرة الاستعمارية الرهيبة في فرنسا التي شابهت في بشاعتها ما سبق للمحتل الفرنسي الغاشم أن اقترفه داخل التراب الجزائري من مجازر مهولة في الثامن ماي 1945. وفي فرنسا موطن الجريمة اصبح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو أول رئيس فرنسي يقرر حضور المراسيم الرسمية في فرنسا لإحياء هذه الذكرى الأليمة ورغم هذه الخطوة الصغيرة المتقدمة اللافتة، إلا أن موقفه الرسمي منها جاء متسقا مع السياسة الفرنسية في التعامل مع حقائق التاريخ الاستعماري الفرنسي للجزائر ،أي المماطلة والمراوغة التي تصل إلى حد الإنكار، ففرنسا الرسمية لا تقترب من أحداث جرائمها الاستعمارية في الجزائر إلا بصفة جزئية ومتأخرة، فعلى سبيل المثال ظلت فرنسا طوال 37سنة بعد استقلال الجزائر (من 1962 إلى 1999) متمسكة برفض الاعتراف بحرب الجزائر، رغم تعاقب سلطات يمينية واشتراكية على حكمها. حيث كانت تسمي ثورة الجزائر (نوفمبر 1954ـ جويليه 1962) وما وقع فيها من صدام مسلح بين جيش التحرير الجزائري وجيش الاحتلال الفرنسي طوال سبع سنوات ونصف السنة تسبب بصفة مباشرة في سقوط حكومات فرنسية وحدوث محاولات انقلابية وبلوغ فرنسا حافة الحرب الاهلية، كانت تطلق عليها تسمية «أحداث الجزائر» وبقيت لقرابة أربعة عقود من الزمن تردد هذه التسمية المضللة في خطاباتها الرسمية وفي كتابات صحافتها. كما انتظرت الدولة الفرنسية 64سنة لتعترف أن الشهيد علي بومنجل قتل و لم ينتحر، كما روجت له «كذبة الدولة» التي رددتها فرنسا لأكثر من ستة عقود مدعية زورا وبهتانا بأن المحامي علي بومنجل قد مات منتحرا بإلقاء نفسه من الطابق الخامس لإحدى العمارات الكائنة بالأبيار في العاصمة. واعترفت الدولة الفرنسية على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون في مارس 2021 أن الشهيد علي بومنجل: «اعتقله الجيش الفرنسي في خضمّ معركة الجزائر، ووُضع في الحبس الانفرادي وتعرّض للتعذيب، ثم قُتل في 23 مارس 1957».. وجاء في بيان الرئاسة الفرنسية إن ماكرون أدلى بنفسه بهذا الاعتراف «باسم فرنسا».
وللتذكير فإن محامي الثورة الجزائرية الشهيد علي بومنجل الذي اعتقل في 9 فيفري1957، تعرض لأقسى أنواع التعذيب النفسي والجسدي لمدة 43 يوماً من طرف جنود الجنرال السفاح بول أوساريس ، وبسبب صموده وشجاعته ورفضه الادلاء بأية اعترافات لمعذبيه ، قاموا في يوم السبت 23 مارس 1957 بإلقائه من البناية التي عذب فيها وتمّ دفن جثمانه الطاهر بمقبرة سيدي أمحمد ببلكور (حي بلوزداد حاليا) بعد ثلاثة أيام من اغتياله.
وإذا كان الرئيس ماكرون قد اعترف بجريمة الدولة في مقتل الشهيد علي بومنجل دون أن يدينها أو أن يعتذر عنها، إلا أنه ذهب إلى التلاعب بحقائق التاريخ بخصوص مجزرة نهر السين الرهيبة بباريس في 17 أكتوبر 1961، وبالرغم من أن بيان الرئاسة الفرنسية أكد قبل إقامة المراسيم الرسمية للذكرى بأن ماكرون «سيتجاوز عتبة الاعتراف بما حصل وسيتعامل مع حقيقة الوقائع»، إلا أنه تمسك بسلوك الرسميين الفرنسيين في التضليل والإنكار، واكتفى في المناسبة بالتنديد بـما سماه «الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون لا مبرر لها بالنسبة إلى الجمهورية». ولم تفوت وكالة الأنباء الفرنسية بمناسبة هذا التصريح التركيز على «أن الرئيس إيمانويل ماكرون ذهب أبعد من اعتراف سلفه فرانسوا هولاند في 2012 بـالقمع الدموي». تصريح الرئيس ماكرون اكتفى بتحميل مسؤولية الأحداث الدموية المأساوية لمجازر 17 أكتوبر 1961 لقائد شرطة باريس واعتبارها مجرد انزلاق بوليسي في استخدام أساليب عنيفة ضد المتظاهرين. وهكذا بعد 60 سنة من حدوث الجريمة الدموية التي قتل فيها مئات الجزائريين على يد الشرطة الفرنسية، والتي ذكر بخصوصها بعض شهود العيان من الجزائريين الناجين من المجزرة: «أن الشرطة الفرنسية استمرت في قتل الجزائريين حتى يوم 19 أكتوبر». أي ثلاثة أيام متواصلة (من 17إلى 19أكتوبر 1961) من مطاردة وضرب وإغراق وقتل للمتظاهرين الجزائريين العزل الذين تمسكوا بالمطالبة باستقلال وطنهم الجزائر والاحتجاج ضد الإجراءات العنصرية التمييزية التي منعتهم من التجول ليلا، وهو الإجراء الذي فرضته عليهم السلطات الفرنسية دون غيرهم من ساكنة العاصمة الفرنسية باريس. وفي حين تشير الأرقام إلى أن القمع الفرنسي للمتظاهرين العزل «خلّف في يوم واحد 300 شهيد -منهم النساء والأطفال والمسنون»، لا تعترف فرنسا بسقوط سوى 3 قتلى خلال مظاهرات 17 أكتوبر 1961. ولذلك فإن الرئيس ماكرون برفضه إعادة الاعتبار إلى الحقيقة التاريخية بعد مرور ستين سنة على مجزرة باريس، يكون قد أنكر مسؤولية الدولة الفرنسية التي يمثلها ووضع مسؤولية هذه الجريمة ضد الإنسانية التي تمت تحت سمع وعلم السلطات الفرنسية على عاتق شخص متوفى هو موريس بابون مدير شرطة باريس الذي يتهمه الفرنسيون بالتعاون مع المحتل النازي خلال فترة سيطرة ألمانيا على فرنسا من 1940 إلى 1944.
فهل كان الغرض من التصريح الإنكاري للرئيس ماكرون ومنهجية السلطات الفرنسية في التلاعب بحقائق التاريخ هو الإبقاء على طريق المصالحة بين الذاكرتين الجزائرية الفرنسية مغلقا، هذا ما يكن استنتاجه من قول إيمانويل ماكرون إن «النظر إلى التاريخ بشكل مباشر والاعتراف بحقيقة الوقائع لن يسمحا بغلق الجراح المفتوحة دائما، لكنهما سيساعدان على تمهيد الطريق للمستقبل». فهل من المناسب الاستمرار في مسار التضليل والإنكار والخضوع المتجدد لما وصفه الرئيس عبد المجيد تبون «تأثيرات الأهواء وهيمنة الفكر الاستعماري الاستعلائي للوبيات عاجزة عن التحرر من تطرفها المزمن»، هي المقاربة المناسبة للمساعدة «على تمهيد الطريق للمستقبل».
يبدو من الثابت أن المنطق الفرنسي الرسمي في التعامل مع قضايا التاريخ لا سيما تاريخ وجودها الاحتلالي الإجرامي في الجزائر لا يخضع لمقاييس الموضوعية التاريخية والنزاهة الفكرية وتحري الحقيقة، ولكنه ظل يخضع لحسابات سياسية انتخابية ومصالح قومية متعصبة، فعلى سبيل المثال لم يتورع البرلمان الفرنسي في سنة 2005 من تمجيد الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي ارتكب أفظع الجرائم في حق الشعب الجزائري على امتداد 132سنة كاملة، أي من عهد الملك شارل العاشر إلى عهد الجنرال شارل ديغول، في حين أنه حشر أنفه في شؤون تركيا، واتهمها باقتراف مجزرة ضد الأرمن سنة 1915، حيث صوت البرلمان الفرنسي في سنة 2001 لصالح الاعتراف بما أسماه مجزرة الأرمن.

المطورالأثنين 19 ربيع الأول 1443? 25-10-2021مآ

أ. عبد الحميد عبدوس/


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة